الأكوان المتعددة: علم أم خيال؟ (2 من 3)

هيو إيفريت
فبعد فرضية هيو إيفريت، جاء ديفيد دويتش الفيزيائي البريطاني صاحب كتاب نسيج الواقع أو الحقيقة (the fabric of reality)، وبناء على فرضية إيفريت طرح دويتش فرضية تقول إن الأكوان المتعددة نشأت دفعة واحدة مع بعضها، ويُشبّه دويتش هذا الأمر بوجود مكتبات لانهائية العدد مليئة بنسخ من الكتب التي تشترك مع بعضها بنفس محتوى الصفحة الأولى ولكن تختلف في بقية المحتويات.[1]
ويقول دويتش إن “افتراض أن الديناصورات لم تنقرض، وأنها أسست حياة ذكية وحضارات، ليس مجرد خيال. بل هذا بلا شك موجود؛ حيث تقوم الديناصورات بتطوير المدن وبناء المسابر الفضائية والكمبيوترات المبنية على الرقائق المصنعة من السيليكون لأن هذا الأمر تخبرنا به قوانين الفيزياء…. وهذا الأمر يحصل في كون تكون فيه الذرات بحجم القطط”.[2]
الفارق بين فرضيتي إيفريت ودويتش أن الثاني لم يقل بالتشعب أو الانشقاق الذي قال به إيفريت، واعتمد على ما يسمى فكرة التواريخ البديلة (alternative histories)، حيث يشرح دويتش الفرق بافتراض وجود كتابين يتحدث كل منهما عن قصة بطل يريد اجتياز أحد الأنهار، فهو في أحد الكتابين يجتازه سباحة، وفي الآخر يجتاز النهر من فوق أحد الجسور، فلكل كتاب طريقة مختلفة، أي تكون النهاية متطابقة بينما تختلف التفاصيل، وعند إعادة دمج التفاصيل مع بعضها نعود إلى نفس البداية المتطابقة أيضاً، أما إيفريت فتختلف عنده النهاية مع التفاصيل ولا يمكن العودة إلى بداية أولى متطابقة.
وهناك فرضية أخرى تعود إلى نظرية التضخم الكوني (Cosmic inflation) التي طرحها العالم الأمريكي آلان غوث، والتي جاءت بدورها كمحاولة للتغلب على المشاكل الموجودة في نظرية الانفجار العظيم (Standard big bang theory)، مثل مشكلة الأفق والتسطح وعدم وجود أقطاب مغناطيسية مفردة وغيرها من المشاكل. ويجدر بالذكر أن نظرية التضخم الكوني بنيت بدورها على نظرية أخرى لم يتم إثباتها علمياً حتى الآن وهناك اعتراضات عليها.
في البداية تفترض نظرية التضخم الكوني أنه بعيد بداية الانفجار العظيم وعند ثانية من زمن بداية هذا الانفجار، مر الكون بمرحلة تضخم هائل وبسرعة أكبر من سرعة الضوء نفسها -سرعة الضوء تساوي حوالي 300000 كم في الثانية- واستمر هذا الأمر حتى مدة من زمن البداية، وبعد هذه المدة تابع الكون توسعه ولكن بنسب أقل.
طورت النظرية من عدد من العلماء الذين افترضوا أنه في المراحل الأولى من فترة التضخم البالغة السرعة وُلدت أكوان عدة [3]، وسُمي هذا النموذج بالتضخم الأبدي (Eternal inflation).

المصدر: Yinweichenl/wikipedia
وبناء على نظرية التضخم الكوني اقترح الفيزيائي الروسي الأصل أندريه ليندا نموذج التضخم العشوائي، حيث يكون فيه الكون ذاتي التولد مكونا من أجزاء مختلفة، كل جزء منها يبدو ككون صغير ومستقل عما يحدث في بقية الأجزاء.
ومن الفرضيات الأخرى للأكوان المتوازية الفرضية المعتمدة على نظرية الأوتار (String theory)، حيث تفترض الأخيرة أن الجسيمات الذرية وتحت الذرية ليست جسيمات نقطية عديمة الأبعاد (أي نقاط صغيرة ذات بنية داخلية)، وإنما هي حلقات صغيرة مصنوعة من أوتار تتحرك وتهتز، وهذه الأوتار لها 10 أبعاد أو 11 بعدا حسب النموذج المستخدم من نظرية الأوتار، وهذه الأبعاد تنتج لنا عدد كبيراً من الأكوان قد يصل إلى ، وفقا لحسابات البريطاني ستيفن هوكنغ، وبعض هذه الأكوان مشابه جداً لكوننا الحالي.[4]
ووصل الأمر أخيرا بعالم الكونيات ماكس تيغمارك ليقول إن أي افتراض رياضي لوجود كون يعني أن هذا الكون موجود بالفعل في مكان ما؛ فالوجود الرياضي لشيء ما حسب رأيه معادل لوجوده الفيزيائي!

لي سمولين
بل وصل الأمر بآخرين -كالفيزيائي الأمريكي لي سمولين- إلى تطبيق بعض مبادئ نظرية التطور الداروينية على الأكوان المتوازية، فأدخل مفاهيم الانتقاء الطبيعي والصراع من أجل البقاء على الأكوان التي تتكيف لتبقى![5] ويعدّ سمولين وغوث من العلماء الذين يرون إمكانية نشأة كون جديد داخل ثقب أسود ويتوسع إلى نطاق جديد في “الزمكان” لا يمكننا الوصول إليه.
هنا نصل الى استعراض أهم الفرضيات حول الأكوان المتعددة، وفي المقال القادم إن شاء الله أتحدث عن أعم الاعتراضات والردود على هذه الفرضيات.
الهوامش
[1] John Gribbin ,In search of the multiverse, John Wiley&SonsLInc,Hoboken,New Jersey,2009 p.63
[2] Ibid p.62
[3] Rupert Sheldrake, The science delusion,Hodder&Stoughton.,Uk company,2013 p.94
[4] John Gribbin ,In search of the multiverse, John Wiley&SonsLInc.,Hoboken, New Jersey,2009 p.167
[5] Ibid pp.189-190
اترك رداً
Want to join the discussion?Feel free to contribute!