نور الله نجاة للإنسان من الظلمات إلى الهدى

توالت فترات من الضياع والانحطاط وسوء الخُلق في النفس والمعاملة لدرجة باتت الحياة كاظمة من ناحية سبل العيش والاستمرارية، وما تزال الفترات في توالٍ، فهناك الفئة الفاسدة التي تسعى إلى نبش الدمار والهلاك، ومقابلها الفئة التي تمسكت بنور الله، فسعَت لإشعال فتيل الإصلاح في الدنيا، لعل الإنسان ينجو بهذا النور الإلهي، فيخرج من عتمة الظلمات إلى أنوار الهدى.

النور الإلهي.. استقامة الطريق والصراط

النور الإلهي، هو الذي رسم لنا معالم طَريق الاستقامة وحَمَلَ في ثناياه أسمى ما يمكن ذكره في بضعٍ من الكلمات، فكل ما يمكن وصفه مذكور في كتاب الله عز وجل القرآن الكريم، فالدين المتكامل، يقع في الروح والقلب، ينيرهما ويطغى نوره على سلوك الإنسان من بعد، فمن اتبعه حق الاتباع سَلِم من غوغاء الدنيا وأصبح من أهل الرضا المستسلمين لحكم الله وقضاءه.

مهما طال الزمان أو قصر فإنه من الصعب العيش في الدنيا دون منهج يحقق التوازن، وإن من فضل الله ومنّته علينا أن جعل كتابه وسنة نبيه منهج حياتنا في تحكيم الحق وتمييزه من الباطل، وأكبر النعم وأجلها أن نكون من أهل الحق الذين يسعون إلى مكابدة أهل الباطل، وهكذا أتمّ الله نوره كناية عن كل من حاول أو يحاول طمس تعاليمه، فقال: {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة: 32].

بات لذلك النور ملمس ووقع على القلب في سلامته من الشوائب التي تُحطم النفس البشرية وتقودها إلى مهاوي الرذيلة وأمراض القلوب، فهذه السلامة تجسدت في تصفية القلب مما يجعله نتنة سوداء إلى صفاء زاهٍ.

القرآن.. حين يخاطب النفس

إن الإشادة الأكبر لما يحمله القرآن الكريم من خطاب -عظيم بلا تناهٍ- للنفس البشرية، فهو يحقق العظة والاعتبار لها، ويغرس فيها السعي للصلاح بين العباد وسعادتهم في الدنيا والآخرة، وهذا الصلاح لا يتحقق إلا إذا استنار القلب بمعرفة ربه، وكان مخلصاً لله في كل أحواله، وهذا إذا تحقق فإن الله يدفع عنه السوء وينبهه من ارتكاب المعاصي، قال تعالى: {لِنَصْرِفَ عَنْهُ ٱلسُّوٓءَ وَٱلْفَحْشَآءَ ۚ إِنَّهُۥ مِنْ عِبَادِنَا ٱلْمُخْلَصِينَ} [يوسف: 24 ].

من بيان القرآن الكريم والسنة

الصحيح أن الدين القيم هو هُدى من الله إلى النور وإخراج العباد من الظلمات، فكل الرسل جاؤوا برسالة الإسلام بما فيها هُدى للعباد وإنارة دربهم إلى طريق الاستقامة والصواب، فإن تلك الظلمات التي تتوجس وما زالت غلافًا يغلق قلوب بعض العباد تندرج نحو الغفلة والكبر عن تعاليم الدين، وما هي إلا قسوة تعمي القلوب وتدفعها لجحود أوامر الله.

من عظيم تصوير الله تعالى أنه ذكر هذه الصورة في كتابه، فقال تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ۚ وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ ۚ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: ٧٥]، وذكر في موضع آخر: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ} [فاطر: 20-21].

لقد وردت الكثير من الآيات الكريمة التي تبين أن القرآن جاء لإخراج الناس من ظلمات الجهل والكفر والأخلاق السيئة، وأنواع المعاصي، إلى نور العلم والإيمان والأخلاق الحسنة. قال عز وجل: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ﴾ [المائدة:15-16]، وقوله ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ﴾ [المائدة: 44]، وقال سبحانه وتعالى: ﴿وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ ﴾ [المائدة: 46]. وقوله: ﴿أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا﴾ [الأنعام: 122].

وكل هذا لتأكيد حاجة الإنسان لهذا النور، وأنه يأتيه بالإيمان والخضوع لله واتباع أوامره، حيث إن صاحب الإيمان حيُّ القلب، مستنيرٌ بفضل ربه، أما الذين استولت عليهم الظلمة فقلوبهم مظلمة ترى الحق في صورة باطل، والباطل في صورة الحق، فتنقلب أعمالهم وأقوالهم إلى ظلمة فوق ظلمة، بل إن قبورهم حين يدخلون إليها ستكون قاتمة ممتلئة ظلمة لا أنس فيها.

لقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم -كما ورد عن ابن عباس- قوله: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام من الليل فصلى فقضى صلاته يثني على الله بما هو أهله ثم يكون في آخر كلامه (اللهم اجعل لي نورا في قلبي، واجعل لي نورا في سمعي، واجعل لي نورا في بصري، واجعل لي نورا عن يميني، ونورا عن شمالي، واجعل لي نورا من بين يدي، ونورا من خلفي، وزدني نورا، وزدني نورا، وزدني نورا)

قال الطيبي رحمه الله في شرحه للحديث: “معنى طلب النور للأعضاء عضواً عضواً؛ أن يتحلى بأنوار المعرفة والطاعات ويتعرى عما عداهما؛ فإن الشياطين تحيط بالجهات الست بالوساوس، فكان التخلص منها بالأنوار السادَّة لتلك الجهات. وكل هذه الأمور راجعة إلى الهداية والبيان وضياء الحق”.

على سبيل الختام

رغم أن الرسالة الخالدة بين أيدي البشرية، إلا أنها مطوية عن فهم أولئك الذين أغلقوا قلوبهم وحياتهم عن أنوارها، فالدين يهدف إلى تربية رصينة مبنية على البذل في تزكية النفس والسعي إلى العمل بما جاء في الكتاب، ومن ملأ قلبه بالانكسار لله وتهيئة الروح لتلقي أوامره فإنه يعمر قلبه بالنور الذي يقوده للطريق الحق.

ندعو الله أن يهدي جميع عباده إلى طريق التوفيق والسداد الذي فيه هداهم وخيرهم في حياتهم الدنيوية والأخروية.

شارك المقال