مقالات

المرأة المربّية .. كلمة السرّ في الريادة الحضارية

لعلّ نظرة فاحصة معمّقة عبر سجلات التاريخ الحافلة بالأحداث وذكريات العطاء والمجد المشرق، ستوصلنا إلى أن للمرأة دورًا مؤثرا وعظيمًا في مجريات تلك الأحداث، فقد حقّقت المرأة المسلمة عبر هذه النافذة منجزات كبيرة، فكانت نموذجا مشرقا ومجدا من نور في جميع الأدوار المناطة بها داخل وخارج الأسرة، فهي المربية الماهرة، العالمة، الفقيهة، المرشدة، المعلمة، الشاعرة، الأديبة، والطبيبة التي تخيط الجراحات النازفة المرئية وغير المرئية، وصانعة أجيال أزهرت وأثمرت غراسا وأنضجت حضارة مشرقة في العديد من المراحل والعصور.

ورغم التحديات كافة، فإن المتفانيات من النساء المسلمات ما زلن يسطّرن عظيم الإنجازات وأعظم معاني التضحية في المجتمع، نراهنّ ليل ونهار يكدحن ويكددن بكل طاقة يمتلكنها في رعاية البيت وأفراد الأسرة.

المرأة بكل اختصار رمز لا يغيب ولا يتجزأ من الحياة، فهي الأم، القلبُ النابض حياة في كل طريق نسلكه، وهي الزوجة الصابرة، والأخت الحانية، والقريبة المشاركة، والأستاذة المعلمة، والعنصر المربّي الفاعل حياةً في المجتمع، مما يجعل الدور الذي تقوم به المرأة في بناء المجتمع لا يمكن إغفاله أو تقليل من قيمته وخطورته.

المرأة الصالحة .. أساس البنيان

لقد توقَّفْتُ كثيراً عند اختيار عنوانٍ يعطي للمرأة المسلمة مكانتها الحقيقة وحقها المأمول، ويكاد من الصعب على فنّان محترف مبدع أن يستطيع نقش مدى الصبر والعطاء والجمال اللامتناهي لعظيم دور المرأة المتفانية وتضحياتها، ولو أضفنا إلى ذلك الصبرَ الشامخ للمرأة في ظل التحديات التي تعصف بالأمة العربية والإسلامية لوجدنا أنفسنا أمام زهرة تنمية المجتمع، أيقونة العطاء، ميدان الحب والعطاء، روح المشاركة، أساس البنيان وقطاف الثمار، فالمرأة الصالحة في مجتمعاتنا هي الصورة الحقيقية الكلية للمجتمع الذي نسعى له، وهي المقياس الحقيقي للنظر إلى  مدى التقدم والنهضة في المجتمع، فعند النظر إلى الرسالة المقدسة التي تؤدى من قبل هذه المرأة بكل معاني الصبر والأمل برغم عظيم الألم ومواجهة جميع التحديات وصولا لتأدية المهام الكبرى المتمثلة برسالة البناء والعطاء، من هنا نستطيع أن نقطف ثمرة بناء الأمة والمجتمع بشكل حقيقي تنموي، وبذلك يتكون الجيل الصاعد الجديد، وينشأ نشأة سليمة، فالمرأة التي تدرك حقيقة وعظيم دورها، وتلتزم بواجباتها على الوجه الأمثل، تؤثر في حركة الحياة في محيطها ووطنها تأثيراً بالغاً، يدفع به إلى فضاء التقدم والرقي والريادة الحضارية النشطة.

ضرورة الاهتمام بدور المرأة الصالحة

إن المرأة الصالحة هي الركيزة الأساسية داخل الأسرة والمجتمع، ومن دون تعظيم دور المرأة والاهتمام بها  لا يمكن حدوث التنمية الفاعلة في المجتمعات، ومجمل التحديات التي تواجه المرأة العربية كالعنف والظروف الاقتصادية وغيرها، يتوجب أن يتم العمل من منظور تنموي وبتعاون كامل من كافة الجهات القيادية وصناع القرار ومؤسسات المجتمع  لمعالجة تلك التحديات كافة، وتوسيع الدور التنموي للمرأة داخل المجتمع.

وعليه فإنه بإمكان المرأة النهوض بشكل أكثر فاعلية وتأثيراً إذا ما أُعِدَّت بصورة صحيحة للقيام بدورها المناط بها، لأجل المساهمة في بناء المجتمع بشكل قوي قادرٍ على التعامل مع متغيرات وظروف الحياة بشكل يحقق التنمية والمساهمة بكفاءة في عملية الإعداد والبناء، ومن هنا جاء سبق الإسلام في التركيز على بناء شخصية المرأة بشكل أصيل متكامل.

 إن بروز المرأة في العديد من المنابر الأكاديمية والتربوية والاجتماعية والاقتصادية وغير ذلك يُعَدّ في حقيقة الأمر تتويجًا للجهد المستمر المتواصل في عملية تطوير وبناء المجتمع والمشاركة الفاعلة الحقيقية في عملية التنمية الشاملة، من خلال وجود المرأة ركيزةً فعالة في المجتمع تسطر يوماً بعد يوماً بتربيتها لأبنائها، وتزكية أخلاقهم، وتدريبهم على مواجهة أعباء الحياة، والنهوض بالأمة، فتبدو لنا ملامح الأفق الجميل، والمجد العظيم، بدءًا من محيطها الأقرب أسرتها الصغيرة ومروراً بمجتمعها الخارجي ووصولًا إلى العالم أجمع، لتشكل بصمات واضحة في الإبداع والتفوق والريادة في كافة المجالات المجتمعية الثقافية والتربوية والاجتماعية والاقتصادية.

وعيُ المرأة المتكامل مقياسٌ للنهوض

لا بد من التأكيد أن تعميق الاهتمام حول قضايا المرأة في البحث العلمي يعتبَر مقياسًا حقيقيًّا ومركزيًّا لقياس نهوض المجتمع من عدمه، فحدود تقدُّم مجتمعاتنا العربية والإسلامية مرهون بتقدم دور المرأة فيه، فلا يمكن تصور تقدم مجتمعاتنا وقد تركت خلفها مفصلاً مهمًّا في عملية النهوض وقد استغرقه التخلف والضياع والتهميش.

 لقد أثبتت التجارب الواقعية ما قدمته المرأة في التاريخ من تضحيات عظيمة، وإنجازات كبيرة في العديد من الميادين برغم كل العقبات والتحديات وضعف الإمكانيات، وكم تحملت وصبرت وكافحت، فشاركت بذلك في صناعة حضارة مجتمعية مشرقة  وتصنع جيل واعي يعزز ويقدر ويحترم المرأة ودورها العظيم في كل مرحلة من مراحل البناء والنهوض، ويمكنني القول بأن المرأة العربية هي الصورة المشرقة الكاملة عند النظر للمجتمع، ظروفها وأحوالها وخصائصها تنعكس فيها القيم الأساسية التي تحكم حركة المجتمع وتسير أموره، إنها خط الدفاع الأول، وكلمة السر في البناء والعطاء، ومفتاح الأمان والدفء ومنظومة التربية، وكفى بالأمهات كنموذج أصيل، يتحمّلن كل شيء، مدركاتٍ أن الحزن والشدائد لا مفر منها، مستعدّاتٍ أن يغصن فيها ليعبروا إلى الشاطئ الآخر بكل صبر وطمأنينة.

البراءة الساذجة بين الدعاية وانتكاس الفطرة

قد تكون العيون ظاهريًّا بريئة متحلّية بملامح الطيبة كما صوّرتها أفلام هوليوود وشبكات الإنتاج الفني، وجعلت من بعض العيون أيقونة في العديد من الأفلام والقصص، مثل عيون البطلة في مسلسل سوبرمان الأشهر “سمولفيل”؛ إلا أنه من الواجب علينا التوقف عند هذا، فقد يكون خلف ذلك كله شر عظيم جرّ ويلات على الآلاف من النساء.

مضت أربعة أعوام منذ الفضيحة المدوّية للمنظّمة السرية في NXIVM ووضع الممثلة الأمريكية الشهيرة (أليسون ماك) رهن الإقامة والحجز في منزلها بكفالة 5 ملايين دولار إلى حين البت في قضية انتمائها للمنظمة التي كانت تدّعي تطوير ذات النساء ومساعدتهن على تنمية قدراتهن في التغلب على مشاكلهن.

لقد كان من الملفت أن شعار المنظمة هو (العمل من أجل عالم أفضل) إلى جانب تعريفها نفسها بأنها (جماعة تسترشد بالمبادئ الإنسانية التي تسعى إلى تمكين الناس والإجابة على أسئلة مهمة عن معنى أن تكون إنسانًا)، لكن حقيقة الأمر أظهرت أن المنظمة داخليًّا كانت أشبه بطائفة لها طقوس يحكمها القائد أو السيد على مجموعة المشتركات مع استعبادهن جنسيًّا.

ما هي منظّمة NXIVM ؟

بدأت هذه المنظمة على يد قائدها كيث رانيير في 1998 وانضمت له أليسون ماك في وقت لاحق فأصبحت أعلى نائبة له، ورأس حربة في التآمر على النساء وتصيُّدهنّ للتجارة بهن ودفعهن لممارسة أفعال مشينة ومنافية للأخلاق والإنسانية.

كيث رانيير مؤسس NXIVM

كيث رانيير

قبل أيام فقط صدر قرار بسجن أليسون لثلاث سنوات فقط، وذلك بعد أن اعترفت بذنبها وقدمت أدلة على تورط رانيير –حكِم عليه أيضًا بقضاء 120 عامًا في السجن- الذي فرت معه للمكسيك عندما افتضح أمرهما في 2018 من قبل إحدى الجرائد التي نشرت اعترافات ضحية من ضحايا المنظمة.

لا ينتهي الأمر ههنا فحسب، بل اعترفت ماك بمحاولتها تصيد الناشطات في الحركة النسوية وتوظيفهن من خلال التغريدات على موقع تويتر من داخل وسطها الفني وخارجه، وأبرز هؤلاء كانت بطلة هاري بوتر إيما واتسون. إن الرسائل التي شاركتها كانت تشير فيها إلى المنظمة بأنها حركة نسوية تهدف لتقديم نسخة أفضل منهن. إلا أن الأمر في واقع الحال لم يكن إلا محاولة من إليسون لتجريد النساء من إنسانيتهن، ودفعهم لارتكاب أشنع الأعمال الجنسية كالبهائم مع رانيير القائد وأشخاص آخرين لا يعلمون من هم بسبب إغلاق أعينهن أحيانًا، وفي أحيان أخرى مع رجال يتم إدخالهم على أساس أنهم زملاء في الدورة التدريبية.

الفكرة هنا أنه كان على المشتركات تقديم الكثير من التضحيات من أجل نيل ثقة القائد والتقرب له، بما في ذلك مشاركة معلومات عن أقاربهن وأصدقائهن، ولو من خلال صورهم العارية ومشاركتهم أرصدة حساباتهم. وقد كان الأسوأ من ذلك كله، الدعم الكبير لهذه المنظمة من قبل مشاهير وأثرياء كثر، مثل المليارديرة كلير برونفمان التي موّلت رانيير على مدى عدة سنين في تجارة تهريب البشر والجنس القسري مع السادية الفظيعة.

الوقوع في حبائل المنظمة

المؤسف في الموضوع كله، أن غالبية الضحايا من النساء كنّ على قناعة تامة ببرامج المنظمة التدريبية التي يمتد بعضها إلى 16 يومًا بمعدل اثنتي عشرة ساعة يوميًّا، مع كلفة اشتراك شهري قدرها 5000$، بهدف تحريرهن من الخوف والكآبة العاطفية، وتقويتهن على التعامل مع مشاكل الحياة بشكل أفضل.

لقد كان الوصول إلى العدد الكبير من النساء معتمدًا على تسويق فصول تدريبية (كورسات) في النظريات الأخلاقية والبرمجة العصبية والتنمية البشرية وغيرها من البرامج السيكولوجية في التعامل مع الألم والشفاء الذاتي وفهم الحب.

بالطبع فإن هذا ما كانت تظهره تلك الإعلانات، إلا أن الواقع خلف الكواليس كان مختلفًا، فقد كانت نساء الجماعة تابعات لأسياد متعددين يحكمهن جميعًا القائد، كما كن يموّلن بشكل خاص حفلة عيد ميلاد القائد السنوية في أفخم الأماكن ويتنافسن على ممارسة الطقوس في حضوره، وتوشم أجسادهن حرقًا بالأحرف الأولى من اسم القائد، علاوة على أنه يُفرَض عليهن تناول طعامٍ شحيح السعرات الحرارية؛ فالقائد يفضّل النحيفات!.

كل هذا -وما خفي كان أعظم- لم يفتضح أمر هذه المنظمة السرية بالرغم من كثرة الضحايا، والسبب أن الكثيرات منهم تمّ ابتزازهن فيما بعد بكثير مما أقدمن عليه، فدُمّرت حياتهن ولم يستطعن الخروج عن صمتهن، ومن ثمّ فضّلن المعاناة من دون البوح بشيء، إلى أن نشرت إحداهنّ تفاصيل تجربتها مع جريدة نيويورك تايمز، فانقلبت حياة طغاة المنظمة وسارعوا للفرار قبل أن يقبض عليهم.

اعتذرت أليسون ماك لضحايا المنظمة في رسائل خاصة عما فعلته، كما اعتذرت كلير برونفمان عن تمويلها قائلة إنها لم تقصد إيذاء أحد وطالبت بتخفيف عقوبتها كونها بعيدة عما كان يدار داخل NXIVM ، لكن أي من ذلك لن يشفع لفكرة تآمر النساء على النساء، فهو أسوأ ألف مرة من تآمر الرجال على النساء.

دعوى تمكين المرأة.. على هامش الفضيحة!

العجيب في هذه الفضيحة التي تضرب الحركة النسوية ومنظري الإنسانوية، طريقة تناول الخبر في تعميم الضحايا من المشاركين على الرجال والنساء، مع أن الغالبية كن من النساء. وأيضًا الإشارة لهذه المنظمة السرية مرارًا بأنها كمنازل طوائف العبادة الدينية المتشددة، من حيث تشابه الابتزاز والاستغلال للنساء ومعاملتهن كعبيد، إلا أنّ رانيير وماك لم ينظّرا لأيّ دين أو تقديس أي رموز دينية، بل كان الأمر على العكس من ذلك، فقد طالبا المشاركات التحرر من كل شيء يحفظ حياء المرأة وخجلها، ويأمران بالتركيز على إنفاذ الشهوات لتحريرهن من سيطرة عواطفهن المكبوتة في الوقت الذي يستعبدن لأجل نزوات الآخرين دون أن يدركن ذلك.

إن كانت هناك وسيلة واضحة بين ثنايا أوراق القضية لإقناع المشاركات بذلك فلم تكن عبر الأديان، بل كانت عبر خطاب تمكين المرأة واعتناق الإنسانوية طريقة عيش بديلة لا تحكمها التشريعات الدينية؛ وهذه نقطة خطيرة لأنها تضع الخطاب النسوي المتشدّد في نفس الميزان مع التشدد الديني، أي أن العلة لم تكن يومًا في الدين بل في التشدّد وتحريفه والتجارة به لأجل مصالح شخصية. وهو الحال ذاته في النسوية المتشدّدة من حيث الانقياد الأعمى وراء المنظرين لها. وهو ذات الأمر في التسامح الإنسانوي المبالغ من حيث مساواة الجلاد مع الضحية، وتقنين الكثير من الممارسات على أنّها حرّيّات شخصية بدعوى عدم الإضرار الظاهر بالآخرين.

إن هذه القضية تطرح تساؤلات كثيرة على الشطح الذي اتخذته الحركة النسوية سبيلًا في خطابها قبل أن تصل نتائجها لمثل هذه الفضائح الجليّة في ظاهرها دون الحاجة للخوض في مضمونها. أي أن الخطاب النسوي لو كان معتدلًا اليوم، لم يكن استدراج النساء لمثل هذه المنظمة ونزع حيائهن كاملًا بالأمر السهل. ولو صحّت هذه الفرضية، فذلك يعني أن الخطاب الديني للمرأة والمتهم في بعض تشريعاته وتفسيراته من قبل النسويات لهو خطاب معتدل منصف يراعي الحقوق ويحفظ النفس بما يتوافق مع فطرتها؛ الأمر الذي يغني عن الحاجة للحركة النسوية من الأساس.

أهمية المرجعية الثابتة

إن تبسيط جميع الأفعال على أنها حريات شخصية لا تضر الغير، يجعل المرء عرضة للتغييب العقلي في فهم طبيعة حريته أمام الجميع وكيف تصبح حريته سلسلة حول رقبته يقاد بها إلى حيث يرغب الآخرون.

وفي هذا السياق يجب القول إن كان في الدين تقييدًا لبعض الحريات الشخصية من باب دفع الضرر عمومًا، فذلك في الحقيقة يهدف لتحرير الشخص من مكامن تقييد الآخرين والإضرار به أولًا، وهو ما حدث فعليا مع الضحايا من نساء المنظمة كما اتضح في هذه الفضيحة، حيث إنه لا يمكننا إغفال مثل هذه القضايا وتناولها بمعزل عن الأسباب المؤدية لها.

وبالمثل فإنه هذه الجرائم لو كانت مرتبطة بجماعات دينية، فبالتأكيد ستنهال     الاتهامات والتعليقات المستنكرة للنصوص الدينية قبل النيل من المجرمين أنفسهم. وحريٌّ بنا أن نفهم التوجهات الخفية في جميع الدعاوي الضالة، خاصة عندما تتعارض مع الدين السماوي.

إن الإنسان لن يفهم نفسه والمغزى من وجوده دون عون، وهذا العون -قطعًا- لن يأتي من إنسان آخر جل همه تلبية رغباته وأهوائه.

 

 

 

صناعة التجميل .. والاستغلال الأنيق للأنثى

في متجر مستحضرات التجميل أو طابقها من المحلات الكبيرة، تنتشر ماركات المكياج على مد البصر على الرفوف المضاءة البراقة، محاطةً بالصور العملاقة للمشهورات أو أجزاء من وجوههن المنقّاة من أي شائبة طبيعية لضمان اقتناع المشتري بفعالية المنتج المعروض.

هذا المكان الذي يبيع وعود الشركات وأحلام الزبائن يقنعك أن كلّ آمال الجمال ومشابهة الفنّانات ممكنة وبميزانية أقل بكثير من تلك التي تتطلبها عمليات التجميل، فعبر آلاف آلاف الأنواع من المواد المصنّعة التي لا غاية منها إلا تزيين وجه الأنثى وتغييره ليوافق أحدث صيحات الموضة وابتكاراتها الرائجة تبيع هذه الأماكن ثقافتها الخاصة الممعنة في تقديس الجسد وتهويل أي عيبٍ طفيف في البشرة المغطية له لينتهي الأمر بالزبون وهو يدفع مبلغاً كبيراً مقابل بضع عبوات من الكيماويات الخدّاعة فحسب.

فكيف اقتنعت النساء بأنهن لا يوافقن المقبول إلا إن راكمن عشرات الكيماويات على وجوههن كلّ صباح؟ وأيّ ثقافة هي التي تنشرها محلات مستحضرات التجميل وصناعاتها؟ وهل أنصفت النساء وأوصلتهنّ إلى التحرر التي تدعيه المنظومة الغربية؟ أم أنها حوّلتهنّ إلى مستهلكاتٍ ضعيفاتٍ معرّضات ٍعلى الدوام للاستغلال والانتقاص والتلاعب؟

من كحلٍ وحِنّاء .. إلى آلاف الكيماويات

يعزو الباحثون بدايات المستحضرات التجميلية المبكرة إلى أيام الفراعنة، حيث كانوا يستخدمون الكحل بكميات كبيرة ليرسموا عيونهم وكذلك الحِنّاء لتزيين أيديهم وطلاء أظافرهم وبعض الأصبغة لتلوين حواجبهم. لقد كان الكحل شائعاً في الثقافات القديمة، حيث كان يحضر من بودرة الرصاص والنحاس المؤكسد واللوز المحروق والرماد[i]، وتظهر الكشوف التاريخية انتشار استخدام المواد التجميلية البسيطة والمحضرة منزلياً في غالب الأحيان في معظم الحضارات القديمة، كالصين والهند وفارس وقبائل الجزيرة العربية التي كانت تنسب فوائد طبّية للكحل على العينين[ii].

أما تجارة مستحضرات التجميل وانتشارها وتسويقها كصناعة كبيرة ذات وارد اقتصادي هائل، فإنها لم تبدأ حتى القرن التاسع عشر تزامناً مع بدء الإنتاج الإعلاني وعرضه قبل الأفلام السينمائية وربطه بمشاهير الأفلام المحبوبين[iii]، وقد كان لظهور هوليوود كهيئة إنتاج سينمائي الأثر الأكبر في انتشار مساحيق التجميل ورغبة النساء بها نظراً لتعاقد الشركات مع الممثلات والمغنّيات وعملهم معهنّ على صناعة الموضة التي صارت تختار للنساء رسم العينين الرائج، أو لون أحمر الشفاه المطلوب.[iv]

ولعل أبرز مثال لتغيير الشركات للموضة واستخدامها لرسم الجمال وتغيير فكر الزبائن وقناعاتهم يتجلى في ترويج المستحضرات الخاصة بتسمير البشرة، فبعد أن كانت هيئة التأثر بالشمس سمةً مميزة لعمال المزارع، اختارت شركة Coco Chanel أن تركب منتجاً خاصاً بالتسمير، فحوّلت بإعلاناتها الهائلة وتوظيفها للمشاهير فكرة الاحتراق بالشمس إلى جزء من اتباع الموضة لحيازة ما سموه “sun-kissed look”، بعد ما كان الشحوب الزائد ومستحضرات تفتيح البشرة هي الرائجة والمعنونة للجمال لعقود!

أما اليوم، فقد تعدّت إيرادات الصناعة التجميلية بلايين الدولارات في الولايات المتحدة وفي عام واحد فقط، حيث بلغت مبيعاتها 49.2 بليون دولار في عام 2020 في ارتفاعٍ بحوالي 20 بليوناً عن عام 2003.[v]  ومن ناحية المستهلكين قد أظهرت دراسة على 3000 امرأة أمريكية أنهنّ ينفقن 300 ألف دولار وسطياً على المستحضرات التجميلية التي تطبق على الوجه على مرّ أعمارهن، ووجدت الدراسة أن المرأة في نيويورك تنفق 11 دولار وسطياً كل يوم على مستحضرات التجميل الخاصة بوجهها، في حين تستخدم الشريحة المدروسة وسطياً 16 مستحضراً تجميلاً كل يوم قبل الخروج من البيت، وتقضي الواحدة منهنّ حوالي 20 دقيقة لتطبيق تلك المواد على وجوههن.[vi]

صورة عن مجلة Allure توضح المستحضراًت المستخدمة يومياً من قبل الشريحة المدروسة

الجو العام والانهزام

إن زيارة محلٍّ لمستحضرات التجميل ليست تجربة بسيطة مباشرة على حد قول الباحث الماليزي G.I. Bok، فالبيئة العامة التي تعبد الجمال تجعل من المرأة واعيةً جداً بشكلها الخارجي، وبكلّ تفصيل دقيق من مكونات وجهها الذي خلقه الله لها في أحسن تقويم، مما يضعها في حالة من القلق والانزعاج[vii]، وكما تقول الكاتبة نانسي إتكوف في كتابها “نجاة الأجمل: علم الجمال” فإن نساء اليوم بتن معذّباتٍ بأقل عيبٍ شكليّ يمتلكنه، فهنّ لا ينظرن لغيرهن بعينٍ مجردة موضوعية، إنما بمقارنة مستمرة بين صورة أجسادهن وبين تلك التي لدى الأخريات من ناحية المميزات الشكلية، فيحاكمن ذواتهنّ للآخرين، وتنتج لديهنّ عن ذلك غيرة مؤلمة وشغفٌ بالتقليد في ذات الوقت.[viii] وهذه التفاعلات تكون في حالةٍ حيةٍ محفّزة ومستمرةٍ في محل التجميل، لا بين الزبونة والصور المعلقة في كل مكان فحسب، إنما بينها وبين البائعة التي تحاول رسم صورة المنتج في ذاتها على الدوام[ix].

وفي النتيجة فإن الأنثى التي تدخل هذا المكان لا تقتنع بحاجتها لشراء المنتج المعروض فحسب، إنما تحسّ ببغضٍ لذاتها حين تقف أمام واحدة من مرايا المتجر العملاقة، وتشعر بنقصها ودونية شكلها في جو الجمال والمثالية المفرطة المحيط بها، والذي لن تقترب منه أو تلمس سرابه إلا بعد أخذها للمواد التي تمليها عليها “الخبيرة” التي تقف وراء طاولتها الأنيقة وتحدّثها بتفصيل كبير عن بعض المسامات المفتوحة التي تعيب وجهها أو مواصفاتٍ خاصةٍ ينبغي العناية بها في بشرتها، أو بثرةٍ صغيرةٍ لم تلحظها ولا يمكنها العيش بها يوماً آخر، مما يبدو مقنعاً ومنطقياً جداً للزبونة ههنا وهو يأتيها مرفقاً بابتسامة البائعة المهتمّة ورغبتها البريئة بالمساعدة.

وفي هذا من الاستغلال والخداع ما لا يخفى، فالبائعة لن تبيع إلا وقد أقنعت الزبونة بنقصها دون ذاك المنتج وحاجتها الملحة له، وهذ ما تسهم به ثقافة الشركة ذاتها وهي تموّل ظهور عارضات الأزياء المتزيّنات في المجلات والإعلانات، وكذلك كثيراً من سيدات الانستغرام اللواتي يتأثر بهن ملايين الفتيات في أيامنا هذه.

من زاوية العاملين

إن النظر لهذه الصناعات بعين عاملاتها يعطي بعداً أوسع لفهم إشكالاتها وآثارها، فقد أظهرت دراسة على هؤلاء الموظفين في ماليزيا وسيدني أن إحساسهم المستمر بالحاجة للكذب على الزبون وإقناعه بأنهم مستهلكون مثله قد جربوا المنتج وأعجبهم وصاروا في حاجته، يولد لديهم شعوراً بالغربة والعزلة وتأنيب الضمير والتناقض بسبب تعقيد عملهم وجانبه العاطفي الواضح.[x]

من ناحية أخرى فإن متطلبات عمل الموظفات التي تحتم عليهن وضع كمية مبالغ بها من مستحضرات التجميل كل يومٍ والمحافظة على مثالية بشرتهن ليكنّ الوجه الممثل للشركة التي يعملن فيها تضع إحداهن تحت كثيرٍ من الضغط النفسي، وإن كانت بطبيعتها تحب إبداء زينتها وتجميل ذاتها. تقول إحدى عاملات بيع المستحضرات (Wanita): صعبٌ جداً أن أنجح في عملي إن كانت بشرتي متعبة لسبب ما، فالزبائن يفترضون مباشرةً أنني أستخدم المنتج الذي أبيع وبالتالي ستكون أول فكرةٍ تخطر في بالهم هي “ماذا سيحدث بوجهي إن اشتريت منها؟ هل سأمتلك بشرةً سيئة كالتي لديها؟”[xi]

الوهم في صناعة التجميل

وبغضّ النظر عن تسليع الأنثى الواضح في هذه المهنة وفي بنية الصناعة بحد ذاتها، فإنّ الحاجة إلى الكذب والتألم من الانزعاج منه في الحياة اليومية للموظفات يستحق التوقف ملياً، فالشركة لا تأبه من الموظفة إلا بالرقم الذي سيأتي منها للدرج في آخر اليوم، ولتذهب صحتها وراحتها وحتى القيم التي تؤمن بها حيث تذهب!

ختاماً..

ولنا حين نتأمل في تلك الأرقام والحقائق أن نتفكر في مَن المستفيد من ذاك كله فعلاً، ونسأل: مَن المنتفع من الحال التي وصلت إليها المرأة الغربية اليوم من هَوَس إبراز الزينة والتزام معايير الجمال والعناية بشكل الجسد الذي سيتمتّع به المحيطون بها وينتفع بمستلزماته رؤوس الشركات التي أقنعتها عبر ملايين الإعلانات والصور أن خروجها من البيت دون الكثير من المستحضرات الكيماوية يعدّ خروجاً عن المألوف؟

وأي تحرّر ذاك الذي يدّعي الغرب أنه أوصل المرأة إليه وهي الآن مستعبدة لعشرات المساحيق التي لا تملك أن تخرج من دارها دونها؟ هذا عدا أحذية الكعب الالي واللباس الكاشف (المسمى باللباس الرسمي)، وغير ذلك مما يمتهن المرأة ويحط من كرامتها بشكلٍ بات معتاداً، كما في عمل مضيفات الطيران وكثير من النادلات والعارضات، وقد أظهرت دراسةٌ حديثة أن حوالي 61% من مدراء الاعمال يعتبرونها ميزة مطلوبة في الموظفة أن تلبس ما يبرز جاذبية جسدها في العمل![xii]

ولله الحمد أن جعل قيمتنا كبشرٍ منفصلة عن هيئتنا الخارجية أو معايير الناس الجمالية المتقلّبة والمرهقة للنفوس، وصلى الله على نبيه صلى الله عليه وسلّم القائل: (نَّ الله لا يَنْظُرُ إِلى أَجْسامِكْم، وَلا إِلى صُوَرِكُمْ، وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ) [أخرجه مسلم] وله سبحانه المنة والفضل أن أمرنا بالحجاب والستر الذي يرضيه عنا.


الهوامش والإحالات

[i] Chaudhri, S. K., & Jain, N. K. (2014). History of cosmetics. Asian Journal of Pharmaceutics (AJP): Free full text articles from Asian J Pharm3(3).

[ii] المصدر السابق

[iii] Briot, E. (2011). From industry to luxury: French perfume in the nineteenth century. Business History Review, 85(02), 273-294.

[iv] Chaudhri, S. K., & Jain, N. K. (2014). History of cosmetics. Asian Journal of Pharmaceutics (AJP): Free full text articles from Asian J Pharm3(3).

[v] Beauty industry: revenue in the U.S. 2020 | Statista

https://www.statista.com/statistics/243742/revenue-of-the-cosmetic-industry-in-the-us/#:~:text=The%20revenue%20of%20the%20U.S.%20cosmetic%20industry%20is,been%20controlled%20by%20a%20handful%20of%20multi-national%20corporations.

[vi] How Much the Average Woman Spends on Makeup In Her Life | Allure

https://www.allure.com/story/average-woman-spends-on-makeup

[vii] Bok, G. I. (2018). Relations over the Cosmetic Counter: A Space of Identification, Distance or Hostility? E-BANGI Journal, 15(4), 1–12

[viii] Etcoff, Nancy. “Size Matters, CH. 6 In: Survival of the Prettiest: The Science of Beauty.” (1999). P.67.

[ix] حوالي 89% من عاملي محلات المواد التجميلية هنّ من النساء

Employed persons by detailed industry, sex, race, and Hispanic or Latino ethnicity (bls.gov)

https://www.bls.gov/cps/cpsaat18.htm

[x] Im Bok, G. Beauty Retail Workers: and Alienated.

http://www.ipedr.com/vol42/006-ICKCS2012-K00018.pdf

[xi] المصدر السابق

To be Pretty or Not to Be: The Psychology of Beauty in the Workplace – psychologistmimi [xii]

https://psychologistmimi.com/2013/02/27/to-be-pretty-or-not-to-be-the-psychology-of-beauty-in-the-workplace/

 

 

بين تهمة النسوية ومخاوف الالتزام.. أين تذهب الفتاة المسلمة؟

بعد عدد لا بأس به من الشبهات التي وردتني، والقصص التي اطلعت عليها من صديقاتي ومَن حولي، وجدت إشكالاً متكرراً لدى الفتيات اليوم، فشريحةٌ كبيرةٌ منهنّ واقعةٌ بين تصوّر مغلوط عن الالتزام تخشى الاقتراب منه، وبين تهمة النسوية التي تتجنب أن توصف بها، فتكون الفتاة في مكانٍ ترى فيه المتديّنات متشددات يعِشْن في عالم آخر، والنسويّات منفلتات يدعين إلى الفاحشة والرذيلة، بينما هي ذاتها تحمل أسئلة وشبهات تخشى الإفصاح عنها أمام أحدٍ لئلا يسحبها أيّ من الفريقين إليه.

ولذا رأيت أن أوجّه لهؤلاء الفتيات اللواتي يرفضن الفكر النسوي، ويردن الله ورسوله والدار الآخرة ولا يعرفن كيف السبيل إلى مبتغاهن هذه المقالة، وعسى الله ينير دربنا جميعاً ويتقبل منا.

اعلمي أولاً يا عزيزتي أن مطلبك ليس بالبسيط ولا بالقليل، أنتِ تريدين رضا مولاكِ العليِّ القدير، وجنته التي عرضها السماوات والأرض التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، تريدين في هذه الدنيا حياةً مطمئنة وفي الموت تثبيتاً وفي البعث أمناً وفي النهاية شربة من حوض المصطفى وجواراً له في دار النعيم حيث لأهلها ما يشاؤون والمزيد. فمطلبك إذاً يستحق الجهد والعمل، وتهون لأجله المشقة والألم، فضعي هذا نصب عينيك، ثم امضِ رعاك الله.

أما وقد وضعنا الهدف المرجوّ أمامنا فلنتحدث عن الخيارين الذين تتجنبين الوقوع فيهما.

تصورات مغلوطة عن الالتزام

حين يتخيل كثيرٌ من الناس صورة الشاب المتدين فإنه لا يرى إلا رجلاً متجهماً في ثوبٍ ذي طراز معيّن مع غطاء رأس، لا يبدأ كلامه إلا بـ “يا أخي” أو “يا أختي”، ولا يتحدث إلا بالفصحى المتقعرة، ولا يقضي يومه إلا في المساجد والحلقات، لا يجيد تكوين العلاقات الاجتماعية، ولا هو طيب المعشر ولا يبتسم لغيره ولا يعرف كيف يعيش الحياة الواقعية كإنسانٍ متوازن وسوي. وكثيرٌ من تلك التصورات تنطبق بشكل تلقائي على ما هو شائع في الأذهان عن الفتاة الملتزمة التي اعتزلت الناس واختلفت عنهم بكل شيءٍ ثم لم تعد قادرة على التعامل معهم حتى.

وإن كان التدين والالتزام يدعونا لنبذ العادات والتقاليد الجاهلية، وإعادة التفكير بكثيرٍ من الموروثات الاجتماعية، فإنه من المهم معرفة مصادر ما نحمله من تصورات عن الإنسان الملتزم، فعلى مرِّ عقودٍ من التعرض لضخّ منتجات الإعلام العربي العلماني المؤدلج رُبِط التدين والالتزام بصور نمطية سلبية كثيرة تغلغلت في أذهان الناس، حتى بات من الصعب عليهم الانفكاك عنها أو تخيل الواقع بخلافها، رغم أنها بعيدةٌ عن الحال الحقيقية التي نعيشه ونراها، فكم من طالب علمٍ ملتحٍ بشوشٍ يوزع الحلويات على أطفال حيه كل أسبوع، وكم من فتاة ملتزمة بحجابها الشرعي وحضور حلقات العلم تمكنت من التأثير بأسرتها ومحيطها الضيق وتحبيب كتاب الله وسنة رسوله لهم، وكم من طالب علمٍ يجتهد ليوازن بين مسعاه وبين الارتباط بالواقع ورحمة غيره والاقتداء بخلق نبيه الذي قال: (المؤمن يأْلَف ويُؤْلَف، ولا خير فيمن لا يأْلَف ولا يُؤْلَف) [رواه أحمد وصححه الألباني]، وقال: (المؤمن الذي يخالط الناس، ويصبر على أذاهم خير من الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم) [رواه الترمذي وأحمد وابن ماجه].

وإن كان في المجتمع قلةٌ ممن يشبهون صور الالتزام النمطية ببعض الجوانب، فما ذاك إلا لنقصٍ عندهم، وضعفٍ لديهم يحتاجون للاجتهاد على تجاوزه وسدّه، لأنهم بشرٌ ككل الناس، يخطئون ويصيبون، لم يبلغوا بوصف الالتزام مرتبة الأنبياء ولا تحولوا بها إلا ممثلين عن الدين الحنيف في كل حركاتهم وسكناتهم، لكن اجتهادهم ذاك يظل محموداً لأنه في سبيل الله وسعياً للتقرب إليه، ودربُ إصلاح النفس والمجتمع سواء سمّيناه التزاماً أم طلب علمٍ أم بحثاً عن السنة أو اقتداءً بالصالحين هو الذي نحتاج جميعاً لسلوكه لنكون مؤمنين بالله على علمٍ وداعين إلى دينه في كل مجالات حياتنا كما يحب سبحانه ويرضى.

التجنب المبالغ به لتهمة النسوية

رغم وجود الإشكالات الكبيرة التي سببها الفكر النسوي، وتسرب آثار وانعكاسات هذه الحركات إلى عقول ومشاعر فتياتنا، فإن كثيراً منهنّ لم تعِ من هذا الفكر إلا الخوف من تهمته في أي فعلٍ أو فكرةٍ تحملها، فصارت تخشى الإفصاح عمّا لديها من أسئلة وإشكالات أو التعبير عن التناقض الذي يعتصر دواخلها؛ وذلك لئلا توصَم بتهمة النسوية، أو لئلا تصنّف ضمن زمرة لا تحبها ولا ترضاها.

ولذلك أود هنا تقديم تعريف مختصر للنسوية لأوضح لأي فتاة ذات أسئلة، وفي حاجة للتعبير والإبانة عنها أن ذاك أمرٌ ضروري ولازم ولا علاقة له بالنسوية بغض النظر عما قد يقال أو ينسب للفتاة بسببها.

بدأ ظهور أول موجات النسوية في أواخر القرن التاسع عشر باعتبارها رد فعلٍ نفسي وعمليٍ طبيعي على تهميش النساء وظلمهن في المجتمع الغربي، حيث كنّ يُمنَعْنَ من التملك والانتخاب والتعليم وأيّ مشاركة غير أنثوية في المجتمع، ثمّ تحولت الحركة مع الرفض الذي واجهته والاستغلال الذي تعرّضت له من حركة حقوقية إلى تيارٍ مناهض للسلطوية الذكورية والتحكّم الرجالي، فصارت حركة متعصبة ضد الرجل بجنسه، وتحولت إلى المطالبة بالتسوية والتساوي، والمناداة بالتمرد على الطبيعة الذكورية وخصائصها وأدوارها.[i]

لم يتوقف تعصب النسوية على الرجال، بل امتد ليشمل النساء أنفسهن، والدعوة لتحوير طباعهن الأنثوية وما يوافقها من مهامٍ ليتشبّهن بالرجال الذين صاروا بنظر النسوية مثلاً أعلى وقدوة، فصارت الذكورية ذاتها معياراً للقوة والأهلية، وكلما شابهتها المرأة واتصفت بها كانت نسوية بحق. وانتشرت ظواهر استرجال انساء إمعاناً في المغالبة الجنسية وإثباتاً للكفاءة، وازدادت شراسة مطالب المساواة وخفت صوت مطالب العدل. فلم تعد النسوية تعنى بتحصيل الحقوق المسلوبة أو المشاركة المجتمعية الطبيعية، إنما صار سعيها وراء التكافؤ مع جنس الرجال رغماً عن النساء والوقوف بنديةٍ أمامه بأي ثمن![ii]

أما اليوم فقد تفاقمت عصبيات النسوية حتى صارت في الغرب ولدى تابعاتها في الشرق تطالب بتقديس حرية المرأة المجرّدة، وترى في زواجها وأمومتها وتربيتها لأولادها قيوداً ينبغي تجاوزها عبر إتاحة الزنا المفتوح دون أي التزامات، وتشريع قوانين تسمح بالإجهاض، بل وتغطّيه بالتأمينات الصحية، وتتيح استخدام حبوب منع الحمل للفتيات منذ سن الثانية عشرة بغض النظر عن آثار ذلك المدمرة على المجتمعات بأسرها.[iii]

ومن تلك المسيرةِ وترافقاً معها انطلقت الأدبيات النسوية واستمرّ الفكر النسوي بآثاره المدمرة اليوم، فهو وإن كان له حاجةٌ حين ظهر في الغرب، فتلك الحاجة انتهت حين حقق مساعيه الأولى، أما في ظل شرع الله الذي نريد العودة له؛ فلا حاجة لدعاوى نسوية من أساسها، ولا دور لمطالب التسوية أو استرداد الحقوق انطلاقاً من أهواء أو قيم علمانية سائلة؛ إذ {الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [التوبة: 71]، وحيث المرأة والرجل متكاملان لا يسعيان للتنافس ولا مكان بينهم للندية، وإن كان المجتمع ابتعد عن ذلك فالحل بالعودة إليه عبر رفع شرع الله فوق البشر لا عبر استبداله بمزيد من الجاهليات المستوردة التي لا تناسب زماننا ولا ثقافتنا.

ومن ثم –بعد هذا الشرح عن النسوية- ينبغي أن يكون واضحاً لكل فتاة مسلمةٍ تسعى لرضا مولاها أن سؤالها عن شبهات تسربت إليها لا علاقة له بالنسوية وحقيقتها، فدين الله لا يأمرها بالالتزام بمعايير مجتمعية ظالمة تأمرها بالصمت والقعود عن طلب العلم، ولا يمنعها عن دورها كمربيةٍ ومعلمةٍ وداعية إلى الله بحسب مجالها وقدرتها واستطاعتها.

هذه الأفعال لن تجعلك نسوية

أختم هذا المقال برسالةٍ لكل فتاة مسلمةٍ تسعى لأن تلقى الله بقلبٍ سليم، فأقول لها: أفهم تماماً يا عزيزتي أن حياءك زينة لا تقدر بثمن، وأنَّك تأنفين الجدال، وتترفعين عن لغو الكلام، وتعتزين بأنوثتك عن صغائر الأمور والأفعال، لكن هذا كله ليس مانعاً من السؤال والتعبير والإبانة وطلب العلم الشرعي والبحث والاستشارة عما لكِ وما عليكِ، وعما لا يسعك جهله من واجباتك وحقوقك، فسعيك لتكوني من المؤمنات اللواتي أثنى الله تبارك وتعالى عليهنّ بالغفلة في الآيات الكريمات لا يعني الغفلة عن مكانتك في شرع الله، ولا يعني امتناعك عن المطالبة بحاجاتك التي تتعب نفسك من إنكارك لها وترفّعك عن الاعتراف بوجودها، وكونك مؤمنةٌ تقيّة لا يعني أن تنكري الشبهات التي تدور في خلدك لأنك تريدين أن تطابقي الوصف المشهور للمسلمة التي وُلِدت مطمئنة بالدين الحق، لم تدخل عليها شبهةٌ ولم تسمع بفتنة ولم يساورها شكٌ أبداً.

قالت أمنا عائشة رضي الله عنها: (نعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الأَنْصَارِ لَمْ يَكُنْ يَمْنَعُهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّينِ) [أخرجه مسلم]، وسألت امرأة رسول الله: (يا رسولَ اللَّهِ! إنَّ اللَّهِ لا يستَحي مِنَ الحقِّ، هل على المرأةِ غُسلٌ إذا هيَ احتَلَمت؟ قالَ: نعَم إذا رأَتِ الماءَ فضحِكَت أمُّ سلمةَ، فقالت: أتَحتَلِمُ المرأةُ؟ فقالَ رسولُ اللَّهِ: ففيمَ يشبِهُها الولَدُ) [أخرجه النسائي]، وفي مسند الإمام أحمد عن يزيد بن بابنوس أنه قال: (ذَهَبتُ أنا وصاحِبٌ لي إلى عائِشةَ فاستَأْذَنَّا عليها، فألقَتْ لنا وِسادةً، وجَذَبَتْ إليها الحِجابَ، فقال صاحِبي: يا أُمَّ المُؤمِنينَ، ما تقولينَ في العَراكِ؟ قالَتْ: وما العَراكُ؟ وضرَبْتُ مَنْكِبَ صاحِبي، فقالَتْ: مَهْ، آذَيتَ أخاكَ! ثم قالَتْ: ما العَراكُ؟! المَحيضُ، قولوا: ما قال اللهُ: المَحيضُ، ثم قالَتْ: كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يتَوَشَّحُني، ويَنالُ مِن رَأْسي، وبَيْني وبَيْنَه ثَوبٌ، وأنا حائِضٌ).

وكذلك كانت نساء خير القرون يطلبن العلم ويعلّمنه ولا يمنعهنّ من ذلك خوف مما قد يقال أو توقف عند أعرافٍ جاهلية جاء شرع الله ليشذبها ولا يبقي منها إلا ما يرضيه. ووجودُ تهمٍ يتناقلها الناس اليوم لا يبدل من ذلك شيئاً، خصوصاً والفتاة باتت في حاجة أكبر لطلب العلم والبحث في الأحكام الشرعية التي تلزم المرأة المسلمة ولا يسعها جهلها ومعرفة الخلاف فيها، إلى جانب دراسة التاريخ الإسلامي من مصادره المعتبرة التي تروي الأحداث كما هي دون تقسيمها إلى أفعال الذكور والإناث، ثم سؤال أهل العلم للوصول إلى الحق ورضا الله، والمتعلّمات كذلك في حاجة أكبر لنشر ما رزقن من علمٍ والدعوة إليه.


الهوامش

[i] د. هدى النمر. قضية المرأة بين الشريعة الإسلامية وسجالات النسوية. ص43

[ii] المصدر السابق

[iii] د. هدى النمر. قضية المرأة بين الشريعة الإسلامية وسجالات النسوية. ص44

وللاطلاع على قصة النسوية بأسلوب سهل ومبسط أنصح ببرنامج النسوية للدكتور البشير عصام المراكشي على يوتيوب

لستُ في صيام.. كيف أرضى عن نفسي وأغتنم الأيام المعدودات؟

يشق على الكثير من الفتيات المرور بفترة العذر الشرعي وما يرافقها من حكم الامتناع عن الصلاة والصيام في شهر رمضان، فهنّ كأي مسلمٍ يُرِدْنَ الصيام واغتنام الوقت في الشهر الكريم بالصلاة والعبادات، وقد يُلجِئُ ذلك إحداهن لدواء كثير الأعراض الجانبية يؤخر فترة الحيض، وإن لم تفعل فإنها تحزن في ذاك الوقت وتخجل من فِطرها وذاتِها فيه.

إلى جانب ذلك تمرّ كثيرٌ من الأمهات الحوامل أو المرضعات اللواتي يخفن على أنفسهن أو أطفالهن بفترات صعبة من التناقض الفكري في رمضان؛ إذ لا يتقبّلن فكرة الفِطْر في الشهر، ولا تحتمل أجسادهنّ الموهنة الصيام في الوقت ذاته.

بينما أسباب ما تقدّم غالبًا ما تعود لفهم مغلوط عن دين الله أو عادات مجتمعيّة تفرَض على الفتاة ما لم يأمر به الله، وتدعوها لبغض ذاتها أو التظاهر بما ليست عليه، فإن نتائج هذه النماذج تشمل كثيراً من الإناث وتفضي بهنّ لمشاعر صعبة ومشكلة لا يفصحن عنها وتعكّر عليهنّ صفو الشهر الكريم، فأردت أن أفرد هذا المقال لتفنيد تلك الإشكالات، وتوجيه بعض الوصايا المتعلقة بها.

 أحبّي ضعفكِ

من المهمّ أن نبدأ نقاشنا لهذه الأفكار بتقديمٍ عن قبول النفس التي وضعها الله سبحانه بين جنبينا، وحمد الله على نعمه علينا فيها وبها، فنحن وإن لم نختر ماذا نكون ومتى وأين، فإننا هنا منعّمون بقدر لا نحصيه من النعم في نفسنا وحدها، فهذه النفس هي الوحيدة التي سنسأل عن عملها ونجاتها وسنفلح إن زكيناها، وهي وحدها التي سنأتي الله بها حين نكون أفراداً متخلّين عن الأصحاب والقرابات.

أوجّه الخطاب هنا للفتيات وأقول لكل منهن: أحبي أنوثتك واحمدي الله على نعمة أن وهبك إياها، احمديه على هذه النفس التي تحتاج عناية خاصة في أوقات تعب شهري طبيعيّ وجبلّي، لا تلومي نفسك لأنك لست المرأة الخيالية الخارقة التي تستطيع القيام بكل شيء في كلّ حين، فالإنسان خلق ضعيفاً وهذا يشمل الرجال والنساء، وإن كان ضعفك أكبر واوضح فاحمدي المولى على شريعةٍ تراعي ذلك وتأمر بمراعاتك فيه، ثم تأجُرك على إذعانك وصبرك ورضاك به.

ولننظر لحال عائشة رضي الله تعالى عنها حين مرّت بذات الحزن التي تشعر به الفتاة حين تجبر على ترك عبادة محببة لقلبها، فهي رضي الله عنها كانت خارجة للحج مع حبيبها صلى الله عليه وسلم، محتملة لمشقة السفر، ومشتاقة لتأدية المناسك ومشاركة المسلمين بها حين منعها الحيض من ذلك كله، فجعلت رضي الله عنها وأرضاها تبكي على أثره.

هناك دخل عليها رسول الله وخفف عنها الحزن بقوله صلى الله عليه وسلم: (فلا يضيرك، إنما أنتِ امرأٌةٌ من بنات آدم، كتب الله عليكِ ما كتب عليهنّ، فكوني في حجّتك، فعسى الله أن يرزقكيها) [أخرجه البخاري]. بهذه البساطة والتسليم لأمر الله تعامل رسول الله صلى الله عليه وسلم مع كل القضية، فخفف عن زوجه حزنها وعلمها كيفية التعامل مع حالتها الطبيعية التي لا شأن لها بها، ولا ينبغي أن تلوم نفسها عليها.

وهذا يشبه من كانت حاملاً أو مرضعاً لا تستطيع الصوم لخوفٍ على نفسها أو طفلها، فلتذكر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الدين يُسرٌ، ولن يُشادَّ الدين أحد إلا غلبه، فسدِّدوا وقاربوا، وأبشروا، واستعينوا بالغدوة وشيءٍ من الدلجة) [أخرجه البخاري]. كتب الدكتور مصطفى البغا في شرح الحديث: لن يكلّف أحد نفسه من العبادة في الدين فوق طاقته إلا رده الدين إلى اليسر والاعتدال، فالزموا التوسّط في الأعمال واقتربوا من فعل الأكمل إن لم تستطيعوه.[i]

فسبحان الله الرحيم بعباده الذي يقبلنا كما نحن بضعفنا وفقرنا وقلة ما لدينا، وله الحمد أنه الأعلم بنا من نفوسنا فلا يكلفنا إلا وسعنا، وما جعل علينا في الدين من حرج، فلتطمئن نفسكِ أختي، ولتعلمي أنكِ أَمَةٌ لرب كريم يقبل منك أقل العمل المخلص لوجهه، وهوّني عليكِ حين لا تستطيعين الصوم وتجبرين على الفطر ومخالفة ما اعتدته من العمل المحبب طوال عمرك، بل استمتعي بمنّة الله عليكِ في أمومتك وصبرك على مشاقّها، واحتسبي رضاك وامتثالك في الصيام أو الفطر لوجه مولاكِ جل وعلا، واستشيري أهل العلم في الفقه والطب، وانظري في حال جسدك وقدراته، ثم ارضي بحكم الله عليكِ وابتلائه لكِ بغض النظر عما يقوله عوامّ مَن حولك أو يدعونك إليه، واذكري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيماً صحيحاً) [أخرجه البخاري].

رضيتُ وأذعنت، ثمّ ماذا؟

أما إذا اطمأنت النفس وأسلمت لما كتب الله عليها، فإن السؤال الذي يتبع هو: كيف أغتنم هذه الأيام المعدودات؟ وهل هناك طريقة تمكنني من عدم تضييعها في اتباع النفس الأمارة بالسوء أو مجالس اللغو القاتلة للوقت والعمر؟

وهذا سؤال أساسي، خصوصاً أنّ ما سبق ليس دعوة للركون أو تسهيلاً لتضييع الأوقات أو الكسل عن الاجتهاد في الشهر الفضيل، فأبواب الخير والطرق إلى الله واسعة كثيرة، لا تقف عند الصيام والتراويح، إنما تتعداها أولاً لأعمال القلوب من الإخلاص والتوكل والتفكر والخوف والرجاء والشكر والتقوى والإنابة وغيرها مما لا يشترط حالاً أو مكاناً، والتي كانت عناية السلف بها كبيرة تظهر في كثرة مؤلفاتهم فيها وتوجههم إليها لأن صلاحها لا يتعلق بصلاح الظاهر، إنما هو متعلق بما بين العبد وربه لا يعلمه أحد من الخلق ولا يطلع عليه، وهو الذي يعتمد عليه حال أعمال الجوارح ومرتبتها عند الله جلّ وعلا. قال ابن القيم -رحمه الله-: “أعمال القلوب هي الأصل، وأعمال الجوارح تبع ومكملة، وإن النية بمنزلة الروح، والعمل بمنزلة الجسد للأعضاء، الذي إذا فارق الروح فمواتٌ، فمعرفة أحكام القلوب أهم من معرفة أحكام الجوارح”.[ii]

كما أن من أبواب الخير المفتوحة قراءة تفسير القرآن وعلومه، وكذلك تلاوته دون مس المصحف -إن كانت الفتاة ممن يأخذ بجواز التلاوة-، إضافة إلى حضور دروس التفسير والتدبر اقتداءً بعناية رسول الله والسلف الصالح بالقرآن في رمضان واشتغالهم به، حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتدارس القرآن مع جبريل عليه السلام في رمضان مرتين.[iii]

إضافة لذلك فإن من الضروري توسيع مفهوم العبادة إلى ما وراء النُسُك المجرّدة والوقوف على سجادة الصلاة فقط، فرسول الله صلى الله عليه وسلم علّمنا أن التبسم في وجه أخينا المسلم صدقة، وأن الأعمال بالنيات التي بها يصير العمل العادي عبادة، والله تبارك وتعالى أشار في كتابه الكريم مراراً إلى فضيلة الإحسان إلى الخلق وأجر المحسنين في عملهم مع الله ومع الناس، ومن ذلك المساهمة في تفطير صائم، وإغاثة ملهوف، ونصح لمسلمٍ، ونشر علمٍ نافعٍ وطلبه وإعانة الغير عليه، إضافة إلى الرفق بالصغار وملاعبتهم، وإعانة الكبار ومؤانستهم، وعيادة المريض وصلة الرحم والإحسان للجار وحتى نثر البذور أو الخبز الجاف للطيور التي فيها للمسلم أجر كبير بإذن الله تعالى.

وبذلك يظهر أن فترة العذر الشرعي أو عدم قدرة الأنثى على الصيام في رمضان للحمل أو الرضاعة لا ينبغي أن يحول بينها وبين الاجتهاد في العبادات وتزكية النفس والاستكثار من الخيرات خلال أيام الشهر الكريم الذي إن بلغته هذا العام فقد لا تبلغ غيره، وسبحان الله الكريم الرحيم الذي خلق في نفوسنا ضعفاً لتلجأ إليه وتذكر حاجتها له، ثم رزقنا شريعةً تقدّر هذا الضعف وتوافقه، وله الحمد أن وسّع لنا أبواب الخير في رمضان وفي كل الشهور.[iv]


[i] د. مصطفى ديب البغا. مختصر صحيح البخاري المسمى التجريد الصريح. مركز اليمامة للنشر والتوزيع. ص18.

[ii] ابن القيم الجوزية رحمه الله. بديع الفوائد. 3/224.

وللمزيد في موضوع أعمال القلوب انظر سلسلة محاضرات للشيخ محمد صالح المنجد بعنوان “أعمال القلوب” على موقع طريق الإسلام.

https://ar.islamway.net/collection/2049/%D8%A3%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D9%82%D9%84%D9%88%D8%A8

وكتاب مدارج السالكين لابن القيم رحمه الله المتوفر بنسخ مختصرة وكاملة على الشابكة، وللشيخ أحمد السيد سلسلة محاضرات في قراءة الكتاب والتعليق عليه بعنوان “مقاصد مدارج السالكين” على يوتيوب.

https://www.youtube.com/playlist?list=PLZmiPrHYOIsTKo0QAbQ8OOL2DP8wKhjgm

[iii] من السلاسل النافعة في هذا الباب بإذن الله:

“سلسلة اللطائف القرآنية” للشيخ بسام جرار على يوتيوب. https://www.youtube.com/watch?v=GD4iGRjjTQY&list=PLswqnlv8rl0sH9pv8AlpVN2PxQcSejS2_

و “دورة مفاتح التدبر” للمهندس فاضل سليمان على يوتيوب.

https://www.youtube.com/playlist?list=PLukAHj56HNKbD2R2ZroUhu7g-mK1S6CrW

ومن الكتب النافعة في هذا الباب:

كتاب أول مرة أتدبر القرآن للشيخ فهد سالم الكندري. https://ar.islamway.net/book/29544/%D8%A3%D9%88%D9%84-%D9%85%D8%B1%D8%A9-%D8%A3%D8%AA%D8%AF%D8%A8%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%B1%D8%A2%D9%86

وكتاب رقائق القرآن للشيخ إبراهيم السكران. https://waqfeya.net/book.php?bid=9885

[iv] استفدت في بعض معاني المقال من محاضرة بعنوان “ورمضان إلى رمضان” لنورة سوبرة وأسماء الجغبير عبر مركز مكاني.

ومن محاضرتين للدكتور محمد حسونة بعنوان “رمضان 1442” عبر مركز مكاني.

لطالما أحسست بالشفقة على نساء الغرب

أصبح موضوع حقوق المرأة وحريتها المُتصدّر الأكبر لبرامج الإعلام ومناقشات مواقع التواصل الاجتماعي وحتى ندوات ودورات المنظمات المهتمة بتنمية مجتمعاتنا وبمساعدتها ودعمها، والعناوين الغالبة عند طرح مشاكل النُّسوة هي عناوين كـ “تنظيم الأسرة” و”المرأة والعنف” و”المساواة في العمل” وكأنّ هذا هو أكثر ما تحتاجه النّساء الآن، غير آبهينَ بمحيطهنّ ووضعهن المعيشيّ، فإن نظرنا لحال أكثر الأمكنة التي تُقام فيها ندوات تلكَ المنظّمات مثلاً أو محيطِ تلكَ المرأة المقصودة بعناوين مواضيعهم، نَجدهُ يعاني من الفقر وشحّ المواد والماء والكهرباء، ومن الممكن أن تكون أقربَ مدرسة لهم تبعد عنهم عدداً من الكيلومترات، ويُعاني الجميع في تلك المنطقة من سوء الوضع الصحيِّ وليس فقط النساء، فكيف لشخصٍ أن يُلقي محاضرةً  للمحافظة على الصحّة لآخرَ وهو على شرفات الموت ويَنهشُ جسده المرض.

من الملاحظ أيضاً  أنّ الحلول والمشاكل المطروحة في غالب الأحيان بعيدٌة كل البعدِ عن الواقع، فكَمَن يُطالب شخصاً بالتحرُّر من سجنه، ويداه مُكبَّلتان بالأصفاد، وإن أعطيته المفتاح ليحرّر نفسه إلى حياةٍ ورديَّةٍ تنتظرهُ بزعمهم سَيخرجُ فلا يرى إلا السَّواد.

قضية المرأة حصانةٌ وطريقٌ للشهرة
مما لا شكّ فيه أنّ التركيز الشديد على قضية المرأة ليترَاءى لنا أنّها مُشكلتنا الوحيدة، جعل هذه القضية بمثابة الحَصَانة لكلّ شخص يَتَبنَّاها، بل إن كثيرًا منهم بمجرّد اهتمامهم بها يضعون أنفسهم على أول طريق الشهرة، لذا لا نستغرب كثرةَ المسارعين لركوب هذه الموجةِ،  فكلُّ ما يحتاجه الشخص هو التَعريفُ باختِصاصِه وإردافُهُ بعبارةِ “مهتَمٌّ أو مهتَمّةٌ بقضايا المرأة” ليتصدّر اسمه صفحات مواقع التواصل الاجتماعي ويمتلك ضوءًا أخضرَ عن كلّ ما يقدّمه من مواضيع ومشاريع،  حتى وإن كانت مواضيعه المختارةُ بعيدةً كلّ البعد عن القضيّة المُتبنّاة.

وأولّ وأكثر راكبي هذه الموجة طبعاً هم من النّساء المُعتَدِّات بنجاحهن أو المؤثرات، فتراهم يحملن راية الدفاع عن النساء في كل منشورٍ ومقابلة ومقال، كما أن صفحاتهن على مواقع التواصل الاجتماعي بَاتت المتحدّث الأول والرسميّ في قضايا المرأة.

الشهرة

تخبّط مستمرّ دون أهداف واضحة
كلُّ ما نراه لا يخرج عن كونه منشوراتُ تعاطفٍ وإثارةٌ للقضية، طبعًا مع وصف معارضيهم بالجهل والتخلّف والعداء المرأة، وفي أنفسهم يعيشون حالات من التخبّط، فلا يستطيعون أن يكونوا كالمرأة الغربيّة ولا أن يرضوا الشرقيّة.

يحاولون أن يُقَولِبوا الخطابات المعتادة لتناسب عقولنا فيوهِمُوننا بأنّ أفكارَهم نابعةٌ من الدين، فتراهم يستشهدون بالآيات والأحاديث المُكرِّمَة للمرأةِ تارةً، ثمّ يَنقُضُونها بِحجّة أهميّة تجديد الخطاب الدينيّ، وأنّ التفاسيرَ القديمة ذكوريّة تارةً أخرى، ويتمسّكون بأيّ مفكرٍ وعالم مُدَّعٍ يُفسّر النصوص كما يريدون، فعندما نَاسبوا المتطلّبات الحديثة للمرأة، لم تعد تناسبهم تعاليم دينهم، ووقعوا في ريبةٍ واتّهامات لم يستطيعوا التخلصَّ منها.

لقد وصلَ الأمر ببعضهم ممن تأثّر بهذه الخطابات –وإن بالقليل- أن يقف في صفِّ المرأة حتى لو أخطأت وظلمت وقتلت، ولا يوفّروا جريمةً قامت بها امرأةٌ بحقّ أحد إلا ويلصقها برجل ادعوا أنّه ظلمها وكأنّها لا تستطيع أن تتجاهل مشاعرها فلا تُحق الحق ولا تجتنب الباطل. وما مثلهم إلا كمثل من قال الله فيه: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ۚ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: 85]

هل الرجل هو المشكلة، أم الحلول غير المنطقيّة؟
ظلم الرجال هو المشكلة، هكذا يقولون! إلا أننا نرجح أنهم لا يعرفون جوهر المشكلة ولذا فإنهم يردِّدون المعتاد، وجريًا على ذلك يَنصحون المرأة بتقوية شخصيّتها، والحصولِ على حريّتها عن طريق التمرد وتحصيل الشهادات العلمية والاستقلال المادي، وكأنّ لديهم ضماناتٍ بأنّ كلّ امرأة نالت الشهادات فإن ذلك سيُوصلها لأعلى المناصب، وأن كلُّ عملٍ ستعمله سيكون مُريحاً بعيداً عن الذئاب البشريّة، يُدرّ عليها الأموالَ التي ستكفيها ذُلَّ السؤال.

هذا خلطٌ واختزال، والقائلون بذلك لا يُجيدون سوى إثارة المشكلة وإعطاءِ حلولٍ ليست إلاّ مُخدِّراً يُبعد المرأة عن الواقع قليلاً، كلّما ذهبَ مفعوله زِيدَت الجُرعة وربما تصل به إلى أن تقتل صاحبها أحيانًا.

المرأة الغربية مثالاً أعلى
إن كانت مشكلة النساء هو التسلُّط الذكوريّ، فلماذا لا زالت المرأة في الغرب تتذمّر بعد أن وصلت للمساواة رغم أنها تتقلّد المناصب الكبرى وتحقق استقلالها المادي؟ وبتنا نرى الحملات المضادّة للتحرّر لأنها بعدما وصلت المرأة لمآس متنوّعة في ظل “التحرر”.

والحقيقة أنّه كلّ ما مرت بي السنوات -وأنا أعيش بينهم- ازداد شعوري بالشّفقة على حال المرأة في أوروبا، إذ لم أرَ بعدُ امرأةً سعيدة باستقلالها حقاً، وجلّ ما رأيته نساءً تقدّم بهنّ العُمر نَدمن على ما فاتهنّ من سنين لم يَقضينها مع أطفالهنّ، ولم يستمتعن بأمومتهنّ، إذ كان هَمهنّ منصبًّا على تَحصيلُ المال .

ولن أنسى يوماً نبرة صوت الصحفيّة الممتلئةِ بالحزن عندما تحادثنا قليلًا لتخبرني بأنّها تعمل كثيراً ولا تُحصّل إلّا القليل فهي مُضطرة لإطعام أطفالها الثلاثة بعد أن تَطلّقت، ويوجد مثل حالها الكثير.

فهل شاهدوا الفتاة التي تَحمل الصناديق وهي حاملٌ لأنّه عملها، أم الفتيات اللّاتي يَحمِلن في سنّ المراهقة لتصبح مسؤولةَ عن نفسها وطفلها، فَلِأبِ الطّفل الحقُّ في الانسحاب إن أراد فلا زواجَ قانونيّ في هذا العمر، هل علموا عدم شعورها بالأمان إذ تخرج كثيرٌ من الفتيات من منازلهن بسلاحٍ أبيض، وهل شاهدوا فرحة المسلمة الأجنبيّة عندما يخبرها زوجها أنه سيتكفّل بمصروفها ولن تُضطر للعمل بعد الآن.

أعتقد أنّهم لا يعرفون عن هذا الواقع شيئاً، فإن تَخلّصت الغربيّة من ظلمٍ ظَهر ظلمٌ آخر ومشاكلُ أخرى أشدُّ، حيث تمتدّ لتشملَ المجتمع بأكمله كعدمِ الزّواجِ وانخفاض عددِ المواليد حتّى هُدّدوا بالشيخوخة التي تكاد تفني المجتمع…

إذاً هُم فعلاً لا يعلمون أين المشكلة وهذا لا يَشفع لهم، أو لعلهم يعرفون لكنهم يتجاهلون السبب الرئيسيّ وهذا أشدّ وأعظمُ، فالسّبب الرئيسيّ والمشكلةُ هيَ غياب الدّين وعدمُ مخافةِ الله، وما يتبع ذلك من انتشار الظّلم وضياع الحقوق والعدل كما قال سبحانه وتعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ} [طه:124]

ما الجدير فعله لقضية المرأة؟
أنطلق ههنا من تساؤل: إن كان همُّ النسويين المرأة في بلادنا حقًّا، أفليسَ الجديرُ بهم المُطالبة بتحسين وضعها ووضع عائلتها المعيشيّ؟ أليس الأولى بهم دعمها في المدارس والمواصلات حتى تستطيع التعلّم، أو أَن يَحُثُّوها على التَّفقُّهِ بدينها، والتعرّف على واجباتها ومسؤوليّاتها قبل حقوقها؟

لماذا لا يطالبون ببيئةٍ مناسبةٍ لعمل المرأة تراعي ضَعفها وحاجاتها تُبعد عنها الفتنة وعن أبناء المجتمع؟ لماذا لا يُطالَب بمراكز تَحمي أو توفّر المال والأمان للأرامل والمطلقات اللّاتي ليس لهنّ أحد؟  ولماذا لا يُذَكّرُونَها باتّقاء الله واتّباع أوامره؟ و لماذا لا يُطالب أصلاً بالحقوق للجميع فَفي العالم من الظّلم ما يكفي.. والأسئلة هنا لا تنتهي!

لا.. ليس هذا هَمُّهم، فَما هُم إلّا أدواتٌ لِتَمهيد طريق الفساد، الطَّريقُ الذي مَشى فيه من قَبلنا فَأوصلهم للقاع !!

فإن كون المنتقد من النسوة أو من المهتمّين بشؤونها لا يعني قدرته على حمل رايتها، وتقديم العلاج المناسب لها، ولا يعني ذلك استطاعتهم الإمساك بيد كلّ مُستغيثةٍ لإيصالها لطريق النجاة، ولا يعني أن يكون لهم الحقّ في تحديد سنّ الزّواج، في النُصحِ  بالطّلاق، أو في تحديد عَدد الشّهادات الّتي يَجب للفتاة تَحصيلها، ولا في تَشجعيها على الإجهاض، ولا في أن يَضعوا حدّاً لعدد الأطفال في كلِّ عائلةٍ والفُروق بينهم، ولا أن يَصِفوا كلّ امرأةٍ تخالفهم بالجهل، ولا أن يَرسُموا لكلّ فتاةٍ الطريق الذي يجب أن تكون عليه حياتها.

إن الطريق بيِّنٌ، وحقوقنا -نحن النسوة- وواجباتنا ومسؤولياتنا مستمدّةٌ من شرع الله سبحانه وتعالى الذي وَضَع حُدوداً ليس لأحدٍ أن يَتجاوَزها، وأعطانا حقوقاً لا يحقُّ لأحدٍ أن يَمنعها عنا، ومن يفعل ذلك فحسابه عند ربه الأكبر العادل الرحيم، وقدوتنا هو الرّسول صلّى الله عليه وسلّم ونتعلّم من سير الصّحابة وأمّهات المؤمنين، ومن ثمّ فإن واجب الوقت أن لا يتكلم بشؤون النّساء إلّا أهلُ الحكمة والعلم ممن يعرف حدود الله ونواهيه ليَقف عندها يُفصّلُ الحقّ والواجب، فلا يحرّم ما أحلّه الله، ولا يأتي بكلامه إلّا من القرآن والسّنّة.

المرأة أساسٌ في بناء الأمّة
مساهمة المرأة في بناء هذه الأمّة تبدأ في تجنّب التفكير بنفسها فقط، فهيَ فردٌ وجزءٌ من أسرةٍ ومجتمعٍ بَل هي عَمودٌ أساسيّ في كل ذلك، يَبتَدئُ الإعمار منها بإصلاح نفسها وتزكيتها أوّلاً، وباهتمامها بِما سَتُسأَلُ عنه يوم القيامة، فَلا تَنهضُ الأُمَم بإعطاء الحقِّ لإنسانٍ دون غيره ولا بالعدل لفئةٍ دون غيرها، فكلُّنا نُبحر في سفينةٍ واحدة.

لا تكوني -أيتها الأخت- أسيرةً لجهلِ البعض الّذين أَضلّهم الشيطان ليُضلُّوا غيرهم، وإن مرَّت بك مشكلةٌ أو شكٌّ فإن أكثر ما تحتاجينه هو الصّبر والحكمة واللّجوء إلى الله وسؤال أهل العلم ومن تثقين بهم من ذوي الفضل، ولا أحد يطيق الظّلم، هذا أمرٌ بدهي! ولكنّه واقعٌ موجود لا يفرّق بين جِنسٍ أو لون، سنبقى نعاني منه ما دام هناك بشر لا يَخاف الله، ولا يتّبع الإسلام وسنة النبيّ صلّى عليه وسلّم.

إن شعورنا بالظّلم لا يعني أن نظلم غيرنا وأَنفسنا، ومن هنا فإنه ينبغي الحذر، كما جاء في قوله تعالى: {وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلّاق:1]، {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [النّحل:118]

 

عرض الأزياء.. كيف تحول البشر إلى علّاقات ثيابٍ متحركة؟

من واجهات المحلات، إلى عروض الأزياء مروراً بإعلانات الملابس والحليّ ومستحضرات التجميل وصفحات المجلات، عارضو الأزياء مُستخدَمون في قطاعات كثيرة في عالم اليوم، وعن طريقهم يتم إقناع الزبائن بملاءمة البضائع لهم وحاجتهم لشرائها، فهذه الصناعات بعدما قامت لترِيح الإنسان وتؤدي له حاجاته، باتت متعاظمة بنفسها تُذِل كثيرين في خدمتها، وتملي عليهم نمط حياتهم كاملاً، ابتداءً بما يأكلون ويشربون، وانتهاءً بكيف يمشون ومتى يقفون وكيف يتكلمون أو يتبسّمون.

ومع أن الشركات توجهنا لأن نتجاهل الأفراد الذين يتم التسويق من خلالهم، وألّا نفكّر إلا في المنتج المقصود، إلا أننا نتساءل في هذا المقال:

ماهي هذه المهنة التي يحترفها العارضون؟ وكيف نجحت بتحويل بشرٍ كرّمهم الله إلى أدوات لا تُرى إلا لأجل الأشياء التي يستعرضونها؟ وبعد كل هذا، كيف دخلت هذه المهنة بيوتنا واستهوت فتياتنا وحوّلت كثيراً منهنّ إلى عاملات فيها بكل يسرٍ وسهولة؟

متطلبات وأهداف
ورد في موقع CollegeGrad الموجه للباحثين عن وظائف؛ تحت عنوان “متطلبات مهنة عرض الأزياء”: لا يشترط أي تحصيل علمي أو أكاديمي لمهنة عرض الأزياء، وكذا الخبرة المهنية فهي غير مهمة لمعظم الوكلاء، ولا يلزم التدريب أو الحصول على أي ترخيص رسمي كذلك.

إن المهم الذي يَسأل عنه الموظِّفون هو: العمر والوزن والطول وقياسات الجسم بشكل رئيسي[1].

وفي شرح أدقّ لهذه المحددات ورد في مصدرٍ آخر أن أقل طول مقبول لدخول الفتاة إلى هذه المهنة هو 176 سم، أما وزنها فينبغي أن يكون أقل من الوزن الوسطي لأقرانها على الأقل[2]!

هكذا بكل بساطة يقال إن هناك مهنة تهمّش العقل، ولا تتطلب إلا معايير شكليّة دقيقة لممارستها، ثم لا يعتبر ذلك تسليعاً للجسد أو انتقاصاً من الكرامة.

إن العجيب ليس وجود هذه المعايير، وإنما نجاح المهنة في استقطاب الفتيات وإقناعهن بأن المنافسة على المقدمة فيها أمر شرفي يستحق السعي والجهد. فنرى مواقع كثيرة تقدم مقالات مفصلة ترشد الفتيات إلى الطريق الأكثر فعالية لكسب الصدارة لدى المصممين المشهورين.

تقول واحدة من هذه الإرشادات الموجهة لليافعات (فوق سن الثانية عشرة) حرفياً: “شكلك الخارجي يجب أن يكون جذاباً وملفتاً. الوكلاء والمصممون يبحثون عن الكمال الجسدي في تجارب الأداء، لذلك تجنبي المبالغة باستخدام المكياج أو ارتداء الألوان الفاقعة، واحرصي على المشي بانسيابية أمام الحكام ليتم اختيارك للوظيفة”[3] وتقول أخرى: “إن أول شيء تحتاج العارضة الطموحة إلى معرفته هو مميزاتها الجمالية، وكيفية إبرازها بأفضل طريقة ممكنة، ما الذي يجعل وجهك مثيراً للاهتمام أو مختلفاً على الأقل؟ هل هو الفراغ بين أسنانك؟ أم عينيك الناعستين؟ كل هذه قد تكون ميزات تجعل عملاء التوظيف يذكرونك في تجارب الأداء[4]!”

وقد نتساءل هنا: ما الذي يجذب الفتيات لهذا الوسط غير الطبيعي؟ ما الذي قد يستهوي مراهقة بعمر الثالثة عشرة لتترك مدرستها ثم تأخذ 50 صورة لنفسها، ترسلها لوكيل عارضين من أجل تجربة أداء ستدخلها بين آلاف الفتيات الأخريات اللواتي يشابهنها في الوزن والطول، ليطلب منها هناك أن تصمت، أو تبتسم، أو تعبس، أو تمشي بكبر وخيلاء، ثم يتم الحكم عليها بناءً على ذلك لا غير؟!

كان هذا سؤالاً يلح عليّ أثناء بحثي في موضوع عرض الأزياء، فهذه مهنة مهينة فعلاً، وهذا يقرّ به بعض الداعين إليها حتى، فهذه إحداهن تقول في ختام كلام طويل عن طرق النجاح كعارضة: “يبدو الحديث في هذا الأمر سطحياً، صحيح؟ هذا لأنه كذلك فعلاً، ففي النهاية عارضات الأزياء هن علّاقات ملابس فاخرة لا أكثر، ودورهن في صناعة الموضة هو جعل الملابس تبدو جميلة لكي تُباع. لا يمكننا اللف والدوران حول حقيقة أن هذه صناعة يقودها الشكل الخارجي وحده[5]!” وليت الكاتبة اكتفت بهذا الكلام في مقالها، بدل أن تغرر بكثيرات وترشدهن درب الغواية والريادة فيها أيضاً.

وهنا يتكرر السؤال: لماذا تطلب فتاة عملاً كهذا؟

والجواب –كما وجدت- في أمرين:

أولهما: المال الوفير الذي تظن الفتاة أنها ستحصّله بمجرد عبورها على ممشى العرض أو وقوفها أمام كاميرا لبضع دائق، وثانيهما حلم الشهرة والنجومية الذي يستهوي كثيراً من اليافعات فيجعلنه هدفاً وشرطاً للسعادة، خصوصاً مع تقديس المشاهير في الإعلام وجعلهم قدوات للأجيال الجديدة، وكذلك تندفع الفتاة لهذا العمل المهين لأجل أوهام، ولا تفكّر في واقعية ذلك كله أو المقابل الذي ستدفعه لتحصيله.

تقول عارضة سابقة: كنت في الرابعة عشرة حين أرسلت لي وكيلتي أول فرصة لي كعارضة، كان إعلاناً طرقياً لمحطة راديو تظهر صورتي عملاقةً عليه، ظننته سيبدو بريئاً، لكنهم كتبوا تحت الصورة: “لا يوجد موعدٌ سيءٌ لا تصلحه الأغنية المناسبة”، كيف ألمحوا إلى أنني في موعد وأنا طفلةٌ في الرابعة عشرة من عمري![6]

وتقول أخرى: “كان الظهور على أغلفة المجلات مؤلماً، الجميع يحكم على شكلك ووزنك وموافقتك لمعاييرهم، وهذا لم يكن يعطيني أي قوة في وقتها، كنت في السابعة عشرة وأريد الاختباء، شعرت أنني لا أملك أي سلطة على نفسي[7]“، وبالرغم من أن العارضة لا تقدم جهداً ذهنياً أو عضلياً كبيرين في مهنتها، إلا أنها تفقد نفسها، ولا تملك أي سيطرة على هويتها التي تستخدمها الشركات للربح المادي فقط.

ومن جهة أخرى فإنّ الإحصاءات تظهر أنّ نسبة أقل من 10% فقط من العارضات هن من يحقق ثروة حقيقية عبر هذه المهنة، أما البقية فهنّ يعملن بأجر يتراوح بين 8-11$ في الساعة في الولايات المتحدة الأمريكية -أي أجر قريب من الحدّ الأدنى قانونياً-، وتكون الوظائف غير ثابتة أو متوقعة[8]. ومع ذلك كله فإن مهنةً العرض تجذب الفتيات الحالمات بالاستقلالية وامتلاك دخلهن الخاص، ففي ظل التفكك الأسري وارتفاع قيمة المال الذي تشهده المجتمعات الغربية، كان لازماً أن تصير مهنٌ تعطي دخلاً “سهلاً” للصغيرات مطلوبةً وإن كانت ستجعلهنّ رقيقات مستعبدات في الطريق.

جديرٌ بالذكر أن هذه المجتمعات التي تسمح لفتاة في سن الرابعة عشرة أن تترك بيتها، تسافر إلى مدينة بعيدة، وتوقع عقداً مع وكالة لا ترى فيها إلا قياسات جسدها، لترتدي ما تأمرها به، وتنشر صورها التي تختار في الطرقات وعلى أغلفة المجلات[9]، وتعرضها خلال ذلك لكثير من الاستغلال المادي والجنسي، هي نفسها التي ترفض زواج الفتاة ما لم تنهِ تعليمها الجامعي، وتعتبره حرماناً لها من طفولتها!

آثار مدمرة
عام 2006 بدأت النسبة العالية للمريضات باضطرابات تناول الطعام وبالأخص فقدان الشهية العصبي (ِAnorexia Nervosa) والشره العصبي Bulimia Nervosa)) في مهنة عرض الأزياء تتلقى انتباهاً إعلامياً كبيراً، تحديداً بعد وفاة العارضة آنا كارولينا بفقدان الشهية العصبي عن عمر 21 سنة، حيث لم يتجاوز وزنها عند الوفاة 40 كغ.[10] وبعد جدل كبير ووفاة عدد من العارضات بنفس المرض؛ أُقِرَّ في فرنسا وإيطاليا وإسبانيا عام 2015 قانون يحدد أقل وزن يسمح به قانونياً لعارضة الأزياء وتُعاقب الشركة إن وظفت عارضات بوزن أقل منه.[11]  أما في الولايات المتحدة الأمريكية حيث لا توجد قوانين مشابهة، فمتوسط وزن العارضات يساوي ذلك الذي تسميه الأمم المتحدة بـ”المجاعة” (starvation)[12].

في الصورة: ايزابيل كارو، عارضة أزياء سابقة، طالبت بسن قوانين تحدد وزن عارضات الأزياء في الولايات المتحدة، توفيت بمرض Anorexia Nervosa عام 2010 عن عمر 28 سنة. المصدر:

Is It Time To Set Weight Minimums For The Fashion Industry? : Shots – Health News : NPR

وقد لوحظ أن العارضات يتبعن ممارسات مرضية خطرة ليكْبِتْنَ الإحساس بالجوع ويحققن النحافة المطلوبة كتناول كرات القطن والمناديل الورقية والتقيؤ العمد بعد كل وجبة.[13] تقول العارضة السابقة Zuzanna Buchwald: “كنت رياضيّة حين دخلت هذا العالم. طلبت مني وكالتي أن أتوقف عن ممارسة الرياضة وأمتنع عن تناول الطعام ريثما أفقد بعض العضل. تبعت توجيهاتهم حتى أصبت بفقدان الشهية العصبي ومن ثم الشره العصبي. كنت ضعيفة ومنهكة دوماً، انقطعت دورتي الشهرية لثلاث سنين وتحول لون أسناني إلى الرمادي، جفت بشرتي جداً، بدأ شعري بالتساقط، كانت تجربة مريرة. كنت أفعل كل ما يقال لي لأنني أريد الحفاظ على وظيفتي، لكنني لم أشعر يوماً أنني قوية أو جميلة”[14].

وقد أظهرت دراسة مسحية منهجية عام2015 أن اهتمام العارضات بالشكل الخارجي والنحافة الذي هو أعلى بكثير منه في غيرهن يجعل نسبة إصابتهن بمتلازمة اضطراب الأكل الجزئية مرتفعاً شكل ملحوظ.[15] والمشكلة لن تحل بتحديد وزن أدنى للعارضات، فالصناعة نفسها قائمة على كون الجمال في النحافة، والعارضة إنما يتم اختيارها لأنها تحقّق معايير الجمال تلك، فرفع الحد الأدنى للنحافة لن يحل المشكلة في كونها معياراً للجمال.

وعلى صعيد آخر بيّنت دراسة محكمة أن نسبة العارضات المدمنات على الكحول والمخدّرات أكثر من ضعفها في أقرانهن[16].

ولنا أن نفكّر هنا: كيف صار الإنسان خادماً لأقمشة مقطّعة مستعداً لفعل أي شيء في سبيلها لمجرد أن الذي جمعها معاً مصمم مشهور؟ كيف تحولت الثياب من وسيلة لستر العورة إلى قاضٍ على الوزن والجمال والحياة؟ وكيف يُسمح لشخص مريض أن يقول لفتاة إنها تحتاج لخسارة عدة سنتيمترات من محيط خصرها وإلا كانت غير صالحة للاستخدام![17]

وقد صدق ابن تيمية -رحمه الله- حين قال: ومن لم يكن خالصاً لله، عبداً له وحده، لا شريك له بحيث يكون الله أحب إليه مما سواه، استعبدته الكائنات، واستولت على قلبه الشياطين، وصار فيه من السوء والفحشاء ما لا يعلمه إلا الله، وهذا أمر ضروري لا حيلة فيه.[18]

من عارضة إلى فاشنيستا إسلامية
إننا اليوم نرى الذي وصفه ابن تيمية -رحمه الله- في أوضح صوره، عبوديةٌ للبشر والأضواء والأقمشة، والعجب أننا نرى كثيرًا من الفتيات المسلمات ينافسن على تقليده، فبالرغم من كل الذي ذكرناه في عرض الأزياء من مهانة وظلم وتسليع للإنسان إلا أن بريقه الخادع جذب كثيراً من فتيات المسلمين، فصرن ينافسن على النسخة الملطّفة منه تحت مسمى الـ “فاشنيستا”، وهي كلمة تترجم حرفياً إلى “تابعة الموضة”، أو الأنثى التي تكرس جزءاً من وقتها لاستعراض ملابس أوحلي أو ذوق في تنسيقها معاً أو مهارة في استخدام المكياج، ثم نشر صور ذلك كله في منصات التواصل الاجتماعي إما لغرض مادي (حين يكثر متابعوها وتتواصل معها الشركات لتستعرض منتجاتها، فتصير عارضة حقيقية) أو لغرض نفسي (من حيث أعداد المتابعات والإعجابات).

ومع أن ذلك لا يتّسق مع الحجاب الشرعي وأمر الله تبارك وتعالى بعدم إبداء الزينة، إلا أننا بتنا نرى فاشنيستات “إسلاميات” أخذن على عاتقهن عرض الملابس الموافقة للموضة مع بضع إضافات تغطي الشعر والجسد (غالباً)، ثم تقديم ذلك لمن تشعر بالحرمان لعدم القدرة على مواكبة الموضة باللباس الشرعي، فلا تختلف فاشنيستا إسلامية عن غيرها حقيقةً إلا بقليل من القماش، أما التبرّج والتجمّل والتركيز على صورة الجسد والجمال الخارجي فهو نفسه الذي لدى غيرها.

وكذلك نشأت شريحة كبيرة من المسلمات اللواتي يعرضن الأزياء لعدد غير محدود من الناظرين دون مغادرة بيوتهن، وكل ذلك عبر صفحات الإنستغرام والفيس بوك، حيث يطلبن الإعجاب، ويسعين لنيل رضا الجمهور من أجل مزيد من الشهرة و”التأثير”، ويعتقدن أنّهن خير مثال للمرأة المسلمة العصرية التي لم يمنعها حجابها من اتباع الموضة.

عسى الله أن يهدينا وشباب وشابات الإسلام سبل الرشاد، وينير بصائرنا ويوجهنا لما فيه خير دنيانا وآخرتنا، إنه على كل شيءٍ قدير.


الهوامش والمصادر:

[1] Models: jobs, career, salary and Education Information, CollegeGrad.

Models: Jobs, Career, Salary and Education Information (collegegrad.com)

[2] Tina Kells, Modeling For Girls, Liveabout dotcom. 2018.

Do You Have What It Takes to Be a Model? (liveabout.com)

[3] Kristine Tucker, Tips on Getting Discovered as a Model. Chron.

 Tips on Getting Discovered as a Model (chron.com)

[4] Format Team, How to Become a Model: A Beginner’s Guide, Format. 2020.

How to Become a Model: A Beginner’s Guide (format.com)

[5] Tina Kells, Modeling For Girls, Liveabout dotcom. 2018.

Do You Have What It Takes to Be a Model? (liveabout.com)

[6] Former Model Shares Dark Side of Glamorous Life, The 700 Club. 2015.

https://www.youtube.com/watch?v=QPbYM_lYgaU

[7] 9 Models on the Pressure to Lose Weight and Body Image | The Models | Vogue, 2019

https://www.youtube.com/watch?v=MKd38G338Qw

[8] Catie Watson, How Much Does a Model Make an Hour? Chron. 2019.

https://work.chron.com/much-model-make-hour-21379.html

[9] للمزيد: اقرأ قصة العارضة السابقة نيكول ويدر

Nicole Weider, Project Inspired: Tips and Tricks for Staying True to Who You Are. 2015. Zondervan.

[10] 21-Year-Old Anorexic Model Dies in Brazil.  Fox News. 2006.

21-Year-Old Anorexic Model Dies in Brazil | Fox News

[11] (المصدر السابق)

[12] Vanessa Rancano, Is It Time To Set Weight Minimums For The Fashion Industry?  NPR. 2015

https://www.npr.org/sections/health-shots/2015/12/22/460682633/is-it-time-to-set-weight-minimums-for-the-fashion-industry

[13] (المصدر السابق)

[14] Model Zuzanna Buchwald Reveals Her Agent Told Her To Stop Eating, 2016.

https://www.youtube.com/watch?v=6rdzoXWOAHc

[15] Zancu, S.A., Enea, V. Eating disorders among fashion models: a systematic review of the literature. Eat Weight Disord 22, 395–405 (2017). https://doi.org/10.1007/s40519-016-0293-5

[16] Santonastaso, P., Mondini, S., & Favaro, A. (2002). Are fashion models a group at risk for eating disorders and substance abuse?. Psychotherapy and Psychosomatics, 71(3), 168-172.

[17] 9 Models on the Pressure to Lose Weight and Body Image | The Models | Vogue, 2019

https://www.youtube.com/watch?v=MKd38G338Qw

[18] ابن تيمية، العبودية. ص 140

المرأة في هوليوود وأساطير النجاح والحرية

سجادة حمراء، أثوابٌ فاخرة، حليّ ثمينة، جمالٌ وقوةٌ واستقلالية، خطابات شكر وثناء وفخر، وحديث عن التوازن والسعادة والاستقرار..كل تلك الصور البراقة تتبادر للأذهان عند ذكر المرأة في هوليوود. فهؤلاء النساء يظهرن لنا على الشاشات وفي دور السينما كمثالٍ لتحقيق الذات والوصول إلى قمة هرم النجاح. يرسمن نموذج الجمع بين القوة والحسن والأنوثة في عيون بناتنا وشبابنا كأنهم يمثلون غاية السعي ونهاية النفق المظلم الذي تقطنه الشعوب.

لكن نظرة فاحصة إلى عالم هوليوود والنساء فيه تظهر بشاعة الحقيقة المخفية. فبين معاناة نفسية وأمراض عضوية وضغوطات اجتماعية وفقدان للخصوصية، تعيش “النجمة” الهوليوودية حياتها تلهث وراء سرابٍ لا تمسكه مهما أغرقت نفسها بالماديات. لا تملك حياتها ولا بأبسط القرارات، مسكينة تائهة في متاهات مريرة إما تجهل الذي يُفعل بها أو تدري وتتغافل مقابل الأجر المادي و وهم النجومية المزعومة.

ولأن فتنة الظاهر قد تخيّل للناظر أن هؤلاء الإناث يمثلن المرأة القدوة، أقف في هذا المقال مع صورٍ من الظلم والاستعباد التي يعانينها، لتعلم شاباتنا أن مثيلاتهن لسن محل غيرة، إنما أهل لأن نشفق ونأسى عليهن مهما بلغت أعداد جمهورهن واتسعت قصورهن وغلت حليّهن.

مقارنة بالرجل
حين تتحدث الصحافة الغربية عن المرأة في هوليوود فإن التركيز غالباً يكون على عدد الممثلات في الأدوار الرئيسية وحواراتهن وأجورهن وعدد النسوة العاملات وراء الكواليس، كل ذلك مقارنة بالرجل طبعاً.[1] وإن كانت هذه النقاط مثبتةً بالاحصائيات، إلا أنها انعكاسات للرؤية النسوية التي لاتريد للأنثى إلا أن تحقق ما حققه الذكر، وأن يكون لها النصف في كل شيءٍ، بغض النظر عن اهتمامها به أومناسبته لطبيعتها. نجد النسويات مثلاً يعترضن على أن ثلاث نساء فقط على مر التاريخ ربحن جائزة الأوسكار لأفضل مخرج، رغم أن نسبة المخرجات النساء في هوليوود لم تجاوز 8-13% من المخرجين عبر السنوات![2]

لكن الذي أود تسليط الضوء عليه ليس نقص حضور المرأة أو نوع الحوارات التي تعطى لها، إنما ما يجري في خلفية كل ذلك، كيف تدخل الأنثى هذا العالم، وعلى أي أساس يتم اختيارها من بين المنافسات؟ وإن كانت تلك الأدوار تدر أرباحاً هائلة لمجرد أداء بعض الحركات وقول بضع عبارات، فما الذي تقدمه امرأة لتحصيلها والحفاظ عليها؟

إن التمثيل في هوليوود لا يشبه غيره من المهن، فتسابق الفتيات في أمريكا على فرص الظهورعلى الشاشة، مع قلة الأعمال المنتجة نسبياً يجعل المنافسة عصيبة جداً،[3] مما يقنع المتنافسات بضرورة تحمل أي شيء مقابل رضا المخرجين والمنتجين (الرجال غالباً).[4] وقد أظهرت تقارير عديدةٌ أن رضا هؤلاء لا علاقة له إلا بآرائهم وأهوائهم الخاصة، التي يقال أنها تتوجه إلى شخصية الفتاة، حضورها المسرحي، طاقتها، تميزها، تفوقها، وحيويتها وغيرها من السمات المعنوية التي لا تملك معيارية حقيقية. وبذلك يكون المجال مفتوحاً لمجموعة من صناع الأفلام لتقييم آلاف الفتيات بناءً على شكلهن الخارجي ثم اختيار بضعٍ منهن للدخول في هذا العالم والتحول إلى “نجوم”. ولنا أن نتخيل الحدود المهنية المحفوظة خلال التجارب، فهذه الممثلة روزمند بايك تقول إن المسؤولين طلبوا منها التعري في تجربة أداء لفلم “Die Another Day”،[5] وهذا أندي هنري -مسؤول تجارب أداء مسلسل “CSI”- يُطرد من عمله بعد أن كشفت خمس ممثلات أنه طلب ذات الفعل منهن خلال التجارب، الأمر الذي وافقن عليه طمعاً في الأدوار.[6] وهكذا يتحول ما يفترض أن يكون مقابلة عمل مهنية إلى حالة مبتذلة من عرض سلعة وقبول أو رفض.

تقول الممثلة جين فوندا لمجلة ديلي تلغراف: “حين يتعلق الأمر بالممثلات فالمظهر يختصر كل شيء، فالرجال بصريون جداً ويريدون الشابات الحسناوات في الأعمال، ولذلك تجدنا نحاول الحفظ على شبابنا دائماً”.[7] أما التفوق الأكاديمي والخبرة والاحترافية فلا قيمة لهم ولا اعتبار، إنما هي مسألة ذوق شخصي للمسؤول لا أكثر، ولا عجب أن إحصائية أجرتها مجلة فوربز وجدت أن 10% فقط من الممثلين الأعلى أجراً في هوليوود يحملون شهادة جامعية.[8] وكذلك فالبقاء في هوليوود يستوجب على الممثلة أن تحافظ على صورتها وشبابها دائماً، وإلا رفَضها الجمهور وأعرض عنها المخرجون. وتعليقاً على ضغط هوليوود على نجماتها ليحافظن على شكل جسدٍ معين ونحافة مرضيةٍ غير واقعية تقول ليزا كودرو -بطلة مسلسل Friends- إن التوقعات التي كان ينبغي عليها تحقيقها كجزء من عملها في المسلسل جعلتها غير راضية عن جسدها أبداً، مما دفعها إلى محاولة تنحيف نفسها بشكل دائم، حتى أنها كانت تشعر بالتعب والبرد والمرض بسبب الحميات، وكانت رغم ذلك تتلقى المديح والثناء ممن حولها كلما خسرت مزيداً من الوزن.[9]

فضائح الاستغلال وحركة MeToo
إن كان هذا حال المرأة في مرحلة العبور إلى هوليوود فكيف بعد أن تدخلها؟

سنة 2017 انفجرت في الإعلام الأمريكي والعالمي فضيحة المنتج المشهور هارفي واينستين الذي ادعت أكثر من 50 امرأة أنه قام باعتداءات جنسية ضدهن، ومع هذه القضية بدأ هاشتاغ MeToo  بالانتشار، حيث تشجعت النساء في هوليوود (ثم خارجها) على الإفصاح عن إساءات واستغلالات جنسية تعرضن لها من قبل الرجال.[10]و بدأ بتلك الحملة حديث طويل عن السلطة الرجولية في هوليوود والحاجة للثورة على الذكور وسحب مركز القوة من أيديهم. فبحسب إحصائية نشرتها USA Today  فأكثر من 94% من النساء في هوليوود عانين اعتداءً جنسياً مرةً على الأقل في العمل.[11] لكن العجيب هنا أن الحل المقترح لم يكن تبديل بيئة عمل النساء لتكون أكثر أماناً، ولا تخفيف مشاهد العري والإثارة في أفلامهن أو وضع ضوابط على ما يسمح تمثيله، إنما الصراخ في وجه الذكور الجنسيين العجيبين ومطالبتهم بالخروج عن طبيعتهم البشرية بينما يستمر كل شيءٍ كما هو. فالصناعة موجهة لتحفيز الغرائز وإثارة المتعة، لكنها في نفس الوقت تنكر على صانعيها التأثر بما تنتجه!

أتأمل هذا الضياع وأقارنه بتكريم الإسلام للإنسان وحفظه رجلاً وامرأة جسداً وروحاً من شياطين الإنس والجن. فشريعة غض البصر ومافيها من رفع للنفس البشرية تكفي ليظهر الفرق بين منظومة دين الحق التي تعترف بالغرائز وتوجهها ومنظومة حزب الشيطان التي تنكر الطبيعة البشرية ثم تتفاجأ بها عند حدوث المصائب.

من إنسان إلى إعلان
إضافة إلى كل الاستغلال الذي يمارس بحق المرأة في عالم السينما، فإن الشركات الرأسمالية أيضاً تستغلها لتحولها من إنسان ذي كينونة وروح إلى وجه دعائي. بكل بساطة تدفع شركة مستحضرات تجميل او عطور مبلغاً مالياً للممثلة مقابل تحويلها إلى وجهٍ إعلامي للعلامة التجارية، فتنتشر صورتها على المجلات والإعلانات، وجدران المحال وعلب المستحضرات فتتحول من كائن إنساني عزيز، إلى جسد لا يُرى إلا لإبراز فعالية مستحضرٍ يسوقه. يصير مطلوباً من هذه الإنسانة ارتداء ملابس معينة في كل محفل ومقام، وذكر المنتج الفلاني في كل لقاء، والظهور على أغلفة المجلات ولوحات الإعلانات في الطرقات، كأنها إعلان متحرك مستمر، ولا أرى في الحقيقة أشبه بالعبودية من هذه الممارسة!

ورغم أن ذلك كله يجري وفق عقود رسمية برضا الطرفين، إلا أن الفنانة تعلم حين توافق عليها أنها مجبرة على فعل ما يميزها، فهي تريد للجمهور أن يذكروها بين المنافسين، وللمنتجين أن يظنوا أنها مطلوبة وذات شعبية عالية ليختاروها في الأعمال المستقبلية. فأين العدل والحرية في ذلك كله؟ وأين الكرامة إن صار الإنسان أداة كذب وخداع وزيادة أرباح؟

هوليوود ليست استثناء
رغم أن الحديث هنا عن المرأة في هوليوود، إلا أن الذي أصفه يشمل عرض النساء في ظروف مرسومة من أجل إمتاع الجماهير وتحصيل أموالهم في أي مكان وزمان. ففي عالم بوليوود (السينما الهندية) مثلاً تقول الممثلة شريا نارايان في مقابلة مصورة أن استغلال المرأة جنسياً مقابل أن تكون “Somebody” أو شخصاً معروفاً في السينما هو الشائع.[12] فالسلوك إلى القمة في هذه الصناعة مع كثرة المتنافسين عليها لا بد أن يمر بما يسمونه “casting couch” أو كنبة تجارب الأداء، ولا شك أن جميع الممثلات مجبرات على سلوك هذا الطريق على حد قولها. علاوة على ذلك تقول نارايان (وقد خانتها عبرةٌ) أنها مقصاة إلى حد كبير لأنها لا ترضى أن تكون أداة تسويق لمنتجات يكلف الواحد منها ما يكفي لإطعام عائلة في بلدها. فهي ترفض أن تكون وجه جمال استثنائي على الدوام وتكره أن يطلب منها ارتداء أزياء المصممين ومجوهراتهم والمحافظة على مثالية هيئتها وشعرها في كل لقاء كي تكون وجهاً إعلامياً معروفاً للمنتجين والمخرجين.[13]

هؤلاء النساء المستعبدات لمعايير الجمال الخيالية ورضا الجمهور والمخرجين وشركات الإنتاج ورؤوس الأموال، هؤلاء اللواتي لا يملكن أن يدفعن عن أنفسهن اعتداءً ولا إهانةً، هن من يتربع على قمة سلم المال والشهرة ويقبع أسفل هرم الحرية والطمأنينة، هؤلاء يتصدرن فيشعرن ربة المنزل المسلمة الكريمة العفيفة بالنقص والدونية والهوان. يشعرنها بأن سؤال زوجها عن وجهتها إن خرجت انتقاص منها، لكن تحديد مخرج العمل لحميتهن وطلب المنتِج أن يصبغن شعورهن نهاية القوة والاستقلالية بالتأكيد!

إن هوليوود وغيرها من صناعات ليست إلا صناديق مغلقة تهدف لتصوير الحياة بأكملها بشكل مزيف لا يمت للواقع بصلة. فهذه العوالم لا تقدم الأفلام أو المسلسلات للمتعة فحسب، إنما تقدم رموزاً بشرية أيضاً تعيد للجمهور تعريف الحياة واضعةً المال والجمال والشهرة والمتعة كقيم عليا تلغي في سبيلها كل الأخلاقيات التي تعارفت عليها الأمم عبر تاريخها الطويل. فهؤلاء الممثلات اللواتي لم يقدمن للإنسانية إلا أداء بضع حركات أمام ستارة خضراء مقابل بخاخ ماء أو مروحة هواء، يظهرن في في اللقاءات والمؤتمرات يعطين عامة النساء محاضراتٍ في المساواة والحقوق والنجاح دون أن يعترض عليهن أحد، بل إن وجهات نظرهن تُنشر وتبجّل ويُحتفى بها كأنهن وصلن إلى غاية السعي و صرن في الفردوس الذي نتطلع إليه.


[1] Hollywood’s devastating gender divide, explained. Kelsey McKinney, VOX, 2015. https://www.vox.com/2015/1/26/7874295/gender-hollywood

The challenges of being a woman in the Hollywood business. Ashlea Green, MyStory, 2017.  https://yourstory.com/mystory/3c08075d00-the-challenges-of-being-a-woman-in-the-hollywood-business.

[2] Study: Women Film Directors Saw Their Numbers Shrink in 2018. Gregg Kilday, The Hollywood Reporter, 2019. https://www.hollywoodreporter.com/news/women-comprised-just-8-percent-directors-top-2018-films-1172727

Hollywood’s devastating gender divide, explained. Kelsey McKinney, VOX, 2015. https://www.vox.com/2015/1/26/7874295/gender-hollywood

[3] Only 2% of actors make a living. How do you become one of them?. Michael Simkins, The Guardian, 2019.

https://www.theguardian.com/film/shortcuts/2019/jun/05/only-2-per-cent-of-actors-make-a-living-how-do-you-become-one-of-them

[4] The challenges of being a woman in the Hollywood business. Ashlea Green, MyStory, 2017.  https://yourstory.com/mystory/3c08075d00-the-challenges-of-being-a-woman-in-the-hollywood-business.

[5] Rosamund Pike Says She Was Asked to Strip for ‘Die Another Day’ Audition. Katie Kilkenny, The Hollywood Reporter, 2018.

https://www.hollywoodreporter.com/news/rosamund-pike-says-she-was-asked-strip-die-day-audition-1135808

[6] Actresses Say Veteran ‘CSI’ Casting Employee Coerced Them Into Disrobing. Gary Baum, The Hollywood Reporter, 2017.

https://www.hollywoodreporter.com/news/women-say-veteran-csi-casting-employee-coerced-disrobing-1058398

[7] Jane Fonda:Ageism in Hollywood is “alive and well”. Bangshow.com, The Washington Post, 2015.

https://www.washingtonpost.com/entertainment/jane-fonda-ageism-in-hollywood-is-alive-and-well/2015/05/23/4df46594-0168-11e5-8c77-bf274685e1df_story.html?utm_term=.cf57dfb6a44b

[8] College Majors Of The Stars. Lacey Rose, Forbes, 2007.

https://www.forbes.com/2007/06/25/celebrity-college-education-biz-media_cx_lr_0626majors.html#5cd5d77b351a

[9] Lisa Kudrow Speaks Out About The Pressure She Faced on TV. Blendtx, Daily Blend, 2019.

https://blendtw.com/lisa-kudrow-speaks-out-about-the-pressure-she-faced-on-tv/

[10] A Timeline of the Weinstein Case. Alan Feuer, The New York Times, 2020.

https://www.nytimes.com/2020/02/24/nyregion/harvey-weinstein-case-sexual-assault.html

[11] How common is sexual misconduct in Hollywood?. Maria Puente and Cara Kelly, USA Today, 2018.

https://www.usatoday.com/story/life/people/2018/02/20/how-common-sexual-misconduct-hollywood/1083964001/

[12] Whaاt’s It Like to Be a Woman in Bollywood?. Vishal Arora, The Diplomat, 2017.

https://thediplomat.com/2017/03/whats-it-like-to-be-a-woman-in-bollywood/

[13] المصدر السابق

لباس المرأة الغربية.. بين انتزاع الحياء وغياب الحشمة

بعد شتاءٍ قارسٍ في شمالي ولاية نيويورك، خرجنا في أول يومٍ ربيعي إلى حديقة مجاورة لنتأمل خضرة الأرض وازدهار الأشجار. كان نهاراً مشمساً بديعاً، يملأ النفس إيماناً بوحدانية الخالق الذي حبى الوجود جمالاً وإتقاناً عظيمين. في تلك اللحظات لم يعدنا لواقع الدنيا الفانية سوى شيءٍ واحد، وهو صدمتنا بلباس مرتادي الحديقة الكاشف من حولنا. فبعد أن قضى الناس شهوراً طويلة في ملابس الشتاء خرجوا في ذاك اليوم بشيءٍ قليل من الأقمشة يستر جسدهم ليستغلوا الجو اللطيف ويستمتعوا بحرارة الشمس!

من الربيع في شمال نيويورك – 2015، بعدسة الكاتبة

كان ملفتاً لنا كعائلة حديثة العهد بالغربة رؤية الأريحية التي يتعامل بها الأمريكيون مع قلة سترهم لأجسادهم، خصوصاً مع مفاهيم الحياء والأدب التي تربينا عليها. تعجبت من لباس الفتيات تحديداً، إذ لا يكاد ما يلبسنه يستر ربع أجسادهن! فكيف وصلت البلاد الغربية إلى هذا النمط من تعرية النساء ونزع حيائهن؟ وإلى أين تمضي هذه الثقافة بالشعوب الغافلة؟

نظرة تاريخية
يحدثنا القرآن الكريم عن بداية الإنسان المستخلف في الأرض كشخص حيي يحب الستر، فها هما أبوينا آدم عليه السلام وحواء لما أكلا من الشجرة وانكشفت عوراتهما جعلا يرقعان من ورق التين ما يواري جسدهما حياءً رحمهما الله [1] {فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ} [طه:121]. وحيث تشير الوثائق التاريخية إلى تنوع في لباس في المجتمعات الرومانية واليونانية، فإن لباس النساء الغالب فيها كان الثوب الطويل (الشملة/Stola) الذي يصل إلى القَدم، طويل الكمّ إلى الساعد أو الرسغ [2]، وهكذا استمر لباس المرأة الغربية على نفس النمط حتى نهاية العصور الوسطى، حيث يؤرخ الخبراء هناك نشأة “الموضة” في العالم (المفهوم الذي يعرف بقبول عدد كبير من الناس لنمط لباس معين لفترة وجيزة) [3].

وللثورتين الفرنسية والصناعية دور كبيرٌ في تحول لباس المرأة الغربية نحو ما هو عليه اليوم، تحديداً مع خروج المرأة من البيت وانطلاقة المصانع بأعدادٍ كبيرة [3]. بعد ذلك كانت انطلاقة الحركات النسوية مع أثرها المفصلي في تبديل وجهات نظر النساء حول لباسهن، حيث ربطت الحرية من النظام الأبوي بقلة الستر والتفلّت من مفاهيم المجتمع حول الحياء والعفة. فهذه الحركات وإن بدأت محقةً داعيةً لرفع الظلم عن النساء، إلا أنها أنتجت ردود فعل صارخة تجاه كل قيد وحد على سلوك المرأة التي أشعروها أن الظلم التاريخي يبرر لها كل فعل. وبذلك بات لباس المرأة أعقد من مجرد قماش يغطيها، إنه تعبيرٌ عن حقوقها وتحررها واعتزازها بنفسها أيضاً. ومن الجدير بالذكر أن عولمة الثقافة الغربية وانطلاقها لريادة الشعوب الأخرى يجعل خطر كل هذا منطبقاً على الشعوب المسلمة، ولعل حملة “إنه جسدي، إنها حقوقي” التي أطلقتها منظمة العفو الدولية والتي تدعو لتمكين الشباب والشابات من اتخاذ قرارتهم الخاصة بأجسادهم من أوضح الأمثلة على فرض النظرة العولمية للجسد على الثقافات الأخرى [4].

النسوية وازدواج المعايير
تراودني تساؤلاتٌ عدة وأنا أستعرض التاريخ العام لتطور لباس النساء الغربيات. كيف رضيت النسوية المنادية بتحرير المرأة ومساوتها بالرجل بجعل جسدها مستباحاً لكل ناظر بهذه الطريقة التي نراها اليوم؟ وكيف استخفها الرجال الشهوانيون مصممو الأزياء ومخترعو الموضات فاقتنعت بأن التعري يرمز للقوة ويدل على الحرية؟ بل كيف رضيت المناديات بحقوق المرأة لأنفسهن أن يكون لباس النساء أكثر كشفاً بكثير من لباس الرجال المخصص لنفس الغرض؟ فبنطال الرياضة القصير المخصص للإناث أقصر بكثير من ذاك المخصص للذكور، كذلك لا يخفى على أحد كون زي المرأة الغربية الرسمي متضمناً تنورةً قصيرةً ضيقةً تكشف ساقيها، بينما الزي الرسمي للرجال يتضمن بنطالاً طويلاً فضفاضاً. فهل غاب عن النسويات ذلك؟ أم أنهنَّ اقتنعن فعلاً أن الكشف رمز للقوة؟

سيكون رد النسويات غالباً أن الأمر عائد للاختيار الشخصي، فهذه الديمقراطية وعلى أساسها قامت الحكومات الغربية، كما كتبت النسوية تيري موراي في إصدار لجمعية Rationalist Association أن المرأة عندما تلبس الثياب الكاشفة إنما تفعل ذلك للتعبير السليم عن نفسها بكل عفوية جاعلةً ذاتها “كياناً جنسياً مستقلاً” [5].

وللرد على هذا أحب أن ألفت انتباه النسويات إلى غياب الحرية عن الطرف المقابل تماماً، فإن كان الأمر مجرد دفاع عن حرية المرأة كما تزعمن، فأين نضالكن من أجل حرية المنتقبة في اختيار لباسها؟ أليست امرأة كذلك ولها الحق في اختيار ما تغطي وما تكشف من جسدها؟ بل لماذا تهاجمنها وتدعين فهم دوافعها وأسبابها؟ لقد افترض الناطقون باسمكن أن النقاب رمز للقمع والقهر وتحدثوا بكل ثقة عن كون المنتقبة مجبرةً ومكبوتةً من قبل الذكور في حياتها والذين لا ينظرون لها إلا كمادة جنسية تحتاج التغطية [5،6].

كيف علمتن أن هذه دوافع المنتقبات فعلاً؟ وأين دفاعكن عن حق المرأة بالتعبير عن نفسها كما تشاء؟ وإن كان الأمر كمان تزعمن حماية للمرأة ممن يعاملها كمادة جنسية ألم يكن الأحرى بكم أن تطالبوا بمنع صناعة وبيع أحذية الكعب العالي ومستحضرات التجميل التي تفعل ذلك بالضبط؟ أمرٌ يستدعي التفكير فعلاً!

الإنسانوية وغياب الفطرة
  إن ما أراه عجيباً فعلاً في هذا الميدان هو ما وصلت إليه الشعوب الغربية من غياب شبه تام لقيمة الحشمة كخلقٍ أساسيٍّ ينشأ عليه الأطفال منذ نعومة أظفارهم، إذ أن إقصاء الدين عن الحياة جعل الإنسان مركزياً تماماً، فهو مصدر الأمر والنهي وما يرضيه يكون صحيحاً بكل تأكيد، ولو أودى ذلك  بقيم وفضائل عرفتها البشرية عبر تاريخها الطويل. يقول د. سلطان العميري أن العقل الغربي توجه مع حركة التنوير إلى تقديس العقل الإنساني والإعلاء من قدراته وجعله الميزان الذي يحكم من خلاله على كل شيء، واعتقد الغرب أن القدرة العقلية الإنسانية يمكنها أن تصل إلى الرشاد في كل الميادين الحياتية من غير توجيهٍ من أي مصدر آخر خارج الإنسانية ذاتها [7]. ولما كانت مصلحة الإنسان المادي في تحصيل أكبر قدرٍ ممكن من المتعة والراحة في الحياة الدنيا، تبدلت ثقافة اللباس لتتماشى مع هذه المصلحة. فالخُلق الذي كان من بقايا الدين لم يعد له مكانٌ في حياة هذه الأقوام البتة.

ولنقارن هذا بحياء أمنا عائشة رضي الله عنها ونقاء فطرتها وسلامتها، فقد روي أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “يحشر الناس يوم القيامة حفاة عراة غُرْلاً”، قلت: يا رسول الله، الرجال والنساء جميعاً ينظر بعضهم إلى بعض؟ قال: “يا عائشة الأمر أشد من أن يُهمهم ذلك”. [متفق عليه]. وسبحان ربنا تبارك وتعالى المتفضل علينا بالتكريم والستر، القائل في كتابه الكريم: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا ۖ وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ ۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} [الأعراف:26]. فمن فضل الله العظيم علينا تمكيننا من اللباس الساتر للعورات الذي ما فتئ الشيطان يغوي أتباعه بنبذه منذ الجاهلية حتى تمكن من المشركين وجعلهم يتعرون للطواف [8]. وها هو الشيطان اليوم يعيد الكرة ويستخف أتباعه في جاهلية ناطحات السحاب والأجهزة الذكية فيسلبهم أبسط نعم الله تبارك وتعالى عليهم، ويا أسفى على من يستورد تلك الثقافات بكل ما فيها.

وتبارك جلَّ وعلا حين قال في محكم تنزيله: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكا} [طه:124]، فها هم الذين نبذوا الوحي يستمرون في الإعراض عن أبسط نعم باريهم عليهم، معظمين شهواتهم نحو تشوه فطري مغلف بالتقدم والتحرر!

ولا حول ولا قوة إلا بالله..


المصادر:

[1] الحافظ ابن كثير، تفسير القرآن العظيم.

[2] The Ancient Roman Costume and Fashion History, Costume Fashion History

 https://world4.eu/roman-costume-history/

[3]   Phyllis Tortora, Europe and America: History of Dress (400-1900 C.E.)  

 https://fashion-history.lovetoknow.com/fashion-history-eras/europe-america-history-dress-400-1900-c-e

[4] ملاك بنت ابراهيم الجهني، الحريم العلماني..الليبرالي!. قراءات ومقالات فكرية، مركز باحثات لدراسات المرأة، 1436هـ.

[5] Terri Murray, Why feminists should oppose the burqa, New Humanist, Rationalist Assiciation, June 2013

https://newhumanist.org.uk/articles/4199/why-feminists-should-oppose-the-burqa

[6] Mona Eltahawy, Ban The Burqa, The New York Times, July 2009

https://www.nytimes.com/2009/07/03/opinion/03iht-edeltahawy.html

[7] د.سلطان بن عبد الرحمن العميري، ظاهرة نقد الدين في الفكر الغربي الحديث، مركز تكوين.

[8] أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، تفسير الطبري المسمى جامع البيان في تأويل القرآن.

القوامة وظلم الزوجة

العلاقة الزوجية جملة متبادلة من الحقوق والواجبات، وهي قائمة على مبدأ الأخذ والعطاء {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة} (البقرة: 228)، وهذه الدرجة (القوامة) ليست لقعود جنس النساء عن جنس الرجال، بل تفضيل متناسب مع ما أودعه الله في الرجل من استعدادات فطرية تلائم مهمته وتتناسب مع إنفاقه على الأسرة وبناء الحياة خارجها. وقوامة الرجل على المرأة والأسرة لا تعني تفرده بالقرار، فالنبي أكمل الرجال وسيدهم يستشير أم سلمة في مسألة تتعلق بالأمة، لا بالأسرة فحسب، ففي إرضاع الأولاد قال تعالى {فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور} (البقرة:233)، وفي حجة الوداع وأمام جموع الصحابة وقف النبي فحمد الله، وأثنى عليه، وقال: «ألا إن لكم على نسائكم حقا، ولنسائكم عليكم حقا، فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن» (1).

وأمر النبي بحسن العشرة للنساء والصبر على ما يصدر منهن من أذى اللسان، فإن المرأة بحسب جبلتها تأخذ حقها بلسانها، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «واستوصوا بالنساء خيرا، فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرا» (2).

 ولما كانت الأسرة كسائر المؤسسات المجتمعية والاقتصادية تحتاج إلى قائد يقودها؛ فإن القرآن جعل القوامة في الأسرة للرجل دون المرأة {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} (النساء: 34)، فالآية تحدد صاحب المسؤولية الأولى في الأسرة، وهو الرجل، إذ أي مجتمع إنساني لا يخلو من قيم مسؤول يقود من تحت ولايته بما يمتاز به عن الآخرين، ككبر سنه أو امتلاكه حصة أكبر في الأسهم أو خبرة وأقدمية في العمل، لكن على كل حال لابد من وجود مدير أو مسؤول أول أو قائد لهذه المؤسسة.

وفي حالتنا هذه نحن أمام أحد خيارين: إما أن تكون المسؤولية الأولى للمرأة، أو أن تكون للرجل.

إن نظرة بسيطة تتفحص عالمنا الذي ما فتئ ينادي ويصرخ بالمساواة العمياء بين الرجل والمرأة لتكشف لنا عن حقيقة تميز الرجل عنها في مختلف بلدان الداعين إلى المساواة، لذلك أسأل القارئ الكريم: كم نسبة الوزيرات إلى الوزراء في دول العالم الذي ينادي بالمساواة بين الجنسين؟ وكم نسبة الملوك والرؤساء من النساء في تلك البلاد؟ وكم نسبة نساء الدولة والبرلمان وقادة الأحزاب إلى الرجال في هذه الدول؟!

لا ريب أننا جميعا متفقون على تقدم الرجل في كل هذا على المرأة وبفارق كبير، فكيف وقع هذا عند من يدعون المساواة؟ إن الدول الإسكندنافية حققت أعلى الأرقام العالمية في تولية المرأة مناصب قيادية، لكنها لم تتجاوز نسبة الـ30 %، لماذا؟ القرآن يجيبنا: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} (النساء: 34)، نعم لقد خلق الله الرجال لغاية، وأعطاهم من الملكات والإمكانات ما يعينهم عليها، ومن ذلك مسؤولية القيادة في الأسرة والمجتمع، لأنه مسؤول عن رعاية البيت ونفقته، فالزوجة مصانة، ليس واجبا عليها ولا مطلوبا منها أن تكدح وتشقى بالعمل لتضمن مكانا لها في بيت الزوجية، فهذا ليس من واجباتها، ولا هو متناسب مع أنوثتها وطبيعتها الحانية العاطفية التي فطرها الله عليها لتناسب مهمتها السامية في إدارة بيتها

وتربية أبنائها وإعطائهم حقهم من الحنو والرعاية «كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته .. والرجل راع في أهله، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها، وهي مسؤولة عن رعيتها» (3).

والمرأة مكفولة النفقة، أما كانت أو زوجة، أختا كانت أو ابنة «يد المعطي العليا، وابدأ بمن تعول: أمك وأباك، وأختك وأخاك، ثم أدناك أدناك» (4)، فواجب الرجل الإنفاق على الأسرة عموما، وعلى الزوجة خصوصا، ولو كانت ذات مال ووظيفة، فقد أمر النبي بذلك: «ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف» (5).

فالقوامة في الإسلام تعني حق الطاعة الواجبة على الزوجة تجاه زوجها، وهي طاعة عطاء وبذل متبادل بلا منافسة ولا شحناء، فالرجل هو القائد والمرأة مركز القيادة، دون إخلال بإنسانيتها أو كرامتها، بل إن هدف القائد رفعة المرأة سواء كانت كزوجة أو ابنة أو أم، فعليه حق العناء ولها حق الرفاهية والإعزاز، فإدارة دفة الحياة لا تصلح بقائدين متساويين، والرجل في قيادته ليس له حق الاستبداد والاستعلاء، ولكن عليه مشاورة المرأة فيما يخص الأسرة من قرارات.

وحق القوامة في الإسلام فيه كامل حماية المرأة مما يواجهها من أخطار تمس الشرف أو الكرامة أو الكبرياء، فهي جوهرة مصونة لا يعبث بها أي طامح أو طامع، فإن احتاجت التقويم والإرشاد فهناك ضمانات لعدم إهانتها أو مس كبريائها، وإن شهدت كان لها حق شهادة مع مراعاة طبيعتها كامرأة بلا نقصان في أهليتها، وإن وليت أمرا فلا بد أن يكون في حدود إمكانياتها وطاقاتها وطبيعتها حتى تفلح فيه، ولها حرية امتلاك الأموال والتصرف فيها، وحرية مفارقة الزوج إن رغبت في ذلك بالخلع فإرادتها في الإسلام كاملة، وكرامتها مصونة وهي المشاركة للرجل في شتى مناحي الحياة، وهي السكن والمودة والرحمة.

اليوم يريدون للمرأة حرية أكبر ولا طاعة للزوج ولا قوامة، ولايريدون أن يتحكّم الزوج بخروجها ودخولها وأن تعيش بصلاحيات المرأة الغربية، لكن وبنفس الوقت يريدون من الزوج أن يكون شرقيا معها، يحميها ويعطيها الحنان والأمان والمال، وأن يفني عمره عليها وعلى أولادها وألا يكون متطلّبا حين يأوي لبيته.

إن شواهد الحياة كلها تدل-عند التحقق-على أنه قد لا يسعد المرأة سعادة حقيقية أن تتساوى بالرجل في كل شيء، بل إن سعادتها الحقيقية تكمن في أن تراعي وجوه اختلافها عن الرجل سيكولوجيا، وبيولوجيا، وفسيولوجيا، ولا تكمن في أي خروج على هذه الأوجه، أو تجاهل لها. وأشير إشارات سريعة – لأسباب معروفة- إلى ما هو مشاهد ثابت من غلبة الاكتئاب المرضي، والرغبة في الانتحار -بل الإقدام عليه أحيانا- وغلبة الشقاء النفسي، والفشل في الحياة الخاصة على كثير من المتزعمات لما يطلق عليه حركات المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة، في مقابل السعادة الحقيقية التي تجنيها المرأة المتوافقة في حياتها مع طبيعة الأنثى بكل صفاتها، وأبرزها ما تختلف فيه مع الرجل من تكوين نفسي، وعضوي.

يبقي أن نسأل ما هو الموجود في كتب الأخرين حول موضوع القيّم على الأسرة: وما رأيكم في قول بولس: “الرجل ليس من المرأة، بل المرأة من الرجل، ولأن الرجل لم يخلق من أجل المرأة، بل المرأة من أجل الرجل” (كورنثوس (1) 11/ 8 – 9)، وهذا النص وأمثاله يفيد قوامة الرجل، ويفيد أيضا ما لا نقبله، ونراه إزراء بالمرأة التي لم تخلق للرجل، فهي ليست كسائر ما سخره الله لنا من متاع، بل هي كالرجل مخلوقة لعبادة الله وعمارة الأرض بمنهجه تبارك وتعالى.

لقد آمنت التوراة بضرورة قوامة الرجل على المرأة حيث فشلت المرأة في أن تكون المعين والمساعد للرجل في الجنة، فتسببت في إخراجه منها، ولذلك فله حق القيادة والرئاسة والإدارة في الدنيا والتي وصفت بلفظ ثقيل المعنى والمفهوم وهو التسلط، أي الرياسة بضغط وإكراه، وكان من حق الوالد على ابنته أن يبيعها لسداد ديونه… ومن حق الزوج على زوجته اللواط معها بدون رغبتها ومن حق الأب تزويج ابنته بدون أخذ رأى أمها… وكان من آثار هذا التسلط: عدم احتفاظ المرأة باسم عائلتها إذا تزوجت من عائلة أخرى. وعدم الحق في مباشرة إدارة الأموال إلا بوصاية زوجها.

وتؤمن المسيحية بأن العدل هو خضوع المرأة للرجل؛ لأن المساواة في الكرامة تجلب الصراع، والمرأة لا تستحقها، لأنها أساءت استخدام السلطة في الجنة فخرجت منها هي وزوجها، وعبر بولس عن خضوع المرأة للرجل وجعله كالعبادة تماما حيث قال: 22 أيها النساء اخضعن لرجالكن كما للرب، 23 لأن الرجل هو رأس المرأة كما أن المسيح أيضا رأس الكنيسة. (أفسس 5: 22، 23).

كما يقول: رأس المرأة هو الرجل. (كورنثوس 11: 3).

ونتج عن هذا التسلط عدة أحكام مجحفة بالمرأة منها:

أ – لا ينبغي أن تكون المرأة معلمة للرجل.

ب – الصمت في الكنيسة وعدم الكلام نهائيا.

جـ – تحريم عملها كداعية دينية أو العمل الكهنوتي بالكنيسة.

د – عدم حقها في الاستقلال بذمتها المالية ومزاولة أعمال التجارة والتصرفات المالية.


الهوامش

(1) أخرجه الترمذي ح (1163)، وابن ماجه ح (1851).

(2) أخرجه البخاري ح (3331)، ومسلم ح (1468).

(3) أخرجه البخاري ح (893)، ومسلم ح (1829).

(4) أخرجه النسائي ح (2532)، وأحمد ح (7065).

(5) أخرجه مسلم ح (1218).