مقالات

الأنثى والحجاب بين تشبُّثٍ وتخلٍّ

لاحظتُ مؤخراً أمراً استحوذَ على تفكيري، ولم أرنُ بعدُ لإجابةٍ شافيةٍ كافية وافيةٍ عن السبب الحقيقي خلفها، وهو سرّ تخلي الأنثى عن حجابها بعد سطوعِ نجمها، وتحقيقها لمرتبةٍ ربّما كانت حُلما تتسلّقُ إليه بكل جوارحها ثمّ ما لبثت حين وصلت إليهِ أن تجرّدت من حجابها أولاً ويكأنه سيشكّلُ عائقا أمام بزوغِ هذا النّجمِ، أو سيؤدي إلى تبدّده!

تساؤلات على طريق الالتزام

لستُ أدري، لكنّه أمرٌ يستدعي طرح تساؤلاتٍ مهمّة على النّفسِ، من قبيلِ: هل ارتدينا الحجابَ عن قناعةٍ تامّةٍ، أم أنه كان محضَ سلطةٍ فرضها الوسطُ العائليّ المحافظ، أم أنه رغبةٌ مؤقتة ما فتئت أنِ انطفأت جذوتها وخمدت؟ فإذا ما كنا ارتديناه عن قناعةٍ محضةٍ، فكيف نفسرُ التغيّر الجذريّ الحاصلَ بعد سنواتٍ من ادّعاءِ القبضِ على جمرِ السّترِ والعفافِ، ليختفيَ الشّعارُ الرّنانُ فجأةً، ويحلّ محلّه شعاراً آخرَ بالتّحرّرِ موسومٌ، وبالحياةٍ مزعومٌ؟ وهل يمنعنا الحجابُ من الحياة؟ ثم هل تكمنُ القيمةُ الفعلية للأنثى في إظهارِ خصلات شعرها؟

بدايةً، وقبل الشّروعِ في الإجابةِ عن الأسئلةِ التي طُرِحت آنفاً، وتفكيكها وِفقَ حيثياتٍ واقعيّةٍ، وتناولها من منظورٍ تحليليّ نفسيّ، وجب أولاً التّنديد بهاته الظاهرة التي تفشّت على نحوٍ كبيرٍ على أبواب مواقع التواصل الاجتماعي التي خوّلتْ للمرءِ خاصيّاتٍ عِدة من ضمنها خاصيّة التأثير والتأثّر، والتي شكلت مجمّعاً ضخماً يُدعى بالمؤثرينَ؛ هذا المُجمّع يعملُ على ترسيخِ قيمٍ وسلوكاتٍ من خلالِ تشكيلها وفقَ قوالبَ تناسبُ عقلَ كلّ متلقٍّ ومتأثرٍ بأفكارهم.

ومن ضمن هذا المجمّع، نجدُ صنفَ المؤثّراتِ، واللائي بدأنَ مسيرتهنَّ بروتيناتٍ بسيطةٍ، اتّسعتْ دائرتُها مع كلّ تحديثٍ وتحدٍّ يفرضهُ التطبيقُ على مُستخدميه، من خلالِ تجربتي مع مواقع التواصل الاجتماعي منذ بدايةِ عهدي بها، تعرّفت على مؤثراتٍ، وتابعتُ بعضهنّ، وتأثرتُ ببضعٍ من أفكارهنّ ما شاء لي الله أن أفعل، فكنت أغبطُ هاته على لباسها المتناسقِ المحتشمِ، وأحسدُ تلكَ على ما حباها الله بهِ من سترٍ وعفافٍ يجمّلها، وكنتُ أحياناً أسأل الله أن يرزقني القبولَ الذي رزقهنّ، ثمّ كبرتُ، وقرأتُ، ونضجتُ بالقدر الذي جعلني أدركُ مدى التّزييفِ الذي كنتُ واقعةً فيه، لأكتشفَ أنّ تلكَ التي كنتُ أرجو حذوَ حذوها بالستر والوقار، قد أصبحتْ وبعد أن فاضَ عليها التّطبيقُ بخيراتهِ من المتابعين والمتابعاتِ بدونِ حجابٍ، نزعتهُ عن رأسها نزعاً، بينما أخرى قد أصبحتْ تتساهلُ في إخراجِ خصلةٍ من مقدّمةِ الرّأسِ، وكأن في ذلك إثباتٌ لعدمِ إصابتها بالصّلعِ، بينما أخرى قد أعلنتْ تنديداً واسعَ النّطاقِ عن معاداةِ الحجابِ، بعد أن كانت لا يُرى منها إلا الوجه والكفّينِ، ليحلّ عليها يومٌ وقد أصبحَ الجزء المكشوف من جسدها أكثر من المستور.

هذا التّفسّخ المُعلن، والتحرّر المدَّعى يدفعنا للتساؤلِ والتّوقف عند هذا المنعطفِ الخطير.

نعودُ هنا لمسألة أولى، وهي هل حقّا ارتداءُ الأنثى للحجابِ كانَ عن قناعةٍ تامّةٍ؟ إن الجزمَ بذلكَ لا يكونُ إلا بعد التّعرِضِ لبضع تساهلاتٍ أو نقاطِ اختبارٍ، ما يجعلها تُقرُّ وتجزمُ بمدى اقتناعها بالحجاب من عدمهِ، قد تأتي هذه الاختبارات في لحظاتٍ فارقةٍ تجعلها إمّا متشبثةً بحجابِها، أو متساهلة متخليّة عنه، فهبْ أنّ القدر أتاحَ لها إمكانيّة إتمامِ الدّراسةِ في منطقة تبعدُ عن مكان سُكناها، ولا يعرفها هنالكَ أحدٌ، وقد زيّنتْ لكِ شياطينُ الإنسِ مدى حسنها وجمالِها بدونِ حجابٍ، وأنّهُ لا بأسَ بالتّجردِ منهُ في مكانٍ لا رقيبَ ولا عتيدَ عليها فيهِ. هُنا في هاتهِ اللحظة بالذّاتِ تُدركُ الأنثى علاقتها بحجابها إن كانت متينةً بُنيتْ على أسسٍ صلبةٍ، أم أنّها بناءٌ مهترئٌ يهتزُّ بربعِ كلمةٍ، ويزيغُ بثُلثِها.

المسألةُ الثّانية هي إذا ما كان الحجاب محضَ سلطةٍ أبويةٍ فرضها الوسطُ العائلي المحافظ، وهذا النّوعُ من السّلطِ يجعلُ ثقةَ الأنثى مهتزّةً بنفسها أولاً، وبعائلتها ثانياً، كونها تربّتْ على نِطاقٍ سُلطويٍّ محضٍ يغيبُ فيهِ عنصر الحوارِ بالحكمة، والموعظةِ، وبالتي هي أحسن وأقوم، فتجدُ الأبَ قليلَ العلمِ، لا يفقهُ من دينهِ إلاّ ما شاء الله له أن يأخذَ من فقهاء المسجدِ، وخطباءِ الجمعةِ، فيُدرجُ المسائلَ وفقَ بعضها، ويخلطُ بين ما تُمليهِ العاداتُ وما تنصّ عليهِ الأحكام الشرعيّةُ، فيشكّلُ فكرةً عامّةً تجعلهُ ينهرُ أكثرَ مما ينصحُ، ويوبّخُ أكثر ممّا يعظُ، ويُعاقبُ أكثرَ ممّا يُعلّم، فتتشكّلُ هالةٌ من الخوفِ لدى أبنائه وبناتهِ خاصّةً، فيُطِعنَ عن خوفٍ وضعفٍ، ثمّ ما إن تسنحُ الفرصةُ، فتنقضي حياةُ وليّ الأمر ويوافيهِ الأجلُ، أو تغدقُ عليهنّ الدّنيا من نعيمِها وخيراتِها، فيستقِلن بذواتهنّ، حتى يشرعنَ في التّحرّرِ من الحجابِ كإعلانٍ عن التحرّرِ من أول سلطةٍ قيّدتْ حريّتهنَّ.

اغرس القِيَم بالحكمة

تخيّلْ لو أنّ خِطابَ القمعِ حلّ محلّهُ اللينُ والوعظُ، وبدلَ تعدادِ عباراتِ التّوعدّ بالعقابِ إذا ما لم ترتدِ الأنثى الحجابَ، أن يتِمّ تعدادُ محاسنِ السّترِ، وذكرِ قصصِ أمّهاتِ المؤمنينَ والصّحابياتِ وهنّ خيرُ نساءِ المسلمينَ وأطهرهنّ، وبدل التّوبيخَ يحلُّ التّنويهُ، فيُحبّبُ الحجابُ لقلوبهنّ، ويبتغينَ السّترَ حُبّاً وفرحاً، بدلَ أن تكرهنهُ فيرينهُ قيداً لهنَّ، وسلطةً عليهِنَّ.

فالحوارُ يصنعُ الفرقَ، والكلمةً الطّيبةُ خيرٌ وفي النّفسِ أبقى، وإنَّ ما يصنعهُ اللينُ لا يصنعهُ الجبرُ والقسرُ، وإنّما تُكسب الأنثى باللينِ، ولا يصنعُ بِها العُنفُ إلاّ عناداً وتمرّداً وإن بُنيَ على حقّ وصوابٍ.

وهنا ثمة مسألةُ ثالثةُ ينبغي التنبّه لها، وهي تلكَ الجِذوةُ حديثةُ العهدِ بالتوَقّدِ، وقدِ اشتعلتْ بنورٍ خافتٍ ولّدَ رغبةً ملحّةً بأمرٍ، فما إنْ يختفِ مفعّلُها الأساسيُّ حتى تخمدَ وتنطفئَ، فتعودُ حليمةَ لعادتها القديمةِ، فقد ترى الأنثى عازمةً حازمةً على ارتداءِ الحجابِ، وقدْ طفتْ رغبةٌ ملحّةٌ بنفسِها أن تفعلَ، فتُسرّ بذلكَ وتفرحُ لها، وتدعُ الله لها بالثّباتِ والسّدادِ، ثم تمرُّ فترةٌ فتجِدها قد ارتدّتْ عنهُ، وعادتْ لسابقِ عهدِها، واختفتْ الرّغبة التي شعّتْ وشاعتْ بملامحها، ليحُلّ محلّها جمودٌ بادٍ، ونفورٌ مُعادٍ، وهذا قد يرجعُ إلى اختلاطِها بِجُمهورٍ نغّصَ عليها عزمها، وقبّح إليها صنيعها بدل أن يحبّبها فيهِ، فتصبحُ واهيةَ الهِمّةِ، واهنةَ النّفسِ، تتقلّبُ بينَ اختبارين فتغلبُ عليها شِقوتها وتخضعَ لهوى النّفسِ، وتأتمرُ بأمرِها، وتتبعُ ما أملتهُ عليها.

ومن جُمهورِ العباراتِ نجدُ تلكَ التي تتحَجّجُ بالحجابِ وتصيغهُ في قالبِ معيقٍ لتقدّمِ الأنثى وتعلّمها، فتسمعُ أنّهُ سِجنٌ للأنثى يحجبُها عن الحياةِ، ويقيّدُ حركتها ونجاحَها، ويجعلُها تبدو ضعيفةً للرائي إذا ما تطلّعَ إليها، كما أنّه قد يتِمّ تلفيقُ أشنعِ الصّفاتِ وأبخسها بالحجابِ ليُزيّنوا لها الفانية، وأنّها ستغدو ناجحةً، مُتحضّرةً، مُتحرّرةً، وكأنّها بذلكَ حيزتْ لها الدنيا بحذافيرها، وهذا ما يصبون إليهِ.

رمزيّة الحجاب ومكانة المرأة

إن الحجابَ لم يكن سدّاً مانعاً للحياةِ، أو معرقِلاً لتعلّمِ الأنثى وتقدّمِها، بل أنهُ إلى جانبِ تعلّمِها يكون حافظاً لها، ومُحافظاً عليها من الأعيُنِ التِي تُمدُّ بالتّطاولِ على غيرها. وإنّ من سنَّ الحجابَ كمُعرقلٍ للحياةِ إنّما لغايةٍ في نفسهِ لم يصبُ إليها، فمنْ يُندِّدُ بتحرّرِ المرأةِ ويدّعي حمايتها وصونَ حقوفها من البشر إنّما يودّ تسهيلَ السّبلِ للوصولِ إليها، والتّمتّعِ بها دونَ موجبِ شرعٍ أو حقٍّ، فتجدُه يحمِلُ الشعاراتِ المُنمّقة، ويردّدُ العباراتِ المُلفّقةِ ليُجمّلَ لها طريقاً تشابكَ فيهِ الشرّ بالمنفعةِ، والسوءُ بالمصلحةٍ، والشّهوةُ بالحرّيةِ، تكونُ الأنثى فيهِ هي الضّائعُ الوحيدُ، أمّا من سانَدها فعارفٌ بتلكَ الطرقاتِ، وهو الموجد لها، يتربّصُ لها في نِهايتِهِ لتغدوَ لقمةً سائغةً لذّةً للمشتهينَ من أمثالهِ.

سواء كانت الأنثى بحجابٍ أو بدونهِ، فعليها ألاّ تدعَ أحداً يقنعُها بأنّ قيمَتها يمكنُ اختزالها في مادّةٍ معيّنَةٍ، فقد حباها الله بعقلٍ وحكمةٍ وبصيرةٍ، ما يجعلها لا تقبلُ بالعودةِ لعصور الجاهليّةِ حيثُ كانت قيمةُ الأنثى في جسدِها وحسبُ؛ أداة متعةٍ لا أقلّ ولا أكثر، يتمُّ التّخلص منها بعد أن يُقضى منها الوطرُ، و يذبل الجمالُ، أو تترهّلُ منعرجاتُ الجسدِ؛ فالإسلامُ أتى وكرّمَها أحسنَ تكريمٍ، وحفِظَ حقوقها، وأملى ما لها وما عليها، لكيْ لا تَظلِمَ ولا تُظلمَ، ولا يبخسَها كائنٌ ما كانَ حقّها أو يُجرّدها من إنسانيّتِها وأنوثتِها، ويُنكس فِطرتها التي فطرها الله عليها. وما يُلاحظُ أنّ كثيراتِ بتنَ يتُقنَ لذاكَ العهدِ، بل ويعُدنَ إليهِ بمحض إرادتهنّ، فتجدهُنَّ بعد ذلكَ يأتينَ ليُعلّمننا أصولَ الحُرّيةِ والحياةِ وهنَّ سجيناتٌ في زنزانةِ هواهنَّ، يأتمِرنَ بأمرهِ، وينتهينَ بنهيهِ، بينما يقفُ خلفهُنَّ محرّكٌ ودافعٌ خفيٌّ يزيّنُ لهنّ سوءُ عملهنَّ ليجلُبنَ لهُ سجيناتٍ أخرياتٍ يكُنّ طعماً ومطمعاً لهُ ولأقرانه.

لم ولن يكرّمَ المرأة أحدٌ مثلما فعلَ الإسلامُ، وأيّما عبدٍ من عباد الله المستضعفينَ ادّعى اهتمامهُ وحرصَهُ عليها، وأتى بما يُخالفُ الشّريعةَ الإسلاميّة في حِفظِها وصونها إنّما ادعى الكذبَ، وكان حديثهُ مفترى ينطوي عن غاياتٍ خبيثةٍ لا يعلمُها إلا الله وحدهُ، فسبحانه يغيّرُ ولا يُغيَّر، ولله من قبلُ ومن بعد في خلقهِ شؤون.

الالتزام بين الواقع والتصورات

إن الحديث عن أي موضوع أو قضية يقتضي الإحاطة والإلمام بالصورة الكاملة لها، ووضعها ضمن محددات وسياق يوضح معالمها بشكل ينزع أي لبس محتمل عنها، وإلا غدت منزوعة المعنى، مشوّهة المبنى.

بكل تأكيد فإن الأمر يصبح ذا خطورة أكثر إن كانت هذه الصورة المجتزأة -أو المبعَّضة- تضرب في صميم عقيدة الفرد منا، بحيث يختل ميزان الثوابت والمتغيرات عنده أو يعيش بتصور أجوف ضبابيّ على أساس أنه الصواب الذي لا غبش فيه!.

يظهر هذا جليًّا في التصورات المغلوطة عن الالتزام والتدين –عمومًا- التي قد يؤمل بها بعضنا البعض أحيانًا، فتراه مقبلًا بشعلة حماس متقدة، متصوِّرًا أن مجرد التدين سيفتح له أبواب الرزق ويكفيه مؤنة السعي والطلب، حتى إذا ما شُرع الباب أمامه و وأبانت الطريق عن وعورتها ولَّى مدبرًا كأنما سيق مكرها إليها!.

ومن المعلوم أن الإنسان -بطبعه- عندما يذوق حلاوة شيء ما، بعد لغوب طويل أصابه، تجده يسارع لاقتسام ما ذاقه مع من يحبهم أو من يرتعون في ذات الوسط الذي خرج منه! فتزدحم الكلمات والعبارات في فمه، محاولاً جاهدًا اختيار أجملها وأطيبها لسحبهم إليه؛ لكن كل العبارات قد لا تسعفه لبلوغ مرامه، وهذا كما قال د.فريد الأنصاري رحمه الله راجع إلى كون أن “كل حقائق الذوق في الحسيات والمعنويات لا تُدرَك إلا بالتجربة؛ فلتدرك الحقيقة كما أُدركها أنا، يجب عليك أن تذوق أنت أيضًا”، ولتوضيح الفكرة يضرب رحمه الله مثالًا بالموت، فالإنسان لا يذوق الموت ويدرك حقيقته إلا عندما يموت. ويمكن بالتالي أن يقاس على ذلك سائر الحقائق، والالتزام أحدها!

إلا أن هذا الأمر مما قد لا ينجح صاحبنا المذكور في إيصال تصور واضح عنه، كما أنه من حرصه الشديد قد يلجأ إلى تلميع الحقيقة وإلباسها ثوبًا من الرخاء والراحة على نحو مبالغ فيه حتى يكاد يصور الالتزام وكأنه الجنة التي لا يظمأ الإنسان فيها ولا يعرى ولا يشقى!

لا تجعل الحقيقة عضين

إن الصورة الكاملة لواقع الالتزام، أكبر من اختزالها في الراحة والطمأنينة وغيرها من العبارات التي تشعل فتيل الرغبة في التدين واللحاق بركب السرور والحبور، وكأنه التعويذة السحرية لحل سائر مشاكل الحياة!

فيكون الدافع والمحرك ابتداءً هو تحصيل اللذة الحاضرة والسكينة الأزلية-المزعومة-، دونما نظر إلى ما تمليه معطيات الواقع المتشعبة الذي يقتضي المجاهدة و”أن تذوق كل نفس حظها من الابتلاء وحظها من المحنة، لأن المحنة أشبه ما تكون بالنار التي تبرد الحديد وتصفي الذهب” [فريد الأنصاري، خُلُق الصبر: مادة مرئية].

فالصورة الكاملة -إذًا- تشمل الراحة كما تشمل ضرورة المجاهدة والسعي، و إلا سيكون المآل الحتمي لهذا التصور المجتزأ هو سهولة ترك الفرد-المتديّن الجديد- للطريق عند أول صدمة تهدد راحته لأن رياحها أتت على غير ما أمِل فيه.

إن الالتزام في مجمله خضوع وتسليم لما أمر الله به عز وجل عباده من ذكر أو أنثى، وهو بناء قوامه {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] لذا إن حصل وتصدّرت للحديث عنه، فأخبر مستمعك الحقيقة كاملة ولا تجعلها عضين، فالواقع سيمحق كل ما حرصت على زرعه بداخله، فحري بك أن تبسط للطرف المقابل الحقائق على وجه غير منمَّق، ودع مسطرة الصدق تأخذ مجراها، فإن صدق جاء مجرورًا مكبّلًا باحثًا عن رشفة لا تظمأ روحه وراءها ولا تشقى.

أما أن تزيف الحقيقة له ظنًّا منّك أنّك مددته بطوق النجاة، فأنت في الحقيقة لم تزد على أن سلّمته لأمواج الأوهام تتلقّفه، وحملته على قارب مخروق متهالك مآله الغرق! حيث إنك زرعت مفاهيم مغلوطة في ذهنه، وسرت مدفوعًا بعاطفة لا عقال لها، أما ما تسمّيه رفقا ورحمة به-ريثما يعتاد – فهو تصوّر أجوف سرعان ما ستكشف الأيام نقصه وعورته.

مظاهر من الخطاب المجتزأ

ثمة الكثير من المظاهر التي تظهِر لنا آليات اجتزاء الخطاب الدعوي المحسّن لضرورة الالتزام، من خلال اختزاله ضمن شعارات أو صورٍ تجمّل وتيسّر من الحياةِ في إطار الالتزام، أعرض بعضها في الآتي:

تفاءل.. ستجد

يضيرنا كلنا رؤية شخص ساغب لاغب، متعب الروح وذابل المحيّا؛ بل كل يحاول تعزيته ومواساته قدر المستطاع، وهناك من يحاول –لشدة حرصه- اغتنام الفرصة وسحب الناس من طريق الضلال إلى سبيل الرشاد، فيملأ وسطه الدعوي بعبارات من قبيل (حاشا، أتدعوه ولا يستجيب؟)، أو (تفاءل ستجد)!

واللبس هنا ليس في جمال التفاؤل أو السعي لمنع الناس منه، فليس ثمة إشكال في أن يتفاءل الإنسان ويوقن بالاستجابة؛ وإنما في الطبيعة التي تكسو هذا التفاؤل والصورة الوردية التي لا ينفك المرء عن تصويرها وزرعها في نفوس الناس من حوله.

إن التفاؤل مطلوب، لكن من الحري على الإنسان والداعية أن يضعه ضمن صورة واضحة الملامح!، فالتفاؤل بالشر -على غير السائد- الأصل فيه الاعتقاد بأن هذا الشر مهما بلغ مداه ظاهره الشقاء والعذاب، وباطنه الرحمة مما يفضي إلى قبوله ومحاولة التكيّف معه وإن لم تظهر بوادر الخير والحكمة الكامنة فيه.

أما التفاؤل السائد بمعناه السطحي المتفلّت من عقال الواقعية، المحمل بالآمال والأمنيات التي لا حدود ولا سقف لها، فسرعان ما يهوي بصاحبه إلى وادٍ سحيق! وبهذا بدل أن ينقذ صاحبه، فإنه يسحبه من فجٍّ إلى فج أعمق.

بالحجاب أجمل!

من المظاهر الشائعة الأخرى -على سبيل المثال- أن بعض الفتيات -على سبيل الحصر والتمثيل لا التعميم- من حرصهن ورغبتهن في بث حب الحجاب في قريناتهن قد يُبدين حقائق عنه منافية للمنطق، وفطرة الأنثى التي تقضي برغبتها في إبداء زينتها، وحقيقة أنها أجمل بدون الحجاب!

يمكن أن نتفهّم جوهر رؤيتهن هنا، إنهن يحاولن بهذا الشكل إقناع الفتاة بما يكذِّب بصرها وما تراه وتجده في نفسها، حتى إن حصل واقتنعت هذه الفتاة بالحجاب، فهي –في كثير من الأحيان- حقيقة لم تلتزم تسليمًا وتحقيقًا لعبوديتها، وإنما لأنها وجدت فيه ما يوافق هوىً عندها.

وبهذا يكون الخطاب موافقًا لهوى الإنسان، وغير محكوم بضوابط تقيه الانفلات من دائرة المعقولية، وبدل أن تحتكم التشريعات للمسطرة الإلهية، فإنها تحتكم لما يمليه هوى الإنسان. فينأى الخطاب عن معيار “ولا يُعبَد الله إلا بما أمر وشرع لا بأهواء الناس وموضاتهم” [فريد الأنصاري، سيماء المرأة في الإسلام بين النفس والصورة]

الحجاب وفي الدعوة إليه قد يكون هناك تصور خاطئ عن الالتزام

بين الجهل والعاطفة و”الأنا”

إن التصدر للحديث عن تفاصيل مفصلية في حياة الفرد الآخر، يوجب على المتصدّر أن يسأل نفسه بصدق: هل كلامي وتقديمي للموضوع مبني على علم أم جهل؟ إذ أنه من الجدير الإشارة إلى أن الإنسان حال خوضه غمار الإقناع عليه أن يكون ملمًّا بالقدر الكافي من العلم! فلا تكفي هنا أنصاف المعلومات أو أشباهها، فيجد نفسه في المحصلة يسد الثغرات بالمتاح حتى يتمم البناء، فالجهل يمكن اعتباره أول عوامل هذا الخطاب المجتزأ، ثم تأتي العاطفة غير المنضبطة سببًا ثانيًا، حيث تُلجئ المخاطِب إلى رفع سقف النعيم على نحو مهوَّل فيه بما يتناسب مع رغبة الآخر وأهوائه، أملًا في أن تستقيم رؤيته مع الوقت ولو من باب الاحتمال وهو ما قد يحصل، كما قد لا يحصل لو باحتمال ١٪.

أما المعول الرئيسي في اتساع الفجوة بين التصور والواقع فهو حب الظهور على حساب الدين! واتخاذه جسرًا لبلوغ المآرب الدنيوية وحشد الجموع بإلقاء عبارات تدغدغ مشاعر المتلقي مع التركيز على ترسيخ أنّ “الدين يُسْرٌ”! ولذا فإن التجرد والصدق عامل مهم في اكتمال منظومة بناء الرؤية الواضحة.

استقم كما أُمِرت .. لا كما تريد

في المحصّلة نجد أن خطاب الالتزام البعيد عن الإحاطة بكامل الصورة، أقرب إلى كونه خطابًا أجوف يُسكِن الفرد في برج عاجي محفوف بالأمنيات والأماني، ومن ثم يغدو نزوله إلى أرض الواقع شاقًّا ومضنيًا، بل ربما تأتي النتائج ضمن شكل عكسي يقضي بأن كل ملتزم أو متدين تعيس يفضي به أخيرًا إلى التساؤل: ما الذي دفعني للالتزام؟ بل حتى إن كانت النوايا سليمة في الأصل غير أن: الغاية لا تبرر الوسيلة؛ لأن الثمن غال.

الحجاب والحياة المعاصرة .. هل يجتمعان؟

تتم أدلجة العقول وتغيير نظرتها للأمور بعبارات بسيطة أحيانًا لا نُلقي لها بالاً، يكفي أن تُردّد بكثرة مع مؤثرات جذابة ليقتنع سامعها أنها حق، إن لم يحاول تحليل ما يقال أوغاب عنه المراد منه.

ثمة شعارات تُرفع حديثاً توجّه للفتيات المسلمات حول الحجاب، ومع ترديدها بكثرة تتحول إلى غطاءٍ لتمرير الشبهات، وتَظهر تلك الشعارات مُنصفة للمسلمة المحجبة ومدافعة عنها، وآخذة على عاتقها تغيير فكرة نمطية أُقحمت عنوة في العقول، بأن المحجبة مُنعت بحجابها من دخول مضمار العمل والنجاح، فتُردُّ تلك الفكرة بظهور المرأة بمظهر محبب لدعاة التحرر، بغطاء على الرأس مع تَخلٍّ بسيط إلى شبه تام عن جملة من أحكام و فروض الإسلام بشكل واضح، وأصبح  شعار حقٍّ مثل “الحجاب لا يمنع المرأة من الحياة” يحمل الباطل في طياته، عندما كان المقصود منه تحرير المرأة نفسها، ليتحول الحجاب لقطعة قماش تغطي الشعر فتكون الفتاة قد أدت بذلك ماعليها ولا مانع بعدها من التهاون في فروض الإسلام الأخرى ولا من فعلها ماتشاء من تَزيُّنٍ وتمثيل و رقص وغناء وعرض للأزياء.

اختزال مفهوم الحجاب بقماش

تلك الشعارات التي تُرفع بلا إدراك لمفهوم الحجاب الحقيقي أو محاولة تجاهله، ومع احتفاء البعض بكل فتاة محجبة بحجاب مخالف للحجاب الشرعي وضوابطه نجحت في تصدّر الأخبار وكأنها انتصرت للمسلمة، ومع صرف النظر عن إن كان نجاحها ممزوجا بشبهة، فإن في ذلك اختزال شديد لمفهوم الحجاب والستر، فكأنه مثل القول بأن الصلاة عبارة عن حركات رياضية للترويح عن النفس، ولكن يضاف لحركاتها الفروض والأحكام؛ الذي يؤثر نقصان واحد منها بصحتها وقبول الله لها من عبده، فالشرط الأول لقبولها هو الإيمان بالله إيماناً لا يخالطه شكٌّ، ومن ثم طهارة البدن والملبس والمكان، والتستر واستحضار النية واستقبال القبلة، وأركان الصلاة وضوابطها من فرض وواجب ومستحب ومكروه وناقض للصلاة.

فالإسلام دين متكامل ومنظومة شاملة من آمن بالله لزمه تصديق واتباع كل ماجاء به الإسلام، ولذا لا يمكن حصر الحجاب بالقماش على الرأس وصرف التركيز عن ضوابطه وشروطه، من سَتر لكامل الجسد بملابس فضفاضة لاتشفّ ولا تَصِفُّ، وعدم إظهار التزين والتعطر، مع الالتزام بأحكام لا تقل أهمية لتحقيق العفة والتحلي بالحياء، مثل عدم الميل بالمشي وخفض الصوت وعدم الخضوع بالقول والالتزام بغض البصر وضوابط الاختلاط بالرجال وبقية الفروض والأحكام.

مفهوم فرض الحجاب

لا يوجد دافع أكبر لتشجيع الفتاة على ارتداء الحجاب والثبات عليه من دافع التسليم لأمر الله الذي آمنت به إيماناً تاماً، فالتزَمَت بما فرضه الله عليها تحقيقاً لعبوديته وخضوعاً لشرعه وقانونه، فما الحجاب إلا فرض فرضه الله سبحانه وتعالى على المرأة واختصها به من دون الرجل، والمقصد من تطبيقه التزام العابد بأمر المعبود الواحد الأحد، وما يأتي من تفسيرات أخرى لمقاصد الحجاب هو من باب الاستحسان والاستئناس ولا ينوب عن المقصد والدافع الرئيسي الذي يجب أن يُزرَع في قلوب الفتيات منذ نعومة أظفارهنّ.

والله خالق النساء والرجال، العالم بأحوال النفس ونقاط ضعف البشر ومايترتب من إطلاق للشرور والمظالم والمفاسد بالاستسلام للأهواء، التي هي من أبواب الشيطان، كما يعلم الواسع علمه كل شيء طبيعة الرجل الفطرية وميل المرأة للتزين وإظهار المحاسن والمفاتن، وبعضهن ممن يتعمدن لفت الأنظار، وما يتبع ذلك من فتنة لها و للرجال، فجاء الحجاب حاجباً لأهواء نفسها وضابطاً لها، وحاجباً لغيرها عن أذيتها، فأحل الله للإنسان التمتع بما يحب ويهوى ضمن شروط وضوابط حتى يأمن ظلم نفسه وغيره ولا تصبح أفعاله كأفعال البهائم بل أفظع، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} [الأحزاب:59].

كما جاء ليحفظ طهارة القلوب فيقي بذلك من فساد الأفراد والذي يؤدي بدوره إلى تفكك الأسرة والمجتمع، مثلما جاء في قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب:53].

هل الحجاب عائق للمرأة؟

إن نظرنا لحكم الحجاب والستر من منظور غربي مادي تحرري عالماني نسوي، الذي يربط العمل والنجاح بأمور معينة ومادية وبدخول سباق العمل مع الرجال ومزاحمتهم، والمسارعة لكسب الأموال وتحقيق الشهرة، ومساواة المرأة بالرجل في كل شيء حتى اضطرت المرأة لتثبت قدراتها بعمل ما يخالف فطرتها، فسنجد الحجاب والحياء والعفة عائقاً بلا شك، وهذا ما ترمي إليه هذه الشعارات التي تدافع عن الحجاب فتحاول أن تثبت صحة فرض الحجاب بنجاح المرأة المسلمة بما يناسب المفهوم الغربي المادي البعيد عن الإسلام فيقعون ويُوقعوا غيرهم بالشبهات.[1]

ولكن إن جعلنا نظرتنا ومقياسنا للأمور منطلقاً من المفهوم الإسلامي للحياة الدنيا والمقصد منها، والمنظور الشرعي للعمل والنجاح، فلن نرى الحجاب الشرعي إلا تكريماً للمرأة ورِفعة لها من شهوة بنظر ضعيفي النفس إلى كيان ذي مشاعر وعقل وحكمة، وحمايةً لها من استغلال جسدها في تحويله إلى سلعة لجلب الأموال، ومحافظة على أنوثتها التي تحاول فتيات الغرب اليوم التخلص منها ليستطعن العمل بسلام بين الرجال، فإما أن تتخلى عن العمل، أو أن تجد نفسها مضطرة للإذعان بأنها عبارة عن جسد ومفاتن، أو أن تلجأ لتتشبه بالرجل فتخفي ضعفها بخشونة الأفعال والكلام وارتداء ملابس الرجال وتصبح أول من تنتقد النساء الأخريات إرضاء لزملاء عملها من الرجال لتثبت لهم أنها أصبحت واحدا منهم[2].

رضى الله أم رضى النفس والعباد؟

لربما أصبحت المجالات التي تحمي المرأة وضعفها البنيويّ وتناسب طبيعتها الأنثوية وتضع ضوابط للاختلاط بين الجنسين قليلةً، مقارنة بالجامعات المختلطة والعمل المختلط وحتى بعض المدراس والدورات، التي أصبح ظاهرها كثرة الفساد بسبب التهاون بالضوابط، وإن كان هذا الظاهر يقنع المرء بأن البدائل قد نفذت للاستعاضة عن دخول أبواب الفتن بما هو آمن على دينه، وخاصة للمحجبة المقيمة في بلاد الغرب، الذي كل ماسنحت له الفرصة يزيد من القيود على الفتاة المسلمة ويضعها في كثير من الأحيان بين خياري العمل أو الحجاب، إلا أنه لا يمكن أن توجد ذريعة للتهاون بالحجاب والستر والأحكام والضوابط الإسلامية، و من يتحرى رضى الله فستقنع نفسه بمجالات الخيرالمتاحة-وإن قَلَّت- والتي تقلل من الاختلاط وتعين المرأة والرجل على الالتزام بالضوابط.

ولأن النفقة على الأسرة والكسب واجب على الرجل، وهذا لا يحدث إلا بالخروج، فلا يمكن القول بأن على الرجل أن يبتعد عن العمل ويفسح المجال للمرأة، ولأن الأصل للمرأة القرار في المنزل وعدم وجوب الإنفاق، فيَسهُل عليها البحث عمّا يختص بالنساء أو ما يكون عدد النساء فيه يفوق الرجال، أو الدراسة والعمل من المنزل، وإن اضطرت للخروج للعمل أو الدراسة وجب عليها الالتزام بالضوابط الشرعية، وتسأل الله الإعانة والهدى والتيسير.

إن الالتزام بالحجاب الشرعي وبالإسلام عامة في ظل الفتن والشبهات الكثيرة ليس بالأمر اليسير، ولذا كان دخول الجنة في حديث رسولنا الكريم صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بفعل الإنسان لما يكره ويكابد: (حُجِبتِ النَّارُ بالشَّهواتِ وحُجِبَتِ الجنَّةُ بالمكَارِهِ) [متفق عليه]، فالأولى مجاهدة النفس والتغلب على الشهوات والابتعاد قدر الإمكان عن مواطن الفتن.

وذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز كيف كره المسلمون فرض الله القتال عليهم: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [البقرة:216]، فأشد مايكره الإنسان أن يوضع في موضع يعلم فيه بأنه إما قاتل أو مقتول، ولكن الله تعالى ذكرهم بأن الأمر انقياد وطاعة لا إرضاء لما تحب النفس وتكره، وهناك خير في الأمر هُم لا يعلمونه ولا يدركونه، وذلك عندما كانت الدنيا هي متاع الغرور ماتلبث أن تفنى، والجنة هي المأوى، وماعند الله خير وأبقى.


مراجع للاستزادة أكثر في فرض الحجاب

  • – لماذا فُرض الحجاب؟ أ. أحمد دعدوش، موقع السبيل:

https://al-sabeel.net/7163-2/

  • – إشراقة يسيرة في حِكَم ومقاصد الحجاب، زياد بن أسامة بن عبد الله خياط، موقع المحاورون:

https://almohaweron.com/wp-content/uploads/2019/03/.pdf

[1]   ليس انتقاصا من النجاح، ولكن للتركيز على عدم ربط قيمة الحجاب وإثبات حجته بفعل المرأة، فإن نجحت رُفع من قيمة الحجاب وإن فشلت بالمفهوم الغربي اُرجع السبب لإعاقة الحجاب لها، كما لا يصح أن يقاس الإسلام وعظمته بفعل الأفراد.

[2]

Catalyst. (2020, february 5). Catalyst. Retrieved from https://www.catalyst.org/research/women-in-male-dominated-industries-and-occupations/#:~:text=%20Women%20working%20in%20male-dominated%20industries%20face%20a,mentoring%20and%20career%20development%20opportunities.%2010%20More%20

Kristin Haltinner, N. L. (2018, February 28). MDPI Open Access Journals. Women in Male-Dominated Domains, 2.1. Women in Engineering. Retrieved from https://www.mdpi.com/2076-0760/7/3/32/htm

 

التمسك بالحجاب في فرنسا رغم الصعوبات

السيدة حنان مسلمة فرنسية، تقدم لنا شهادتها وتجربتها بارتداء #الحجاب​ في #فرنسا​ بالرغم من الصعوبات والتضييق.

الحجاب في ألمانيا حق وواجب

السيدة ريم السعودي محامية مسلمة ومحجبة تعيش في #ألمانيا​، وتحكي لنا بإيجاز تجربتها، كما تشرح نظرتها لحق المسلمة في ارتداء #الحجاب​ بكل مكان.

تجربتي مع الحجاب في ألمانيا

السيدة يمنى الدمشقي هاجرت إلى #ألمانيا​، وتحكي لنا تجربتها في الحياة هناك مع التزامها بارتداء #الحجاب​.

كيف تعيش المسلمة المحجبة في السويد؟

السيدة رنا الجوخدار هاجرت من سورية إلى #السويد​، وتحكي لنا في ثلاث دقائق تجربتها في العمل والدراسة والحياة بالسويد مع التزامها بارتداء #الحجاب​ وأداء الفرائض اليومية.

تشويه الحجاب.. من فرض إلهي إلى موضة!

يمثّل حجاب المرأة المسلمة في الواقع المعاصر حالة من التحدّي للفلسفات المادية والأنماط الفكرية المعادية للفطرة والدين، ومن ثم فإن مساعي كبيرة تبذل لتفريغه من كونه فريضة إلهية، وتطعيمه بالفكر الليبرالي أو النسوي.

ما هو الحجاب؟

بداية لا بدّ من الإشارة إلى أن الحجاب في اللغة یعني: “الحجب”، أو “المنع”، أمّا في معناه من حيث الحكم الشرعي فهو ستر المرأة المسلمة جسدها عن الرجال غیر المحارم، فيكون الفعل نفسه تحجّبًا، أما “الرداء الذي ترتدیه المرأة لتغطّي به جسدھا كاملاً مع وجهها أو من دونه” فهو الحجاب المطلوب.

ثمة ضدٌّ للحجاب، وهو السّفور أي الكشف، وقد عرّفه الفقهاء بأنه: “كشف المرأة لوجھھا”، إلا أن دلالة هذه الكلمة تطوّرت اليوم فباتت تشیر لمعنى آخر، وهو: التبرج الفاحش والاختلاطُ المنفلت من أي ضابط شرعي.

 لعلنا ندرك أن تطور الدلالة في الكلمة يوضّح المراحل التي تدهورت فيها فریضة الحجاب في أذھان المسلمین! فالسفور الذي یعني كشف المرأة لوجھھا مع حفاظھا على باقي جسدھا مستوراً، صار ھیناً أمام مظاھرِ الموضة المختلفة التي باتت تصنّف تحت يافطة الحجاب الیوم.

وفي هذا الإطار فإنه من المھم التأكيد على أنّ إنزال الكلمات منازلھا، وذكرها بمعانیھا الصحیحة، له دور كبیر في انعكاس ما یترتب علیھا من أفعال، فإنّ التي ترتدي الخلیع والضیق الذي یوضح تفاصيل جسدھا ویتنافى مع مواصفات الحجاب الشرعي – حتى إن وضعت غطاءً صغیراً على شعرھا – فلو أنها سُمّیت كما في الحدیث “كاسیة، عاریة” لكان ذلك أصحّ وصفاً وأبلغ أثراً في النفوس.

ومردّ هذا إلى أن المصطلح في الوعي الإسلامي بوابة لتنظیم الفكر، وأداة لتقویمه، وآلة لتحصینه ضد الغزو المقنّع الذي یتخلّل في ثنایا العبارات المجملة للنفاذ إلى ثقافة المجتمع سواءً أكان ذلك في باب العقیدة أو الشریعة أو القیم الأخلاقیة”[1] ومن هنا لا غرابة أن نجد التي تحتشم وترتدي الحجاب الشرعي يطلق عليها وصف “رجعیة” أو “متشددة” وغیر ذلك من الأوصاف، وكلما زاد التكشّف وإبراز المرأة لمفاتنھا ألصِقت بھا أوصاف التحضر والتقدم والمدنیة.

الحجاب

وقفات مع تاریخ الحجاب

بعد نزول الآیات التي فرضت الحجاب على المرأة المسلمة تدریجیًّا، بدأ عھد جدید في لباس المرأة المسلمة أمام الرجال الذین لا یعدّون محارم لھا، ففي عصر النبوة، أي في الجیل الذي نزل فیه الوحي كان تطبیق الشرائع الربانیة أمراً مباشراً وسریعاً، حيث تقول أمنا عائشة رضي ﷲ عنھا: (یرحم ﷲ نسوة المھاجرين، لما أنزل ﷲ: {ولیضربن بخمرھن على جیوبھن} شققن مروطھن فاختمرن بھا). [أخرجه البخاري، برقم:4480[

ثم تتابعت السنون على الأمة الإسلامیة ومرت بھا الأھوال والخطوب الكثیرة عبر1200 عام من عمرھا حتى سقوط الدولة العثمانية آخر دول جامعة للمسلمین عام 1924م، فكانت فريضة الحجاب طوال ھذه القرون عقیدة ثابتة، فالحجاب بشروطه الواضحة فرضٌ على المرأة المسلمة، وأن ما اختلف علیه هو كشف الوجه والكفین والقدمین، فقال بعضھم بجواز كشفھا إذا أمنت الفتنة وقال البعض بوجوب تغطیتھا، أمّا عن حال أغلب المسلمات في البلاد الإسلامیة منذ النبوة ونزول آیات الحجاب وحتى نھایات القرن التاسع عشر فكانت غالبیتھن تغطین جمیع أجسادهن بما فیها الوجه، أي أنھن كُن یرتدین حجاباً یشابِه ما نصطلح على تسمیته الیوم نقاباً، ولم یكن ھناك خلاف ولا شبھة ولا جلبة حول أمر الحجاب! إلا ما ھو معروف ومفھوم في مسألة كشف الوجه والكفین وبعض المسائل المتعلقة بالعجائز والرقيق.

الحجاب في شكله المعاصر

من فريضة ربانية في السابق إلى خيار يمكن للمرأة رفضه أو ارتداءه أو تغيير شكله بناءً على ما  تملیه علیھا تيارات الأفكار والموضة.

ينبغي علینا النظر في طبیعة الفترة التي بدأت فیھا زعزعةُ فریضة الحجاب، وتحدیداً مع أواخر حملة نابلیون على مصر نھایات القرن الثامن عشر، إذ أنتجت تلك الحملة أجیالًا “مُفرنسة” بسبب البعثات الدراسیة إلى فرنسا، ومع نھایات القرن التاسع عشر أخذت دعوات العلمانیة تطلق من أفواه المسلمین “المتفرنسین” وكان أول تلك الدعوات في مسألة المرأة ھي دعوات الشیخ “رفاعة رافع الطھطاوي” الذي كان شیخ البعثة المصریة إلى فرنسا، حيث عاد متأثراً بما رآه في المجتمع الفرنسي، لیثیر قضیة تحریر المرأة في مصر، ثم “مرقُص فھمي” الذي أصدر كتاب “المرأة في الشرق” وتحدث فیه صراحة – من ضمن ما تحدث- عن ضرورة التخلي عن الحجاب الإسلامي وإنهاء ارتدائه، ومن ثم سار العديد من العلماء والمشايخ على خطى “الطھطاوي”.

أمّا “قاسم أمین” تلمیذ “محمد عبده” فھو الاسم الأبرز في قائمة الأسماء التي كان لھا الدور كبیر في زعزعةِ فریضة الحجاب وإثارة قضیة تحررِ المرأة بوجهها المتمرد، من خلال أول كتاب أصدره وھو كتاب “تحریر المرأة” الذي نشره عام 1899 وقال فیه على سبیل المثال “الشریعة لیس فیھا نص یوجب الحجاب على الطریقة المعھودة وإنما ھي عادة عرضت علیھم من مخالطة بعض الأمم؛ فاستحسنوھا، وأخذوا بھا، وبالغوا فیھا، وألبسوھا لباس الدین كسائر العادات الضارة التي تمكنت في الناس باسم الدین[2]

ثم أصدر كتابه “المرأة الجدیدة” عام 1900م و كان أكثر صراحة فیه مما قبله، حيث أراد به الإشارة إلى أن نموذج المرأة الأوروبیة بلباسھا ونظام حیاتھا وأنه ھو التطور والتقدم الذي ینبغي على المرأة المسلمة أن تتبعه، وكان لكتبه صدىً كبير في الشام أیضًا فواجه معارضة شدیدة من الشیوخ والدعاة فيها كما كان الحال داخل مصر وخارجھا.

لن ننسى التوقف عند “سعد زغلول” الذي عیّن رئیسًا لوزراء مصر في عشرینات القرن الماضي فكان المنفذ الأمين لأفكار “قاسم أمین”، فكانت زوجته “صفیة زغلول” من أوائل من نزعن الحجاب وأسفرن عن وجوھھن في مصر، أمّا ضربة البدایة المجتمعیة لتھوین الحجاب في مصر فكانت أثناء استقبال “سعد زغلول” حين عاد من منفاه، إذ نُصب سرادق للنساءِ وآخر للرجالِ فتوجّه “سعد زغلول” نحو صالون النساء وسحب من وجه “ھدى شعراوي” حجابھا فصفقت ھُدى وتبعتھا النساء في خلع الحجاب بعد ذلك.

وفي ذات الوقت في تركیا التي كانت مركز آخر دولة إسلامیة فكان لمصطفى كمال أتاتورك صولات وجولات في إنهاء حضور تعاليم الإسلام بعد إلغاء الخلافة العثمانیة عام 1924م، فكان من ضمن حملته لتغریب تركیا وعلمنتھا، إصدار قانون یمنع ارتداء الحجاب في الأماكن الحكومية، وفي إیران قام “رضى بھلوي” الذي تم تنصیبه عام 1926 بإلغاء الحجاب الشرعي، وقامت زوجته بمبادرة كشف رأسھا في احتفال رسمي.

لقد تتابعت القوانین والدعوات لخلع الحجاب والتشكیك في فرضیته من قبل الحكومات وأصحاب الفكر التغریبي العلماني ورموزه منذ نھایات القرن التاسع عشر واستمرت في القرن العشرین في تونس والجزائر وأفغانستان وألبانیا وروسیا ویوغسلافیا والصومال ومالیزیا وغالب الدول الإسلامیة التي تم استعمارھا.

الحجاب المعاصر

كیف وصل الحجاب إلى ھذه النقطة؟

إن الناظر لحال حجاب المرأة المسلمة الیوم، يظهر له البون الشاسع بین حجاب عدد كبیر من المسلمات وبين الحجاب الشرعي الذي فرضه ﷲ عز وجل، إذ كانت كل المراحل السابقة التي ذكرناھا مباركة ومدعومة من قبل الاستعمار، وحتى بعد خروج المحتل من الدول الإسلامیة فقد خرج بجسده تاركا أفكاره ومدارسه موجودة ومتحركة عبر الحكومات التي جاءت بعده، وفي الفكر الذي زرعه في المجتمع، ثم كان الدور الآخر الكبیر لوسائل الإعلام المرئیة التي تصور المرأة الناجحة في حیاتھا على أنھا ھي التي تخلع حجابھا وتضیق ملابسھا وتقصرها، ومع تكثیف الحملة الإعلامیة ومناھج التربیة والتعلیم البعیدة عن المنھج الإسلامي، والمتوافقة مع نظام السوق الرأسمالي الذي یفرض سلطته على الفرد -الھش نفسیا- لیجعل اللحاق بالموضة -أیاً كان شكلھا وتعارضھا- مع شرع ﷲ أمراً إلزامیاً.

ومع ظھور وسائل التواصل الاجتماعي التي أتاحت التواصل وأسهمت في تصاعد إفراز الأفكار العلمانیة والنسویة، وصلنا إلى نتیجة أن الحجاب تحول من كونه فرضاً ثابتاً في عقیدة المسلمة وھویتھا إلى قطعة قماش، تضعھا على رأسھا إن شاءت وتنزعھا متى أرادت.

وبات مسألة من السھل إطلاقُ الشبھات حول الحجاب، مثل القول بأن النقاب لیس من الإسلام، وإلا فإنّ تزعزع فریضة الحجاب في القلوب لم یكن إلا مع مطلع القرن الماضي، وما قبله من التاريخ فقد كان لزامًا على المرأة المسلمة أن تلتزم فيه بحجابها؛ لأنه أمر ربھا أولاً، ولتحقق مرضاته بأداء ما افترضها عليها آخرًا.

[1] د. سامي عامري، العالمانیة طاعون العصر، ص: 14

[2] قاسم أمين، تحرير المرأة، ص: 92.

دعاوى كبيرة في قوالب جاهزة

ليس ثمة شيء أصعب من أن تعاني عمرك كله في عقدة نقصٍ تذكَر كلما ذُكِرتَ! هذا ما يمكن الإشارة إليه بشكل عابر، إلا أن المراد من ذلك التعريج على العقدة التي تلازم عامة المسلمين حتى أصبحوا يعانون ممّا يسمّى “عقدة الإسلام”، فصار لزامًا عليهم أن يعملوا على تلميع صورتهم في كل محفل ولقاء.

هذا التشكيك الذي نعيش حملاته علينا داخليًّا وخارجيًّا دفع كثيرًا من المسلمين لأن يغفلوا عن كمال الشريعة التي جاء بها الإسلام، واندفعوا يشككون بجدوى الدعوة له أو التديّن به، لقد ابتعدوا عن أن يكون أعزة بدين الله.

الطريق للتخلص من القوالب الجاهزة
لن يكون غريبًا أن نسمع بشكل شبه يومي قواعد تردُ على ألسنة الناس وقنوات الإعلام وصفحات التواصل، تختزل الدين وتعاليمه ضمن مسمّيات منفّرة، فأضحت الشرائع التي تهدف إلى حماية المرأة –مثلاً- ضغطاً وتحكماً، وكذلك صار قول الحق أو حكم الشرع بشيء معين تطرفًا أو عنفًا وشرًّا وقسرًا على شيء ما.

في حقيقة الإمر فإننا بحاجة ماسة إلى النظر في ديننا بعيون مختلفة وربما استخدام عدسات مناسبة تعزز الرؤية وتقلّص التشويش الحاصل، وكما أخبرنا رسولنا الكريم صلّى الله عليه وسلّم، فإنّ الحلال بيّن والحرام بيّن، وإننا مطالبون أمام الله سبحانه بتحرّي الدقة والصواب عند كل تصرّف ومع رفّة كلّ جفن، فنحاكم الأمور بما يناسب أمر الله، ونسأل أنفسنا: أهذا يرضي الله أم يغضبه؟

هذا يقودنا إلى ضرورة سؤال أهل الذكر وحتمية الحاجة إليهم في كل عصر، والطريق لذلك يكون بأن نتحرى أقوال الفقهاء وإجماعهم في المسائل وألّا نتخَطَّف الشاذ منها لمصلحة أو هدف، وألا نخشى إلا الله ربنا في ذلك، فنرمي حملنا عليهم ونتوكل على الله ونفوض إليه أمورنا كلها، فيكون أي ذنب اقترفوه أو تسبّبوا لنا فيه أوزاراً يحملونها يوم القيامة، لكننا على الأقل نحافظُ على وحدة أمرنا ونتجنب شتات الحال.

فهم الإسلام طريقٌ للدفاع عنه
علينا أن نكون على يقين بأنه لا وجود للتناقض بين واجبات المسلمين وبين التعايش مع بقية الناس فوق أرض واحدة، وأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب أصيل في كل وقت ومكان مهما اختلفت العصور، إلى أن نلقى الله وأحدنا قابض على دينه كالقابض على جمرة حين يكثر اللغط والخبث والفساد وتصبح معرفة الحق منوطة بصاحب الفراسة والبصيرة.

سنجد دوماً أشخاصاً –بالأمس واليوم وغداً وفي المستقبل- يفكرون بطريقة مختلفة منبثقة من حيث لا ندري، وستتسبّب أفكارهم بتشكيكنا حتى بأنفسنا ومبادئنا وتمسكنا بشريعة ربنا، وسنصل إلى وقت يكون فيه أكثر أهل الأرض متبعين لأهوائهم وأمزجتهم.

بالنسبة لي –على الأقل- فالحل السحري هو في جلسة تصالح مع نفسي، بصحبة ورقة أكتب فيها، ترى لماذا أشعر بالحرج من النقطة الفلانية أو أتجنب الاستماع إلى الشيخ الفلاني.

اتبع ذلك، ستجد بكل بساطة أنك تعاني من سيطرة فكرتين أو ثلاث على عقلك، بحيث يجعلونك في موقف عداء وتوتر مع دينك كلما ذكرت تلك النقاط، والحل في أن تتحرى كل قضية تسبب لك توتُّرًا بصدق، وأن تبحث عن الحق لتعرفه وتقف عنده، وأن تسأل وتستفتي العلماء والفقهاء للوصول إلى الحق، وأن تعاهد نفسك على قبول نتائج بحثك كما هي دون أن تسمح لنفسك بالخلط بين تقصير الدولة مثلاً أو القضاء، وبين تشريعات الله العادلة.

قد نقول مما يشتهر على اللسان بين الأوساط العامة “يضيع حق المرأة إذا طُلِّقَت أو مات زوجها”، والسبب ليس له علاقة بالدين وإنما أشياء أخرى كقصور القوانين القضائية أو تلاعب القضاة والرِّشَى.

لكن تعاليم ديننا توضّح أن المرأة تتربّع على هرم المجتمع والأسرة وهي حجر أساس في كل مشاريع الحياة، فالشريعة الربانية تحوي خلاصة قِيَم العدل؛ إلا أن فكر كثير من الناس –للأسف- قد تلوّث وتأثر بمشوشات خارجية لا حصر لها، فبتنا اذا سألنا أحدهم “ما هو مفهومك عن الحكم بالشريعة؟” ستجده يتصبب عرقاً خائفاً أو ملتهباً من شدة الغضب، وهو يصف الفكرة بأشنع الألفاظ ويصف السائل بالتخلف والرجعية!

أين الخلل والحلّ؟
مردُّ هذا التعصّب هو تبعية الفكر وقصوره، فقد أصبح مصطلح الشريعة في ذهنه مرتبطاً بالعنف واللحى الطويلة والنساء المحجبات بالإكراه فقط، وهو فكر ارتضاه له الإعلام ومكّنه فيه.

إنّ الشرع الرباني على العكس من ذلك تماماً، فهو توظيف للعدل الإلهي والوحي السامي في حياتنا اليومية.

انظروا لأوامر الله في مثل قوله {وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ} [لقمان: 19] فكم نحتاجها اليوم ونحن نرى أشنع التصرفات التي تعاكس هذا الهدي من فتيات وفتيانٍ يفترَض بهم أنهم مسلمون، ولننظر إلى آية الدَين، إنها أطول آيات القرآن، كونها آية شاملة جامعة تحفظ الحقوق منذ 1400 سنة.

القرآن هو الحل لمشكلة القوالب الجاهزة

أيعقَل أننا ابتلينا بالعمى، فيمتدح أكثرنا جملة من التشريعات الغربية مرفقة بعبارة مهترئة مفادها أنهم رائعون حقا، فهم “مسلمون بدون إسلام” حسنٌ، ما دمنا معجبين “بإسلامهم” فلماذا نخاف وننفر ونشعر بالضيق إذا ما سمعنا أحدهم يقول: لنجرب تطبيق التشريعات العادلة الإسلامية كما كانت يوماً؟

لماذا ينفر كثير الناس بسرعة من مقولة: الشريعة هي الحل؟

هذا المستنكر لتلك العبارات هو نفسه المعجب منذ دقائق فقط بنفس التشريع لكن بنكهة غربية فقط، فلم يشعر بالغثيان؛ إذ لم يطلَق على تلك الممارسات اسم “شريعة” لا أكثر.

يحضرني ههنا مثال ذكره أحد الدعاة يقول فيه: إن ربنا الحكيم خلقنا وخلق “كتالوجنا” معنا، فلو أنك اشتريت جهازاً جديداً فلا بد أنك ستحوطه بعنايتك وتخاف عليه من الهلاك، ومن أجل ذلك ستقرأ كل تفصيلة مذكورة في كتيب الاستخدام، وعليه فما بالك بنفسك، حيث خلقك رب عظيم فأحسن خلقك، وأرسل لك كتيب الاستخدام والصيانة ورسلاً تأخذ بيدك إلى بر الامان بأقل الأضرار، ولكن كان الإنسان أكثر شيء جدلاً.

جور الحكام لا مفر منه في كل زمان مهما اختلف، كما أنه سيكون لعلماء الدين أو حملة همّ الدعوة بعض الأخطاء من شخص لآخر بين الحين والآخر، وسيفتح باب التشكيك المجالَ لكل شيء يمكن أن يلوث نظرتنا للدين الحق ولروائع التشريع.

الحل أمامنا، أن نصبر ونتابع مجاهدة النفس بالتوازي مع الغوص في القرآن العظيم دستور الحياة الذي لطالما كان وسيكون حياة لقلوبنا قبل أجسادنا.

الحجاب والمساواة

في الوقت الذي كنّا نتلقى السهام فيه من كلّ جانب، هناك في الداخل السوريّ، حيث لا يمكن لأحد أن يتكهّن من أين ستأتيه الضربة بالضبط كي تصيب في مقتل، وحيث لا يمكن لأحد تخمين نوع السّلاح الموجّه وتأثيره، كنت أتساءل عن الثوابت كيف كان بالإمكان التشبّث بها ضمن كل الظروف القاهرة إلى هذا الحد؟!

في الدراسات النفسية والاجتماعية دلالات واضحة على انحدار القيم وزعزعتها خاصة في وقت الحرب، وكنت أحاول مقارنة الجانب النظري بالواقع، وكان الحجاب من ضمن الثوابت التي شهدت زعزعتها في النفوس، الأمر الذي كان يستدعي التأمل والبحث.

اليوم، وبعد مرور سبع سنوات أثبتت المرأة فيها نفسها بشكل أكبر بكثير عن ذي قبل، وحضرت في كل المجالات حضوراً لم يشهد نظيراً في أية مرحلة سبقت، وأظهرت علماً وعملاً وفاعلية وإبداعاً فلم تحتج إلى دليل كي تثبت للمجتمع أنها مساوية له في التفكير والعقل والقدرة على الإنجاز والتعلّم والتطور، مساوية له في التكليف بما بُني الإسلام عليه من أركان ودعائم، وهي مثله تماماً في كونها مسؤولة أمام الله تعالى على الإهمال والتقصير، ومحاسبة على أخطائها في حقّه وحقّ كل ما جعله تحت رعايتها، فلماذا إذاً لا تتساوى معه في الشكل والهيئة، ولماذا كل هذا التشبّث بقطعة قماش؟ وقد كان السؤال مطروحاً بجلاء: هل الحجاب يحدّ من مساواة الرجل والمرأة؟

يفترض كثير من الناس أن الحجاب في الإسلام كان دافعاً ضد المساواة الحقيقية بين الرجل والمرأة، ويعتبرون الحجاب قيداً كبيراً يحدّ من انطلاق المرأة ونزوعها نحو الحرية، ومعاكسة لحقها في أن تمارس دورها دون قيود في الشكل والمظهر.

وإذا تأملنا في الحقائق من زاوية موضوعية أشمل وأوسع، لوجدنا أن هناك مساواة في التكليف والعبادات والفاعلية والعمل حسب القدرة والاستطاعة لكل منهما، وسنجد مساواة في القدرات سواء كانت ذهنية أو اجتماعية أو نفسية أو علمية، تماماً كما نجد لكل منهما احتياج ومطلب للتعاون مع الآخر، في عملية بناء المجتمع وإصلاحه والرقي به.

المرأة تشترك مع الرجل في كل معنى إنساني أو اجتماعي، أو تربوي أو عقلي، لا يميزه عنها أي شيء ولا يتفوق عنها من تلك المعاني بشيء، ولا تقلّ هي بما تمتلكه من عقل في قيامها بالتكاليف التي أمرها الله بها، ولا بأنها مثله ستحاسب أمام الله على الخطأ والتقصير، وإنما الاختلاف هو في الشكل والتكوين، فقد تميزت المرأة بجمال الفطرة وجاذبيتها، مما يحرك الغرائز ويدفع لاحتياج آخر، فيكون الانجذاب لغة اتصال جديدة تحتاج أيضاً إلى مجرى صحيح ضمن شراكة مشروعة لتصب فيه، الأمر الذي يجعل العلاقة بين الرجل والمرأة تحمل محورين، الأول في صيغة العمل والبناء، والآخر محور الانجذاب الفطري الذي يقود له تكوين المرأة وما تحمله من مفاتن، وفي انجذاب الرجال – على مستويات- لتلك المفاتن، والذي قد يخرج بصيغ سلبية تحمل الامتهان لكرامتها، وقد لا يحمل أية صيغة سلبية، حسب شخصية بناء الرجل وتعامله مع تلك الفتنة، وبالتالي فلا يمكن قياس ذلك ولا الحدّ منه بحال من الأحوال.

ولأن الإسلام قد دعا إلى المشاركة الفعالة بين الرجل والمرأة بما يخدمه ويسهم في ارتقاء الأمة ونهضتها، فقد جعل هناك شروطاً لتلك المشاركة لئلا تتحول عن غايتها ومغزاها، فتنحدر أو تمتهن حق المرأة في التكريم وصون الكرامة، أو تفسح المجال لأصحاب الغرائز غير المنضبطة من إيذائها بكل وسيلة ممكنة.

فكان الحجاب، لأنه الحاجز المنطقي الذي يحول بين تلك الغرائز غير المنضبطة وبين المرأة، فإن التزمت به حالت بينها وبين احتمالية الأذى، ودفعت من يخاطبها أو يتعامل معها إلى مخاطبة عقلها وإنسانيتها، ليكون التعاون والتكامل منضبطاً في أفضل صورة ممكنة.

وهذا بالضبط ما تشير إليه الآية الكريمة في سورة الأحزاب: {يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يُعرفن فلا يؤذين}.

ومن هنا نستطيع أن نتلمس الحكمة الحقيقية من الحجاب، ألا وهي دفع الأذى عن المرأة، والدفع باتجاه تأسيس مجتمع سوي، لا تعدي فيه على الحقوق، ولا امتهان للكرامة، مجتمع مساواة في أعلى المستويات في العلم والعمل والفاعلية الحقة، وانضباط في أعلى المستويات لوضع حد لأية احتمالات ممكنة للتجاوزات السلبية وهذا من أرقى نظم الإنسانية وأعلاها.

هل الحجاب وسام أخلاق؟
كما ذكرنا سابقاً الحجاب هو حاجز للحيلولة دون إثارة الفتن والغرائز، فهو أداة لمنع الأذى أن يصيب المرأة، أو يحرّك السوء في النفوس، فيقع أذى على الصعيدين الفردي والاجتماعي، وبالتالي فليس منطقياً بحال من الأحوال أن نقول بأنه وسام أخلاق وفضيلة لمن ترتديه، تماماً كما هو ليس دلالة انحدار أخلاقي لمن تنزعه، والشّواهد كثيرة بين النساء اللواتي جعلن من الحجاب غطاء لأفعال سوء، أو احتجبن ولم يقف الحجاب حائلاً بينهن وبين سوء أخلاقهن، كما هي كثيرة أيضاً لمحجبات كُنَّ على أعلى مستويات التميز والتقدم العلمي والعملي، فلم يقف الحجاب حائلاً بينهن وبين إثبات أنفسهن والارتقاء بعقولهن لمصلحة أمّة، والأمر هو ذاته لمن لم تحتجب، فما الغاية إذاً من الحجاب مادام لا يركز لفضيلة ولا ينفي رذيلة؟

الغاية هي كما ذكرنا إحاطة المجتمع بضوابط منطقية حكيمة تمنع أحد مسببات وقوع الأذى، وتحمي أفراده، سواء كانت المرأة أو الرجل، تحميهم من مزالق الفتنة ووقوع الفساد.

ولا يمكن لأحد أن ينكر كيف تكون النظرة لامرأة أظهرت مفاتنها، وتوجهت للمجتمع تخاطب فيه الفكر والعقل، كيف يتلقى بعض الذكور خطابها مهما كان علمياً أو عقلياً متوازناً، إنهم في الحقيقة لن يروا فيها سوى تلك الصورة التي أعجبتهم، وحركت فيهم الغريزة، ليلقوا تعليقاتهم عليها جزافاً، وينسفوا كل العلم والعقل الذي خاطبتهم به.

المعادلة واضحة في الإسلام، وهي: هناك حاجة وضرورة مُلحّة على أن تقوم المرأة على دورها المطلوب، وأن تعمل بفاعلية في كل مجال يوافق قدرتها وعلمها وطاقتها، وهناك شراكة على بناء المجتمع ونهضته، تنتظرها كي تتقدم وتثبت نفسها دون تحرج أو تردد، والمطلوب منها في حضورها الفاعل هذا أن تضبط الإيقاع عبر حجاب يصونها من عيونٍ ملوثة وأدمغة لا تعمل إلا باتجاه سلبي، وألا تسمح إلا بأن يخاطب منها العقل والروح، لا أن تخاطب كجسد في ميدان يتطلب الجدية في حمل الهم، والهمة في تحقيقه.

الثوابت في كل مرحلة قد تتزعزع، والمهم كيف نعمل العقل، ونحسن التعامل مع كل ما يحاول هدمها.