كتاب “فاتتني صلاة”.. ماذا فاتنا في قراءته؟

image_print

هو كتابٌ ذاع صيته وانتشر عند شريحةٍ كبيرة من القرّاء، ويندر أن تجد من ينشر عن مشكلةٍ له تتعلق بالصلاة، إلا وتجد من ينصحه بهذا الكتاب. ولفترةٍ طويلة قاومت هذه الموجة القرائيّة المتجهة نحو هذا الكتاب؛ فقد كان يغلب على ظنّي بأنه كتابٌ كغيره من تلك الكتب، التي تتصدّر الأعلى مبيعاً في الوطن العربي، وبمجرد مطالعتنا لها نجد أن هذا التصدر ما هو إلا نتيجة لسطحية المحتوى، وعزفه على وتر العاطفة لدى القرّاء وملامسته أحلامهم وحاجاتهم.

وبعد فترة انقطاع قرائيّة طويلة نسبيّاً بالنسبة لي، قررتُ دون كثيرٍ من التفكير سبر هذا الكتاب ومعرفة عامل الجذب الذي جعل تلك الشريحة الكبيرة من القراء تنجذب إليه -علّه يخالف توقّعاتي-، هذا العامل الذي جعل ما يزيد على الخمسين بالمئة من تقييمات الكِتاب على “Goodreads” تكون خمس نجوم، ولا تكاد ترى مراجعةً ناقدة له، وإنما ترى الثناء عليه يتلو الثناء.

لمحة عن الكاتب والكتاب

مؤلف الكتاب هو: إسلام جمال، وحسب ما هو مذكور في حسابه على goodreads فهو من مواليد الإسكندرية 1989، متحصّل على ماجستير في الهندسة البحرية.

أما الكتاب (الذي صدر عام 2018) فبحسب عنوانه الفرعي يحاول الإجابة عن سؤال: “لماذا يحافظ البعض على الصلاة.. بينما يتركها الكثير؟”، ليعدنا منذ البداية بقوله: “تعرّف على أسرار هؤلاء الذين قلّما فاتتهم صلاة”، وما إن نتّجه لفهرس الكتاب حتى نجده مقسّماً إلى خمسة عشر فصلاً، تتناول في بدايتها الأعذار التي نؤجّل من منطلقها الصلاة، ثم بعض المفاهيم التي يجب أن تصحَّح لدينا تجاه الصلاة لتساعدنا على أدائها، وبعض ما يشبه الخطوات العملية المساعدة في المداومة على الصلاة، ختاماً بالحديث عن الله سبحانه.

الكتاب بين الإيجابي والسلبي

يمكن الوقوف عند محتوى الكتاب في جملة من النقاط، كلغته وأفكاره وما فيه من مستوىً ضمنيٍّ يتعلّق بالمحتوى.

اللغة والأسلوب والنمط:

يمكن اعتبار اللغة التي كُتب بها الكتاب مناسبة للشريحة التي من المفترض أن الكاتب يتوجّه إليها -شريحة الشباب من غير المصلّين- حيثُ جاءت عباراته سهلة بسيطة دون ابتذال ظاهر، ولكن في المقابل فالكتاب -بالنسخة التي قرأتُها- مليء بالأخطاء الإملائية، والكاتب في أسلوبه وطريقة عرضه لا يختلف كثيراً عن الأسلوب والنمط المتبع في كتب التنمية البشرية (بل هو نفسه ينقل عنها الكثير من الاقتباسات)، ونلاحظ في الكتاب أسلوب الخطاب العاطفي بالدرجة الأولى إلى جانب النفعي المادي.

الأفكار الجيّدة في الكتاب:

شمل الكتاب عدداً من الأفكار النافعة، ولكنه في المجمل لم يأتِ بأي جديد ولم يقدم أي إضافة حتى، فمعظم ما ذكره يمكن إيجاده بسهولة في أي مرجع آخر يتحدث عن الصلاة وغالب الظن أننا سنجده مصاغاً بشكل أفضل بكثير… على أي حال لئلا أطيل؛ فهذه جملة الأفكار الجيدة التي أشار إليها الكاتب:

– الخروج من عالم “يوماً ما”: حيثُ عزا الكاتب كثيراً من أعذارنا في عدم الصلاة إلى عيشنا في عالم “يوماً ما” المتوهّم؛ فيوماً ما عندما تخف مسؤوليّاتي، عندما أجد في نفسي القدرة والرغبة، عندما تتهيأ الظروف، سأصلّي.. والخطوة الأولى نحو الصلاة هي في خروجنا من هذا العالم وأخذنا خطوات عملية مباشرة في إقدامنا نحو الصلاة من الآن.

– هم ليسوا استثناءً: قد يعتقد البعض أن المحافظين على صلاتهم قد منّ الله عليهم بقدرات خاصّة تجعلهم قادرين على أداء الصلاة بشكل مستمر بدون تعب، وأن هذه الميزات تنقصك فلذلك ليس بإمكانك أن تحافظ على صلاتك، وهذه من الأفكار المغلوطة، فالجميع بإمكانه أن يحافظ على صلاته بإذن الله.

– معرفة الله: عزا الكاتب الثقل الذي نشعر به في قيامنا للصلاة إلى عدم معرفتنا بالله كما ينبغي لهذه المعرفة أن تكون، وأنه بازدياد معرفتنا بالله وأسمائه وصفاته؛ فسنزداد شوقاً للصلاة وقدرةً عليها. وأشار إلى ضرورة المداومة على الذِّكر -ولو لخمس دقائق يومية- بقلب حاضر، وإلى الاستماع للمواعظ -ولو القصيرة منها- وإلى الاستماع إلى القرآن بتلاوة شيخٍ نرتاح لتلاوته.

– الصلاة ليست ثقلاً: نبّه الكاتب لأهمية تغيير عالم أفكارنا حول الصلاة، وزرع فكرة أن الصلاة راحة لنا وليست ثقلاً علينا نودّ أن نرتاح منه، ويمكننا هنا أن نلجأ إلى استعادة ذكرياتنا حول المرّات التي صلّينا فيها وشعرنا بالراحة والسكينة بعد الصلاة، وكذلك عدم فتح مجال المناقشة مع عقلك عند الإقدام على الصلاة إنما المباشرة فيها فوراً لئلّا يثبّطك عنها، وتكرار فكرة أن كل مشقة تمر بك في طريقك نحو المحافظة على صلاتك ستمر كما مرّت مشقّات سابقة.

– جعل القيام للصلاة عادة: وهنا يفرّق الكاتب بين جعل القيام عادة وجعل الصلاة عادة، فالثانية لا يجب أن تتحول لعادة والتي تستوجب غياب الحضور الذهني الكامل للإنسان. ولكل عادة منبه ومكافأة، وبكون الأذان منبهًا للقيام إلى الصلاة، فالشعور بالسكينة بعد أدائها هي المكافأة التي ستحفز لدى الإنسان الرغبة في تكرار هذا النشاط، هذه السكينة التي يُعَد الخُشوع في الصلاة سبيلاً إليها، هذا الخشوع الذي من الممكن تحصيله عن طريق الخشوع الظاهري للبدن؛ أي التروّي والبطء في حركات الصلاة والقراءة بتدبّر وتروّي فيها، والذي بدوره سينعكس على حالتك الداخلية.

– الحفاظ على صلاة السنن الرواتب: حيث بمحافظتك عليها فأنت تزيد من تحصيناتك ضد وساوس الشيطان والنفس، فلم تعد هجمات هذين الأخيرين تتوجّه نحو تثبيطك عن صلاة الفريضة مباشرةً.

– اجعل الصلاة مركزاً ليومك: رتّب يومك وأعمالك بحيث تدور حول أوقات الصلاة ولا تجعل صلواتك تدور حول أعمالك.

– حاسِب نفسك: بأن تنظر للأسباب التي تدعوك في الغالب للتفريط في الصلاة أو التقصير فيها واستعدّ لها مسبقاً.

– الصبر على الصلاة وعلى تحصيل ثمراتها، مع الانضباط الذاتي.

علامات استفهام!

– الدوافع للصلاة: لعلّ هذا الجانب هو أكثر جوانب الكتاب التي واجهتُ مشكلةً معها، حيثُ يعزّز الكاتب في طرحه من “ماديّة” دوافع الصلاة ومتعلّقاتها، فنراه يفرد الصفحات من الكتاب للحديث حول منافع الصلاة العائدة على البدن كما في قوله: “أثبتت دراسة تخصصية لحركات المسلمين (القيام – الركوع – السجود) على 188 شخص أن الحفاظ على أداء الصلاة يقلل من الإصابة بآلام أسفل الظهر (…) وأضافت الدراسة أن تكرار هذه الحركات لعدة مرات يومياً يصل بالأصحاء إلى ما يسمى طبّيًّا “اللياقة العالية”، ويساعد مرضى السمنة والسكر والضغط على الشفاء وتنظيم العمليات البيولوجية للجسم، ويفيد الكثير من عضلات الجسد”.[1] وغير هذه الأمثلة في الكتاب.

طرحٌ شبيه بهذا نجده في الحلقة العاشرة من خواطر 10، تحت عنوان: “أرحنا بها يا بلال” [2]، والتي سنجد فيها من بين التعليقات من يقول: إنه لم يكن يعلم هذه الفوائد الصحيّة للصلاة وبعدما علِمَها سيُصلّي! وهذا ليس مستغرباً في ظل انتشار النزعة المادية في عالمنا، حيثُ لم تعد الدوافع الدينية الأصيلة سبباً مقنعاً لكثير من المتأثّرين بهذه المادية من المسلمين، مما يجعل الكثير يتوجه لهم من بوابة المادية، وهذا ما أجده (في موضوع الصلاة تحديداً) يفرّغ هذه العبادة العظيمة من جوهرها في أنها صلة بين العبد الفقير وربه الغني سبحانه، ولا يجعل النية فيها خالصةً لله؛ وما فائدة أن أجتذب العبد للصلاة من أجل منافعها الصحية لا من حيثُ هي فرضٌ واجب فرضه عليه خالقه سبحانه؟ إلى جانب أن الدخول للصلاة من هذه البوابة المادية لا يجعلها تختلف عن الممارسات التأملية المنتشرة!

– المغالطات والتفسيرات العلمية المشوّهة: لعلّ من أبرز المغالطات التي سنراها ظاهرةً في الكتاب هي: مغالطة السلطة المجهولة: أي “استعمال الشخص مصدراً مجهولاً في حجته يستطيع عبره قول ما يشاء وإضافة ما يريد من أحكام ونتائج تخدم قضيته”. [3] فنجد الكاتب لا يتوقف عن سرد عبارات: أثبتت الدراسات… علم النفس يؤكد…، دون عزو معظم ما يُورده -على شاكلة الحقائق- إلى أي مصدر يمكن التأكد منه.

ولعل الأمر سيكون الأمر هيّناً لو توقّف عند هذا الحد، ولكننا نجد الكاتب يدخل بنا مجال العلوم الزائفة من بوابة هذه الدراسات والأبحاث، حيثُ يقول بعد سرده لإحدى التجارب: “لذلك كانت الحكمة أن يأمرنا الله تعالى بأن نغسل أطراف الجسد (نهايات الجسد) عند الوضوء حتى نزيل هذه الشحنات الكهربائية الضارة (…)فالغرض الأساسي هو تجديد الطاقة بإزالة الشحنات الكهربائية الضارة”. [4]

ليفاجئنا الكاتب بعبارته بعد هذا السرد للتفسير “العلمي” للوضوء بقوله: “آمل أن تكون نظرتك تجاه الوضوء قد تغيّرت، فالوضوء مصدر مهم وأساسي للطاقة”… نعم يجب أن تتغير نظرتك تجاه الوضوء من كونه شرطاً لصحة الصلاة وأنه بنص الحديث الصحيح: (إذا تَوضَّأَ الْعبْدُ الْمُسْلِم، أَو الْمُؤْمِنُ فغَسلَ وجْههُ خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خطِيئةٍ نظر إِلَيْهَا بعينهِ مَعَ الْماءِ، أوْ مَعَ آخِر قَطْرِ الْماءِ، فَإِذَا غَسَل يديهِ خَرج مِنْ يديْهِ كُلُّ خَطِيْئَةٍ كانَ بطشتْهَا يداهُ مَعَ الْمَاءِ أَو مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْماءِ، فَإِذَا غسلَ رِجليْهِ خَرجَتْ كُلُّ خَطِيْئَةٍ مشَتْها رِجْلاُه مَعَ الْماءِ أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ حَتَّى يخْرُج نقِياً مِنَ الذُّنُوبِ) [صحيح مسلم]، إلى كونه مصرفاً للشحنات الكهربائية الضارة، فهذا أدعى للعقل المادي النفعي أن يأخذ به!

ويتابع أمثلته في هذا المجال بقوله:

“توصل البروفيسور الألماني كنوت فايفر إلى تقنيات يمكنها رؤية الطاقة المنبعثة من الموجودات وخاصةً جسم الإنسان، وفي دراسة خاصة على صلاة المسلمين اكتشف أن المصلي بخشوع يحصل على قدر كبير من الطاقة الروحية بعد كل صلاة وذلك بتصوير انبعاث الطاقة منه قبل وبعد الصلاة”.  [5]

ومن مجال الطاقة الزائف “من هذا الباب” إلى التشويه في علم حقيقي حينما يقول: “وهناك حقيقة وهي أن نسبة الإصابة بسرطان الجلد قليلة في البلاد الإسلامية رغم ارتفاع درجة الحرارة في معظم هذه البلاد لأن الوضوء يزيل المواد الكيميائية الضارة الناتجة عن العرق قبل أن تتراكم وتتجمع على سطح الجلد”! [6] فمع هذه المعلومة التي يسردها لنا الكاتب على أنها حقيقة، لنا أن نسأل: من أقرّها حقيقة؟ هل سرطان الجلد يعود سببه لمواد ناتجة عن العرق؟! ببحثٍ بسيط فقط يمكنك التأكد من سذاجة هذا المقال وأن لا أساس علمي له على الإطلاق.

من أين جاءت تلك النّقولات؟

 وهنا جانبٌ مهم آخر في الكتاب يدفعنا لأن نضع علامة استفهام حوله، فإلى جانب استخدام الكاتب لمغالطة السلطة المجهولة، نجده يورد أقوالاً وقصصاً مأخوذة نصاً من أماكن أخرى دون الإشارة لذلك، ودون احترام الأمانة في النقل إنما نسبها لكلام الكاتب، ومن ذلك حديثه عن قصة هوبكنز مع معجون بيبسودنت في فصل دواء العادة وكذلك دراسة جامعة نيو مكسيكو على ممارسي الرياضة[8]، والذي سنجده منقولاً نصّاً عن كتاب قوة العادات للكاتب تشارلز دويج، إلى جانب مقولة: “إن عبادةً فُرضت في السماء بغير واسطة الملائكة لجديرة بالارتقاء صعداً بعشاقها إلى مقامات السماء” والمأخوذة دون إشارة من كتب فريد الأنصاري رحمه الله. [9]

وحينما تحدث عن كتاب “Think & grow rich” لنابليون هيل، ذكر استشهاده بقصة الرسول -عليه الصلاة والسلام- في فصل المثابرة وأنه لم يكن يستخدم المعجزات كأداة لنشر رسالته، مغفلاً بدايةً بإقراره لهذا الكلام دون نقد أن القرآن الكريم هو معجزة الرسول -عليه الصلاة والسلام- المستمرة، وثانياً أن القصة التي أوردها نابليون هيل في استشهاده بالرسول كانت مكتوبةً كمراجعة من شخص آخر يدعى “Thomas Sugrue” وأشار لذلك هيل في كتابه [10]. والعجيب ليس استشهاد نابليون هيل بالرسول -صلوات الله عليه- كما قال الكاتب؛ إنما بجعله هو لشهادة نابليون هذه ذات قيمة في كتاب حول الصلاة!

على سبيل الاختتام

ختاماً، بعد قراءتي للكتاب لم أعد أستغرب حملة الإشادة الكبيرة به من عموم القرّاء، فهذا المحتوى الذي يدمج ما بين الدين الخفيف والتنمية البشرية والمادية هو المُفضل لدى شريحة كبيرة من الناس. وعادةً لا أحبّذ الاستغناء بملخصات الكتب عن قراءة الكتب بذاتها، ولكن مع هذا الكتاب أرشّح الاستغناء بملخص عن قراءته والتعرض بشكل مطوّل لطريقته في تناول الصلاة. وما غطّيته في مراجعتي هذه قد يكون مما فاته لمن قرأ الكتاب قراءةً غير واعية واستسلم لكل ما يقرؤه، ومن هنا وجب التنبيه لأهمية القراءة الواعية الناقدة لما نقرأ لئلّا نكون فريسةً سهلة للأفكار غير المتّزنة، المشوّهة، والمكذوبة!


الإحالات:

[1] فاتتني صلاة، إسلام جمال، ص 167 طبعة مؤسسة زحمة كُتّاب للثقافة والنشر – 2018

[2] خواطر 10 لأحمد الشقيري، الحلقة العاشرة: أرحنا بها يا بلال، الرابط: https://youtu.be/T4s1j6H3rz8

[3] رجل القش، يوسف صامت بوحايك، ص 105 طبعة دار شفق – 2018

[4] المصدر الأول، ص 162

[5] المصدر الأول، ص 172

[6] المصدر الأول، ص 160

[7] المصدر الأول، ص 32

[8] المصدر الأول، ص 76 وما تلاها

[9] الدين هو الصلاة، فريد الأنصاري، ص ،26 طبعة دار السلام – 2010

[10] Think & Grow Rich by Napoleon Hill, page 190-192 Published by Mind Power Books – 2006

التعليقات

تعليقات

0 ردود

اترك رداً

Want to join the discussion?
Feel free to contribute!

اترك رد