طائفة البهرة.. مقدمة تاريخية (1 من 3)
انقسمت الشيعة إلى ثلاث فرق رئيسة هي: الزيدية، والكيسانية، والإمامية، وأتباع جميع هذه الفرق متفقون على أن الإمامة لا تخرج عن أولاد علي كرم الله وجهه وأحفاده، وإن خرجت فبظلم من غيرهم، أو بتقية منهم، والإمامة عندهم لا تناط باختيار العامة، إنما هي قضية أصولية، تنصيصية (ينص السابق على اللاحق)، تعيينية.
أما الزيدية فتنسب للإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ت122هـ)، وقد انقسمت إلى ست فرق، وقيل: ثماني فرق، وقيل: عشر فرق، ويقال: إنهم قريبون إلى أهل السنة والجماعة.
وأما الكيسانية فتقول إن الإمامة ذهبت إلى محمد بن الحنفية بن علي بالاستدلال، لأن علي كرم الله وجهه دفع إليه الراية يوم موقعة الجمل، وقيل: بالوصية. وهناك من نسبها إلى كيسان –صاحب شرطة المختار الثقفي- ومنهم من نسبها إلى المختار الثقفي نفسه، والراجح أنها منسوبة إلى كيسان مولى علي بن أبي طالب.
وأما الإمامية فساقوا الإمامة إلى الحسن بن علي، فالحسين بن علي، فالإمام علي بن زين العابدين، ثم محمد الباقر، ثم جعفر الصادق، وهنا تفرقوا إلى فرقتين:
الفرقة الأولى: ساقت الإمامة إلى موسى الكاظم، فالإمام علي الرضا، فالإمام محمد الجواد، فالإمام علي الهادي، فالإمام الحسن العسكري، فالإمام الثاني عشر الغائب محمد بن الحسن العسكري، وهذه الفرقة تسمى بالإمامية الاثني عشرية، أو الجعفرية، أو الكاظمية، أو الموسوية، ويسمون في جنوب لبنان بالمتاولة، أي المتأولة.
الفرقة الثانية: قالت بإمامة إسماعيل بن جعفر الصادق بدلا عن موسى الكاظم، وهو الإمام السابع عندهم، فيسمون لذلك بالإسماعيلية نسبة إلى إسماعيل بن جعفر الصادق.
وانشقت الإسماعيلية إلى فرقتين كذلك: الأولى نادت بإمامة مبارك مولى إسماعيل فسموا بالمباركية، وعنهم انشقت فرقة الخطابية الغالية. والثانية ساقت الإمامة من محمد بن إسماعيل إلى الحاكم بأمر الله الفاطمي، وهنا أوقفت طائفة الدروز الإمامة عند الحاكم بأمر الله وقالوا برجعته، وساق بقية الإسماعيليين الإمامة إلى المستنصر بالله، وهنا انشقوا بدورهم إلى فرقتين هما:
1 – الإسماعيلية النزارية (الإسماعيلية الشرقية): أتباع آغا خان حاليا، وهم الذين اعتقدوا بإمامة نزار بن المستنصر، وطعنوا في إمامة المستعلي أحمد بن المستنصر وقد نقل كبير دعاتهم الحسن بن الصباح الدعوة إلى فارس وكوّن دولة النزارية، التي عرفت باسم دولة الحشاشين.
2 – الإسماعيلية المستعلية (الاسماعيلية الغربية): وهم الذين قالوا بإمامة أحمد بن المستنصر (المستعلي)، ويعرفون باسم البهرة، وقد انشقوا كذلك إلى فرقتين هما: البهرة الداوودية، والبهرة السليمانية.

درس من دروس البهرة في الهند [alavibohra.org]
ذكرنا أن طائفة البهرة هي الطائفة التي نادت بإمامة أحمد بن المستنصر الملقب بالمستعلي، وولي إمامة الإسماعيلية بعد المستعلي ولده أبو علي المنصور[1]. ونقل أبو المحاسن عن الذهبي قوله فيه: “كان رافضيا كآبائه، فاسقا، ظالما، جبارا، متظاهرا بالمنكر، واللهو، ذا كبر وجبروت”[2].
قتله النزاريون على الجسر إلى الجزيرة في القاهرة ، ولم يترك خلفا له، على قول أكثر المؤرخين، ولكن الإسماعيلية المستعلية ينكرون هذا ويقولون: إنه ولد له ولد أسماه: الطيب، وكناه: بأبي القاسم، وجعل الإمامة فيه.
وانقرضت الدولة الصليحية في سنة 511هـ، ولم يقم أتباع الدعوة الطيبية بأي نشاط سياسي بعد ذلك، بل ركنوا إلى التجارة، وعاشوا في محيط خاص بهم، وكان كثير منهم يتخذ التقية فلا يظهر إسماعيليته بالرغم من وجود داعية لهم ينوب عن إمامهم المستور في تصريف أمورهم الدينية.
وقد هيأت التجارة التقليدية بين اليمن والهند فرصة لنشر الدعوة الإسماعيلية الطيبية في الهند، ولا سيما في ولاية جوجرات جنوب بومبي، وأقبل جماعة من الهندوس على اعتناق هذه الدعوة حتى كثر عددهم هناك، وعرفت الدعوة بينهم باسم البهرة، وهي كلمة هندية قديمة معناها التاجر[3].
واستمرت الدعوة المستعلية في اليمن تشرف على أتباعها في جوجرات، إلى أن اضطرت الدعوة الإسماعيلية الدخول في دور الستر مرة أخرى، وظهرت سلسلة طويلة من الدعاة المستورين، حتى كانت سنة 999هـ/1591م وإثر وفاة داود بن عجب شاه الداعي السادس والعشرين في سلسلة دعاة دور الستر، حيث انتخب بهرة جوجرات داود برهان الدين بن قطب شاه خلفا له (1021- 1030هـ) وعرف أتباعه بالداودية، وداعيتهم الآن هو د. محمد برهان الدين بن طاهر سيف الدين، ويعد الداعي الثاني والخمسين ويقيم في مدينة بومباي بالهند. وهو برتبة الداعي المطلق، وصاحبها يتمتع بنفس الصفات التي كان يوصف بها أئمة الإسماعيلية، على أنها صفات مكتسبة وليست ذاتية.

يوسف نور الدين صاحب أحد أئمة البهرة
ومنصب الداعي ليس وراثيا كالإمامة بل مكتسب، إلا أن الدعاة المتأخرين لم يلتزموا بهذه التعاليم، فادعوا لأنفسهم العصمة كالأئمة سواء بسواء، وجعلوا منصب الداعي وراثيا في أبناء الداعي المهيمن على طائفة البهرة الداودية، بينما عارض بهرة اليمن ذلك، وعاضدوا رجلا آخر يدعى سليمان بن الحسن الهندي 1005- 1050هـ، وكان مقيما في أحمد أباد في الهند، مدعين أن داود بن عجب شاه عهد إليه بالدعوة بوصية منه، فانتقلت البهرة السليمانية إلى اليمن ثم تولى الدعوة من بعده أخوه علي الذي ألف كتبا كثيرة وانتقل بالدعوة مرة أخرى إلى الهند، وقبل وفاته سنة 1088هـ أوصى بإمامة الدعوة إلى إبراهيم بن محمد الفهد المكرمي فرجعت الدعوة إلى اليمن، واستقر الداعي في بلدة طيبة وعهد بالدعوة إلى حفيده محمد بن اسماعيل الذي حصلت بينه وبين طائفة الزيدية حروب هزم فيها، فخرج إلى القنفذة يريد الهرب إلى الهند، إلا أن إسماعيلية قبيلة يام في نجران وعدوه بالحماية، فذهب إلى نجران وسكن بلدة بناها أسماها الجمعة، وظلت مركزا للبهرة السليمانية الذين يعرفون بالمكارمة. وداعيتهم الآن هو الداعي حسين بن إسماعيل المكرمي.
الهوامش
[1] للمقريزي: الخطط، ج2/ ص 290.
[2] النويري: النجوم الزاهرة، ج5/ ص 170.
[3] د. محمد كامل حسين: طائفة الإسماعيلية، ص 50-51، باختصار. وانظر: د. أيمن فؤاد سيد: تاريخ المذاهب الدينية في بلاد اليمن، ص 152-206.
اترك رداً
Want to join the discussion?Feel free to contribute!