تأمّلات وحقائق من أحداث غزة

قصف عنيف جوي وبحري وبري يستهدف التجمّعات السكنية والمرافق العمومية من مستشفيات وغيرها، لا يستثني الأبرياء، أطفالاً ونساء وعجائز ورجالا، في أوضح صورة حديثة للإبادة الجمعية في عصرنا الحديث، من قبل ثلة مجرمين وطغاة، أمام مرأى العالم.

بعد مرور أكثر من شهرين، ما زلنا نرى شعبا صامدا صابرا شامخا ومحتسبا، في ثبات لا يمكن تفسيره إلاّ بقوة العقيدة الخالصة التّي تُهوِّن عليهم ما يحدث وتَبثُّ فيهم الأمل وروح الانتصار وتبصرنا بحقائق لا تكاد تنتهي من أحداث المواجهة بين الحق والباطل في غزة الإباء.

الإيمان أولا..

إنّها الحقيقة الأولى من هذه المواجهة، فبالإيمان الصادق تستطيع الصمود والمواصلة والسعي للانتصار المبين، ومن وصل لدرجة تجعله يقينا يجزم بأنّ ليس له حلّ ولا ملجأ إلا الله، فيُصبح الموت في سبيل الله غايته والنصر منهج حياته، فهنيئا لهم وهنيئا لكلّ من ساهم في هذه التربية الإيمانية الصادقة لهذا الجيل الذي بثّ فينا الأمل وفتح أبصارنا على حقائق كبرى كنّا غافلين عنها وهذا أوّل طريق الفتح المبين والنّهوض للأمّة أن يعود المسلمون اليوم لإسلامهم وعقيدتهم!

ما النصر إلاّ من عند الله، قال تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَىٰ وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 9-10] ولكن هل هذه هي الحقيقة الوحيدة المستخلصة من هدير الأقصى؟! بالطبع لا فهنالك حقائق أخرى مهمة وجب علينا الوقوف عليها في هذه الكلمات لعلّها تكون نُقطة بداية لمستقبل جديد.

الحرب الموازية

الحرب نوعان: حرب عسكرية وحرب سَرديّة، فقد تكون الحرب السردية سببا للانتصارات العسكرية عن طريق كسب الرأي العام وجعله مساندًا لقضيتك بشراسة تجعل الطرف الآخر يشعر بالخيبة والهزيمة النفسية أوعن طريق نشر أخبار كاذبة توحي للجانب الآخر بالهزيمة فتجعله يستسلم نفسيا حتى وإن كان منتصرا عسكريا فيخسر إنجازاته الميدانيّة.

نشهد اليوم تغيّرا كبيرا في الرّأي العام العالمي الذي أصبح يَبحث ويُساند القضيّة الفلسطينية بكلّ قوة فنرى مُظاهرات حاشدة في بريطانيا وأمريكا وألمانيا وغيرهم من الدول الأوربية تضغط على حكوماتها لوقف العدوان على  غزة بل هنالك من بدأ يبحث عن الإسلام بسبب قوّة صمود المجاهدين والفلسطينيين وهنالك من دخل للإسلام بسبب ذلك وهذا في حدّ ذاته انتصارا جعل كيان الاحتلال يَظهر على حقيقته، لقد أصبح مكروها عالميا، وانتشرت فكرة المقاطعات للشركات الداعمة له، وتسبب ذلك في أضرار اقتصادية مهمة وكلّ ذلك تحقق بفضل مواقع التواصل الاجتماعي بعيدا عن الإعلام العالمي الداعم لهم.

إنّ الكيان المحتل كان وما زال مُهتمًّا بهذه الحرب عن طريق نشر الأخبار الزائفة، لقلب الحقائق وكسب الرأي العالمي، ففي مؤتمر هرتسليا العاشر للكيان سنة 2010، ورد فيه أنّ الحكومات الغربية مرتبطة بالرأي العام الداخلي ولذلك يجب الاهتمام بضرورة الفوز بالحروب السردية ضمانا لدعم الحكومات الغربية لها، وفي سنة 2013 نشرت صحيفة هآرتس الاسرائيلية أنّ نتانياهو قرّر مع الاتّحاد الوطني للطلبة الإسرائيليين تشكيل وحدات سرية على مواقع التواصل الاجتماعي مُهمّتها الدّفاع عن الصورة العالمية لدولة الاحتلال بدون الكشف عن هوياتهم، وجُنِّد آلاف الطلاب من أجل ذلك كما تم تخصيص مبلغ 810 ألف دولار أمريكي لتنفيذ هذا المخطط، فصدق فيهم قول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ} [الأنفال: 36].

على المسلمين أن يستغلّوا هذه المواقع والمِنصّات وأن يعملوا بجدّ من أجل نشر الحقائق التاريخية عن القضية الفلسطينية ونقل الوقائع كما هي من مجازر وإبادة، وأن نتجنّد من أجل ذلك، فهذا ثغر من ثغور الجهاد، وعلينا نشر ذلك بلغات مختلفة لإيصاله للعالم حتى تنتصر قضيّتنا، وهذا واجب على كل شخص منّا قادر على تحمّل هذه المسؤولية نصرة لإخواننا، وبذلك يتمّ الضغط على الحكومات الغربية الداعمة للاحتلال من أجل إيقاف عدوانه وجرائمه، عملا بقوله ﷺ: (من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) [أخرجه مسلم في الصحيح] فأي منكر أكبر من أن ترى إخوانك صغارا وكبارا يُبادون من دون السعي لنصرتهم ولو بالقليل!

وحتى لا نبقى مرتبطين فقط بهذه المنصات علينا السعي مُستقبلًا في إنشاء مواقع ومنصّات تواصل اجتماعية عالمية خاصة بنا، ففي ظل حجب المحتوى الفلسطيني في بعض مواقع التواصل الاجتماعي والضغط على ما تبقى من صوت الحق لكتمه، وجب علينا التفكير في بدائل توصل الحق للعالم والتخطيط العملي لذلك نظرا لأهمية كسب الرأي العالمي.

قصف العقول

الحيادية، النزاهة والمصداقية، الحرفية والأمانة في نقل الأحداث كلّ هذه القيم أظهرت حرب المواجهة الحالية، زيفها لدى وسائل الإعلام الغربية والأمريكية عند نقل ما يدور من أحداث في قطاع غزة فإنّهم في مُجملهم مُنحازون إلى الرواية الإسرائيلية الكاذبة التّي تدّعى أنّ دولة الكيان لديها الحقّ في الدفاع عن نفسها وأنّ أبناء المقاومة مُخرّبون ومُجرمون وإرهابيون يحاربهم الصهاينة لإنقاذ العالم منهم، ويُسوّغون قصفهم للأبرياء على أن المقاومة تستخدمهم كدرع بشري، وكذا قصف المستشفيات بتهمة أنّها مراكز للمقاومة، وفي المقابل لا يُصوّرون للعالم مجازر الإبادة التي يتعرّض لها الفلسطينيون، ويكتمون حقيقة أن الكيان أنّه دولة مُحتلّة وظالمة!

جميعنا يعلم أن وسائل الإعلام قادرة على تشكيل العقول وصياغتها إذا ما كان المُتلقّي يثق بها ويستقي منها دون وعي، وهذا ما يحدث داخل العقل الأوروبي والأمريكي فإنّهم يصورون لهم المسلمين عامة وأبناء المقاومة خاصة على أنّهم برابرة يقتلون ويفسدون في الأرض، فيجب القضاء عليهم دون تردّد، إلى جانب تزييف التاريخ والحقائق وغرس هذه الفكرة في نفوس العامة.

ولكن هيهات لهم فقد جاءت نتائج الأحداث الحالية عكسية، فأحدثت موجة من الوعي لدى الشعوب الغربية مع وجود طفرة في نقل الصورة والحقيقة في وسائل التواصل الاجتماعي، فسقطت الأقنعة وانكشف انحيازهم لدولة الكيان. ولكن السّؤال هنا لماذا هذا الانحياز الأعمى للصهاينة؟!

إذا عدنا للتاريخ في سنة 1980 تم تشكيل لجنة الدقة والتحليلات الخاصة بالشرق الأوسط في الولايات المتحدة الأمريكية على يد اليهود الأمريكيين والمعروفة حاليا باسم “CAMERA” ودورها مراقبة وسائل الإعلام الأمريكية فمن ينشر أو يذيع ما يضرّ بدولة الاحتلال أو ينتقدها فإنّهم يقومون أوّليّا بالاحتجاج والضغط الكبير على رؤساء التحرير ومن ثمّ يتمّ تهديدهم بقطع الدعم المادي عنهم ومن ثمّ استغلال نُفوذهم السّياسي في الكونغرس وتسليط أعضائه عليهم فتكون النتيجة الدّعم التّام لدولة الكيان بل أصبحت هنالك مراقبة ذاتية داخل المؤسسات الإعلامية خوفا من ردّة فعل مثل هذه اللجان اليهودية المنتشرة في العالم، فمثلا في 26 أكتوبر 2023 قامت مجموعة من الكتاب والصحفيين الأمريكيين بالتوقيع على عريضة تتّهم الاحتلال الصهيوني وتُطالبه بوقف إطلاق النّار ومن بين هؤلاء الصّحفي جيمي لوريون من نيويورك تايمز الذّي تمّ إجباره على تقديم استقالته، كما طرِد رئيس تحرير مجلة “آرت فورم” الأمريكية دايفيد فيلاسكو لنقده للعدوان الإسرائيلي!

إن هذه الحقائق توجب علينا أن لا نبقى ساذجين وندّعي أن الغرب هو القدوة المطلقة في كل شيء، بل هو خادم لمصالح وأجندة أعداء هذه الأمة، ونحن اليوم نحتاج نشر ثقافة الجهاد الإعلامي الصادق والخادم لقضايا المسلمين عملا بسنة رسول الله ﷺ، فعن الزهري أن وفد تميم قدموا، وافتخر خطيبهم بأمور، فقال النبيﷺ لثابت بن قيس : (قم فأجب خطيبهم. فقام، فحمد الله وأبلغ، وسرّ رسول الله ﷺ والمسلمون بمقامه) [سيرة ابن هشام] فلا بد أن يقوم منّا من يُسكت أفواه هؤلاء المُزيّفين، لإيصال الصورة الحقيقية لما يحدث من قتل وتنكيل، وعلينا تطوير وسائل الإعلام عندنا لتُصبح على مستوى عالمي وزيادة الاستثمار فيها وعلينا أيضا مقاطعة وسائل الإعلام العربية أو الناطقة باللغة العربية المُطبّعة مع روايات الكيان الصهيوني والمنحازة له بل وجب علينا المُطالبة بإغلاقها وقطع البثّ عنها في أوطاننا وأن نضع المُراسلين والمُحلّلين الظالمين المناصرين للاحتلال في قائمة سوداء وأن نتبرّأ منهم وأن نُقاطع أعمالهم وبرامجهم وهذا أقلّ القليل!

السياسة الأمريكية والغربية

إنّ ما يجري هو في الحقيقة جزء من الصراع بين مُعسكر الإسلام والإيمان ومعسكر الباطل والكفر، ولو أراد البعض الهروب من هذه التسميات فإنّ ديدن الحكومات الغربية والأمريكية هو السيطرة وبسط النفوذ والتوسع في العالم، وقد انتقل اليوم الصراع بينهم وبين روسيا وحلفائها فهم جميعا ينظرون إلينا على أنّنا منطقة توسعية مليئة بالطاقات والموارد الخام ويعلمون جيّدا أنّ العرب لن ينهضوا إلا بالعودة لشريعة الإسلام ولذلك يسعون اليوم لإفشال أيّ انتصار تحققه المقاومة في غزة خوفا من استفاقة الشعوب العربية من غفلتهم فينتفضوا عليهم ويُهدّدوا مصالحهم الاقتصادية والاستراتيجية.

وما موقف روسيا والصين الدّاعم لوقف إطلاق النار إلاّ بسبب التنافس الشديد بينهم وبين المعسكر الأوروبي والأمريكي لغرض الهيمنة العالمية وليس نصرة للحقّ لأنّنا جميعنا نعلم ما فعلته روسيا في سورية، وما فعلته الصين في إقليم شينغيانغ وأهله من المسلمين، ودولة الكيان ما هي إلا امتداد للفكر الغربي الأمريكي الاستعماري في الشرق الأوسط وهم يُريدون بقائها من أجل زيادة تفكيك المسلمين وضمان خضوعهم لهم وهذا سبب من أسباب دعم الحكومات الأوربية الكبرى كفرنسا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا  وعلى رأسهم أمريكا لهذا الكيان الظالم.

هذه الحقيقة بيّنها لنا القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙمَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} [البقرة: 120]، وهذا النص صريح في أن أعداء الإسلام لن يرضوا عنا حتى نُطبّع مع قيمهم ومبادئهم الفاسدة ونكون تبعا لهم في كلّ شيء، ولا بد للمنبهرين بالحداثة والديمقراطية الكاذبة أن يفتحوا أعينهم على حقيقة ما تُروّجه لهم هذه الدول من مبادئ حقوق الإنسان وحماية الطفولة والعدالة والحرية فما هي إلا دعاوى كاذبة لا يتمّ تفعيلها إلا لمصالحهم أو في ما بينهم حفاظا على الاستقرار داخل حدودهم!

من ناحية أخرى فإن للصهيونية مكر واضح، وتأثير كبير على سياسات مختلف الدول في العالم خاصّة أمريكا الداعمة لها بالمال والعتاد، ففي عام 1954 أسّس المحامي والصّحفي اليهودي كانن “اللجنة الأمريكية الصهيونية  للشؤون العامة” التي كان دورها بداية البحث عن تجمعات اليهود في مختلف الولايات الأمريكية ومن ثمّ تمّ إنشاء 435 تجمع هدفه التّواصل مع أعضاء الكونغرس وحثّهم على دعم دولة الاحتلال مُقابل التصويت لهم وكسب أصوات اليهود في مختلف الولايات، وفي عام 1959 تحوّلت هذه اللجنة إلى لوبي يهودي قوي وأصبحت معروفة بـ آيباك  “AIPAC” وتقوم هذه اللجنة بدعم المرشحين من الكونغرس الأمريكي ماديا والتخطيط لحملاتهم الانتخابية وإيصالهم لمناصب مهمّة وفي المقابل الدعم الأعمى لدولة الاحتلال. ومن ينتقد منهم الاحتلال فإنّها تسقطه من منصبه وتدعم غيره ليأخذ مكانه وقد توسّع نفوذها ليصل إلى أكبر حزبين في أمريكا الديمقراطي والجمهوري وكذلك تدعم المترشحين للرئاسة الداعمين لدولة الكيان بل إنّ هذه المنظمة أيضا قامت بشراء وسائل إعلام كبرى وجعلها تابعة لها لعرض ما تريده من روايات تخدم الكيان الصهيوني ويُوجد أيضا الكثير من اللوبيات الصهيونية في العالم التي تؤثّر على السياسات الخارجية للدول.

مثلا خلال ولاية أوباما الرئيس السابق الأمريكي قدّم خطابا يدعوا فيه إسرائيل بالالتزام بحدود 1967 ممّا أغضب ذلك دولة الكيان فقامت آيباك AIPAC بالضغط على الكونغرس الذي يضغط بدوره على الرئيس الأمريكي وبعد ثلاثة أيام في المؤتمر السنوي لهذا المنظمة قدّم أوباما خطابا مغايرا صرّح فيه على ضرورة الحفاظ على مصالح إسرائيل ورسم الحدود التي تناسبها!

هل اكتفى الصهاينة بهذه اللّوبيات للتأثير على السياسات العالمية؟!

 بالطبع لا، فالموساد الإسرائيل يقوم بتجنيد الآلاف من الأشخاص في العالم الذين ينتمون لمختلف الشرائح الاجتماعية ويعيشون حياة عادية ويسمّون بـ “الساينيم” وهدفهم المراقبة وكلّ من ينتقد أو أن يكون خطرا على دولة الكيان فإنهم يتدخلون من أجل ابتزازه أو التأثير عليه أو تسريب المعلومات المهمة واللازمة للموساد.

يعتبر هؤلاء الأفراد قيامهم بهذه المهام شرفا لهم وولاء لدولة الكيان وقد يكونون يعملون داخل المؤسسات الإعلامية أو الوزارات أو دُور الثقافة ويكون لهم تأثير واضح! وقد بين هذه الحقيقة الكاتب والعميل السابق لدى المخابرات فيكتور أوستروفسكي كليرهوي، حيث قال: “يتم تجنيد المقاتلين من مختلف فئات الشعب، أطباء ومحامون ومهندسون وأكاديميون وأناس مستعدون لتقديم أربعة سنوات من عمرهم لخدمة بلدهم ويدفع لعائلاتهم راتب شهري حسب المعدلات العادية كتعويض ويمنح المقاتل تعويضا إضافيا للعمل خارج البلاد يوضع في حساب منفصل […] ولا يجمع المقاتلون معلومات مباشرة إلا أنهم يجمعون خيوط الاستخبارات والتي تعني مراقبة الاقتصاد والإشاعات وأحاسيس الناس ومعنوياتهم وما إلى ذلك وفي مقدورهم أن يذهبوا ويعودوا ببساطة وملاحظة هذه الأشياء دون أن يعرضوا أنفسهم لخطر حقيقي”  [عن طريق الخداع.. صورة مروعة للموساد من الداخل، فيكتور كليرهوي، ص103].

بعد هذه الحقائق الكبرى علينا أن لا نَنتظر نُصرة من الغرب أو من مُنظّمات الأمم المتحدة وحقوق الإنسان، بل علينا أن نعمل من أجل الإصلاح والنهوض وتقوية أمّتنا علميا وسياسيا واجتماعيا واقتصاديا وأن نبذل ما نستطيع حتى نَصنع ما نحتاج بأنفسنا ونستخرج خيراتنا من أراضينا بأنفسنا وأن نصبح أقوى وندافع عن مقدساتنا دون تهاون، وأن يعمل كلّ من مكانه في خدمة أمّته عسى أن نغير حالنا للأفضل عملا بالوصية القرآنية {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد: 11]، وأن تكون للمسلمين في الغرب شوكة وقدرة على التأثير في السياسات الغربية، ولِم لا؟ فذلك ممكن عبر تأسيس مُنظمات وجمعيات داعمة للمسلمين، ويكون لها دور في دعم المستعدين للدّخول في الحياة السياسية أو مراقبة ما يحدث، وألّا يصمت أحدٌ على مظلمة في حقّ المسلمين، وأن يكون بالمرصاد لأعداء هذه الأمة في مختلف المجالات والاحتجاج على كل فعل أو قول فيه ظلم أو اعتداء على أي فرد مسلم.

السياسة العربية والإسلامية

التنديد والاستنكار والمطالبة بالتهدئة وضبط النفس والدعوة للسّلام في المنطقة هذه المواقف المُخزية والمُتردّية الغالبة والعامّة للحكومات الإسلامية بل من الدّناءة المطالبة بحلّ الدولتين، فكأنّ هنالك دولة اسمها إسرائيل يحقّ لها البقاء بيننا؟!

أليس اليهود هم من جاؤوا من مختلف بقاع العالم واستوطنوا في فلسطين واحتلّوها وأقاموا دولة تاريخها دموي وإجرامي فعن حلّ أي دولة يتحدثون؟! هنالك من اعترف منهم بحق المقاومة في الدفاع عن نفسها ولكن ماذا بعد؟

لا شيء! كلام وشعارات جوفاء بلا فعل ولا تغيير للواقع فإن لم تتدخّل الدول الإسلامية وتُعلن نصرة فلسطين في هذه اللحظات فمتى سوف تتدخل؟! وإن لم تقطع الغاز والنفط والمواد الأولية التي تنهبها أوروبا وأمريكا من أرضيها احتجاجا على إبادة شعبا كاملا في غزة فمتى سوف يكون لها موقف مُشرّف تقف به بين يدي الله؟!

ولا نتحدّث عن الذين يقيمون احتفالات ومواسم غنائية وينفقون المليارات، أو من يغلق المعابر أمام المساعدات في انتظار الإذن من الصهاينة وفي نفس الوقت يُقتل الأطفال والنساء ويَنقطع الوقود والماء عن إخواننا في فلسطين، ولا نتكلّم عن الخونة المتعاطفين مع الكيان الصهيوني الذين يُحمّلون المقاومة سبب ما يحدث ألا خبتم وخسئتم!

هذه حقيقة الدول الإسلامية التي نعيش فيها فإنها لا تُحرك جيوشها وقواتها العسكرية إلا لقمع شعوبها وإذلالها وعندما يتعلق الأمر بالقضايا الكبرى والمُقدّسات الإسلامية فإنهم يكتفون بالتنديد الأجوف المُذلّ والمُهين وإنّي أعتقد أنّه لن تتحرّر الشّعوب ولن تنهض أمّتنا إلا بعد إزالة هؤلاء المنافقين والطّغاة والظّالمين الذين يحكموننا فهم سبب تخلّفنا وسبب ضعفنا وذُلّنا.

عندما صعد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب المنبر فقال: أيها الناس ألا تسمعون؟ فقال سلمان: لا نسمع. فقال عمر: لمَ يا أبا عبد الله؟ قال: إنك قسمت علينا ثوباً ثوباً وعليك حلة. فقال: لا تعجل يا أبا عبد الله. ثم نادى: يا عبد الله. فلم يجبه أحد فقال: يا عبد الله بن عمر. فقال: لبيك يا أمير المؤمنين. فقال: نشدتك الله، الثوبُ الذي ائتزرت به أهو ثوبك؟ قال: اللهم نعم قال سلمان: فقل الآن نسمع.

إن الأولى هو أنه لا سمع ولا طاعة لهؤلاء الحكّام الذين جاؤوا للسلطة دون شورى أو بيعة حُرّة، ولا سمع ولا طاعة لمن لا يجعل شريعة الإسلام هي المرجعية الأولى في مختلف القوانين!

من اليوم علينا كأفراد أن نعي هذه الحقيقة وأن نسعى لتحكيم الإسلام في حياتنا، حتى لا يعودوا تحت مسميات جديدة ووجوه جديدة للسلطة، وعلى كل شخص يرى في نفسه القوة والعلم والمهارة السياسية أن يُبادر باقتحام الحياة السياسية والوصول للحكم حتى لا نرى مواقف مستقبلية أكثر خزي وعار عملا بما قاله سيدنا يوسف عليه السلام عندما علم أنه لا بد له من تولى منصب الخزانة على مصر لعدم وجود من أكفئ منه وأكثر أمانة وعدل منه لم يتردد في ذلك: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مَكِينٌ أَمِينٌ  قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف: 54-55].

على الأفراد دعم هذه الفئة وأن يكونوا واعين وناشطين داخل المجتمع وأن لا يَتّبعوا دعاوى المُضلّلين الباغين الفتنة بين النّاس وألا ينحازوا لمن ورائه دعم غربي صهيوني بل أن يكونوا بالمرصاد لكلّ خائن ومُندسّ  ومن هنا سوف تبدأ رحلة الحرية والعدالة والحياة الكريمة فلا وجود لحاكم في دولة مسلمة يُعادي الإسلام والجهاد ويركن لأعداء الأمة!

فالأصل أن يكون ولاة الأمر مصدر وقاية وأمان يُدافعون عن الأمة ومُقدّساتها ويُجاهدون في سبيل الله رافعين راية الإسلام لا يخافون في الله لومة لائم وأن يحرصوا على ضمان ريادة الأمة في مختلف المجالات وأن تكون هي الحضارة الفاعلة والقيادة الأولى في العالم، وصدق رسول الله حين قال: (وإنَّما الإمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِن ورَائِهِ ويُتَّقَى به، فإنْ أمَرَ بتَقْوَى اللَّهِ وعَدَلَ، فإنَّ له بذلكَ أجْرًا وإنْ قالَ بغَيْرِهِ فإنَّ عليه منه) [أخرجه مسلم في الصحيح].

الختام

نتوجه لإخواننا المقاومين في غزة وللشعب الصامد الثابت، معتذرين لهم، لأننا لم ننصرهم ولم نجاهد معهم في صف واحد، ومعذرة لكم لأننا ضعفاء في مختلف المجالات حتى ننتصر لكم، وشكرا لكم لإنكم علمتمونا دروسا عظيمة في التضحية والإيمان والثبات على الحق، وشكرا لكم لأنكم أحييتم في نفوسنا حقيقة الجهاد من جديد، وأزلتم الأغشية عن عيوننا حول حقيقة هذا العالم المنافق وغرستم فينا الزاميّة العودة للإسلام الذي فيه عِزّنا، إنّكم تُجاهدون اليوم باسم هذه الأمّة ونسأل الله لنا ولكم النصر المبين والفتح العظيم والله ولي التوفيق.

شارك المقال