حوار مع صديقي المثبط

image_print

بينما أتابع ما يحدث في غزة، وأحاول أن أروج لحملة مقاطعة البضائع الأميركية على كل وسائل التواصل الاجتماعي، وبين أصدقائي ومعارفي وكل الدوائر المحيطة بي، إذ بصديق لي يراسلني متسائلاً عمّا أفعل، متهكماً على تغييري صورة حسابي على فيسبوك إلى صورة القدس، مقللاً من أهمية ما أكتبه من منشورات وهاشتاغات تدعو إلى نصرة إخواننا في غزة بأي طريقة ممكنة، وعندما سألته عن الطريقة المثلى التي من الممكن أن نساعد بها أهلنا هناك، قال إن الحل الوحيد يكمن في فعل الحرب، وبغير هذا الحل لن تتحرر القدس، ولن يزول احتلال الكيان، وإن من يتصور أنه سيخدم القدس والقضية الفلسطينية ككل بأي طريقة أخرى فهو إما مهرج مغفل، أو عميل يغفل الناس عن الهدف الأساسي. وهنا لا بد من تقدم حوار مع صديقي هذا المثبط وأشباهه الذين يعيشون في حياتنا ويملؤون صفحات تواصلنا.

حوار بادئ ذي بدء

قلت له: يا صديقي، ما الجديد في ما تقول؟ وهل تظن أن ما تقوله يغيب عن عقل طفل صغير؟ ولكنك يا أخي تغفل أننا كشعوب إسلامية نرزح في معظمنا تحت نير طواغيت، يحبسوننا عن الوصول إلى أهلنا في فلسطين، وعن نصرة قضيتنا المقدسة بدمائنا وأبداننا، ونحن كمسلمين لا نرضى أن نجلس مكتوفي الأيدي، ونتفرج على ما يحدث دون أن يكون لنا أي دور، وإخواننا هناك يقتلون ويجوعون، فلا أقل من أن نخذل عن إخواننا هناك، ونوعي الناس بقضيتهم، من باب المعذرة إلى ربنا.

فابتسم صديقي ابتسامة العاقل الرزين، عندما يخاطب الأهوج العاطفي الذي لا ينظر إلى الأمور بعمق الخبير، وقال: أنت عاطفي لا تنظر إلى الأمور بمنطق، هل تظن أن الولايات المتحدة الأميركية ستهتز لمجرد أن نقوم نحن بمقاطعتها؟ وهل تتصور أن منشوراتك على وسائل التواصل الاجتماعي ستغير من الواقع شيئا؟

أجبته: أولاً يا صديقي دعني أعرف ما تقوم به أنت لنصرة إخواننا في غزة وقضيتنا المركزية فلسطين، فامتقع وجهه من الإحراج، وقال لي: أنا مستعد للتحرك في أي لحظة للمواجهة بل وللاستشهاد من أجل الأقصى، ولكن ما السبيل إلى ذلك؟ فقلت له وحتى هذا الوقت ماذا ستفعل؟ هل ستجلس للتفرج والحسرة حتى تدرك أنك لا تفعل شيئاً الآن وأؤكد عليك الآن لقضية الأمة المركزية، فتنصرف إلى أمور حياتك وتنسى القضية بالكلية وسط ضغوط الحياة الرهيبة التي نتعرض لها بصورة يومية، وتتزايد علينا بصورة متعمدة لكي ننسى قضايانا المصيرية.

أهمية الإعلام الرقمي

سأحدثك أولاً عن أهمية المنشورات التي نكتبها على وسائل التواصل الاجتماعي والتي تقلل من شأنها كثيراً يا صديقي، فلو أنك متابع لهذه الوسائل لكنت لاحظت أن القضية الفلسطينية تتعرض لحملة عنيفة جداً من الصهاينة عمومًا ومن صهاينة العرب خصوصًا منذ فترة، يهاجمون فيها فلسطين وأهل فلسطين، وكل ما يمت للقضية الفلسطينية بصلة، بل إن الحقارة وصلت بهولاء الصهاينة أن يصنعوا هاشتاغ يقولون فيه، إن عواصمهم الجرداء أفضل وأهم من القدس، وأريدك أن تعرف أن هذه الهجمة كانت تمهيدا لتطبيع تلك العواجز مع الكيان الصهيوني.

وللأسف الشديد فقد انساق وراءهم مجموعة من الناس لا تستطيع وصفهم بالمجموعة القليلة، ولا نستطيع أن نقلل من أثر هذه الحملات أو نتجاهلها، لأن الحماس الذي تشعر به الآن، والذي يولد عندك الإحساس بالغضب لغزة وللقضية الفلسطينية كلها، والقتال دفاعاً عنها بعد ذلك، نابع من وعيك بالقضية وخطورتها وصلتها بدينك وهويتك، فالوعي بالقضية هو أهم ما نملك، وخاصة عندما نتكلم عن هذا الوعي عند الأطفال والشباب، ووسائل التواصل الاجتماعي من أهم طرق تشكيل الوعي الآن، فكيف بالله عليك نترك هذا المجال للصهاينة، ليصولوا فيه ويجولوا ويضللوا عقول أبنائنا وبناتنا.

كيف نتركهم يهمشون قضايانا المصيرية ويتهمون أهلنا في فلسطين بأنهم باعوا أراضيهم للصهاينة؟ كيف نتركهم يحشوون أدمغة البسطاء بهذة القاذورات الفكرية، ونقول إن المنشورات على وسائل التواصل غير مهمة أو مجدية؟

أما عن مقاطعة المنتجات الأميركية وأهميتها، فقبل أن نتكلم عن أهمية هذا الإجراء فدعني أسألك: كيف يطيب لك أن تضع في فمك طعاماً أو شراباً أو ترتدي لباساً، وأنت تدرك تمام الإدراك أنه سيتحول إلى دعم للكيان الصهيوني، فإذا لم تكن تصبر على مقاطعة السلع الصهيونية الأميركية لأجل القدس، فأنى لك أن تصبر على حر القتال من أجلها.

هلمّوا للمقاطعة!

المقاطعة -حتى- وإن لم تكن ستؤثر اقتصادياً على الولايات المتحدة والكيان الصهيوني بشكل واضح وعاجل وآني -وهذا بالطبع محض فرض جدلي- إلا أنها في نهاية المطاف رسالة لا بد منها لأعدائنا نقول لهم فيها، إنكم وإن كنتم نجحتم في التطبيع مع حكامنا الذين لا يمثلوننا، فإنكم فشلتم في التأثير علينا كشعوب، وإننا كشعوب أحياء، ننتظر الفرصة لإيقاف عنجهيتكم وبذل الغالي والنفيس في سبيل قطع دابركم.

المقاطعة أيضاً تحمل رسالة تربوية مهمة وخطيرة، فعندما يسألك ابنك عن سبب رفضك شراء منتج من المنتجات، وتقول له، إنك ترفض شراءه لأنه منتج أميركي، ولأن أميركا تدعم الكيان الصهيوني، فهذه فرصة رائعة لتوعية أولادك بقضية فلسطين بصورة عملية.

أخيراً، أقول لك يا صديقي، دع الناس تنصر إخواننا في غزة بالطريقة التي تناسبهم، فمن يستطيع المواجهة في سبيلها فهذا سيدنا وتاج رأسنا، ومن لم يستطع فالطرق كثيرة من التظاهر والمقاطعة والكتابة، ولكني أعيذك يا صديقي أن تنضم إلى كتائب المثبطين، الذين يثبطون الناس عن نصرة القضية بطريقتهم لمجرد إراحتهم ضمائرئهم، لئلا يصبحوا وحدهم المتخاذلين عن نصرة قضيتهم المقدسة.

وقانا الله وإياكم من هذا الصنف من الناس.

Author

التعليقات

تعليقات

0 ردود

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك رد