التعددية الزوجية في الغرب
ضجّت وسائل التواصل الاجتماعي في الآونة الأخيرة بالحديث والتعليق على ما يسمى بــ”قضية الاغتصاب الزوجي” حيث يقضي الرجل حاجته الجنسية مع زوجته وهي غير راغبة لهذا الفعل، أو مكرَهة عليه.
بالعودة إلى الفقه الإسلامي فقد أوضح العلماء أن المرأة لها أن تمتنع عن زوجها إذا امتلكت العذر الشرعي، سواءً كان العادة الشهرية أو التعب أو المرض أو الحزن القاهر، وإذا ما تحقّق ذلك، فإنها لا تكون آثمة، أما إن لم يكن شيء من هذه الأعذار فإنها آثمة.
أما مصطلح الاغتصاب الزوجي، فقد وضعته النسويات ليبقى الأمر مناطاً برغبة الأنثى وإرضائها وسعادتها ومزاجها، فإن حصل وأن مارس الزوج علاقته معها وهي كارهة أو لم تكن في تمام الرغبة، فإن هذا “اغتصاب” بحسب ادّعاء النسوية!
نشر أحد المشايخ ردّاً حاسماً سرعان ما حذفه بأن الامتناع هو من النشوز وتُضرب عليه المرأة ضرباً غير مبرح، لتعود لجادة الصواب!
وعلى كل حال، فإن هذا التعامل -وإن حُذف هذا الكلام وتراجع عنه- مع الأسف واقع تعيشه الكثير من النساء في مجتمعات مختلفة من بلادنا الإسلامية، وهنا نتساءل: أي رغبة تلك التي ستعود للمرأة بالضرب -إلا في الحالات المرضية التي تتلذذ به- وأي بيتٍ سليمٍ هذا الذي تُعاش اللحظات السابقة للعلاقة الحميمية بالضرب، ومن سيقرر كونه مبرحاً أم لا؟
اقترح باحثون وكتّابٌ آخرون أن يعمد الرجال إلى “التعدد”، إلا أن الأمر لم يسلم من النقاش العقيم للنسويات اللاتي يَعُدن في كل حوار إلى مسلّمةِ تأليه المرأة، وجعل الكون يدور حول مزاجها ورضاها.
وهنا تركت عالمنا التواصل الاجتماعي الافتراضي العربي الذي لا يكاد ينتهي الجدل فيه، -عسى أن يكون هذا الصخب فيه نفعٌ للناس ولو بعد حين- وذهبت أختلس النظر وأتصفّح آراء الغرب في التعدد.
الزواج الأُحاديّ
في مقال لمايكل كاسلمان Michael Castleman على موقع Psychology Today عنون له بـ: Why is infidelity so common لماذا تنتشر الخيانة بكثرة؟ أشار إلى أن ممارسة الزنا بعد الزواج –وهو ما يسمّى بـ الخيانة الزوجية- ظاهرة متفشّية بشكل كبير في الولايات المتحدة، بالرغم من أن معظم الأمريكيين يطالبون بالاكتفاء بشريك واحد ويدّعون المحافظة على الوفاء والإخلاص في علاقة الزواج الأحادية Monogamy، ويعتبر مخالفة هذا الشرط أشبه بالكارثة الأخلاقية والاجتماعية، وترسخ هذه الصورة النمطية لفداحة التعدّد، كلٌّ من وسائل الإعلام والأفلام والقصص والروايات…إلخ، كما أنه يؤدي غالباً إلى الانفصال والطلاق أو الاستمرار -على الأقل- في علاقةٍ أصيبت بشرخ كبير.
يتساءل الكاتب إن كان الإنسان بطبيعته وفطرته يميل إلى الزواج الأحادي “المنوغومي” طيلة حياته؟ هنا يجيب الكاتب في المقال بأنه: في الوقت الذي يصر فيه العديد على أنّ زواج “المونوغومي” هو الطبيعي، يُلاحظ أن ٩% من عموم الثدييات تميل إلى هذا النمط من الحياة الزوجية، كما يؤكد أن انتشار ما يسمى بـ”الخيانة الزوجية” بين البشر يطمس كل الادعاءات بأن التفرد الجنسي أمرٌ فطري.
في هذا الإطار يستدلّ ببضع براهين من نصوص الإنجيل والتاريخ، حيث يذكر الإنجيل وجود تعدّد لزوجات الأنبياء مثل يعقوب الذي كان له زوجتان: ليا وراشيل، وجاريتان: بيلها وزيلفا، كما أن الوصايا العشرة تدرج الزنا في ثناياها، وتؤكد على أنها من الخطايا الكبرى، بل تنص عليها ضمن أنحاء متعددة فيجب البعد عن جريمة الزنا عمومًا، وألا يشتهي الإنسان زوجة جاره، وألّا يفعل ذلك أو يفكر فيه حتى، وعلى الفور ينتقل الكاتب للخطوة المنطقية التالية، -ولنتساءل معًا- لو كان القدماء مكتفين بزوجة واحدة، أكان من الممكن والطبيعي مراعاة هذه الوصايا؟.
يشير الكاتب إلى أن المسيحيين المورمون كانوا من معدّدي الزوجات بشكل علني حتى عام ١٨٩٠، وما زال بعضهم كذلك، أما اليوم وفي نفس البقعة الجغرافية التي تقدّس المونوغومية أو الزواج الأحادي، فإنه ليس من الغريب أن توجد الكثير من المدن والأرياف التي تتفاخر بعدد نوادي الجنس المحرّم بأشكاله المختلفة –الطبيعية والشاذة والجماعيّة- المتاحة للمتزوجين وغيرهم.
يستفيض الكاتب في شرح آثار تطبيق هذه المثالية على المجتمع، وأنه قد حاور الآلاف من الناس على مدار ٤٦ عامًا حول آرائهم عن الحياة الجنسية، وأصدر العديد من الكتب، وكتب أكثر من ٢٠٠٠ مقال لعشرات المجلات والصحف والمواقع الالكترونية بما فيهم Psychology Today و مجلة New York Times وغيرها، ليخلُص إلى أنه من حقّ الجميع المطالبة بأحاديّة الزواج، ورفع شعار الشريك الواحد الوفي المخلص، مع التأكيد على أن تطبيق الأمر في واقع الحال ليس بنفس التصور الوردي والرومنسي الحالم للناس.
لكن، أليس هناك العديد من الأزواج غير المعدّدين وهم سعداء بحياتهم مع شريكهم؟
يجيبنا الكاتب بأنه عرف العديد من الأزواج السعداء الذين اكتفوا بشريك واحد رسميٍّ على مر العقود، إلا أنهم كانوا يمارسون رذيلة الزنا أو ما يسمى بـ “الخيانة الزوجية”، والعجيب أن كثيرًا من هذه الحالات كانت بقبول وموافقة من الطرف الآخر، الزوج أو الزوجة، وذلك بشكل دوري خلال المناسبات المتكررة، مثل أعياد الميلاد السنوية، أو في فترة سفر العمل، أو حتى في عطلات نهاية الأسبوع، ويستكمل عرض إحصاءات عن نسبة الخيانات بين الأزواج، إلى جانب سردِ حجج تصب كلها في حقيقة استحالة الاكتفاء بشريك واحد في معظم الحالات.
يذكر في مثال صادمٍ أن إحدى الزوجات تعلن مرارًا أنها تحب زوجها منذ أزيَدَ من ٣٠ سنة، إلا أنها مقتنعةٌ بأنه من “الصحي” لكليهما أن ينفّسا عن رغباتهما الجنسية “باللعب” في الخارج بين الفينة والأخرى، بدعوى أن ذلك يحافظ على حياتهم الزوجية ويُديم فيها روح المتعة والمرح.
من الملفت –بحسب الكاتب- أن الإنسان المليء بالعيوب والنقائص التي لا يؤاخذه عليها المجتمع، إلا أنه عندما يتحول الحديث عن الزواج، فإنه يُفرَض عليه –وهو الخطّاء المليء بالعيوب- أن يحيا على مبدأ “المونوغومية” التي تشبه حالة قصوى من الكمال الذي يعجز عنها الإنسان، ولو افترضنا أنه يصبر عليها فإنها لا تدوم.
قولٌ على قول
من نافل القول التأكيد على أن مقال مايكل مليءٌ بالأفكار التي لا نقبلها، ففيه تلميح واضح لحق النساء أيضًا بالتعدد، وهذا مما يناقض شرعنا وشرع من سبقنا من الأنبياء، ويخالف نموذج الحياة البشرية الفطرية المستقرة، إلا أنه –بقراءة ثانية- حجةٌ على نمط الحياة الغربي المنفصم التابع بامتياز لأهواء البشر وفردانيتهم الذاتية والرافع لشعارات وهمية براقة يبيعونها للقاصي والداني ولكل من هو راغبٌ بالعيش على نمط الحياة الغربية أو “التأمرك”، وها هم أنفسهم يعلنون أنها لا تُطبّق عندهم.
لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الخيانة في الغرب تثار بشكل خاص في سياق الحديث عن ممارسة الجنس، أما مشاهدة الأفلام الإباحية والجلسات والسهرات واتخاذ الصديقات والمحادثات الخاصة، فإن هذا كله ضمن دائرة الحرية الشخصية التي تتغاضى عنها الزوجة، وتعتبره من طيش الرجال.
إن مفهوم الزنا في ديننا واسع، وقد حرم الإسلام مقدماته حرصًا على روح الإنسان من الكدر، وتأكيدًا على شموليّة مقاصده الروحية والحياتية، فأمر بغض البصر وسمّى نقيضه بـ “زنا البصر” وكذا “زنا السمع” وحتى “زنا الأنف” كما في حديث الخارجة (بعطرها على الملأ) [أخرجه الإمام أحمد في المسنَد] وأشار الوحي في عدة مواضع إلى الأمر باجتناب كل ما قد يؤدي أو يوفّر أجواء الخلوة التي لا يسلم من السقوط بعدها حتى أشدّ الرجال ورعًا، في المقابل نجد منظومة الزواج مفصّلةً منضبطة تحفظ لكلّ حقه والأهم من ذلك أنها تراعي حاجات الإنسان وغرائزه بشكل آدمي يرفعه عن البهيمية التي بات الغرب يروّج لها جهاراً.
إنّ نظام الأسرة في الإسلام، بقواعده الشرعية والأخلاقية، هو العمدة في بناء المجتمع الفاضل والمواطن الصالح، بل إن الأسرة المسلمة الناشئة على مقاصد الدين وأحكام الشريعة هي الآن خط الدفاع الأول في وجه الاستهداف، ويتزيى بالشعارات البراقة، فما أحرانا أن نزيد روابط الأسر توثيقاً، وأن نشد بنيانها، ونعلي أركانها على المنهاج القويم الذي يبلغنا سعادة الحياة الدنيا وصلاح العقبى، والله المستعان.
المصادر:
اترك رداً
Want to join the discussion?Feel free to contribute!