أثناء رحلة للعلاج.. مواجع من الذكريات

image_print

ما سمعته في مكتب الأخصائية فتح لي أبوابًا من تساؤلات لم أفكر يوما في طرقها، هل أنا حقًّا متلاعبة؟ وكيف وصلت لهذا الدرجة؟ وما هي الأسباب؟.

انتقل تصفّحي على الشبكة من البحث على قصص درامية أملًا في الحصول على جرعات من الحب الزائف، إلى البحث عن تفسيرٍ منطقيٍّ لتصرّفاتي، إلا أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحدّ فالمعرفة لوحدها لم تكن يومًا كافية.

هكذا بدأت

ألم يكن كفّار قريش يعلمون بوجود الله ومع ذلك تمسّكوا بعقيدة أجدادهم؟ ألم يجبلنا الله ويشهدنا على الإيمان بوجوده؟

قال الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ۖ قَالُوا بَلَىٰ ۛ شَهِدْنَا ۛ أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَٰذَا غَافِلِينَ} [الأعراف: 172] كنت بحاجة إلى بناء جسر من الوعي حول ما أدمنتُ عليه، ومجاهدة نفسي ومحاولة الثبات على كلّ قرار اتخذته.

بدأت بمراقبة تصرفاتي والاعتراف بكذبي للطرف المقابل في كل مرة أختلق فيها شيئًا، كان الهدف هو تدريب نفسي على الصدق ومواجهة الكذب، لم أتردد في سؤال الله العون وتطهير لساني من الكذب ورزقي الصدق.

هل كان الأمر سهلًا؟

 بالطبع لا، لم يكن سهلًا البتة. أو ليس جهاد النفس هو ما نحياه منذ لحظة بلوغنا حتى نفسنا الأخير!

لم يحتمل البعض اعترافاتي وشعروا أنهم صادقوا وهمًا لا شخصًا حقيقيًّا، لقد هجرني أحبة، وسمعت بعضهم يتمنّى موتي ليرتاحوا من الاستفهامات التي تملأ رؤوسهم جرّاء حماقاتي التي يرونها أو تصرفاتي التي لم تكن مفهومة لهم.

ربّما تسرعت في قرار الاعتراف وهذه من الجوانب التي أراها سيئة بخصوص التواصل المكتوب في المواقع والصفحات الافتراضية -عن بعد-، حيث إنها لا تدع لنا مساحة كافية للتفكير ومراجعة مشاعرنا وتصرفاتنا، ولو كانت كل أحاديثي وجها لوجه لما لوصل الأمر إلى الحدّ!

تلك الرسائل التي كنت أتلقاها كانت كالأكسجين بالنسبة لي، يكفيني تأخر أحدهم في الرد لتجدني أفقد السيطرة عن نفسي وأشعر بأنني منبوذة وأنني عالة على العالم.

مخاطر المشاعر السلبية

هذا التركيز على المشاعر وحالة التمحور على الذات ليس بالأمر الهين، ففكرة أن تفسر كل ما يقع حولك بناء على ما تشعر به، لا على معطيات وأسباب معينة وحقيقية، لهو أمر كارثي بكل المعايير!

إذًا أنا وأنت وكل إنسان بحاجة إلى الصدق، ولكنني كنت حينها ما زلت أريد جرعات متزايدة من التعاطف، فما السبيل؟

الحلّ كان في عدم اختلاق أكاذيب وبدلًا من ذلك عيش آلام واقعية، وقد بدأت حينها في التركيز أكثر على كل صعوبة في حياتي وتضخيمها لأقصى الحدود. حتى تعثري في سلالم البيت وعدم اهتمام أهلي بي ووصف شعوري بالحزن الشديد بسبب ضحك إخوتي على الأمر!

شعرت دومًا بتأنيب الضمير حول ما أفعله، وكرهت نفسي كرهًا شديدًا لدرجة تحاشي التمعّن في انعكاسي على المرآة، أصبحت أعاقب نفسي على أفعله من أخطاء إما بالضرب أو السب أو إيذاء النفس. وهذا ما فتح لي باب شرور من نوع آخر وهو جلد الذات.

  صارت جروح جسدي شيئًا عاديًّا بعد كل مرة أشعر فيها بالسوء تجاه نفسي، وقد أخذت فكرة إيذاء النفس من الأفلام الدرامية، فقد كان التأمل في الدم وهو يتدفق يشعرني بالراحة، لكن الأمر لا يتعلق بحبي لمشاهدة الدماء وهي تسيل بقدر شعوري بالهدوء بعد تدفق هرمون الأندروفين المسؤول عن تسكين الألم.

وهنا أود أن ألفت نظرك إلى أمر مهم جدّا وهو فكرة تقبّل حقيقة الألم الذي يؤكد ضعفك و بشريتك وحاجتك إلى طلب العون من الله عز وجل ومن تتوسّم فيهم خيرًا من عباده، وأن القوّة في فهم نفسك ومراعاة تقلّباتها بأشكالها فتحسن إليها كثيرًا و تشدّ عليها أحيانًا، فالأمر يشبه تعاملك مع الطفل تمامًا، إذا أصاب تكافئه وإذا أخطأ تصوّبه.

خلاصة، وفسحة للتفكير

إن كنت ممن يعاني من اضطراب المشاعر السلبية، فخذ على نفسك بعد الجلوس في مكان هادئ، أن تحاورها حول التالي، ما الصفات الإيجابية التي تمتلكها، وما مدى قدرتك على أن تتقبل مواجهة أحدهم لك بعيب فيك؟ -دون الالتفات لمكانته في قلبك أو مكانتك عنده- وابحث عن صفاتك السلبية في ذاتك أو استشر صادقًا يجيبك عن ذلك.

لكن تمهّل.. حاول قبل كل شيءٍ أن تتقبّل حقيقة أنك بشر غير كامل، وأنك مخلوق لتجاهد ما فيك من نقص، وأنه يجب عليك العمل على التخلص من صفة سلبية كل أسبوع أو شهر بحسب شخصيتك، وألّا تمل من المحاولة، وقبل ذلك كله أن تسأل الله العون دائمًا وأبدًا.

التعليقات

تعليقات

0 ردود

اترك رداً

Want to join the discussion?
Feel free to contribute!

اترك رد