مقالات

رواية “قواعد العشق الأربعون”.. كيف أصبح الكفر حلوا؟!

انتشرت في السنوات الأخيرة رواية “قواعد العشق الأربعون”، وهي رواية مترجمة كتبتها الروائية التركية إليف شافاق، وضمّنتها الكثير من الأفكار الصوفية المغالية التي وجدت طريقها إلى قلوب الشباب عن طريق الأدب.

ولدت المؤلفة في ستراسبورغ 1971، ولها 11 مؤلفاً، منها 8 روايات، وهي معروفة بطرح مواضيع حساسة وصادمة لمجتمعها، وخصوصاً ما له علاقة بالنساء والتدين والتقاليد والأقليات، مما تسبب في الحكم عليها بالسجن في تركيا بسبب رواية تحدثت فيها عن اضطهاد الأرمن في تركيا في مطلع القرن العشرين مع أحداث الحرب العالمية الأولى.

أما كتاب “قواعد العشق الأربعون” فتمت ترجمته من قبل خالد الجبيلي، وهو يحمل ليسانس أدب إنكليزي من جامعة حلب ويعمل حالياً مترجماً لدى الأمم المتحدة.

لمحة عن الرواية
القصة تدور حول إمرأة أمريكية اسمها إيلا، تعمل كناقدة أدبية، وقعت يدها على قصة اسمها ” الكفر الحلو”، كتبها رجل صوفي تركي اسمه “عزيز زهار”، يتحدث فيها عن القصة التاريخية الشهيرة لعلاقة جلال الرومي وشمس التبريزي.

تعجب إيلا بالرواية، خاصة وأنها تلامس جوانب روحية وعاطفية عندها، في الوقت الذي تمر فيه بمنعطف حرج في حياتها العائلية، فما يكون منها إلا أن تتواصل مع عزيز ثم تقع في حبه، وتسافر معه في ترحاله الصوفي الروحي.

فالرواية عبارة عن قصتين في زمنين مختلفين قصة إيلا وعزيز، وقصة شمس التبريزي وجلال الدين الرومي في رواية الكفر الحلو التي من خلالها يضع شمس لتابعه جلال قواعد العشق من خلال حوار وأحداث تمر بها هاتين الشخصيتين.

نقد الرواية
رغم أن عنوان الرواية هو “رواية عن جلال الدين الرومي” إلا أنها في الحقيقة لا تتطرق كثيراً للرومي وكتاباته وأشعاره بقدر ما تسهب في الحديث عن شمس التبريزي وأفكاره، وكأن الكاتبة أرادت عنواناً مشوقاً للقارئ، فالكثيرون في العالم يعرفون الرومي وقلة من سمع بشمس التبريزي، الذي تراه من خلال أحداث الرواية يلقي قواعد العشق ويقحمها أثناء حواره مع مختلف الشخصيات، ولوجاءت أحياناً بشكل غير مترابط أو متين.

وقد أجادت الكاتبة في وصف شخصياتها وصورتهم بطريقة فنية جميلة، حتى يخيل إليك أنهم أمامك يتحدثون إليك، وكذلك بمعرض وصفها للطبيعة في عدة مواضع كالشجرة التي تتصدق بأوراقها المتساقطة على وعاء  حسن المتسول وكذلك نقلت صورة فنية فريدة وهي تصف رقصة السما “المولوية” للرومي وشمس التبريزي في أكناف الطبيعة الساحرة، كما أنها أبدعت برسم مشهد البغي وهي تُضرب من قبل الحارس بيبرس ضرباً جعلها تشارف على الموت.

لكن الحبكة لا تخلو من أخطاء وهفوات كحديثها عن الخضراوات وحصاد القمح في فصل الشتاء، كما ولغت الكاتبة أحياناً بإباحية جنسية فجة لا تتناسب مع أعراف وتقاليد مجتمعاتنا الشرقية، أما بالنسبة للأفكار والعقائد المطروحة في القصة بين قواعدها وحديث شخصياتها فيمكن تلخيصها بما يلي:

عقيدة الحلول والاتحاد

لوحة تعود إلى القرن السابع عشر الميلادي تمثل حالة الاتحاد والانجذاب الصوفي

وهي عقيدة صوفية متطرفة، دعى لها غلاة الصوفية وزنادقتهم، تتلخص بأن الله تعالى -حاشاه- قد حل في كل مخلوقاته، فهي تقدس لذلك كل المخلوقات، وقد بدا ذلك في الرواية عند تعظيمها لشخصية أبويزيد البسطامي الذي تنقل عنه أنه قال: “الله داخل عباءتي”، وقول الكاتبة على لسان إحدى شخصياتها: “عندما يذكر المرء الله بسوء فإنه يسيء التكلم عن نفسه”، وقولها: “الله يقبع بداخل كل منا فهو لا يتخلى عنا فكيف له أن يتخلى عن نفسه”، وقولها “أربعون درجة تفصل بين الإنسان والله”، وقولها “هل توجد جنة أفضل من النعمة التي تهبط على الإنسان في تلك اللحظات النادرة عندما تفتح بها مزاليج الكون ويشعر بأنه يمتلك كل أسرار الخلود ويتحد مع الله اتحاداً تاماً”، وقولها على لسان شمس عندما أهدى المرآة للشحاذ المجذوم “إنها ستذكرك أنك تحمل الله في داخلك”، وقولها على لسان الرومي في حديثه داخل الخمارة “حتى إذا كانت علاقتنا جيدة بمدرستنا المحلية أو مسجدنا وتقف عائقاً في طريق اتحادنا مع الله فإنه يتعين علينا حينئذ أن نحطم هذه الارتباطات”.

الدعوة لعدم اتباع النصوص الشرعية أوالتقليل من أهميتها
كنقلها حوار شمس مع قاضي القضاة في بغداد قوله “الشريعة كالشمعة لا يجب التركيز عليها”، وكالقصة المزعومة بين الراعي وموسى عليه السلام وعتاب الله “حاشاه” لموسى عليه السلام لتعليمه الراعي طقوس العبادة وما فيها من تكلف بدل بساطته وجهله، فيقول لموسى عليه السلام “لا تحكم على الطريقة التي يتواصل بها الناس مع الله فلكل امرئ طريقته وصلاته، ليست مناسكنا أوطقوسنا هي ما يجعلنا مؤمنين”.

وكذكر الكاتبة لصلاة عزيز من أجل إيلا وتوجهه إلى شجرة الأماني المعظمة عند شعب موموستينانغو في غواتيمالا.

وكتساؤل الكاتبة على لسان شخصية السكير سليمان :”لماذا حرم الله الخمر في هذه الدنيا ووعد بها في الجنة”.

وكقولها على لسان شمس: “لا يعنيني الحلال والحرام فأنا أفضل أن أطفئ نار جهنم وأن أحرق الجنة حتى يحب الناس الله من أجل الحب الخالص”.

وكقولها أيضاً عن شرب الخمر: “ليشرب من أراد وليمتنع عن الشرب من أرد فلا يحق لنا أن نفرض أساليبنا على الآخرين ولا إكراه في الدين”.

وكقولها على لسان شمس “إن المبادئ والقيود الدينية مهمة لكنها يجب أن لا تتحول إلى محرمات، بهذا الفهم أجرع الخمر التي تعطيني إياها اليوم مؤمناً من كل قلبي بأنه توجد رجاحة عقل ورزانة بعد ثمالة الحب”.

وكقولها: “لا تحاول أن تعظ من بلغوا مرحلة التنوير فهم ليسوا بحاجة إلى توجيه أوإرشاد من شيخ”.

وكقولها: “إنه الصراع بين رجل الدين والصوفي، بين العقل والقلب”.

وكقولها: “مؤمن مضطرب! إذا صام المرء شهر رمضان كله باسم الله، وقدم خروفاً أو عنزة كل عيد ليغفر الله له ذنوبه، وإذا جاهد المرء طوال حياته ليحج إلى بيت الله الحرام في مكة، وإذا سجد خمس مرات كل يوم على سجادة صلاة وليس في قلبه مكان للمحبة فما الفائدة من كل هذا العناء”.

الدعوة لوحدة الأديان
ويظهر ذلك في معرض قولها : “المسيحيين العاديين والمسلمين العاديين يشتركون في أمور أكثر مما يشترك رجال دينهم”، وفي معرض حديثها عن قصة التاجر اليوناني والعربي والفارسي والتركي، كل يصف العنب بلغته  تقول: “فالمسيحيون واليهود والمسلمون يشبهون هؤلاء المسافرين، فبينما يتشاجرون حول الشكل الخارجي فإن الصوفي يبحث عن الجوهر”، وقولها على لسان الرومي: “لست مسيحياً ولا يهودياً ولا مسلماً، لست بوذياً ولا هندوسياً ولا صوفياً ولا من أتباع زن ولا أتبع أي دين أونظام ثقافي، لست من الشرق ولا من الغرب، إن مكاني هو اللامكان أثر اللاأثر”.

التشكيك بأمور الغيب أوالتقليل من أهميتها
كقولها: “لا يكفون عن التفكير أن البشر جميعاً يسرعون على السير يوم القيامة على الصراط الأرفع من الشعرة الأحد من السيف وعندها يسقط المذنبون، أما الذين عاشوا حياة تقية فسيتمكنون من عبور الصراط وسيكافؤون بفاكهة لذيذة ومياه عذبة وحوريات، إن جهنم تقبع هنا، والآن، وكذلك الجنة، لماذا كل هذا القلق مما سيحدث بعد الحياة، مستقبل متخيل”.

تفسيرات غريبة للقرآن
في معرض الكلام عن النساء فسرت قوله تعالى: “واضربوهن” بقولها: وضاجعوهن. وكقولها عن قصة امرأة العزيز وسيدنا يوسف “من يلوم زليخا على شدة رغبتها بيوسف”، وكقولها : “إن الذين يحبون أن يسبحوا بالقرب من سطح الماء يقنعون بالمعنى الظاهري للقرآن وكثيرون ينتمون إلى هذه الفئة”، وهذا يوحي أنها تؤمن بمعنى باطني للقرآن وهذا أمر معروف لدى معظم الطوائف الباطنية، أوغلاة الصوفية.

 إساءة الأدب عند الحديث عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم
كقولها على لسان شمس: “هذا لعب بالله فليس من مهمتنا أن يحكم أحدنا على إيمان الآخر”، وكقولها أيضاً على لسان شمس: “من هو الأعظم برأيك النبي محمد أم الصوفي أبويزيد البسطامي”.

وكقولها: “هل يظن هؤلاء الله بقالاً يزن حسناتنا وسيئاتنا في ميزانين منفصلين هل يظنون أنه يسجل ذنوبنا في دفتر حساباته بدقة حتى نسدد له ما علينا ذات يوم أهذه فكرتهم عن الوحدانية”.

خاتمة
وفي الختام تعتبر هذه القصة دعوة سافرة لوحدة الأديان، وتبشير بوحدة الوجود، وادعاء مذهب الحب كأساس يحكم علاقات الناس بلا استثناء، ونداء للتقليل من أهمية الشرائع والإستهانة بها أو بمن التزم بها “وأظنها هذه الرواية ومثيلاتها مما يروج له ضمن مخطط العولمة الجديد”، وتشكيك بالغيب الذي أخبرنا به الله ورسوله، وتحقير للمؤمنين به.

ورغم أني أتفق مع الكاتبة في أهمية الحب بين العبد وربه وأن الرحمة والتسامح مع الخلق والشفقة عليهم هي مزاج ديننا الحنيف، وأننا غير مكلفين بالجزم للناس بمصيرهم إلى الجنة أم النار، إلا أنني أختلف معها بضرورة انضباط الحب باتباع منهج وفكر وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم “قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم”، وأرى أن أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله، فالحب المطلق شر مطلق، فكيف يمكن أن تحب مجرماُ عدواً لله ورسوله وأوليائه الصالحين،  وأرى أن الدين واضح لا باطنية فيه ولا غموض، ولا رموز أو طلاسم، وكل من ولج في معان باطنية خفية غريبة خرج بمذهب باطني منحرف، كما حدث بالفعل على مدار التاريخ الإسلامي،  فالدين جاء سمحاً هيناً ليناً نور فكره ومنهجه وتعاليمه لا تحتاج إلى كثير تعقيد أوتأويل.

أختلف معها بأن شرائع الأديان جاءت لتنظم حياة البشر ولتختبر عبوديتهم لله والتزامهم بأوامره، فما معنى العبودية دون وجود تكاليف، أما هذا الدين الجديد الذي تبشر بها إليف وأمثالها فهو دعوة للتحرر من أي تكاليف شرعية، وما يرافق ذلك من إباحية مطلقة وفساد وقطع للأرحام، ونشر للرذيلة،  مع ادعاء حب الله في القلوب، كذبوا والله لو أحبوه لأطاعوه.

 وأتوقع للأسف رواج هذا الفكر في عصرنا الحاضر، وإمكانية اتساع رقعة أتباعه في المستقبل، بسبب كثرة القتل والعنف والطيش والظلم  بشكل غير مسبوق وخاصة ممن يدعون التزامهم بالأديان السماوية، وكردة فعل لهذا الجنون الدموي ستجد هذه الدعوة الضالة المنحرفة طريقها لكثير من الشباب الحائر المكلوم، وعلى الدعاة المؤمنين المتقين الملتزمين بشرع الله أن ينفضوا هذه الشبهات ويربطوا المسلمين وشبابهم بتعاليم دينهم الحنيف وبروح الدين الإسلامي القائم على الرحمة مع التسليم التام لكل أوامر الله ونواهيه.