مقالات

الهوية الفرعونية وخيوط العنكبوت

بعد تلك الزفّة الهائلة التي تَمَّت في مصر لما يسمى بالمُومْياوات المَلَكيّة وما صاحبها من حشد إعلامي قبل الحدث وبعده، تعالَت أصوات الكثيرين منادية بضرورة الرجوع إلى ماضينا العريق والعودة إلى هُويتنا المفقودة، وتجدّد الجدل القديم حول حقيقة الهوية المصرية هل هي الفِرْعَوْنِيَّة أم الهويّة العربية الإسلامية؟

إنّ ما وصَلَنا من الحضارة الفرعونية أو على الأقل ما يُدَرَّس منها في المدارس والجامعات إنما هو خليط من الوثنية والإيمان بآلهة الطبيعة، والرمز لها برموز مختلفة واعتقاد تأثيرها في الكون، ثم الإيمان بنوع من الحياة بعد الموت يَمْثُلُ الميت بِحَسَبِه أمامَ مجلسٍ من الآلهة يحاسبه على أعماله، ويفحص مدى إيمانه بالآلهة والتزامه بتقديم القرابين لها.

نُقِلَتْ لنا تلك الثقافة الدينية مع جملةٍ من تاريخ مصر القديم مدونةً على أبنية المعابد ومِسلّاتها الشاهقة وتماثيلها محكمة الصنع والبنية، أو مدفونة في مقابر تَضُمّ مع جسد الميت المحنّط جزءًا كبيرًا من ثروته وأدوات معيشته التي كانوا يعتقدون أنها لازمةُ للحياة بعد الموت. كل ذلك في حِزْمة من الأساطير تدور حول صراع الآلهة وإيقاع بعضها ببعض ومحاولة بعضها الاستئثار بالإلهية دون البعض الآخر([1] ).

ومن المؤسف أن البعض قد أثلج صدورَهم ما رأَوْه في الموكب المذكورِ من ترانيمَ وأناشيد وثنيّة ورقصات تحتوي على إشارات شركيّة، فكل هذا من وجهة نظرهم رجوعٌ إلى الأصل، وتمسُّك بالهُوية التي ضاعت مع الزمان، فضاع بها المصري بين أمم الأرض، وتحوّل من المصري القائد والراعي والإله والعالِم والفنان وصانع الحضارة إلى المصري المتسوّل على موائد الحضارات المُتَفَتِّتِ في فضاء الهُويات.

 أرضُ الحضارات

لقد تَكَوَّنَتْ على ضفاف النيل العديدُ من الحضارات بدايةً من الحضارة المصرية القديمة بعصورها المختلفة والتي كان الوجود العربي مكوِّنًا أساسًا من مكوناتها، “فلقد عرفت مصر قبل الإسلام فرعي العرب الكبيرين: القحطانيون الزُرَّاع كانوا يعبرون البحر ويستقرون في الوادي ويختلطون بسكانه، والعدنانيون كانوا يجوبون الصحراء الشرقية بدوًا رُحَّلًا، ولهذا لم يختلطوا كثيرًا بالمصريين، وهم الذين حاربهم الفراعنة طويلًا. ومعنى ذلك بوضوح أن تعريب مصر سبق في بدايته الفتح العربي والعصر الإسلامي، وأنه قديم في مصر مثلما كان قديمًا في السودان، وإنْ كان الفتح نفسه هو الخطوة الحاسمة”([2]).

ثم كانت مصر امتدادًا مؤثرًا للحضارة اليونانية والرومانية، وعلى أرضها نشأتْ الحضارة القبطية ثم ازدهرت الحضارة العربية الإسلامية. وفي كل هذه الحضارات كان التعدد الديني سمة من سمات النسيج البشري المصري، خاصة الوجود اليهودي، ثم الانتشار المسيحي الذي طبع مصر بطابعه الثري في كل جوانب الحياة الروحية والمادية قرونًا عديدة امتدت حتى بعد الفتح الإسلامي لها، “وثمة هنا مفارقة طريفة: وهي أن درجة انتشار كل من الأديان الثلاثة في مصر تكاد تتناسب عكسيًّا مع درجة ارتباط رسولها بمصر. فموسى أشدهم ارتباطًا بمصر، ولد وعاش وربي بها، بل يعدّه البعض مصريًّا بالأصل، ومع ذلك فلم تنتشر اليهودية في أوجها إلا انتشارًا جزئيًّا محليًّا جدًّا. أما عيسى فقد جاءها طفلًا وأقام بها بعض الوقت، ولم تنتشر المسيحية في أوجها إلا نصف انتشار على الأكثر. أما النبي محمد صلى الله عليه وسلم فهو وحده من بين أصحاب الرسالات الثلاث الذي لم يجئ إلى مصر، وإن كان وحده الذي أصهر منها، ومع ذلك فقد قُدِّرَ للإسلام أن ينتشر بها الانتشار الأكمل والأشمل”([3]).

استوعب المصريّون كل هذه الحضارات وأثَّروا فيها وتأثّروا بها، واحتضنت أرض مصر من كل حضارة أعظم فلاسفتها وأقواهم فيها أثرًا، ففي الزمن القديم عاش فيها هرمس الهرامسة الذي يُعتَقَد على نحو واسع أنه كان نبي الله إدريس -عليه السلام-([4]).

مع تشوه رسالة إدريس، أعاد الوثنيون المصريون تقديمه في صورة إله أو حكيم يحمل صفات إلهية اسمه “تحوت” Thot

وحين حطَّتْ المسيحية في مصر رحالها نبغ فيها أوريجين الفيلسوف السكندري الكبير (185 ـ 254م) منحدرًا من أسرة وثنية اعتنقت المسيحية وتحمّلت أشد الأذى والاضطهاد في سبيلها، وقد تركت تلك الحوادث أثرًا عميقًا في نفسه فأقبل على الكتب الدينية دارسًا وشارحًا لعباراتها كاشفًا لغوامضها محاولًا التوفيق بينها وبين الأفكار العريقة لمدرسة الإسكندرية الفلسفية. وقد بلغ أوريجين في ذلك الغاية القصوى حتى أضحى من المؤكد أنه ليس هناك أحد ترك أثرًا واضحًا في اللاهوت المسيحي بعد القديس بولس مثلما فعل أوريجين([5]).

كما احتضنت مصر واحدًا من أعظم فلاسفة اليهود على الإطلاق، موسى بن ميمون، الذي كان طبيبًا خاصًّا للملك الأفضل بن صلاح الدين الأيوبي، وكتب العديد من الكتب في الدين والفلسفة، مما خلَّدَ اسمَه ضمن كبار فلاسفة العصور الوسطى وكان محل تقدير من العامة والخاصة، ويَعدُّه اليهود أكبر فلاسفتهم على الإطلاق حتى قال ناعيه: من موسى إلى موسى لم يقم مثلُ موسى([6]).

التغير المصري الأعمق والأتمّ

تفاعل المصريّون مع كل هذه الحضارات تفاعلا واعيًا وعميقًا، لكن تفاعلهم مع الحضارة العربية الإسلامية كان أشد عمقًا وأكثر شمولًا، حتى أنهم ككثيرٍ غيرِهم قبلوا الإسلام دينًا وثقافةً ولغةً، فصارت مصر إحدى الحواضر الإسلامية التي مثَّلتْ في تاريخ الإسلام نبعًا صافيًا فياضًا لعلوم القرآن والسنة واللغة، ولعلوم الفلسفة والطب والفلك والفيزياء كذلك، وأضحت حصنًا حصينًا ضد كثير من الحملات العسكرية العاتية التي استهدفت بيضة الإسلام وشأفته بل سلامَ العالم وأمنَه.

إنّ مَرَدَّ هذا القبول التام للإسلام هي أسباب ثلاثة: التسامح الديني، وإدارة المسلمين الرفيقة والعادلة لشؤون البلاد، وقرب التصور الإسلامي للإله من تصور الكثير من المسيحيين غير المؤمنين بالتصور الرسمي الكنسي([7]).

وهذا يؤكده ما قام به عمرو بن العاص حين فتح مصر إذ أمَّنَ نصارى مصر على كنائسهم وأديرتهم ثم سمح للبابا آنذاك بنيامين الأول أن يعود ليباشر عمله في أمان بعد أن ظل مختفيًا لسنوات هربًا من الرومان وبطشهم.

وحتى وإن جرَتْ سياسة الولاة بعد ذلك تجاه جموع الشعب على العسف أحيانًا والعدل أخرى إلا أن العلاقات بين طوائف الشعب كان فيها من التسامح والتعايش القسط الوافر. يقول صاحب كتاب (تاريخ الأمة القبطية)([8]): “ومن حسن الحظ أن علاقاتهم الشخصية مع أفراد المسلمين المتوطنين بينهم لم تكن غيرَ مُرْضِيَةً وأنَّا لَمْ نر في التاريخ ما يدل على وجود تعصُّبات دينية بل ربما وجد بين المسلمين مَنْ أنصفَهم وذبَّ عنهم”.

آثارٌ لا تُمْحَى وهُوِيَّةٌ لا تزول    

من بين الآثار العريقة الكثيرة العجيبة التي تَعُجُّ بها أرض مصر تبقى آثار الحضارة الإسلامية شاهدة على تَشَرُّبِ كل شبر من تلك الأرض المباركة حضارة الإسلام وثقافته، فبينما تتركّز آثار الحضارات الأخرى في منطقةٍ مَّا هنا أو هناك تنفرد آثار الحضارة الإسلامية بتوزعها على جميع الأنحاء والنجوع والقرى في القطر المصري، وتلك الآثار التي تتنوع بين مساجد ومدارس وزوايا وتكايا وخوانك ما زال الكثير منها إلى الآن يَعِجُّ بالحياة والحركة مواصلًا دوره الثقافي والديني دون أن يتنكّر لماضيه أو يبخل على حاضره، أو يتحول لبناء صامت يحكي عن فترة قد انقطعت عنها الحياة أو انقطع هو عنها فلم يعد قادرًا على مسايرتها. وفي حِسْبة رياضية بسيطة يقارن جمال حمدان بين المدة الزمنية لتاريخ مصر القديم وتاريخها العربي الإسلامي فيخرج بنتيجة حاسمة هي أن طول تاريخنا العربي يعادل نحو ثلث إلى نصف تاريخنا الفرعوني تقريبًا، ونحو ربع تاريخنا كله([9]).

جمال حمدان

لكن هل يعني ذلك انقطاعًا تامًّا بين الحضارة الإسلامية والعربية وبين غيرها من الحضارات التي سبقتْها على أرض مصر؟

يحلو للبعض أن يعتقد هذا موهمًا أن مصر تعيش مرحلة من الغربة عن ثقافتها وماضيها منذ الفتح الإسلامي إلى الآن، متنكرًا بقوله هذا للواقع والتاريخ. فلم يُؤْثَرْ عن المسلمين أنهم حطموا تمثالًا أو خربوا معبدًا أو طمسوا أثرًا ينتمي لحضارات سابقة بل تركوها مصدرًا للمعرفة والثقافة والعبرة والعظة. وما زالت اللغة المصرية المتداولة تحمل في طياتها كلمات تُنسَبُ إلى اللغة المصرية القديمة تزيد على ألف كلمة([10]). فالقول بالاستيعاب وليس بالانقطاع هو الأقرب للقَبول تاريخًا وواقعًا. فمصر كما وُصِفَتْ بحق “وثيقة من جلد الرِّقِّ، الإنجيلُ فيها مكتوب فوق هيرودوت، وفوقَ ذلك القرآن، وخلف الجميع لا تزال الكتابة القديمة مقروءةً جلية([11]) “.

لعل ممّا ساعد وزاد من وتيرة ذلك الاستيعابِ الثناءُ المستمر على مصر وذكرُها بالمحامد في النصوص الدينية الإسلامية فالقرآن يذكرها تصريحًا وتلميحًا مرات عديدة ويذكر أنها كانت مبعث الرسل وملجأ الأنبياء. ولئن ذكر الله أن أشهر فراعنة التاريخ فرعون موسى كان جاحدًا مكذبًا فلقد ذكر أن زوجَهُ كانت مسلمة موحدة وأنه كان من ملئه مؤمن يكتم إيمانه وأن الجدة الكبرى لخاتم الأنبياء كانت من صميم أهل مصر وأن يوسف وقومه لقوا فيها الحفاوة والتكريم. وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم النيل والفرات ينبعان من أصل سدرة المنتهى. [البخاري: 5610] وسيناء هي التي شرفت بحديث موسى إلى ربه، وهي أول موطن للشجرة التي أثنى الله عليها بقوله: {وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآَكِلِينَ} [المؤمنون: 20]. كل هذا الثناء وذكر مصر دائمًا في موضع المدح في القرآن والسنة فضلًا عن مكانتها المكانية والزمانية ميزها بمحل رفيع في الثقافة الشعبية المصرية حتى غدا كل مصري يؤمن إيمانًا عميقًا بأن مصر جزء لا يتجزأ من أرض الإسلام وتاريخه وحضارته وتراثه وثقافته، بل يؤمن أنها درة بلاد الإسلام وكنانة الله في أرضه والحصن الحصين التي يجد فيها كل مسلم الأمن والأمان والسرور والترحاب، فأضحتْ مصر بذلك مركزًا من المراكز الكبرى للحضارة الإسلامية يؤمها العلماء والفلاسفة والفقهاء من كل حدب وصوب فيلقَوْن بها والتقدير والحفاوة. وقد عبَّر الشافعي عن ذلك أحسن بيان وأبلغه حين كتب إلى ابن عمه يخبره عن مصر وأهلها: وسألتَ عن أهل البلد الذي أنا به، وهم كما قال عباس بن مرداس السلمي:

إذا جاء باغي الخير قلن بشاشةً له بوجوه كالدنانير: مرحبًا
وأهلًا ولا ممنوعَ خيرٍ تريده ولا أنت تخشى عندنا أن تُؤنَّبَا([12])

إن الدعوة إلى انسلاخ مصر من عروبتها وإسلامها واحتمائها بحضارة قديمة ميتة ـ مهما كان بهاؤها وبريقها ـ لهي دعوة إلى تحويل مصر إلى عضو مقطوع عن تاريخٍ وثقافةٍ وتراثٍ حافلٍ وعن جسد عربي وإسلامي فائرٍ بالحياة والتجدد، ودعوة لتحول مصر إلى بلد ضعيف ضئيل الحجم والتأثير وفقدِه شيئًا فشيئًا لقواه الناعمة التي تحلق به حول العالم ومن أهمها الأزهر الشريف بماله من امتداد روحي وثقافي على مستوى العالم الإسلامي أجمع. إن أمثالَ تلك الدعوات تشبه من يدعو ساكنًا مقيمًا آمنًا لهجر قصره الحصين المنيف والاحتماء ببيت نسج من خيوط العنكبوت! وإن أوهن البيوت لبيت العنكبوت لو كانوا يعلمون.


(1) انظر مثلًا: والاس بدج، آلهة المصريين (ص321 وما بعدها)، ترجمة: محمد حسين يونس. طبعة مكتبة مدبولي ـ القاهرة ـ 1998م.

(2) جمال حمدان، شخصية مصر (ج4/ص643). طبعة مكتبة الأسرة ـ القاهرة ـ 2020م.

(3) المرجع السابق (ج4/ص418).

(4) انظر: د. مصطفى النشار، مدرسة الإسكندرية الفلسفية (ص114)، طبعة دار المعارف ـ القاهرة ـ 1995م.

(5) المرجع السابق (ص103).

(6) د. إسرائيل ولفنسون، موسى بن ميمون ـ حياته ومصنفاته ـ (ص26)، طبعة دار العلوم ـ القاهرة ـ 1936م.

(7) انظر: د. مراد هوفمان، الإسلام في الألفية الثالثة (ص68)، تعريب: عادل المعلم ـ يس إبراهيم، طبعة دار الشروق ـ القاهرة (بدون تاريخ).

(8) يعقوب نخلة روفيله، تاريخ الأمة القبطية (ص81)، مطبعة متروبول (الطبعة الثانية سنة 2000م).

(9) جمال حمدان، شخصية مصر (ج4/ص645). ـ مرجع سابق ـ.

(10) جمعها وشرحها سامح مقار في كتابٍ من ثلاثة أجزاء بعنوان: أصل الألفاظ العامية من اللغة المصرية القديمة.

(11) انظر: جمال حمدان، شخصية مصر (ج4/ص590) ـ مرجع سابق ـ.

(12) انظر: ياقوت الحموي، معجم البلدان (ج5/ص162). طبعة دار الكتب العلمية ـ بيروت (بدون تاريخ).

لماذا عادت ديانة الويكا للحياة من جديد؟

هل رأيت امرأة في غابة تلوّح بعصا خشبية وتلقي تعاويذ ضمن دائرة من عدة أفراد يلقون على أنفسهم لقب السحرة؟.
إنه وصفٌ قد يبدو مأخوذاً من أفلام الخيال، أو من روايات الأساطير، لكنه شيء بسيط مما يحدث في عالم الويكا Wicca، وكلمة “الويكا” مشتقة من اللغة الإنجلوساكسونية القديمة Anglo-Saxon كانت تُلفظ ويتشا Wicce، وتعني تطويع الطبيعة وإعادة تشكيلها لتصبح في خدمة الإنسان، وهي حركة دينية جديدة تستند على الطقوس الوثنية القديمة من ممارسات السحر Witchcrafts، ظهرت في بريطانيا على يد جيرالد غاردنر Gerald Gardner (١٨٨٤-١٩٤٦) في النصف الأول من القرن العشرين، ويصنفها العلماء من الديانات الوثنية المعاصرة Neo-paganism، حيث تعتبر الويكا –تحديداً- من أكثرها انتشاراً في العالم، ففي بريطانيا مثلا يقال: إنك حين تمشي في الشارع فأنت محاطٌ دائماً بالسحرة، وذلك لسرعة انتشار هذه الديانة هناك بالرغم من سريتها.

اجتماع لساحرات في طائفة الويكا

اجتماع لساحرات في طائفة الويكا (مصدر الصورة: Wicca now)

جيرالد غاردنر
يقول الكاتب البريطاني فيليب هيسيلتون Philip Heselton والباحث في سيرة غاردنر إنه كان طفلاً لعائلة بريطانية ميسورة الحال في لانكشاير Lancashire، إلا أنه لم يكن طفلاً مرغوباً به فقد أوكله أبواه لمربيته في سن السادسة من عمره بسبب معاناته من الربو وأرسلاه معها إلى المستعمرات البريطانية في الشرق لإبعاده عن إخوته، لينشأ هناك ويُترك ليتعلم بمفرده، ونتيجة لذلك فقد تأثر بالطقوس الوثنية للقبائل التي سكن بجانبها، وأثارت إعجابه لا سيما تلك التي تتضمن السحر في معالجة المرضى والاستشفاء، حيث أمضى شبابه وحياته في ماليزيا، وهنا يضيف الكاتب فيليب قائلاً إن جيرالد فُتن بممارسات الديانات الوثنية التي عايشها في الشرق بالإضافة إلى اطلاعه على التنجيم والسحر الغربي، فقد أُعجب وتأثر بشخصية المحقق شيرلوك هولمز وكاتبها كونان دويل.

جيرالد غاردنر: المؤسس والأب الروحي للويكا

جيرالد غاردنر Gerald Gardner : المؤسس والأب الروحي للويكا

وكان مما أثّر فيه عندما عاد إلى بريطانيا متقاعداً الكثير من الجماعات السرية، بالأخص الماسونية التي جذبته بطابعها الباطني الذي كان يستحوذ على تفكير جيرالد، حيث إن المشترك بينه وبين الماسونية هو أن كلاهما يبحثان في بُعدٍ آخر، وهو البعد الذي يشمل الطقوس السحرية الممارسة ضمن الجماعة والمشابهة لتلك التي شهدها في الشرق.

والجدير بالذكر أنه كان للقَبَالاه اليهودية نصيب من الذكر في كتاب جيرالد “معنى السحر” The meaning of Witchcrafts حيث أشار إلى أن اليهود الذين تم إجلاؤهم من بريطانيا في عهد الملك إدوارد الأول، منهم من رحل ، ومنهم من عاش متخفياً بشكل سري في الأماكن المتطرفة من الأرياف والتي كان يقطنها السحرة، وأن القبالاه اليهودية تفاعلت معهم وانسجمت وحافظت على بذورها في بريطانيا منذ ذلك الحين.

يجادل غاردنر أيضاً بأن القبالاه كما الويكا تعبد إلهين أحدهما ذكرا والآخر أنثى، معتبرا أن نظرية الإله الواحد المذكر هي شيء جاء به الرجال لخدمة مصالحهم: فيقول “في هذه الأسفار نجد تطور أقانيم الله وصفاته.  ومنها ما هو مذكر ومنها ما هو مؤنث. ولسبب أو لآخر -يعرفه فقط مترجمو الكتاب المقدس- قاموا بعناية بإزالة وإلغاء كل إشارة إلى حقيقة أن الإله ذكوري وأنثوي”.[1]

انتقل غاردنر إلى هايكليف Highcliff في ١٩٣٨، وانتسب إلى نادٍ للتعري Nudist club، وكان يلتقي مع أصحابه في فنائه الخلفي ليقوموا بحفلات التعري، وكأنه تمكّن من نقل هذه العدوى لمحيطه من الجيران الذين وبحسب ديمغرافية المنطقة يُعتبرون من المقدّسين للطبيعة Naturalist وفنونها، فعُقدت حفلات العري والجنس الجماعي بشكل دوري في منزله، لكن هذا لم يرضِه تماماً وكان يبحث عن شيء أكبر، حيث نقل أنه في ليلة من عام ١٩٣٩ -حسب زعم غاردنر- تم عصب عينيه وأُخِذَ في منتصف الليل إلى غرفة مليئة بالسحرة ووُضع ضمن دائرة وأُعطي حينها الأسرار السحرية القديمة وذُكرت كلمة ويكا، ومنذ تلك الليلة كرس الرجل حياته لتأسيس ورسم ملامح هذه الديانة الجديدة.

معتقدات ديانة الويكا
يكرر أتباع ديانة الويكا في كل محفل ويؤكدون أنهم ليسوا عبيداً للشيطان أو إبليس، وأنهم لا يؤمنون أساساً بقصة الخلق التي تتفق عليها الديانات الثلاث من حيث خلق الله للإنسان والملائكة والشيطان، وأن هذا الأخير قد عصاه فطُرد من الجنة، ويزعمون أن الويكا هي إحياء للوثنيات التي آمن بها القدماء قبل فرض المسيحية.

والغريب في هذه المزاعم أن ما يعبدونه هو عبارة عن إلهين ذكر وأنثى، يتمثل الإله الذكر على هيئة كائن بقرنين ويسمونه the horn god الإله صاحب القرنين أو السيّد the lord، وهذه كما نعلم من صفات إبليس.

الإله الذكر صاحب القرنين (المصدر ويكيبيديا)

الإله الذكر صاحب القرنين The horned God (المصدر ويكيبيديا)

السيّد والسيّدة (المصدر ويكيبيديا)

السيّد والسيّدة The lord and the lady (المصدر ويكيبيديا)

أما الإلهة المؤنثة فيطلقون عليها اسم السيّدة the lady، ومنهم من يؤمن بآلهة متعددة ذات صلة بالطبيعة والقوى الطبيعية.

والبعض يؤمن بإله واحد هو الإلهة الأنثى، أو إله واحد يأتمر بأمره السيّد والسيّدة، كما يذهب البعض لعدم ضرورة الإيمان بأي غيبيات أو آلهة، وهذا التناقض يفسرونه بأنه أحد أهم قواعد الويكا، فهي دين انتقائي، وعليه فلا وجود لثوابت، وحتى إن وُجدت فهناك استثناء لكل شيء.

يحل الإيمان بتناسخ الأرواح عندهم محل الإيمان بالآخرة، ومن يكون ساحراً فسيعود للحياة ساحراً، Once a witch always a witch، كما يؤمنون بمبدأ الكارما، وبناءً عليه تؤثّر قراراتهم في حياتهم الحالية على مصيرهم ومستقبلهم في الحياة القادمة.

ينظّم السحرة في الويكا أنفسهم على شكل جماعات Wiccan covens من ١٣ شخصا يرأسهم راهب أو راهبة، وتكون معابدهم الغابات والحدائق مع مراعاة السرية التامة وعدم جذب انتباه الغرباء.

انقسم سحرة الويكا مع الزمن إلى مجموعات كثيرة أهمها:

  • الغاردنريون Gardnerians: نسبة إلى غاردنر، ويُعتبرون الأكثر تقليدية من بين الجماعات، حيث يحرصون على الاحتفاظ بقدسية التعاليم والطقوس القديمة التي دوّنها غاردنر في كتبه، وأهمها كتاب الظلال the book of shadows والذي يعد كتاب الوصفات السحرية، ويتناقلونه رسماً باليد، حيث يعيد كل ساحر كتابة نسخته بخط يده، مع المحافظة على السرية في كل الطقوس.
نماذج من كتاب الظلال  (المصدرعن صفحة دورين فالينيت)

نماذج من كتاب الظلال  (المصدرعن صفحة دورين فالينيت  Doreen Valiente fondation)

  • الإلكسندريون Alexandrians: نسبة إلى الساحر Alex Sanders الذي يختلف بمنهجه عن الجماعة الأولى بخروجه عن تقديس تعاليم غاردنر والاستغناء عن طقوس التعري.
  • سحرة ديانا Dianic: نسبة إلى الساحرة والنسوية الهنغارية الأمريكية جوجانا بودابست Zsuzsanna Budapest التي بنت أسس هذه الجماعة متأثرةً بالحركة النسوية فلا يعبدون إلا آلهة أنثوية، واعتراضاً على النظام البطريركي (سُلطة الأب) يختارون راهبةً لترأسهم.

جوجانا بودابست

وهناك جماعات صغيرة أخرى من السحرة، كما يوجد خارج إطار الجماعة الكثير من السحرة الأفراد الذي لا يعدون أنفسهم مع أي جماعة، ومنهجيتهم الانتقاد والانتقاء لتتشكّل عقيدتهم حسب هواهم وبما يتناسب مع فردية كل واحد منهم customized religion.

تجدر الإشارة إلى أنّ السحر والسحرة أحد أبرز موضات العصر الدارجة في الغرب، الذي كان فقط قبل قرون قليلة يعاقب بالحرق كل من تُشار إليه الأصابع بتهمة ساحر، كما تُعتبر الويكا ديناً رسميّاً في أمريكا وكندا وغيرهما، إضافة إلى ذلك يروّج أن السحر الأبيض يعين على الشفاء والاسترخاء والحماية والاتصال بالطبيعة وحمايتها.

فإلى أي مدى يصحّ هذا الادّعاء، وعلى أي أساس تقوم طقوس الويكا وأعيادها، ولماذا تروج هوليود بشكل كبير لهذا الدين مؤخراً؟ هذا ما سنبحثه في المقال القادم بإذن الله.


المصادر والهوامش:

https://wicca.com/wicca/what-is-wicca.html

https://youtu.be/r-ho5EWz4O0

https://youtu.be/zoUlbK4Ob3Y

https://youtu.be/WcACIFBvheE

https://youtu.be/M56-6XA3h2M

The meaning of Witchcrafts by Gerald Gardner

[1]  معنى السحر، جيرالد غاردنر، ص: ٢٩

المعتقدات السلافية: ماضٍ ينهض من جديد (2)

ربّما يُخيّل لأيّ مسلمٍ أنّ عهد الأوثان ولّى بعد فتح مكة، وأن إيمان الشعوب الآن يتراوح بين تعاليم الإسلام والمسيحية واليهودية، أو الإلحاد في أقصى تقدير، إلا أن الأمر في روسيا يبدو مختلفًا، فبالرغم من فرض المسيحية على الشعوب السلافية قديماً إلا أن ذلك لم يُلغِ الطقوس والمعتقدات الوثنية تماماً، بل بقيت متغلغلة داخل المجتمع الروسي وإن كان بشكل غير رسمي، خاصّةً في المناطق الريفية.

ترافق انتشار الديانة الجديدة في روسيا امتزاجها بالقديمة وتم ذلك برعاية وعناية القيادة الدينية ذاتها، لتجعل الإيمان الجديد أكثر قبولاً لدى الشعب، حيث جرى توقيت الأعياد القديمة الزراعية وغيرها مع أيام التقويم المسيحي، وامتزجت الآلهة القديمة تدريجياً بالقديسين المسيحيين، وأُفقدت أسماءها مع الاحتفاظ بوظائفها وصفاتها لتُنقل إلى هؤلاء القديسين.

ونذكر من هذه النماذج ما يلي:

• مريم عليها السلام:
شغلت مريم العذراء أهميةً كبيرةً في المجتمع الروسي، ولكن أُضيفت إليها بعض الصفات المستقاة من مصادر وثنية، ففي بعض الأحيان سُمّيت باسم “كراموفيتسا Cramovitsa”، “مريم الرعد Mary the thunderer” وهو تجسيد لمريم العذراء، وجانب تظهر فيه مريم كعمود من نار، وهي سمة كانت تُنسب في العهود القديمة إلى الإله بيرون، وفي هذا الجانب هي المسؤولة عن قوس قزح (اعتبروه الجسر الذي يربط بين السماء والأرض) والذي يسمح للمطر بالتدفق بحريةٍ فوق الحقول. (١)

القديسة باراسكيفا (المصدر: ويكيبيديا)

• القديسة باراسكيفا St Paraskeva :
قدّيسة تبنت العديد من وظائف إلهة الخصوبة الوثنية موكوش Mokosh، حيث كان يُعتقد أن اثني عشر يوم جمعة من السنة مقدسة لباراسكيفا، وفي هذه الأيام يجتمع الرجال والنساء صغاراً وكباراً متجردين من ملابسهم ويقفزون ويتمايلون.

وأدان بطريرك القسطنطينية هذا الاحتفال الوثني عام 1589م، ومع ذلك استمرت الاحتفالات بهذا الشكل في أوكرانيا لغاية القرن الثامن عشر. (٢)

صورة متخيلة للنبي إيليا (المصدر: seedsoffaith.cph.org)

• النبي إيليا (Il’ya):
الاسم الروسي للنبي إيليا (إلياس) في العهد القديم والذي أضفت عليه الوثنية صفات وقدرات الإله بيرون إله الرعد. حيث آمنوا بقدرات إيليا Il’ya او Elijah على إنزال المطر والنار من السماء تماماً مثل إيمانهم ببيرون قبل المسيحية. (٣)

الوثنية المعاصرة
شهد النصف الثاني من القرن العشرين ظهور حركات دينية جديدة تتمثل بإحياء التقاليد الروحية الوثنية القديمة (ما قبل المسيحية).

ترفض هذه الأديان الدوغمائية (التشريع الثابت) بحيث يكون تشريعها هو اللا تشريع، دون أيّ أعراف أو شرائع، وهذا ما يعتبرونه مزية عن الأديان الابراهيمية التي تحتكم للكتب السماوية المقدّسة.

تُعتبر كلمة وثنية عند الوثنيين كلمة واسعة تشمل الوثنيات القديمة وحركات إعادة الإحياء Reconstructionist، والوثنية المعاصرة Neopaganism، والأخيرة تستوحي إلهامها من المعتقدات القديمة لكن دون محاولة لإعادة ممارستها، خاصة تلك التي لا تتناسب مع الوقت الحالي (كتقديم قرابين بشرية مثلاً)، بعكس حركات إعادة الإحياء، التي تنبش في تاريخ ومعتقدات الأجداد سعياً في تبنيها وإعادة ممارستها تماماً كما فعل القدماء.

وتضفي هذه المظلة الواسعة على الحركات صفة اللا تجانس، علاوةً على ذلك فهي تتطور وتتغير في اتجاهات مختلفة بتغيّر جغرافية المكان وهكذا.

بعد انهيار النظام الشيوعي في أوروبا الشرقية اكتسبت هذه الحركات زخماً في معظم البلدان الاشتراكية السابقة، واشتركت غالبيتها في السياسة القومية.

وبالرغم من أن الوثنية الأصلية في أوروبا الشرقية والوسطى تعادي بطبيعتها مبادئ السوفييت والشيوعية، إلّا أنّ الوثنيين من البلدان السلافية تعاونوا فيما بينهم بتشكيل تجمعات سنوية في الدعوة إلى إيديولوجية قومية سلافية، لكن وبسبب بعض الخلافات الداخلية توقفت التجمعات في السنوات الأخيرة.

تختلف الوثنية السلافية عن الحركات الوثنية الغربية مثل ويكا wicca, السحرة witchcrafts وحركات العصر الجديد New age movement بأنّها ليست تبشيرية، فهي لا تحاول التوسّع، أو كسب المزيد من المنتسبين، مع أن الاهتمام يزيد خاصة عند روّاد الإنترنت على هذا المحتوى.

وعلى عكس الوثنية الغربيّة المادّية التي تغري أتباعها بالحصول على القوة والمعرفة من خلال الاتصال بالأرواح أو ممارسة السحر، أو قراءة المستقبل وغيرها، تتخذ أوروبا الشرقية الوثنية كأداةٍ لترسيخ مفاهيم القوميّة الروسية والانتماء للأرض والاعتزاز بالهويّة من خلال استحضار معتقدات القدماء والسير على آثارهم مقاومين بذلك الدخلاء سواء كانوا أفراداً أو أيديولوجيات، أو حتى توسعاتٍ لدياناتٍ أخرى كالإسلام واليهودية.

الرودنوفيري
في روسيا، يرفض العديد من أتباع الروحانية السلافية (قبل المسيحية) كلمة الوثنية.  لذلك، فإن المصطلح المحدد للحركة هو Rodnoverie، والذي يعني “الإيمان الأصلي” (rodnaya vera). 

رمز ديني للرودنوفيري (المصدر: ويكيبيديا)

في الوقت الحالي، لم تسجّل أي منظمة للرودنوفيري كمجتمع ديني، ويرجع ذلك جزئيًا إلى المتطلبات المشددة للتشريع الروسي الحالي، لكن العديد من المجموعات لا تطمح إلى مثل هذا الوضع لأنها لا ترغب في تقديم معلومات حول نشاطها إلى السلطات.  إذ إن الجماعات المتطرفة تتجنب وضع أي معلومات عن نفسها على الإنترنت.

ومن الصعب للغاية تقدير عدد مجتمعات الرودنوفيري الصغيرة غير الرسمية. ولكن استنادًا إلى عدد الأعضاء في بعض مجتمعات الإنترنت والأشخاص الذين يحضرون أكبر مهرجانات الرودنوفيري، يبدو أنه من الممكن القول إن هناك عشرات الآلاف من الرودنوفيريين في روسيا.

ربط الدين بالآراء السياسية ليس أمراً غير مألوف في الوثنية المعاصرة، فعلى سبيل المثال يجادل الوثنيون بأنّ الإيمان بالآخرة في المسيحية يؤدي إلى إهمال البيئة والأرض والإحجام عن مواجهة الظلم الاجتماعي.

في روسيا، القومية هي السمة الأكثر انتشارًا وبروزًا في سياسة رودنوفيري، على الرغم من كون الحركة تضم كلاً من مجموعات اليسار المتطرف واليمين المتطرف.

 أكبر مجموعة الرودنوفيري هي KOB، وهي اختصار لعبارة  Kontseptsiya Obshchestvennoi Bezopasnosti   ، وتزعم هذه المنظمة أن لديها أكثر من 50 ألف عضو، ولكن يبدو من غير المرجح أن غالبية نشطاءها قد عرّفوا أنفسهم على أن ديانتهم وثنية.

  يمكن العثور على الوثنية في التعاليم الباطنية والخفية لحركة KOB ، لكن الدين ليس من بين موضوعاتها الرئيسية، كما أن  KOB تنشر أيديولوجية يسارية متطرفة ومعادية للسامية ومحافظة اجتماعياً، وتحتفل بستالين كبطل رئيسي لها، ومع تركيزها الشديد على الخطاب السوفيتي، تمثل KOB قومية قديمة إلى حد ما، وفي العقد الحالي بدأت شعبيتها في الانخفاض.

 منذ البداية، كانت معاداة السامية واحدة من السمات المحددة لقومية رودنوفيري. ففي كتاب Desionizatsiya المنشور عام 1979، وهو أول منشور وثني في الاتحاد السوفيتي، جادل مؤلفه فاليري إميليانوف بأن على الروس أن يتحولوا إلى ديانتهم الأصلية لأنها كانت وسيلة أكثر فاعلية لمحاربة “الصهيونية” من المسيحية، التي تقوم على اليهودية.

أصر يميليانوف على أن اليهود يقودون مؤامرة عالمية ضد الشعوب الأخرى، وخاصة الآريين، ومنذ ذلك الحين تكررت مزاعم يميليانوف المعادية للسامية بشكل صارخ في العديد من منشورات رودنوفيري، والتي استمدت أيضًا مواداً من الأدب المعادي للسامية في بداية القرن العشرين ومن ألمانيا النازية، إذ غالبًا ما اتُهمت مجموعات الرودنوفيري بالتعاطف مع النازيين، وفي الواقع يعترف بعض المؤلفين بإعجابهم بهتلر.

علم الحزب النازي

كان العامل الحاسم في نمو حركة الرودنوفيري هو ارتباطها بمشهد فنون الدفاع عن النفس، وفي بداية التسعينيات قدم الكاتب الوثني ألكسندر بيلوف فنًا قتاليًا جديدًا باسم “Slavyano-Goritskaya Borba” ، والذي ادعى أنه يستند إلى تقليد روسي فريد. 

ومثل يميليانوف، جادل بيلوف بأن الوثنية كانت “دين المحارب”، على عكس المسيحية التي تدعو إلى التواضع والاستسلام.  داخل الأندية الرياضية التي تمارس سلافيانو جوريتسكايا بوربا، انتشرت الوثنية بشكل فعال بين الشباب الروسي واكتسبت أيضًا موطئ قدم بين مجموعات حليقي الرؤوس.

ارتكب بعض أتباع الرودنوفيري جرائم مثل الهجمات على الكنائس الأرثوذكسية والمعابد اليهودية والمساجد أو الاعتداءات العنصرية العنيفة على الأشخاص “غير السلافيين المظهر”، وربما تم الكشف عن الحالة الأكثر إثارة للاشمئزاز في عام 2009، عندما تم القبض على مجموعة من ثلاثة شبان تتراوح أعمارهم بين 17 و18 عامًا، والذين عرّفوا عن أنفسهم باسم رودنوفيريين، بسبب 12 جريمة قتل عنصرية ومحاولتي تفجير في موسكو.

على الرغم من أن هذه حالات فردية يمكن القول إنّ غالبية الرودنوفيريين لا يوافقون عليها، إلّا أنه لا يمكن رفضها باعتبارها ظاهرة منفصلة عن الحركة.  فعلى الرغم من أن أبرز قادة رودنوفيري لا يشجعون علنًا على العنف ، إلا أنه يتم إقراره ضمنيًا من خلال نظرتهم للعالم المانوية وشيطنة “الآخر”.

في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، تم إدخال قوانين جديدة لمكافحة التطرف في روسيا، ومنذ ذلك الحين تم تكثيف مراقبة ومحاكمة القومية المتطرفة.  وبالتالي حُظِرت بعض منظمات الرودنوفيريين وأنشطتها خاصة المنشورات.

علاوة على ذلك، بدأت مجتمعات الرودنوفيريين الرئيسية في فرض رقابة على تصريحاتها العامة من أجل تجنب اتهامات التطرف – لكن هذا بالطبع يمنع العديد من أعضائها من الاشتراك في القيم العنصرية.  ومع ذلك، يبدو أن التيار الرئيسي لحركة الرودنوفيريين يبتعد تدريجياً عن السياسات القومية المتطرفة.  مع نضوج الحركة وتحول التركيز أكثر إلى اكتساب مكانة راسخة كدين، اكتسبت الممارسات الشعائرية واللاهوت أهمية أكبر. 

في الوقت الحالي، تعد Rodolyubie واحدة من أكبر مؤسسات الرودنوفيريين، والتي تشتهر بطقوسها المتقنة والمنشورات العديدة لزعيمها الكاريزمي فيليسلاك (إليا تشيركاسوف). حيث تركز كتبه على مناقشة التقاليد الروحية السلافية والتفكير الصوفي على حساب تكريس دعاية القومية!

من الصعب التنبؤ بالاتجاه الذي سيتطور فيه الرودنوفيري كدين مناهض للعقائد، وستبقى بلا شك حركة غير متجانسة تشمل أيضًا أشكالًا راديكالية.

 على الرغم من أن الحركة هامشية، إلا أنها تستمر في النمو بسرعة والأهم من ذلك أن لها تأثير أوسع داخل ثقافات فرعية من الشباب مثل عشاق موسيقى الهيفي ميتال، الفنانين، عشاق الخيال العلمي، وممارسي فنون الدفاع عن النفس.

وبالتالي، نظرًا لعلاقاتها الحميمة مع هذه المجموعات، تعكس الرودنوفيري قيم الشباب الروسي وهمومهم.  وقد تبع دورها في القومية الروسية التغييرات الأوسع التي حدثت في العقود الأخيرة، فقد بدأت بالدعوة لكراهية المهاجرين والمسلمين مثلاً بدلاً من معاداة الغرب ومعاداة السامية بحسب تصنيفات الخطاب القومي المتطرف.


المصادر:

(١)Encyclobedia of Russian & Slavic myth and legends page: 99

 (٢) Encyclobedia of Russian & Slavic myth and legends page: 213

(٣)Encyclobedia of Russian & Slavic myth and legends page: 115

Nations under God The Geopolitics of Faith in the Twenty-First Century

Pages:126-127-128-129-130

https://www.e-ir.info/2015/11/08/russian-paganism-as-nationalist-politics/

https://youtu.be/05_EvJTrSZE

المعتقدات السلافية: ماضٍ ينهض من جديد (1)

روسيا، الاسم الذي يوحي أول ما يوحي لسامعه بالجغرافيا الواسعة، الاتحاد السوفيتي سابقًا، بوتين والمعسكر الشرقي، في هذا المقال نسلّط الضوء على المعتقدات التي سادت تلك البلاد في القديم وما بقي منها إلى الآن.
إن الشعوب السلافية هي أكبر المجموعات العرقية اللغوية (ذات أصل مشترك في العرق واللغة ethnolinguistic groupe) في أوروبا، وتُقسم الشعوب السلافية المعاصرة إلى:

  • سلاف الشرق: بيلاروسيا، روسيا، أوكرانيا
  • سلاف الغرب: التشيك، مورافيا، بولندا، سلوفاكيا
  • سلاف الجنوب: البوسنة، بلغاريا، كرواتيا، مقدونيا، مونتينيغرو(الجبل الأسود)، صربيا، سلوفانيا

كانت الشعوب السلافية عبارة عن مجموعات قَبَليّة عديدة عاشت في بداية العصور الوسطى -من القرن الخامس إلى العاشر- في أوروبا الشرقية، ولم تُستخدم لفظة سلاف بشكل مكتوب إلّا في القرن السادس تزامناً مع هيمنة هذه القبائل على جزء كبير من أوروبا الشرقية والوسطى، وقد وصفهم المؤرخ البيزنطي بروكوبيوس القيسراني Procopuis of Caesarea بأنهم: طوال القامة، أقوياء البنية، بشرتهم ليست بيضاء، وشعرهم ليس بالأشقر ولا الأسود ولكنه يميل عند معظمهم للاحمرار.

بروكوبيوس القيسراني (مصدر الصورة: ويكيبيديا)

المعتقدات السلافية القديمة
نظراً لأنّ أول كتابات ظهرت حول هذا الموضوع كانت في القرن التاسع الميلادي -ولم تنتشر بشكل كبير آنذاك- فإنّ المعلومات حول المعتقدات والآلهة المنتشرة لدى الشعوب السلافيّة في تلك الفترة كانت قليلة، كما أنه لا يوجد إلى الآن أي مخطوطات أو كتابات قديمة تؤكّد أو تصف معتقدات الشعوب السلافية الأولى بشكل كامل، فمعظم ما تمّ اكتشافه في مدينة نوفوغرود Novogrod (حوالي ١٢٠٠ قطعة من ألواح لحاء الشجر) والذي يتراوح في القِدَم بين القرن الحادي عشر والخامس عشر، تضمّن معظمها تدوينات لمبادلات تجارية، أو رسائل خاصة بين الأفراد، ولا شيء عن شعائر أو طقوس القدماء، ومعظم المنقول هو من شهادات البيزنطيين والألمان والرحالة.

وقد عثِر على أصنام وأدوات تعبدية لكنّها لم تترافق مع أي نص مكتوب يوضح كيفية الطقوس والممارسات للعبادات، وما يقوم به العلماء من دراسات وتحليلات حاليًّا يستند إلى التخمينات، إلا أن هناك إجماعًا على أنّ آلهة الشعوب السلافية القديمة كثيرة ومتشابكة.

إضافةً إلى الإيمان بالآلهة المتعددة فقد آمن السلافيّون بوجود مخلوقات سفلية ذات قوى خارقة مثل الأرواح والغول والمستذئبين وغيرهم، ومن ثمّ، فإنه بحسب هذه المعتقدات، تحكم الكون آلهة عليا تتشارك في أصولها مع آلهة اليونان القدماء وأهل الشمال “الاسكندناف” وتتشابه في الصفات لحد كبير.

من هذه الآلهة:

  • الإله بيرون Perun: إله الرعد وهو نفسه الإله ثور Thor وغيره من آلهة الرعد الهندوأوروبية.
  • إله الغابات والأنعام والحياة الآخرة after life: فيليس Veles
  • إله السماء: ستريبوغ Stribog
  • آلهة الخصوبة والإناث: موكوش Mokosh وهي نفسها Freya عند الفايكينغ
  • إله الشمس: Dashbog

وغيرها من الآلهة الكثيرة التي عبّرت بجزء كبير عن أجزاء الطبيعة وتفاعُلِ البشر معها بقوّةٍ آنذاك، من نهرٍ وغابةٍ وطقسٍ وجليدٍ وحتى الوقت وقِصر الليل والنهار خلال السنة كان له إله يعمل على تنظيمه!

فُرِضت المسيحيّة عام ٩٨٨م على الشعوب السلافية، ودمِّر كل ما له شأن بالعبادات الوثنية كالمعابد والأصنام، ومع ذلك يرجح الدارسون في تاريخ الوثنية السلافية أن العبادات والمناسك كانت تُمارس في الهواء الطلق على شكل ترانيم وصلوات أو في الغابات التي تحتلّ مكانة مقدّسة عند تلك الشعوب، أو في المعابد الخشبية التي إما دُمّرت كلياً على يد دعاة المسيحية، أو أنّ ما تبقى منها فنيَ واهترأ بعامل الوقت، ومن الصعب إعادة استحضار هذه الطقوس الوثنية بدقة أو تمثيلها لقلّة الأدلة.

أحد الأصنام القليلة جدًّا التي عثر عليها علماء الآثار وما زال موجوداً ومحفوظاً في متحف كراكوف-بولندا هو الصنم زبروخ Zbruch الذي يعود إلى القرن التاسع حيث الأوجه الثلاثة على التمثال حسب معتقداتهم: العالم السفلي، والإنسان، والعالم السماوي.

مصدر الصورة: ويكيبيديا

بالرغم من فرض المسيحية الأرثوذوكسية على الشعوب السلافية لأكثر من ١٠٠٠ عام، وبالرغم من إجراءات الاتحاد السوفيتي الذي تلاها في فرض الأجواء اللادينية بالقوة إلّا أنّ ذلك لم يمحُ آثار الوثنية من معتقدات الروس وبقية الشعوب السلافيّة، حيث ما تزال موجودة وبشكل متداخل بشكل كبير مع المعتقد المسيحي.

من بعضها:

  • عيد الماسلينيتسا Maslenitsa ويعرف بأنه (أسبوع الزبدة والشطائر): ففي كلّ عام يقومون فيه بعمل ولائم في آخر فصل الشتاء (أواخر شباط وبدايات آذار) احتفالاً بآلهة الشمس ويحضرون أكلة شعبية تسمى البلينشيكي Plinchiki (تشبه الكريب الفرنسي) وتعبّر بشكلها عن رمز الشمس وذلك لحث الشتاء على الرحيل، واستعجال الربيع في القدوم.
  • اللجوء إلى العرّافات لمعرفة الطالع وما يخبّئه المستقبل.
  • تقديم الطعام عند القبور: ويُعتقد أنه في أيام الانقلابات والاعتدالات الفصلية تزور أرواح الأموات أقاربها ويمشي الأموات على الأرض في يوم يسمّونه “إيفان كوبالا Ivana Kupala” في تاريخ ٢١، ٢٢، ٢٣،٢٤ من شهر حزيران، وقد استمرت عادة الاحتفال به حتى منتصف القرن العشرين.
  • البابا ياغا babayaga: إحدى المخلوقات من دون الآلهة والتي تمتلك قوى خارقة وتتمثّل بساحرة عجوز تميل للشر مع امتلاكها للحكمة لمساعدة من يستحق المساعدة، وتكيد بالأشرار والطفوليين، وما زالت هذه الشخصية الأسطورية تشكّل جزءاً كبيراً من قصص ومناهج الأطفال في الأدب الروسي إلى اليوم.

  • إله الشمس وحصانه الناري: حيث يُعتَقَد بأنه يسافر عبر المحيطات برفقة حصانه الناري المخلص، وقد عَبَدوه جنباً إلى جنب مع إله الشمس، ومنذ ذلك الزمن تُعتبر حدوة الحصان رمزاً جالباً للحظ الجيّد، ومن يعثر على حدوة في الطريق فهي غالباً تعود إلى الحصان الناري، وستضمن لصاحبها الحظ السعيد، وإلى الآن تُعلّق الكثير من البيوت في روسيا وغيرها حدوة الحصان للأسباب ذاتها!
  • الحمّامات البخارية “بانيا“: كانت تُعتبر بوابة العبور من عالم الأرواح إلى العالم المادي، وتحرسها إلهة تدعى جدّة الحمّام، والتي بيدها الشفاء من الأمراض ورعاية الأمهات النفاس ومواليدهن، كما جرت العادة منذ أكثر من ألفي عام أن تلد النساء داخل هذه الحمّامات البخارية لتسهيل عملية العبور بين العوالم للأطفال حديثي الولادة!
  • جن المنزل أوعفريت المنزل أوحتى سيّد المنزل “دوموفوي Domovoi”: وهو عبارة عن روح ذكرية على هيئة مخلوق صغير(قزم) بلحية يعيش مع سكان البيت ويُعتبر سيّده، ويساعد في أعمال المنزل مُقابل أن يتم الإحسان إليه بترك كأسٍ من الحليب وقطعة خبز على الطاولة، وإسماعه كلمات الثناء والمديح والإطراء عليه، والمحافظة على نظافة المنزل، واستخدام الكلمات اللبقة بين أفراده، وإلا يحلّ عليهم غضبه، وفي حالة رضاه التام فإنه يحرس سكان منزله ويحميهم.

وحتى أيامنا هذه يعمد الناس عادةً عند الانتقال من بيت لآخر إلى جلب كاهنٍ ليبارك السكن الجديد وينقل “الدوموفوي” معهم، خاصةً إن كان ممن أحبّوا عشرته وآمنوا بأنه سببٌ في حظهم وتوفيقهم.

والجدير بالذكر أنه مشابه للقزم المرافق لحكايات بابا نويل في بلاد الغرب والذي يبدأ منذ شهر كانون الأول مشاكساته في المنزل  The elf on the shelf.

دوموفوي (المصدر: thevintagenews.com)

  • الليلة السحرية: أقصر ليلة في العام ٢١ من شهر حزيران، إذ إنّ الأعشاب والورود التي يتم قطفها في هذه الليلة لها قدرات شفائية بسبب المعتقد القديم أنّ الوردة السحرية يُبحَثُ عنها في هذه الليلة ومن يجدها يمتلكُ القدرة على فهم لغة الحيوانات والنباتات والطيور، وقراءة عقول البشر والتأليف بين قلوبهم!

ويفسّرون هذا الاعتقاد بأنّ يوم ٢١ تموز هو أطول يوم في العام، وبذلك تتعرض النباتات لأشعة الشمس بشكل أطول من أي يوم وتكتسب طاقةً مكثفة من إله الشمس.

 ختاماً لا بد من الإشارة إلى أن بعض المتخصصين وصفوا الإيمان الروسي بأنه ثنائي Dvoeverie  بسبب هذه الموروثات الوثنية المتداخلة بشدّة مع المعتقدات الكنسية.

 إن السؤال الذي يجب إثارته في نهاية المقال هو البحث في طبيعة هذه الثنائية، فهل الإيمان المسيحي الروسي والإيمان السلافي شيئان متداخلان ببعضهما، أم أن كلًّا منهما يسير بشكل موازٍ للآخر كمحاولة من الناس لمقاومة المسيحية التي فُرضت على شعبٍ ما زال يمجّد ماضيه ويتغنّى به؟

نرجئ الإجابة عن ذلك إلى المقال القادم بإذن الله.


المصادر:

https://www.culture.ru/

https://www.ancient-origins.net

http://xn—-ptblgjed.xn--p1ai

https://youtube.com/playlist?list=PLx1Hrg5Bg3xrOTtXQyed4zLsCxm9F-dfQ

قبيلة وثنية في روسيا: https://youtu.be/E1qdU1JnSpc

انتكاسة نحو الماضي.. الوثنية تعود للغرب من باب اليمين والقومية

 

توصف حركات “الوثنية الحديثة” بأنها أحد أبرز التيارات الدينية في الغرب خلال العقود الأخيرة، وقد رأى بعض الباحثين صعودها بمثابة تحول طبيعي في ضوء تغول العلمانية ونبذ المنظومة المسيحية التقليدية.

ويطلق مصطلح الوثنية الحديثة أو الوثنيين الجدد لوصف العديد من الحركات والمجموعات التي أحيت عبادة الأوثان أو اتخذت طقوسا وثنية حديثة في أوروبا وروسيا والولايات المتحدة.

لكن هذه الفرق تتمايز في معتقداتها وتوجهاتها، فقد نشأ بعضها من مزج ممارسات وثنية قديمة مع أفكار وفلسفات حديثة، بينما سعى بعضها لإحياء ماضي أوروبا الوثني قبل المسيحية بكل ما فيه من طقوس وأساطير.

ونظرا لتشعب مذاهب الوثنيين الجدد واختلاف مشاربهم، صار من الصعب رصد نمو حركتهم، ودراستهم باعتبارهم ظاهرة واحدة. وثمة من يرى أنه لا ينبغي التعامل معهم كتيار فاعل ومؤثر في الغرب، لا سيما مع ابتعاده عن السياسة الحزبية في أغلب الحالات.

غير أن أعداد الوثنيين الجدد تتنامى في السنوات الأخيرة، وتقدر بمئات الآلاف في بلدان مختلفة، وتنظم الحركات الوثنية نفسها في مؤسسات مسجلة، كما نشرت عنها كتب وأبحاث عديدة.

ففي الولايات المتحدة تنمو جماعة “ويكا”، وهي إحدى الفرق الوثنية التي تدور ممارساتها حول السحر والتنجيم والاعتقاد في القوى الخارقة. ويقدر عدد من يعرفون أنفسهم بأنهم من أتباع الويكا أو من الوثنيين بنحو 1.5 مليون أميركي وفقا لمسح أجراه مركز “بيو” عام 2014، وذلك مقارنة بنحو 700 ألف فقط قبل عشر سنوات.

وفي بريطانيا يوجد نحو 70 ألف شخص يعرفون أنفسهم بأنهم وثنيون أو ممارسون للويكا، وفقا للإحصاء السكاني الرسمي الذي أجري عام 2011.

وفي آيسلندا، تفيد تقارير بأن الوثنية الإسكندنافية تعود بقوة، وأنها الآن “أسرع الديانات نموا في البلاد”، ويجري حاليا بناء معبد للوثنيين في أطراف العاصمة ريكيافيك، سيكون الأول من نوعه في آيسلندا خلال ألف سنة، لتقديس آلهة شعب الفايكينغ: أودن، وثور، ولوكي.

وفي الدانمارك أتم الوثنيون بناء معبد للإله أودين عام 2016، وذلك لأول مرة خلال ألف سنة.

الآلهة الجرمانية يعاد إحياء أساطيرها في أوروبا

الوثنية السلافية
وفي روسيا، توجد قرابة عشر منظمات رسمية تمثل الوثنيين، مع صعود ما يعرف بالوثنية السلافية الحديثة أو “رودنوفري” التي تعني “الملة السلافية الأصلية”.

وكان لهذه العودة الوثنية السلافية تأثير خاص لأنها متصلة بالنزعة القومية عند الشعوب ذات الأصول السلافية (الصقالبة)، التي تشمل الروسيين والأوكرانيين والبيلاروسيين والبولنديين والتشيكيين والبوسنيين والصرب والبلغار وغيرهم.

وفي بولندا، تثير الردة الوثنية حيرة وتساؤلا في بلد طالما افتخر بتقاليده المسيحية العريقة. وصارت للوثنيين منظمة كبيرة مسجلة تضم آلاف الأعضاء في بلد يشكل الكاثوليك فيه أكثر من 87% من مجموع السكان.

ويرى مسيحيون أوروبيون وأميركيون أن الوثنية الحديثة ليست إلا وجها آخر من وجوه المادية الغربية التي تنبذ الدين وترفض أي دور له في حياة الإنسان، وأنها إنما تقتبس من الماضي الأوروبي الأسطوري وطقوسه الغامضة في سبيل تلبية الحاجات الروحية وسد الفراغ الوجداني لدى الأجيال الجديدة في الغرب.

لكن الوثنيين الجدد بوجه عام يرون أن حركتهم هي سعي للوصول إلى حياة متناغمة مع الطبيعة وقواها، وعودة إلى التراث الأوروبي الذي ساهم في تشكيل الحضارة الغربية ومنح الثقة لإنسانها.

احتفال شعائري لإحدى جماعات الويكا في الولايات المتحدة (Wiki/Ycco)

زواج مع القومية والعنصرية
ومع أن الانطباع السائد لدى الغربيين المعاصرين عن هذه الوثنية الحديثة بأنها حركة متحررة مسالمة تستلهم التمرد الشبابي اليساري الذي ميز سنوات الستينيات، فإنها ليست كذلك في كل الحالات كما يؤكد الباحث إيثان دويل وايت من كلية لندن الجامعية.

يقول وايت إن العديد من فرق الوثنية الحديثة -وخاصة في وسط أوروبا وشرقها- هي مجموعات محافظة إلى حد بعيد، بل ورجعية في رؤاها الاجتماعية. ويوضح أن هذه المجموعات ترى في إحياء عبادة الآلهة السابقة للمسيحية تأكيدا على هويتها العرقية والقومية في خضم عولمة العصر الحديث.

وفي كتابها “الوثنية والتراث والقومية” تقول الباحثة كارينا أيتامورتو إن حركة الرودنوفري في روسيا -وهي من أبرز المجموعات الوثنية التي ارتبط اسمها بالتطرف القومي- ترسم صورة أمة عاشت في رخاء حتى بدأت تتجاهل تراثها وقيمها وتقلد نماذج أجنبية مثل المسيحية والشيوعية، وهو ما قضى على اعتزاز الأمة بنفسها وفقا للوثنيين الروس.

والحل عندهم كما تقول أيتامورتو هو العودة إلى الديانة الأصيلة للسلاف أو الروس حتى يشعر الشعب بذاته ويستعيد توازنه.

وفي الولايات المتحدة أيضا توجد حركات وثنية عنصرية قلما تأتي في صدارة الأخبار، لكنها برزت في أحداث تشارلوتسفيل بولاية فرجينيا في أغسطس/آب 2017، حين نظم العنصريون البيض والقوميون المتطرفون مسيرة تحت شعار “توحيد اليمين”.

وشارك في تلك المسيرة -التي قتل أحد العنصريين فيها ناشطة من مجموعة مناهضة للعنصرية دهسا بسيارته- الوثني البارز ستيفن مكنالن مؤسس “جمعية أساترو الشعبية”. ومن بين المشاركين أيضا السياسي الوثني الطموح أغسطس سول إنفيكتوس.

وتقول الكاتبة سارة ليونز في مقال بموقع “فايس” إنه “بالنسبة للعالم الخارجي قد يبدو ربط اليمين المتطرف بالآلهة القديمة والسحر أمرا سخيفا، لكنه مرتبط في الواقع بأفعال محددة من العنف والإرهاب”.

وأضافت في مقالها المنشور في أبريل/نيسان 2018 أن عضوا في مجموعة وثنية عنصرية أميركية بولاية فرجينيا تسمى “ذئاب فنلاند” قضى أكثر من عامين في السجن لأنه أحرق كنيسة للسود عام 2012.