مقالات

أدلجة العلم وتضليل الجماهير!

منذ مطلع البشرية اتصف الإنسان بحب البحث والاطلاع، فالإنسان مجبول في فطرته منذ أقدم الحضارات في التاريخ على ذلك، ومن الشهير في أوساط العلوم أن أول مدرسة معتبرة في العلوم الطبيعية كانت في اليونان قبل الميلاد في أثينا على يد عدد من الفلاسفة مثل سقراط وأفلاطون وأرسطو.

تأسيس المنهج العلمي التجريبي

ألف أرسطو كتبًا في علوم الطبيعة ونظرية المعرفة –الإبستمولوجيا-  وقد كانت الإضافة الحقيقية تكمن في تأليفه للمنهج الذي يجيب على سؤال (ما الفرق بين الحقيقة والخرافة)؟ حيث تردد بين إجابات متعددة إلى أن انتهى إلى (الاستدلال الاستقرائي). ويمكن شرح هذا الاستدلال بأنه قائم على اتباع الملاحظات والحقائق الصغيرة، وبناء نسق عام لها، بهدف توصُّل الإنسان إلى الاستنتاجات والنتائج الكبرى، وقد تبنى غالبية من جاء بعد أرسطو من المفكرين والفلاسفة هذا المعيار للتفريق بين العلمي وما هو مجرد خرافة حين من الدهر، وبالرغم من أن هذا المنهج –أي الاستدلال الاستقرائي- يميل إليه الإنسان دون الحاجة إلى معلّم أو سابق تفكير، إلا أن وضع قواعد منهجية ومكتوبة لهذا الاستدلال كان من حظ أرسطو بداية.

من ناحية أخرى، فإن التطبيق العملي المثمر لهذا المنهج جاء على يد المسلمين، سواء قبل حركة الترجمة في عهد العباسيين أو بعدها، وبناء على اتباع هذا الاستدلال ظهرت طفرة عظيمة في المعارف، ووجِدت ثورة معرفية عظيمة بين المسلمين على يد أمثال ابن الهيثم، والبيروني، وابن سينا وغيرهم من العلماء الموسوعيين في الطبيعة والطب وغير ذلك.

بالرغم من تبنّي المسلمين منهج الاستدلال الاستقرائي بصيغته الأرسطية بدايةً، إلا أنهم زادوا عليه شرط وجود التجربة، إذ إن المعيار الأرسطي كان نظريًّا جافًا منعزلًا عن الواقع، فأضاف عليه المسلمون التجربة ليتحول الافتراض العلمي من احتمالية ظنية إلى حقيقة يقينية. ومن هنا جاء التأسيس الحقيقي للمنهج العلمي التجريبي ليكون الخط الأحمر الفاصل بين العلم والخرافة.

نظرية التطور وفلسفة العلم

مرّ الزمان وبقي الحال على ما هو عليه من مناهج البحث والعلم حتى بدء عهد النهضة في أوروبا، وهنا رأينا ترجمة أخرى لكتب أرسطو وكتب علماء المسلمين إلى اللغة اللاتينية، وبذلك انتقلت العلوم الطبيعية إلى أوروبا مع المنهج التجريبي الذي نفذه المسلمون وكان فاصلًا بين الحقيقة والخرافة، ومن ثم فقد حاول الغرب اتخاذ المنهج التجريبي مرجعية في العلوم لعدة قرون، إلى أن جاء القرن السابع عشر أو ما يسمى بعصر الأنوار، حيث شهدت أوروبا تصاعد حركات الإصلاح الديني والفكر المتمرد على الدين المسيحي، وأصبح الذوق العام يميل إلى تكذيب الخطاب الكنسي القائم على الاتباع الأعمى في مسائل الظواهر الطبيعية، واستبدلت الجماهير تفسيرات الأناجيل حول ظواهر الطبيعة بالتفسير العلمي القائم على التجربة والدليل.

ومع زيادة دعاوى تعارض الدين مع العلم، ومع الميل العام لجانب العلم، ظهرت شكوك دارون حول الرواية الإنجيلية حول قصة الخلق. وبدأ رحلته في محاولة استبدال الرواية الدينية بأخرى علمية حتى نشر كتابه (أصل الأنواع) في سنة 1859م. ولقي الكتاب رواجا هائلا جعل من مؤلفه نجما مقدسا إلى يومنا هذا، ولا شك أن الموجة العامة من التنوير أثرت في مدى قبول أفكاره، مهما كانت غريبة وجديدة على الناس كليًّا!

ولكن التسرع في قبول النظرية والانشغال بالضجة الجدلية التي أخلفتها ستر عن الناس الخلل الجوهري في النظرية، وهو عدم اتباع النظرية للمنهج الاستقرائي والتجريبي الذي سار العلم عليه طوال التاريخ! إذ إن النظرية بدأت بوضع فرضية التطور أولًا، ثم بدأت تبحث عن أدلة تدعم الفكرة ثانيًا. أي إن نظرية التطور اتبعت في مسارها (الاستدلال الاستنتاجي) بدايةً لا (الاستدلال الاستقرائي)!

وهذا يعني أنها –بحسب المنهج العلمي– افتراض نظري لا يخضع للرصد والتجربة، ولا يمكن أن ينسب إلى العلم بأي حال. إذ أن العمر البشري المحدود في بضعة عقود يستحيل له أن يرصد ما يحدث على مدار ملايين السنين، فضلا عن التجربة والبرهنة!

يقين فوق الشبهات

الحماسة الأولية والإصرار على قبول النظرية تبعه تلاعبٌ بالمعيار العلمي، وهكذا كانت البداية لخروج هذه النظرية من تهمة الخرافة وتلحق بركب الحقائق العلمية المعتبرة،  ففي نفس القرن الذي شهد الترويج لنظرية دارون، غُيِّرَ المعيار الفاصل بين الحقيقة العلمية والخرافة العلمية على يد بعض فلاسفة العلم ممن يؤيدون دارون مثل (لويس باستير) و(جريجور مينديل) بحجة أن الحاضر يختلف عن الماضي، ولو صدقوا لاعترفوا أنهم يتلاعبون بالمعيارية ليجدوا مخرجا من عدم التزام نظرية صديقهم بالمنهج العلمي!

بطبيعة الحال، فقد صدرت آراء تقول إن الاستدلال الاستنتاجي معترف به إلى جانب الاستدلال الاستقرائي أيضًا، ولا عجب –والحال كذلك- أن يتم الاعتراف بالمعيار الجديد ليزاحم القديم!

والعجيب أن التلاعب لم يكتفِ بتغيير المعيار العلمي الأصيل، بل وصل الأمر إلى عدم الالتزام بالمعيار الجديد أيضًا! فالمنهج الاستنتاجي ينص أن أي استنتاج وجد أدلة تدعمه فهو حق ما دام قابلًا للدحض عن طريق التخطئة بالتجربة Falsification tests .

ولكن هذا لا يتوفر في نظرية التطور أصلا، إذ إن الإنسان صاحب العمر المحدود لن يستطيع أن يأتي بدليل تجريبي يدحض وجود تطورٍ يحدث على مدار ملايين السنين. فلا الاستدلال الاستقرائي المتعارف عليه موجود في عملية الاستدلال، ولا الطعن في النظرية تجريبيا في الإمكان! ومنذ ذلك الحين، تحول المعيار من خط أحمر متفق عليه عالميا –أي المنهج الاستقرائي التجريبي- إلى معايير مختلفة ومتعددة.

نتيجة لذلك نشأ مذاهب عدة في فلسفة العلم، وكانت هذه المذاهب طرائق قددا لا تكاد تجتمع على رأي واحد، وكل مذهب يضيف معيارًا ما ليفرق بين العلم والخرافة. ومن شبه المحال أن تحصل على إجابة واحدة على سؤال: ما الفرق بين ما هو علمي science وما هو غير علمي pseudoscience؟

من هنا خذلت فلسفة العلم المجتمع العلمي بشكل فادح لعدم وجود إجابة موحدة يعترف بها عالميا. ولا تملك الجامعات إلا أن تتبنى فلسفة ما تقيم عليها الأبحاث العلمية!

وبهذا المثال البسيط، يدرك الإنسان خطورة فلسفة العلم في تغيير المعيار بين الحقيقة والخرافة، وتحويل الخرافة إلى حقيقة، بل وتحويل الخيال إلى حق مطلق غير قابل للنقاش ولا يحتمل التخطئة!

إن غياب المعيارية الموحدة في المسائل العلمية لا يعني نهاية فلسفة العلم، بل يعني أننا لن نتحاكم إلى حكماء وعلماء ومفكرين وفلاسفة منصفين فور نشب أي جدال. كلا، فلا حكم منصف في ظل توفر ألف خط أحمر بين العلم والخرافة! وهذه المعيارية السائلة تشكل خطرا كبيرا على البشر، لا لأن الجموع قد تمر عليها الخرافات تحت ستار العلم، بل لأن الجموع أُشبِعَت عقولها بالخرفات وهم يحسبون أنهم يتزودون من المعارف!

 فالتلاعب بالمعايير قد ينتج لنا خرافات تتسم بالقداسة بلا مساحة للطعن أو التشكيك، وقد يتحول الاحتمال الظني إلى يقين فوق الشبهات!

تضليل الجماهير

لا يكاد ينكر أحدٌ أن الأدلجة وتشكيل وعي العامة عبر المناهج التعليمية كان هدفًا أساسيًّا ومن دأب الساسة في العقود الأخيرة. فمن يمتلك قدرة السيطرة على مناهج العلوم في المدارس والجامعات أصبح يمتلك عقول العامة بين يديه في ظل غياب المعيارية الدقيقة!

فالسياسة تهتم بترسيخ الأفكار من خلال أدلجة العلم، تارة بتحويل العنصرية بين شعوب بعينها إلى نتيجة محتومة لنظرية التطور. وتارة بالتطبيع مع مناقضة الفطرة في الميول الجنسية بحجة أنه أمر طبيعي لأسباب وراثية أو اختيارية، وتارة بإعلاء أصوات ورؤى النسوية بحجة أن المخ الأنثوي يتفوق على المخ الذكري، وتارة بنشر الإلحاد بحجة أن الكون قد نشأ عن أكوان لانهائية متعددة فكان كوننا والأرض فيه من خلال الصدفة الرائعة!

ولا يتوهم أن المجتمع العلمي محايد إلا مسرف على نفسه في السذاجة. فلا براءة في ظل سياسات تتسابق على نشر الأيدولوجيات، ولا حياد في ظل غياب الخطوط الحمراء!

وأما من كان له من بعد النظر والحكمة، فلا يملك إلا أن يتحاكم إلى المعيار الفطري والعلمي القديم، وهو الاستدلال الاستقرائي المبني على الرصد والتجربة المعترف به على مدار التاريخ إلى عصر الأنوار. حينها يمتلك المرء فرقانا يفرق به بين الحقيقة العلمية والخرافة العلمية، وليكون الإنسان في تثقيف هادئ بعيدًا عن ضجيج المؤامرات. في مأمن من مصائد الأدلجة، ومكائد تضليل الجماهير!

ماذا بعد بطلان الأدلة العلمية على نظرية التطور؟ .. الجواب في كتاب (لا شيء بالصدفة)

بيّنّا في مقال سابق تهافت الأدلة التي ساقها أحمد خيري العمري في كتابه (لا شيء بالصدفة) على نظرية التطور، والتي كما قلنا لم تزد مساحتها في الكتاب عن بضع وثلاثين صفحة، من أصل 520 صفحة، هي عدد صفحات الكتاب المذكور، فما الذي يحتويه الكتاب إذن في بقية صفحاته؟

تفترض بقية صفحات الكتاب أن خرافة التطور -التي فشل الكاتب تماماً في تقديم دليل مقنع عليها- هي أمر مُسَلَّم به ولا جدال فيه، فلا عجب أن كانت بقية الكتاب، هي مجموعة من المغالطات والافتراضات، لأنها قائمة أصلاً على خرافة باطلة.

من ذلك محاولات الكاتب اليائسة في التوفيق بين النظرية والإيمان، بين خرافة تطور الإنسان من أسلاف مشتركة مع الشمبانزي، وبين ما جاء في القرآن الكريم، ولا سيما قصة خلق سيدنا آدم عليه السلام. ومن ذلك أكثر من مائتي صفحة حاول فيها الرد على ما جاء في سلسلة (رحلة اليقين) للدكتور إياد القنيبي، وهي سلسلة علمية في غاية الدقة والتوثيق العلمي، قام مقدمها بالتفنيد العلمي المحكم لنظرية التطور، وأثبت أنها مجرد (خرافة) وليست نظرية علميّة، أما محاولات العمري في الرد عليها، فما أراها إلا تأكيداً للفرق بين من يتحدث بالدليل العلمي القاطع، وبين من يبني استنتاجاته على شفا جرف هار من فرضيات بعيدة كل البعد عن العلم والدليل العلمي، وفي الفقرات الآتية من المقال لمحات مقتبَسَة من المغالطات التي امتلأ بها كتاب (لا شيء بالصدفة).

مزاعم التطوريين حول نشوء اللغة

يقول العمري “هناك اعتقاد علمي راسخ يربط اللغة التي تميز الإنسان العاقل بالحمض النووي” [ص: 120]، ويجدر الإشارة إلى أن الأخ أحمد يقول ذلك، رغم أن المراجع التي يضعها في هامش كلامه ليس فيها ما يفيد بوجود “اعتقاد علمي راسخ”!؛ إذ إن نشوء اللغة يعتبر من أكبر الألغاز التي ما زال العلماء في حيرة من أمرها، وكل ما قالوه حتى الآن في هذا المجال، مجرد فرضيات لا دليل عليها، ومن بينها فرضية (نعوم تشومسكي) التي ذكرها في الصفحة 121 من الكتاب:  “حيث يعزو لغة الإنسان التي ميزته عن كل الحيوانات الأخرى إلى طفرة جينية واحدة أنتجت جيناً واحداً فقط عند فرد واحد”، ورغم أن الأخ أحمد لا ينكر بأن الكثيرين من العلماء يختلفون مع فرضية تشومسكي، وأنه “لم يتم حتى الآن العثور على جين واحد بعينه يكون مسؤولاً على التعبير”. إلا أنه يعود ليقول: “لا يستبعد بعض العلماء أن تكون هذه الطفرة قد حدثت لفرد واحد فقط، ومن ثم انتقلت منه وسادت حتى تكونت 7000 لغة في عالم اليوم” [ص: 122].

نعوم تشومسكي

يتابع العمري قائلًا: “رجل واحد؟ هل يمكن ألا نربط كل ما مضى، بشيء آخر مر معنا في النسخة القرآنية من قصة آدم عليه السلام؟ {وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقال أنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 31]، علّم آدم الأسماء؟ هل هي اللغة؟ القدرة على التجريد؟ هل هي المقدرة الدماغية على ذلك؟ من الصعب جدًّا عدم الربط بين الأمرين”. انتهى كلام الأخ أحمد.

أقول للأخ أحمد: هدانا الله وإياك إلى الصواب، على أي أساس تقول: إنه “من الصعب جداً عدم الربط بين الأمرين”؟! بل إن هذا الربط هو من العبث والاستهانة بكلام الله تعالى، فكيف نربط فرضيات لا تعدو أن تكون رجماً بالغيب، لا دليل علمي عليها، وما زال العلماء يحاولون حل ألغازها، بآيات الله البينات؟ لماذا تقحم كتاب الله وكلامه اليقيني في أبحاث ما زالت في طور الظنون والفرضيات؟

طبعًا فإن في قولك: “النسخة القرآنية من قصة آدم” إشارة إلى وجود نسخة (تطورية) ذكرتها في كتابك، وذلك لا يمكن قبوله، فهل يوجد نسخ أخرى غير النسخة القرآنية؟

قصة خلق آدم في القرآن هي الوحيدة التي نسلِّم بها لأنها تنزيل الخالق الحكيم الخبير، وكل محاولة للتوفيق بين كلام الله وبين خرافات العلم الزائف مصيرها الفشل.

الأسلاف المشتركة الوهمية

ذكر د. أحمد خيري العمري مصطلح (السلف المشترك) و(الجد المشترك) و(النسب المشترك) 33 مرة، ولكن لم يحدد سلفاً مشتركاً واحداً بين أي كائنين بالاسم!

وهنا يتبادر إلى الأذهان سؤال: لماذا؟

دعوني أخبركم لماذا.. لأن السلف المشترك لأي كائنين من الأحياء هو محضُ وهم لا وجود له، هو مصطلح يردّده دعاة الخرافة بكثافة على أمل أن تحظى بالتصديق، فإذا سألتهم عن السلف المشترك لأي كائنين، أجابوا: لم نعثر عليه حتى الآن ولكن سنعثر عليه بلا شك، لأن نظرية التطور نظرية (تنبؤية)!، وقد تنبأت بذلك.

ومعنى هذا الكلام أنهم يضعون النظرية، ثم يبحثون عن الأسلاف المشتركة، فإذا لم يجدوها قالوا: إن النظرية صحيحة ولا بد أن نجد الأسلاف المشتركة!.

ولا تحسبنّ أني أمزح، فهذا كلام جدي يرددونه دائماً، وهو ينطبق على السلف المشترك بين الإنسان والشمبانزي، والذي ما فتئ التطوريون يصدعون رؤوسنا به، ثم يعترفون بأنهم لم يجدوه حتى الآن، وأتحداهم بالقول: إنهم لن يجدوه.

وعن هذا كله يحق لنا أن نتساءل: أهذا هو المنهج العلمي؟

يقول العمري في كتابه عن السلف المشترك بين الإنسان والشمبانزي: “رغم أن آخر سلف مشترك لم يحدد حتى الآن، إلا أن هناك ترشيحات عديدةـ من ضمنها أحفورة لجمجمة كاملة عثر عليها عام 2017” [ص: 510]، يا لبؤس هذه الكلمة: “ترشيحات” وهل هذه لغة علم أم لغة انتخابات برلمانية؟

ثم وضع العمري رابطاً لمقال –لمن يحب قراءته- في مجلة (ساينس) الأمريكية، حول هذه الجمجمة (المرشحة)، عنوانه “جمجمة لقرد رضيع تلقي ظلالاً على أسلاف البشر والقرود المعاصرين”.

إذًا فإن الجمجمة باعتراف المجلة (جمجمة قرد)، وأترك للمهتمين من القراء أن يقرؤوا مقال مجلة (ساينس)، ليعلموا أن ما أثارته هذه الجمجمة من أسئلة واضطراب بين التطوريين، أكثر مما أجابت عليه، وأرجو أن تركّزوا على تفاصيل المقال ولا يغرنكم عنوانه البراق، فهذه من متطلبات الصنعة الصحفية.

النظرية التنبؤية وملايين الأحافير!

لنقتبس هذه العبارة:”من صفات النظرية العلمية قدرتها التنبؤية predictive أي أن تكون هذه النظرية، قد توقعت أول ظهورها نتائج معينة لم يكن عليها أي دليل وقت ظهور هذه النظرية. من الأمثلة الكلاسيكية على هذه القدرة التنبؤية: توقع اكتشاف نيبتون بناء على حسابات رياضية مبنية على نظرية نيوتن للجاذبية.”.ا.هـ [ص: 509]

ولنا تعليق على ذلك من ثلاث نقاط:

أولاً: إن اكتشاف كوكب نيبتون كان كما قلت تماماً دكتور أحمد، بناء على حسابات، وليس تنبؤات، أي أنها حسابات يقينية دقيقة، وثمة فرق واضح وشاسع بين الحساب الدقيق القائم على قوانين الفيزياء، وبين التنبؤ الذي لا أساس له من العلم.

ثانياً: إن حسابات اكتشاف نيبتون كانت مبنية على (قانون نيوتن) وليس على (نظرية نيوتن)، والفرق بينهما كبير، وقد بينت أنت بنفسك الفرق بين النظرية والقانون في الصفحة 32 من كتابك نفسه.

ثالثاً: حديثك هنا عن نظرية التطور، فلماذا تقفز بنا إلى كوكب نيبتون وإلى نيوتن وقانونه في الجاذبية لتأتي بمثال؟ طبعاً لأن تنبؤات نظرية التطور مجرد خيالات لم تتحقق، فيهرب التطوريون إلى علوم أخرى ليأتوا بأمثلة، في شيء مشابه لما في المثل الشعبي: (القرعة تتباهى بشعر بنت خالتها)!.

أما نبوءة دارون التي ضربت بها مثالاً على القدرة التنبؤية للنظرية، والتي تقول بأن العلماء سيجدون أحافير انتقالية تؤكد نظريته، فإن الذي حدث هو العكس تماماً، لأن مئات الملايين من الأحافير التي عثر العلماء عليها بعد دارون، جاءت على عكس ما تنبأ، وأكدت بطلان نظريته، ونستشهد هنا بقول العالم البروفيسور “ماتي ليسولا” في كتابه النفيس (رحلة عالم من الدارونية إلى التصميم): “المشكلة التي تعاني منها الدارونية أكبر من فشل الأحافير التي يعتمدون عليها في إثبات النظرية، المشكلة في طبيعة سجل الأحافير، فهذا السجل يظهر بجلاء أن الحيوانات الجديدة تظهر فجأة في طبقات الأرض، ثم تعيش فترة طويلة دون أن يحدث عليها أي تغيير، ثم تختفي أو تنقرض فجأة كما ظهرت”.

يضرب العمري مثالاً عن القدرة التنبؤية للنظرية الخرافة فيقول في الصفحة المذكورة أعلاه:
“نظرية التطور كانت لديها توقعات كثيرة: توقع داروين أن عمر الأرض أكثر بكثير مما كان يعتقد في عصره، وتبين أنها أكبر حتى من توقعاته، توقع وجود (أحافير انتقالية) في وقت لم يكن هناك فيه أي منها، وفعلا تراكمت الملايين منها لاحقاً” ا. هـ.

هل حقاً؟! هل تراكمت ملايين الأحافير الانتقالية؟، أقل ما يقال عن هذا الكلام إنه كذبة واسعة جداً يا سيدي، ليتك تقول للناس كلاماً قابلاً للتصديق. أين هي “ملايين الأحافير الانتقالية”؟

حسنٌ؛ نتحدى الكاتب وكل التطوريين أن يقدموا لنا -من بين تلك الملايين- أحفورة انتقالية واحدة، واحدة فقط، للسلف المباشر لأي كائن حي يعيش على الأرض اليوم، سواء كان فيلًا، أو صقرًا، أو فراشة، أو سمكة، أو شمبانزي، إلخ.

عندما (أرادت) السمكة الخروج من الماء!

في الصفحة (260) من الكتاب كتب د. أحمد خيري العمري: “الزمان: 400 مليون سنة من الآن.. تقريبًا. المكان: سطح الماء. غير بعيد عن الشاطئ.

المناسبة: أول شهقة هواء، خارج البحر. إنها الغوغوناسوس Gogonasus. سمكة لا يتجاوز طولها نصف متر كانت تمتلك فتحات أعلى رأسها ساعدتها في أن تتنفس الهواء الخارجي، تخرج القليل من رأسها فقط، بحيث تبقى عيناها تحت الماء، تأخذ شهقة من الهواء، ثم تعود. كل ما أرادته وقتها هو المزيد من الأوكسجين. النجاة فقط في مياه ضحلة قل فيها الأوكسجين. ً لكن هذه كانت أول خطوة في الطريق إلى عالم آخر. مختلف تمامًا، بالتدريج، جاءت أجيال جمعت بين القدرة على التنفس في الهواء والتنفس في الماء”. ا. هـ.

من يقرأ هذه السطور يظن أن الكاتب كان موجوداً قبل 400 مليون سنة، يراقب السمكة عن كثب! بل ويعلم ما تفكر به وتشعر! وما تريد وما تطلب! لكن الكاتب لم يقل لنا: أكانت تلك السمكة تملك جهازاً لتنفس الهواء الذي استنشقته مع (الشهقة الأولى)؟

إن كان الجواب: لا، فما فائدة هذه الشهقة؟ وإن كان: نعم، فلماذا يتطور جهاز لتنفّس الهواء في سمكة تسبح تحت الماء وما خرجت للهواء قبل تلك الشهقة؟

لم يخبرنا الكاتب كيف تطور جهاز تنفس الهواء؟، وكم عدد الطفرات اللازمة (حسب قولهم) ليصبح للسمكة رئتين؟ ثم لتضمر خياشيمها، ثم…ثم…ثم، لتصبح حيوانا بريًّا؟. وكم عدد الأجيال اللازمة لهذا التطور؟ وأين الدليل على حدوثه؟.

انظروا إلى قوله: “بالتدريج جاءت أجيال تجمع بين القدرة على التنفس في الماء والتنفس في الهواء”، ومن يقرأ بقية الفصل الذي وردت فيه هذه الحكاية الخرافية، سيجد أن الكاتب يريد أن يقول (وبالتدريج صارت السمكة بشراً سويًّا)، وهنا -لخداع القراء وإضفاء صفة العلم على هذه القصة الخرافية-، يضع الكاتب خمس روابط لمراجع أجنبية يريد بها الاستشهاد على خرافته، وسيجد القارئ العزيز روابط هذه المراجع أسفل هذه السطور، ومن يجيد اللغة الإنكليزية فليقرأ محتويات تلك الروابط، وسيجد أن كل ما فيها مجرد جبل من الأوهام بناه التطوريون على أحفورة لجمجمة سمكة، وجدوا فيها فتحة أعلى رأسها، فصاحوا كما صاح أرخميدس: “وجدتها.. هو ذاك” وكأنّ هذه الفتحة هي الدليل القاطع على أن كل الكائنات البرية التي تجري على أربع وتتنفس الأوكسيجين من الهواء برئتيها، أصلها أسماك كانت تسبح بزعانفها وتتنفس الأوكسيجين من الماء بخياشيمها. وهذه مراجع الكاتب، فاقرؤوا لتتأكدوا.

إن ما نستنتجه من السطور أعلاه، هو التأكيد للقاعدة المعروفة: (ما بني على باطل فهو باطل)، لأن بطلان الأدلة العلمية على خرافة التطور سيؤدي بالتأكيد إلى بطلان وتهافت كل ما بني عليها.

مصادر تطورية حول جمجمة السمكة:

https://www.nature.com/articles/ncomms4022

http://www.australasianscience.com.au/article/issue-april-2014/first-breath.html

https://www.dailymail.co.uk/sciencetech/article-2547404/Land-animals-learned-breathe-air-UNDERWATER-Ancient-fish-ancestor-used-large-valves-head-suck-air.html

http://www.australasianscience.com.au/article/issue-april-2014/first-breath.html

https://www.cambridge.org/core/books/evolution-and-development-of-fishes/evolution-of-air-breathing-and-lung-distribution-among-fossil-fishes/421CE830FE383279BE94CE98F97DB79B

التطوريون والتمسّح بالعلم .. كتاب (لا شيء بالصدفة) مثالاً

لا ينفكّ التطوريون يزعمون أن نظريّتهم نظريّةٌ علمية، وأن من يعترض عليها أو لا يؤمن بها أو يعارضها هم أعداء العلم والبحث العلمي، إلا أنه الدليل العلمي –في نهاية المطاف- هو أكبر أعدائهم، لأن من يقرأ كتبهم وأبحاثهم ومقالاتهم ويضعها في ميزان التحقيق العلمي الصحيح، يجد كل أدلتهم تذهبُ هباء منثوراً، ومن أمثلة ذلك كتاب (لا شيء بالصدفة) لمؤلفه (أحمد خيري العمري)، الذي صدر عن دار عصير الكتب للنشر في 520 صفحة، إلا أنه -ويا للعجب- لا يوجد في هذا الكتاب الضخم سوى بضع وثلاثين صفحة فقط تحت عنوان (أدلة التطور)!

سنعرض لأهم هذه الأدلة في السطور الآتية ونبيّن بطلانها وتهافتها، وحسبنا في نقد الكتاب أن نثبت بطلان النظرية ببطلان الأدلة العلمية المزعومة عليها، ولا يهمنا بعد ذلك ما جاء في بقية فصول الكتاب وصفحاته؛ إذ إن بطلان النظرية من الناحية العلميّة يجعل بقية ما في الكتاب حشوًا لا طائل من ورائه.

دليل التشريح المقارن

يعتبر أحمد خيري العمري أن (التشريح المقارن) هو أحد أدلة التطور، ويضع الرسم المرفق ويصفه قائلاً: “الأعضاء المتماثلة تشريحياً ذراع الإنسان، الطرف الأمامي للقطة، الزعنفة الأمامية للحوت، جناح الخفاش”[ص: 67]، ثم يتساءل مستنتجًا:

“كيف يمكن أن يكون هذا التشابه دليلًا على نظرية التطور؟ يتركّز التشابه (المتماثل – التشريحي) في المخلوقات من الأنواع المتقاربة ضمن طائفة حيوية واحدة   order   على سبيل المثال: كل الكائنات التي ذكرت في مثال الأعضاء المتماثلة: الإنسان، القط، الخفاش، الحوت تنتمي إلى طائفة الثدييات، وهذا ما يجعل العلماء يرجحون أن سبب هذا التشابه يعود إلى وجود أصل مشترك لهذه الطائفة”.

 

يا له من دليل علمي قاطع، يكفي أن يكون هناك تشابه بين توضع عظام أجنحة الخفاش وعظام أحد زعانف الحوت، ليرجّح العلماء أن لهما سَلَفًا مُشترَكًا، وهكذا تثبُت نظرية التطور.

طبعًا فإن هذا في حال إذا فرضنا صحة أن التشابه (يدل على أصل مشترك)!. وهنا نسأل: ماذا عن الفروق الأخرى بين الخفاش والحوت مثلاً؟

أكرر للتأكيد: (خفاش وحوت)، أغمضوا أعينكم أيها السادة القراء وتخيلوا الفروق بينهما، تخيلوا خفاشاً صغيراً وزنه أقل من ربع كيلو يطير في جوف الكهوف المظلمات، وحوتاً ضخماً وزنه 150  طن يمخر عباب البحار والمحيطات، تخيلوا الفروق بينهما  من ناحية الحجم والوزن وتشريح أجهزتهما المختلفة (جهاز الهضم والتنفس والجهاز العصبي والدورة الدموية و، و، و..)، وكذلك البيئة التي يعيش فيها كل منهما، ووظائف الأعضاء، وأمثلة كثيرة أخرى -يمكن كتابة مجلدات عن الفروق بينهما-، ثم حاولوا أن تقنعوا أنفسكم أن هذين الكائنين لهما أصل مشترك! وما هو الدليل؟ أن كليهما من الثديّات، ولأن توضع عظام أجنحة هذا يشبه في تركيبه توضع عظام زعنفة ذاك!.

فتأمل عزيزي القارئ، هذا المثال عن أحد (الأدلة العلمية) التي يريد العمري أن يقنعنا بواسطتها بـ (خرافة التطور).

دليل علم الأجنة المقارن

ومن أدلة نظرية التطور التي جاء بها أحمد خيري العمري في كتابه (لا شيء بالصدفة)، دليل علم الأجنة المقارن، حيث نقل أن عالماً روسياً لاحظ عام 1828 بعض الملاحظات عند دراسته لأجنة الفقاريات، منها أن “الفقاريات المعقدة والبسيطة تتشابه في المراحل الجنينية الأولى فقط، وتختلف في مراحل لاحقة وكذلك في الشكل النهائي للبالغ”، وأن دارون وجد أن هذه الملاحظات “يمكن أن تكون دليلاً قويًّا لصالح وجود أصل مشترك لأنواع مختلفة ووجود علاقة قربى بين مختلف الأنواع”؛ ومن ثمّ يستنتج الكاتب من كل ذلك ما يلي: “تقدم نظرية التطور تفسيرًا علمياً لهذه التشابهات في المراحل الجنينية المبكرة بين الفقاريات”.

وهنا لا بد أن نقول باختصار شديد:

  1. لا يوجد أي دليل علمي على أن تشابه الأجنة في المراحل المبكرة يدل على وجود أصل مشترك، فهذا الادعاء مجرد فرضية وضعها دارون وليس لها برهان، ثم هل يمكن تصور أن الإنسان والدجاجة –مثلًا- أقرباء لأن جنينَيهما متشابهان في مراحل تكوّنهما المبكرة؟
  2. التشابه المزعوم غير صحيح، لأن العالم الذي وضع هذه الملاحظة قبل حوالي قرنين لم تكن عنده مجاهر إلكترونية لتبيّن له الفرق بين خلايا هذه الأجنة، ومن هذه الاختلافات الفروق الكبرى في الـ NDA بين خلايا الطيور والأسماك والبشر، في حين أن الرسوم التي وضعها العمري كدليل، كالرسم المرفَق، تجعل من التشابه الخارجي في “الشقوق الخيشومية لفقاريات مختلفة” كافيًا لاعتبار الأجنة متشابهة والبناء على هذا التشابه.
  3. في البداية قال الكاتب إن دارون استنتج صلة قرابة من التشابهات الجنينيّة، ولكن في خاتمة كلامه قال: إن نظرية دارون تعطي تفسيراً علمياً لهذه التشابهات، أي أنه في استنتاجه هذا اعتبر أن النظرية صحيحة وأنها هي التفسير الوحيد المقبول لهذا التشابه، وهذا منطق مقلوب، فالأصل أن يثبت بالدليل العلمي -إن استطاع- أن التشابه يدل على صحة النظرية، لا أن يعتبر النظرية صحيحة ويقول إنها تفسّر التشابه.

دليل سجل الأحافير

وتحت عنوان (بقايا المخلوقات-السجل الأحفوري) ضمن قسم (أدلة نظرية التطور)، يضع لنا أحمد خيري العمري رسماً توضيحيّاً لما يفترض أنه يمثّل تطور الأسماك إلى كائنات برية [ص: 81] ونجد في الرسم سمكة (تيكتالك) التي يعتبرها التطوريون دليلا على حدوث هذا التطور ويزعمون أنها حلقة وسيطة بين الأسماك والحيوانات البرية، وقد كتب أحمد خيري العمري تعليقاً على هذا الشكل قائلاً: “لكن أحفورة أخرى عثر عليها في عام 2006 قدمت اكتشافاً أهم بكثير، إذ كانت تعود لمخلوق شبه كامل سمي بــ (تكتالك (Tiktaalik يملك غلاصم وحراشف وزعانف مثل أي سمكة، ولكن رأسه كان مسطحا مثل رأس التمساح، وزعانفه كانت مزودة بعظام قوية تسمح له بأن تحمل ثقله. وهذه ً الصفات تشير إلى أن هذا المخلوق ربما كان قادرا على الخروج من المياه ولو لفترة قصيرة” [ص: 80]

إذًا -بحسب العمري- يكفي أن تكون زعانف التيكتاليك قوية تسمح له بأن تحمل ثقله لنستنتج أنه (ربما) كان قادرًا على الخروج من المياه ولو لفترة قصيرة، ولكن العمري في الفقرة نفسها، كتب أن التيكتاليك يملك غلاصم، فكيف سيتنفّس خارج الماء؟

إن الرسم المرفق مع كلام العمري أقرب إلى الكاريكاتير منه إلى الرسم العلمي، فعلى يسار الصورة سمكة تسبح في الماء، وعلى يمينها حيوان بري يمشي على أربع، وبينهما (التيكتاليك) ترفع رأسها خارج الماء، بغلاصمها التي لا تصلح للتنفس إلا تحت الماء، ولو خرجت لماتت اختناقًا خلال دقائق.

يمكن أن نكتب مجلداً في الحد الأدنى من الفروق بين أي كائن برمائي وبين الأسماك، من تشريحها ووظائف أعضائها، فليس الأمر مجرد (زعانف قوية) لتمشي بها على البر، فعلى سبيل المثال، يجب تعديل عظم الحوض ليحمل الأرجل، وتطوير الحراشف لتصبح جلداً، وتغيير حجم الجمجمة بما يناسب حجم الدماغ الجديد، وتطوير العين ليضاف إليها أجفان تحمي عيون الحيوان البري من الغبار على اليابسة، وتطوير جهاز الهضم ليأكل ما يجده الحيوان على البر وهو يختلف عما تأكله الأسماك في البحر، ولا بد فوق ذلك من تعديلات جذرية على الجهاز العصبي ليتحكّم بالأعضاء الجديدة، وتعديل جهاز التنفس الذي يعتمد على الغلاصم في استخلاص الأوكسيجين من الماء إلى جهاز تنفس قادر على استخلاصه من الهواء مباشرة، وغير ذلك الكثير.

لنسأل التطوريين الآن: هل حصلت كل هذه التغيرات على السمكة قبل خروجها من الماء أم بعد خروجها؟ إن حصلت قبل خروجها فما حاجتها إليها؟ كان الأولى بالاصطفاء الطبيعي ألّا يحتفظ بها -على فرض أنها حصلت- لأنها لا فائدة منها، ولو حصلت بعد خروج السمكة من الماء لماتت السمكة قبل أن تحدث هذه التغيرات المفترضة، فلن تبقى على قيد الحياة أكثر من بضع دقائق لأن غلاصمها لن تستطيع التنفّس خارج الماء.

وبعد ذلك، يغضبون إن وصفنا نظرية التطور (خرافة)، بل هي في الحقيقة مجموعة من الخرافات، وخروج الأسماك من الماء لتتطور إلى حيوانات برية هي واحدة من بينها.

دليل التشابه الجيني

ومن الأدلة التي جاء بها العمري على التطور في كتابه (لا شيء بالصدفة)، دليل مقارنة الحمض النووي للكائنات المختلفة، مثل التشابه الجيني بين الإنسان والشمبانزي، والذي ركز عليه الكاتب على اعتبار أن الشمبانزي هو أقرب الكائنات قرابة للإنسان، ولنا على ما جاء في الكتاب حول هذا الموضوع ملاحظات:

  1. جميع المقارنات التي جرت بين جينوم الإنسان والشمبانزي جرت على أجزاء من الجينوم ولم تجر عليه كله حرفًا حرفًا، وهي لذلك لا يمكن اعتمادها لاستنتاج نسب صحيحة نقيم عليها أدلة.
  2. وافق الكاتب في أن النسبة المحسوبة تختلف باختلاف طريقة حسابها، ومعظم المراجع التي وضعها الكاتب في هامش كتابه تتكلم عن نتائج الأبحاث وقليل منها يعرج باختصار على طرق البحث.
  3. ما لم يذكرهّ الكاتب ولا المراجع التي اختارها أن البرمجيات التي استخدمت لحساب هذه النسب مصمّمة على افتراض أن التطور موجود، وهذا يشكّك في نتائجها.
  4. رغم كل ذلك فإن نتائج المقارنات المختلفة تأتي بنسب للفروق بين جينات الشمبانزي والإنسان تتراوح بين 1.2% كحد أدنى، وبين 20% كحد أقصى.
  5. الجينات هي برمجيات مكتوبة بلغة من أربع أحرف، وهي برمجيات مذهلة معقدة تركت بيل غيتس يقول إن هذه البرمجيات أكثر تعقيداً من أي برمجيات يمكن أن يكتبها البشر، ونستنتج من هذا أن المقارنة بين جينات الكائنات المختلفة لا تكون (بالكيلو) أي بِنِسَب وكمّيّات، لأن البرمجيات ليست نصوصاً عادية، ذلك أن أدنى تعديل عليها قد يؤدي إلى تغيير كامل في وظائفها، لذلك فإن الله تعالى قد زوّد الخلايا ببرامج إضافية لتقوم بتدقيق برمجيات الجينات وتصحيحها عند نسخها لتقوم بوظائفها، وهو أمر يطول شرحه وليس هذا مقامه.
  6. رغم كل ما سبق، وهو يكفي للإعراض عن استخدام التشابه الجيني دليلاً داعمًا للتطور، دعونا نعتبر جدلاً أن نسبة 5% التي ذكرها الكاتب في كتابه هي نسبة مقبولة لاختلاف جينات البشر عن الشمبانزي. (وليس الحد الأقصى 20% كما تقول دراسات أخرى)، فإذا علمنا أن جينات البشر برمجيات تتألف من 3,200,000,000 (ثلاثة مليارات ومائتي مليون) حرف، فهذا يعني أن هناك اختلافاً مقداره 115,000,000 (مائة وخمسة عشر مليون حرف) بين برمجيات الإنسان والشمبانزي، وهو رقم ضخم جداً في عالم البرمجيات، يجعل الفروق هائلة بين الكائنين، وهذا واضح جداً للعيان حين ننظر إلى كل منهما في الطبيعة، فالفروق بين الشمبانزي والإنسان هائلة، بل إنه من الممكن أن تُكتَب مجلدات ضخمة في بيانها، وعادة يركز من يكتبون عن هذا الموضوع من التطوريين على النسبة ولا يذكرون الأرقام!
  7. أخيراً، فإن استدلال العمري – رغم كل ما سبق- على التشابه الجيني بوصفه دليلًا على التطور، هو استدلال دائري غير مقبول، يقول العمري في نهاية كلامه عن هذا الأمر: “نظرية التطور تقدم تفسيرًا لهذه التشابهات في الجينات ونسبها المختلفة بين الأنواع”. فهو يعتبر التطور حقيقة مسلَّمٌ بها ويفسر التشابه الجيني المزعوم على أساسها، والأصل أن يستدل بالتشابه الجيني على صحة النظرية بأدلة قاطعة، ولا يفعل التطوريون ذلك، بل يعكسون المنطق العلمي، لأن دلالة التشابه الجيني على تطور نوع من نوع هو مجرد فرضية لا برهان عليها.

يكفي تفنيد هذه الأدلة، وهي أهم ما استند عليه الكاتب في إثبات النظرية، لنعلم أن الدليل العلمي الحقيقي هو أول أعداء هذه النظرية، وهو الكفيل بنزع صفة العلم عنها وتصنيفها في خانة الخرافة.
وبالمناسبة، فإن هذه الأدلة مأخوذة بطريقة القص واللصق من كتب وأبحاث التطوريين الملحدين ولاسيما ريتشارد داوكنز، الذين يعتقدون أن التطور يحدث بالصدفية والعشوائية، ثم يضيف التطوريون المسلمون إليها عبارة (ولكن التطور يحدث بتوجيه من الله)، وكأنهم ينسبون العشوائية إلى الله تعالى، ونحن نقول لهم: (أثبتوا أولًا بالدليل العلمي أن التطور قد حدث، ثم قولوا: إنه موجه).

ورغم أنه التطوريين يفشلون في تقديم الدليل العلمي على خرافتهم، إلا أنهم يزعمون اتباعهم المنهج العلمي، وأن من يخالفهم هم أعداء العلم والعلماء، ولذا لا غرابة أن ينطبق عليهم المثل القائل: (رمتني بدائها وانسلــَّـت)!