مقالات

لماذا عادت ديانة الويكا للحياة من جديد؟

هل رأيت امرأة في غابة تلوّح بعصا خشبية وتلقي تعاويذ ضمن دائرة من عدة أفراد يلقون على أنفسهم لقب السحرة؟.
إنه وصفٌ قد يبدو مأخوذاً من أفلام الخيال، أو من روايات الأساطير، لكنه شيء بسيط مما يحدث في عالم الويكا Wicca، وكلمة “الويكا” مشتقة من اللغة الإنجلوساكسونية القديمة Anglo-Saxon كانت تُلفظ ويتشا Wicce، وتعني تطويع الطبيعة وإعادة تشكيلها لتصبح في خدمة الإنسان، وهي حركة دينية جديدة تستند على الطقوس الوثنية القديمة من ممارسات السحر Witchcrafts، ظهرت في بريطانيا على يد جيرالد غاردنر Gerald Gardner (١٨٨٤-١٩٤٦) في النصف الأول من القرن العشرين، ويصنفها العلماء من الديانات الوثنية المعاصرة Neo-paganism، حيث تعتبر الويكا –تحديداً- من أكثرها انتشاراً في العالم، ففي بريطانيا مثلا يقال: إنك حين تمشي في الشارع فأنت محاطٌ دائماً بالسحرة، وذلك لسرعة انتشار هذه الديانة هناك بالرغم من سريتها.

اجتماع لساحرات في طائفة الويكا

اجتماع لساحرات في طائفة الويكا (مصدر الصورة: Wicca now)

جيرالد غاردنر
يقول الكاتب البريطاني فيليب هيسيلتون Philip Heselton والباحث في سيرة غاردنر إنه كان طفلاً لعائلة بريطانية ميسورة الحال في لانكشاير Lancashire، إلا أنه لم يكن طفلاً مرغوباً به فقد أوكله أبواه لمربيته في سن السادسة من عمره بسبب معاناته من الربو وأرسلاه معها إلى المستعمرات البريطانية في الشرق لإبعاده عن إخوته، لينشأ هناك ويُترك ليتعلم بمفرده، ونتيجة لذلك فقد تأثر بالطقوس الوثنية للقبائل التي سكن بجانبها، وأثارت إعجابه لا سيما تلك التي تتضمن السحر في معالجة المرضى والاستشفاء، حيث أمضى شبابه وحياته في ماليزيا، وهنا يضيف الكاتب فيليب قائلاً إن جيرالد فُتن بممارسات الديانات الوثنية التي عايشها في الشرق بالإضافة إلى اطلاعه على التنجيم والسحر الغربي، فقد أُعجب وتأثر بشخصية المحقق شيرلوك هولمز وكاتبها كونان دويل.

جيرالد غاردنر: المؤسس والأب الروحي للويكا

جيرالد غاردنر Gerald Gardner : المؤسس والأب الروحي للويكا

وكان مما أثّر فيه عندما عاد إلى بريطانيا متقاعداً الكثير من الجماعات السرية، بالأخص الماسونية التي جذبته بطابعها الباطني الذي كان يستحوذ على تفكير جيرالد، حيث إن المشترك بينه وبين الماسونية هو أن كلاهما يبحثان في بُعدٍ آخر، وهو البعد الذي يشمل الطقوس السحرية الممارسة ضمن الجماعة والمشابهة لتلك التي شهدها في الشرق.

والجدير بالذكر أنه كان للقَبَالاه اليهودية نصيب من الذكر في كتاب جيرالد “معنى السحر” The meaning of Witchcrafts حيث أشار إلى أن اليهود الذين تم إجلاؤهم من بريطانيا في عهد الملك إدوارد الأول، منهم من رحل ، ومنهم من عاش متخفياً بشكل سري في الأماكن المتطرفة من الأرياف والتي كان يقطنها السحرة، وأن القبالاه اليهودية تفاعلت معهم وانسجمت وحافظت على بذورها في بريطانيا منذ ذلك الحين.

يجادل غاردنر أيضاً بأن القبالاه كما الويكا تعبد إلهين أحدهما ذكرا والآخر أنثى، معتبرا أن نظرية الإله الواحد المذكر هي شيء جاء به الرجال لخدمة مصالحهم: فيقول “في هذه الأسفار نجد تطور أقانيم الله وصفاته.  ومنها ما هو مذكر ومنها ما هو مؤنث. ولسبب أو لآخر -يعرفه فقط مترجمو الكتاب المقدس- قاموا بعناية بإزالة وإلغاء كل إشارة إلى حقيقة أن الإله ذكوري وأنثوي”.[1]

انتقل غاردنر إلى هايكليف Highcliff في ١٩٣٨، وانتسب إلى نادٍ للتعري Nudist club، وكان يلتقي مع أصحابه في فنائه الخلفي ليقوموا بحفلات التعري، وكأنه تمكّن من نقل هذه العدوى لمحيطه من الجيران الذين وبحسب ديمغرافية المنطقة يُعتبرون من المقدّسين للطبيعة Naturalist وفنونها، فعُقدت حفلات العري والجنس الجماعي بشكل دوري في منزله، لكن هذا لم يرضِه تماماً وكان يبحث عن شيء أكبر، حيث نقل أنه في ليلة من عام ١٩٣٩ -حسب زعم غاردنر- تم عصب عينيه وأُخِذَ في منتصف الليل إلى غرفة مليئة بالسحرة ووُضع ضمن دائرة وأُعطي حينها الأسرار السحرية القديمة وذُكرت كلمة ويكا، ومنذ تلك الليلة كرس الرجل حياته لتأسيس ورسم ملامح هذه الديانة الجديدة.

معتقدات ديانة الويكا
يكرر أتباع ديانة الويكا في كل محفل ويؤكدون أنهم ليسوا عبيداً للشيطان أو إبليس، وأنهم لا يؤمنون أساساً بقصة الخلق التي تتفق عليها الديانات الثلاث من حيث خلق الله للإنسان والملائكة والشيطان، وأن هذا الأخير قد عصاه فطُرد من الجنة، ويزعمون أن الويكا هي إحياء للوثنيات التي آمن بها القدماء قبل فرض المسيحية.

والغريب في هذه المزاعم أن ما يعبدونه هو عبارة عن إلهين ذكر وأنثى، يتمثل الإله الذكر على هيئة كائن بقرنين ويسمونه the horn god الإله صاحب القرنين أو السيّد the lord، وهذه كما نعلم من صفات إبليس.

الإله الذكر صاحب القرنين (المصدر ويكيبيديا)

الإله الذكر صاحب القرنين The horned God (المصدر ويكيبيديا)

السيّد والسيّدة (المصدر ويكيبيديا)

السيّد والسيّدة The lord and the lady (المصدر ويكيبيديا)

أما الإلهة المؤنثة فيطلقون عليها اسم السيّدة the lady، ومنهم من يؤمن بآلهة متعددة ذات صلة بالطبيعة والقوى الطبيعية.

والبعض يؤمن بإله واحد هو الإلهة الأنثى، أو إله واحد يأتمر بأمره السيّد والسيّدة، كما يذهب البعض لعدم ضرورة الإيمان بأي غيبيات أو آلهة، وهذا التناقض يفسرونه بأنه أحد أهم قواعد الويكا، فهي دين انتقائي، وعليه فلا وجود لثوابت، وحتى إن وُجدت فهناك استثناء لكل شيء.

يحل الإيمان بتناسخ الأرواح عندهم محل الإيمان بالآخرة، ومن يكون ساحراً فسيعود للحياة ساحراً، Once a witch always a witch، كما يؤمنون بمبدأ الكارما، وبناءً عليه تؤثّر قراراتهم في حياتهم الحالية على مصيرهم ومستقبلهم في الحياة القادمة.

ينظّم السحرة في الويكا أنفسهم على شكل جماعات Wiccan covens من ١٣ شخصا يرأسهم راهب أو راهبة، وتكون معابدهم الغابات والحدائق مع مراعاة السرية التامة وعدم جذب انتباه الغرباء.

انقسم سحرة الويكا مع الزمن إلى مجموعات كثيرة أهمها:

  • الغاردنريون Gardnerians: نسبة إلى غاردنر، ويُعتبرون الأكثر تقليدية من بين الجماعات، حيث يحرصون على الاحتفاظ بقدسية التعاليم والطقوس القديمة التي دوّنها غاردنر في كتبه، وأهمها كتاب الظلال the book of shadows والذي يعد كتاب الوصفات السحرية، ويتناقلونه رسماً باليد، حيث يعيد كل ساحر كتابة نسخته بخط يده، مع المحافظة على السرية في كل الطقوس.
نماذج من كتاب الظلال  (المصدرعن صفحة دورين فالينيت)

نماذج من كتاب الظلال  (المصدرعن صفحة دورين فالينيت  Doreen Valiente fondation)

  • الإلكسندريون Alexandrians: نسبة إلى الساحر Alex Sanders الذي يختلف بمنهجه عن الجماعة الأولى بخروجه عن تقديس تعاليم غاردنر والاستغناء عن طقوس التعري.
  • سحرة ديانا Dianic: نسبة إلى الساحرة والنسوية الهنغارية الأمريكية جوجانا بودابست Zsuzsanna Budapest التي بنت أسس هذه الجماعة متأثرةً بالحركة النسوية فلا يعبدون إلا آلهة أنثوية، واعتراضاً على النظام البطريركي (سُلطة الأب) يختارون راهبةً لترأسهم.

جوجانا بودابست

وهناك جماعات صغيرة أخرى من السحرة، كما يوجد خارج إطار الجماعة الكثير من السحرة الأفراد الذي لا يعدون أنفسهم مع أي جماعة، ومنهجيتهم الانتقاد والانتقاء لتتشكّل عقيدتهم حسب هواهم وبما يتناسب مع فردية كل واحد منهم customized religion.

تجدر الإشارة إلى أنّ السحر والسحرة أحد أبرز موضات العصر الدارجة في الغرب، الذي كان فقط قبل قرون قليلة يعاقب بالحرق كل من تُشار إليه الأصابع بتهمة ساحر، كما تُعتبر الويكا ديناً رسميّاً في أمريكا وكندا وغيرهما، إضافة إلى ذلك يروّج أن السحر الأبيض يعين على الشفاء والاسترخاء والحماية والاتصال بالطبيعة وحمايتها.

فإلى أي مدى يصحّ هذا الادّعاء، وعلى أي أساس تقوم طقوس الويكا وأعيادها، ولماذا تروج هوليود بشكل كبير لهذا الدين مؤخراً؟ هذا ما سنبحثه في المقال القادم بإذن الله.


المصادر والهوامش:

https://wicca.com/wicca/what-is-wicca.html

https://youtu.be/r-ho5EWz4O0

https://youtu.be/zoUlbK4Ob3Y

https://youtu.be/WcACIFBvheE

https://youtu.be/M56-6XA3h2M

The meaning of Witchcrafts by Gerald Gardner

[1]  معنى السحر، جيرالد غاردنر، ص: ٢٩

انتكاسة نحو الماضي.. الوثنية تعود للغرب من باب اليمين والقومية

 

توصف حركات “الوثنية الحديثة” بأنها أحد أبرز التيارات الدينية في الغرب خلال العقود الأخيرة، وقد رأى بعض الباحثين صعودها بمثابة تحول طبيعي في ضوء تغول العلمانية ونبذ المنظومة المسيحية التقليدية.

ويطلق مصطلح الوثنية الحديثة أو الوثنيين الجدد لوصف العديد من الحركات والمجموعات التي أحيت عبادة الأوثان أو اتخذت طقوسا وثنية حديثة في أوروبا وروسيا والولايات المتحدة.

لكن هذه الفرق تتمايز في معتقداتها وتوجهاتها، فقد نشأ بعضها من مزج ممارسات وثنية قديمة مع أفكار وفلسفات حديثة، بينما سعى بعضها لإحياء ماضي أوروبا الوثني قبل المسيحية بكل ما فيه من طقوس وأساطير.

ونظرا لتشعب مذاهب الوثنيين الجدد واختلاف مشاربهم، صار من الصعب رصد نمو حركتهم، ودراستهم باعتبارهم ظاهرة واحدة. وثمة من يرى أنه لا ينبغي التعامل معهم كتيار فاعل ومؤثر في الغرب، لا سيما مع ابتعاده عن السياسة الحزبية في أغلب الحالات.

غير أن أعداد الوثنيين الجدد تتنامى في السنوات الأخيرة، وتقدر بمئات الآلاف في بلدان مختلفة، وتنظم الحركات الوثنية نفسها في مؤسسات مسجلة، كما نشرت عنها كتب وأبحاث عديدة.

ففي الولايات المتحدة تنمو جماعة “ويكا”، وهي إحدى الفرق الوثنية التي تدور ممارساتها حول السحر والتنجيم والاعتقاد في القوى الخارقة. ويقدر عدد من يعرفون أنفسهم بأنهم من أتباع الويكا أو من الوثنيين بنحو 1.5 مليون أميركي وفقا لمسح أجراه مركز “بيو” عام 2014، وذلك مقارنة بنحو 700 ألف فقط قبل عشر سنوات.

وفي بريطانيا يوجد نحو 70 ألف شخص يعرفون أنفسهم بأنهم وثنيون أو ممارسون للويكا، وفقا للإحصاء السكاني الرسمي الذي أجري عام 2011.

وفي آيسلندا، تفيد تقارير بأن الوثنية الإسكندنافية تعود بقوة، وأنها الآن “أسرع الديانات نموا في البلاد”، ويجري حاليا بناء معبد للوثنيين في أطراف العاصمة ريكيافيك، سيكون الأول من نوعه في آيسلندا خلال ألف سنة، لتقديس آلهة شعب الفايكينغ: أودن، وثور، ولوكي.

وفي الدانمارك أتم الوثنيون بناء معبد للإله أودين عام 2016، وذلك لأول مرة خلال ألف سنة.

الآلهة الجرمانية يعاد إحياء أساطيرها في أوروبا

الوثنية السلافية
وفي روسيا، توجد قرابة عشر منظمات رسمية تمثل الوثنيين، مع صعود ما يعرف بالوثنية السلافية الحديثة أو “رودنوفري” التي تعني “الملة السلافية الأصلية”.

وكان لهذه العودة الوثنية السلافية تأثير خاص لأنها متصلة بالنزعة القومية عند الشعوب ذات الأصول السلافية (الصقالبة)، التي تشمل الروسيين والأوكرانيين والبيلاروسيين والبولنديين والتشيكيين والبوسنيين والصرب والبلغار وغيرهم.

وفي بولندا، تثير الردة الوثنية حيرة وتساؤلا في بلد طالما افتخر بتقاليده المسيحية العريقة. وصارت للوثنيين منظمة كبيرة مسجلة تضم آلاف الأعضاء في بلد يشكل الكاثوليك فيه أكثر من 87% من مجموع السكان.

ويرى مسيحيون أوروبيون وأميركيون أن الوثنية الحديثة ليست إلا وجها آخر من وجوه المادية الغربية التي تنبذ الدين وترفض أي دور له في حياة الإنسان، وأنها إنما تقتبس من الماضي الأوروبي الأسطوري وطقوسه الغامضة في سبيل تلبية الحاجات الروحية وسد الفراغ الوجداني لدى الأجيال الجديدة في الغرب.

لكن الوثنيين الجدد بوجه عام يرون أن حركتهم هي سعي للوصول إلى حياة متناغمة مع الطبيعة وقواها، وعودة إلى التراث الأوروبي الذي ساهم في تشكيل الحضارة الغربية ومنح الثقة لإنسانها.

احتفال شعائري لإحدى جماعات الويكا في الولايات المتحدة (Wiki/Ycco)

زواج مع القومية والعنصرية
ومع أن الانطباع السائد لدى الغربيين المعاصرين عن هذه الوثنية الحديثة بأنها حركة متحررة مسالمة تستلهم التمرد الشبابي اليساري الذي ميز سنوات الستينيات، فإنها ليست كذلك في كل الحالات كما يؤكد الباحث إيثان دويل وايت من كلية لندن الجامعية.

يقول وايت إن العديد من فرق الوثنية الحديثة -وخاصة في وسط أوروبا وشرقها- هي مجموعات محافظة إلى حد بعيد، بل ورجعية في رؤاها الاجتماعية. ويوضح أن هذه المجموعات ترى في إحياء عبادة الآلهة السابقة للمسيحية تأكيدا على هويتها العرقية والقومية في خضم عولمة العصر الحديث.

وفي كتابها “الوثنية والتراث والقومية” تقول الباحثة كارينا أيتامورتو إن حركة الرودنوفري في روسيا -وهي من أبرز المجموعات الوثنية التي ارتبط اسمها بالتطرف القومي- ترسم صورة أمة عاشت في رخاء حتى بدأت تتجاهل تراثها وقيمها وتقلد نماذج أجنبية مثل المسيحية والشيوعية، وهو ما قضى على اعتزاز الأمة بنفسها وفقا للوثنيين الروس.

والحل عندهم كما تقول أيتامورتو هو العودة إلى الديانة الأصيلة للسلاف أو الروس حتى يشعر الشعب بذاته ويستعيد توازنه.

وفي الولايات المتحدة أيضا توجد حركات وثنية عنصرية قلما تأتي في صدارة الأخبار، لكنها برزت في أحداث تشارلوتسفيل بولاية فرجينيا في أغسطس/آب 2017، حين نظم العنصريون البيض والقوميون المتطرفون مسيرة تحت شعار “توحيد اليمين”.

وشارك في تلك المسيرة -التي قتل أحد العنصريين فيها ناشطة من مجموعة مناهضة للعنصرية دهسا بسيارته- الوثني البارز ستيفن مكنالن مؤسس “جمعية أساترو الشعبية”. ومن بين المشاركين أيضا السياسي الوثني الطموح أغسطس سول إنفيكتوس.

وتقول الكاتبة سارة ليونز في مقال بموقع “فايس” إنه “بالنسبة للعالم الخارجي قد يبدو ربط اليمين المتطرف بالآلهة القديمة والسحر أمرا سخيفا، لكنه مرتبط في الواقع بأفعال محددة من العنف والإرهاب”.

وأضافت في مقالها المنشور في أبريل/نيسان 2018 أن عضوا في مجموعة وثنية عنصرية أميركية بولاية فرجينيا تسمى “ذئاب فنلاند” قضى أكثر من عامين في السجن لأنه أحرق كنيسة للسود عام 2012.