مقالات

هل لنوعية لباس المرأة علاقة بالتحرّش الجنسي؟

عادةً ما يُعتبر الحديث عن موضوع التحرّش وعلاقته باللباس من أكثر الموضوعات الشائكة التي يمكن أن يتحدث عنها أي رجل. لأن الكثير من النساء يعتبرنّ أن الرجال يحملون ضدهنّ تحيّزات معينة مسبقة، حتى وإن كان هؤلاء الرجال يتحدثون بإنصاف حول الأمر. يعود هذا لما فعلته الحركات النسوية وخاصة الراديكالية منها خلال عقود من نشاطها المتواصل تحريضاً للنساء عبر الحركات التي دعت إلى تحرير المرأة والثورة على المجتمع الأبوي الذكوري. وهذا المقال ليس انتصاراً للرجال على النساء ولا تأييداً للقيم الذكورية على حساب قيم الأنوثة؛ فالاختلافات والتفضيلات المقررة بين الجنسين في شريعة الإسلام مبنية على أساس ما يملك كل جنس من خاصيات ومزايا تؤهله للقيام بدوره في هذه الحياة وليس من باب أن الإسلام دين ذكوري كما روّجت لهذا الحركات النسوية والعلمانية.

(It is about understanding not justification) فهماً لا تبريراً 
عندما يتم دراسة أي ظاهرة اجتماعية ومعرفة سياقاتها وأسبابها، فهذا الأمر يهدف لفهم الأمر وأبعاده وليس لإيجاد المبررات له. فعندما يدرس باحث غربيٌ أو عربيٌ ظاهرة نشوء تنظيم الدولة وأسباب انضمام بعض الشباب له، ويحاول فهم الأوضاع الاجتماعية والنفسية للمنضمين؛ فهذا ليس بالضرورة تبريراً للظاهرة وموافقةً ضمنية على ما يحدث. نفس الأمر لو أخذنا مثالاً آخر وهو موضوع الأحياء الفقيرة أو ما يسمى الغيتوهات المنغلقة على نفسها في المدن الكبيرة مثل أمريكا مثلاً والتي تتجمع فيها أقليات عرقية معينة، ففي هذه الأحياء تكثر نسبة اتجاه الأفراد نحو سلوك الجريمة المنظّمة كالاتجار بالمخدرات وغيرها. فعندما تتم دراسة الأوضاع الاجتماعية لهذه الأحياء وأفرادها فالهدف ليس تبرير سلوك الإجرام والحث عليه. ومن هنا فعندما يتم الربط بين نوعية لباس المرأة وازدياد نسب التحرّش والعنف الجنسي فالهدف ليس تبريراً للمتحرِّش فهو مدانٌ بفعلته في الشريعة الإسلامية وعقوبته التعزير الذي يقرره القاضي الشرعي.

ويبدو في هذا الأمر أن هناك طرفان يحاولان دائماً جعل من يبحث في أسباب التحرش شخصاً مبرراً له وهما: الطرف الأول وهم من يحكمون على الأمر بشكل عاطفي دون أي محاكمة عقلية أو منطقية، وأما الطرف الثاني فهم المأخوذون بسلطة الثقافة العلمانية والليبرالية السائدة في العالم.

ففي الليبرالية يحق للمرأة أن تلبس ما تريد وأن تخرج شبه عارية ولا يحق لأحدٍ التحرّش بها، أما في الإسلام فهذا الكلام مرفوض في جزئه الأول تماماً وكما هو معروف فتبرّج المرأة حرام كما تحرّش الرجل بها حرام وهذا ما لا يرضي أصحاب الفكر الليبرالي وأتباعه.

هل للباس المرأة علاقة بالتحرش؟
1- في دراسة قام بها عدد من الباحثين بعنوان “The Influence of Sex, Gender Bias, and Dress Style on Attitudes Toward Sexual Harassment” أي “تأثير الجنس، التحيّزات النوعية ونوعية اللباس على المواقف تجاه التحرّش الجنسي” جرت بالتعاون بين جامعة بيبردين وجامعة ميسوري تمّ تصنيف العوامل المؤدية للتحرش إلى قسمين: الأول وهي عوامل خارجية “External factors” مثل نوعية اللباس وتأثير الكحول على المُتحرِّش، والثاني هو عوامل داخلية “Internal factors” مثل التحيّزات النوعية أي تحيّز الرجل لذكورته ضد النساء. ما يهمنا هنا هو التحيزات الخارجية وبالأخص نوعية لباس المرأة وتوصلت الدراسة إلى أن تصورات الرجال تتأثر جداً في موضوع التحرّش الجنسي باللباس المثير للمرأة. بينما النساء أقل احتمالاً منهم للموافقة على عدم وجود عقوبات على المتحرِّش في حال كان لباس المُتحَرش بها مثيراً. [1]

2- في مقال بعنوان ” From Attire to Assault: Clothing,Objectification, and De-humanization – A Possible Prelude to Sexual Violence?”  أي “من الكسوة إلى الاعتداء: اللباس، التشييء ونزع الطابع الإنساني -أمقدمةٌ ممكنة للعنف الجنسي؟” يستعرض الدكتور بوفانش أوستاهي ما يقوله علم الأعصاب حول موضوع اللباس وعلاقته بالتحرّش. حيث يجعل الموضوع في سياق معين يبدأ بما تقوم به وسائل الإعلام من عملية تشييء “Objectification” لجسد المرأة ووضع صور نمطية معينة لنوعية اللباس تنتقل هذه الصور النمطية إلى أدمغة الرجال فتصبح نظرتهم للنساء كأشياء “objects”. ومما أشار له المقال أيضاً أن العُري والصور المثيرة لأجساد النساء تجعل الدماغ يُحول آلياته المعرفية بحيث ينظر للمرأة كشيء وليس كإنسان. [2]

3-في مقال هام بعنوان ” Dress and sex: a review of empirical research involving human participants and published in refereed journals” أي “اللباس والجنس: مراجعة للأبحاث الإمبريقية والتي تضمنت مشاركين بشر ونُشرت في مجلات مُحكّمة” استعرض المقال العديد من الأبحاث التي تحدثت عن علاقة اللباس بالتحرش الجنسي والتشيئ “Objectification” وجميعها أشارت لعلاقة بين نوعية اللباس وحصول التحرّش من وجهة نظر من جرت عليهم هذه الدراسات، فقط دراستان من بين الكثير من هذه الدراسات لم تشيرا لعلاقة بين اللباس والتحرّش. [3]

4-الدراسة الأخيرة التي سيتحدث عنها المقال هي بعنوان ” The Psycho-Social Aspect of Indecent Dressing: Influence of Gender, Dress Pattern and Physical Attractiveness on Sexual Harassment”   أي “الجانب النفسي الاجتماعي للملابس غير المحتشمة: تأثير النوع، نمط اللباس والجاذبية الجسدية على التحرّش الجنسي” أثبتت الدراسة أن الملابس غير المحتشمة تُعرّض أصحابها للتحرّش الجنسي وكشفت أن نمط اللباس يُعد عاملاً رئيساً في التحرّش. ومما توصلت له أيضاً الدراسة أمرٌ لافتٌ وهو أن الجاذبية الجسدية ”Physical attractivness” ليست عاملاً في التحرّش ونبّهت إلى النساء يجب أن يأخذنّ بعين الاعتبار أنهنّ سواء كنّ جذّابات جسدياً أو لا “physically attractive or not”  فإن لباسهنّ غير المحتشم سيجعلهنّ أكثر عُرضة للتحرّش الجنسي. [4]

أسباب أخرى
من خلال نظرة أوسع وأشمل لموضوع التحرّش فإنه توجد العديد من المسببات الأخرى له غير اللباس والتي قد تكون أكثر عمقاً وأهمية في فهم الموضوع وكثيرٌ منها منطبق على البلاد العربية خاصة. ومن أول هذه الأسباب ما تفعله وسائل الإعلام من تسليع لجسد المرأة خدمةً لأهداف اقتصادية من خلال الإعلانات مثلاً، وكذلك ما تروج له الأغاني والمسلسلات من تبرّج وعُري لإثارة الغرائز، هذا عدا عن انتشار الأفلام الإباحية وتأخير سن الزواج وغلاء المهور وضعف الجانب الديني في الإنسان بفعل علمنة المجتمعات وتعطيل شريعة الله عن الحكم؛ كل هذه العوامل وغيرها مما يستحق البحث والدراسة تُشكل الإطار العام الأشمل الذي يعطي فكرة عن أسباب وكيفية حدوث التحرّش في المجتمعات.

خاتمة
من خلال ما تقدم يمكن أن نستنتج أن الملابس هي الحلقة الأخيرة في سلسلة ممتدة من الحلقات التي تؤدي في نهايتها لحدوث التحرّش وارتفاع نسبه في الآونة الأخيرة والربط بين الملابس والتحرّش مباشرة هو أمر لا يعطي فهماً واضحاً للموضوع حيث تبقى أمور مفقودة لفهم هذه الظاهرة مع التأكيد على أن اللباس له دوره أيضاً في حدوث التحرّش. ويبقى أن يُقال أن تأكيد المؤكدات وتوضيح البديهيات من أصعب الأمور وأقربها للاستحالة لمن لم يقتنع بها فطرةً وبداهة، ذاك أن الأمر تدخل فيه العاطفة ويحكم فيه الهوى ويبتعد عن أحكام الدين والمنطق والعقل فالله سبحانه وتعالى أمر بالستر والابتعاد عن العُري والتبرّج وأن العقل والمنطق يقولان أن الرجال ينجذبون للنساء وبقدر سفور المرأة وتبرّجها يكون هذا الانجذاب أكثر ويُقرّب صاحبته من التحرش بها.

 قال سبحانه تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا) [الأحزاب: 36]. قال صاحب الظلال -رحمه الله تعالى- في تفسير هذه الآية الكريمة: “إنه الاستسلام المطلق ليد الله تقود خطاهم، وتصرف حركاتهم؛ وهم مطمئنون لليد التي تقودهم، شاعرون معها بالأمن والثقة واليقين، سائرون معها في بساطة ويسر ولين.” فالله سبحانه حين أمر بالستر وحرّم التبرج فهو عزّ وجل يعرف نفوس الرجال والنساء ويعرف مكنونات هذه النفوس ولم يأمر بأمرٍ إلا لحكمة ظاهرة أو باطنة قد يدركها الإنسان وقد لا يدركها. وهذا المقال حاول أن يفسّر علمياً ظاهرة علاقة نوعية اللباس بالتحرّش وتبقى حكمة وأوامر الله تعالى أعلم وأكبر والالتزام بها هو الطريق الصحيح لمنع التحرّش وغيره من الظواهر السلبية في المجتمعات.


الهوامش

  1. عبد العزيز بن سعدون العبد المنعم، أحكام التحرش الجنسي دراسة مقارنة، المملكة العربية السعودية،رسالة ماجستير; 2012
  2. Kyle P. Weber LMBaTEM. The Influence of Sex, Gender Bias, and Dress Style on Attitudes Toward Sexual Harassment. THE INTERNATIONAL HONOR SOCIETY IN PSYCHOLOGY. 2012; 17.
  3. Awasthi B. From Attire to Assault: Clothing,Objectification, and De-humanization – A Possible Prelude to Sexual Violence? Frontiers in Psychology. 2017 March; 8.
  4. Sharron J. Lennon ADAJKaKKPJ. Dress and sex: a review of empirical research involving human participants and published in refereed journals. Fashion and Textiles. 2017; 4.
  5. Haruna AAIaA. The Psycho-Social Aspect of Indecent Dressing: Influence of Gender, Dress Pattern and Physical Attractiveness on Sexual Harassment. Journal Of Humanities And Social Science. 2014 Mars; 19(3).