مقالات

ثنائية الإنسان والعمران بين الهدم والبناء

بلا ريب فإن العمران والبنيان يعدّان من أهم المؤشرات التي يقاس من خلالها تقدم المجتمعات ومواكبتها لمتطلبات العصر، غير أن هذا المؤشر يبقى بمثابة معادلة ناقصة البنية، خاصة إذا لم يكن الإنسان هو المكون الآخر والرئيس الذي يقف على الطرف المقابل للعمران، فكلاهما يكمل الآخر، وطغيان كفة على حساب أخرى يفضي إلى ضرورة إعادة النظر في الأرضية التي تقف عليها هذه المعادلة، أصلبة هي أم مهتزة من الأساس؟!

إن الأصل أن يكون العمران والبنيان نتيجة لاحقة أو تحصيل حاصل لوجود الإنسان سوي الأركان، ولعلي أستشهد بقول الزمخشري المأثور: “الإنسان بناء الله، لعن الله من هدمه”! [تفسير الزمخشري]، ومن المهم قبل أن نسترسل ونستفيض في الحديث، أن نتوقف بشيء من الرويّة عند كلمة: بناء!

الإنسان جوهرُ البناء

من المعلوم أن كلمة (بناء) تنم عن مجموعة من التفاصيل والأجزاء، يتم تركيبها على نحو يؤدي إلى الحصول أخيرًا على تصميم معين، ضمن إطار محدّد مسبقًا.

لنتساءل الآن فيما إذا كان كل بناء –مبدئيًّا- قابلًا للعمران؟ أو ما إذا كانت أطلاله مزخرفة بأبهى الحلل وأثمنها، غير أن الداخل خرِب منزوع القيمة، ترى هل ثمة من سيقدم على فتح الباب ليلملم الفوضى الجوانية، أم سيكتفي-إن اكتفى- بإغراقها أكثر وأكثر؟

لنتساءل ما إذا لو كان هذا البناء هو الإنسان نفسه! ألن يكون هاهنا الباني أشد حرصا على الخروج بنتيجة ترفع من قدره، بما يجعل جوهره-أو داخله- أكثر بهاء من الأطلال والجدران الخارجية؟

وهنـا -عطفًا على ما سبق- نتساءل: إذا كان الإنسان بناءً فأي بناء -أو منتَجٍ- أريد به أن يكون عليه؟ وأي التصاميم والشرائع نجحت في إثبات أحقيتها في تركيز البناء القويم لهذا الكائن، أهي الشرائع الربانية أم المنظومات الوضعية التي اجتمعت تحت راية “تحرير الإنسان”؟ أم هي شريعة خارج الحدود المادية المتعارف عليها؟

الإنسان في المنظومة المادية

لن يكون من الإنصاف القول عن المنظومة المادية: إنها لم تنجح في وضع تصوّر محدد للإنسان! إلا أن السؤال يبقى: أي إنسـان؟

لقد استطاعت هذه المنظومة الوضعية مدّنا بإنسان معيّن، وهو في النهاية مجرد كائن لا يحسن الخروج من حيز الدور الوظيفي النفعي الذي أوكلته إياه في إطار مزخرف؛ من كونه الأكثر تحررًا من القيود البدائية، وكلما ارتقى في تحقيق شهواته اكتمل بناؤه!.

الإنسان في المنظومة الماديّة محضُ كائن لا تغادر تطلعاته حيز البحث عن أساليب جديدة يستطيع من خلالها أن يكون أكفأ للبقاء داخل الجماعة، إذ إن كل شيء في حياته غدا خاضعا لمبدأ السببية، والحتميات المادية!

فكما يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري في مقدمته لكتاب الإسلام بين الشرق والغرب: “التطور بطبيعته، لم يستطع أن ينتج إنسانًا، وإنما مجرد حيوان مثالي قادر على التحرك داخل الجماعة بكفاءة عالية لتحقيق هدف البقاء المادي”! [الإسلام بين الشرق والغرب، المقدمة]، فهذه المنظومة لم تتعرض للإنسان من حيث هو ظاهرة مركبة، أو من حيث هو بناء إذا أغفِل أحد أعمدته انهار وخرّ من قواعده!

إن هذه المنظومة على النقيض تمامًا، جعلت منه مجرد كائن ضمن منظومة نفعية ووظيفية بحتة -محدود في نطاق الطبيعة- متمحور على ذاته، ومكتفٍ بـ “صنع الآلات التي تحسن من مقدرته على البقاء المادي”، وبالتالي فقد عكفت على حصر كل ما يصدر من هذا المخلوق وتفسيره في قوالب مادية حيث لا معنى فيها للجانب الروحي والجواني له، فخوفه وقلقه، وتردده وإقباله، موصول بعالم النواقل الحسية والهرمونات والبيولوجيا فقط. وبالتالي لا مناص من أن تكون لغة الحتمية هي المعيار التي يتم بموجبها قياس إنجازات ووظائف هذا الإنسان، أي أن مفهوم السعي، والفضيلة وغير ذلك لا اعتبار لها مالم تؤتِ أكلها على نحو ملموس يُرى رأي العين، “فإذا غامر إنسان بحياته فاقتحم منزلا يحترق لينقذ طفل جاره، ثم عاد يحمل جثته بين ذراعيه فهل نقول إن عمله كان بلا فائدة لأنه لم يكن ناجحًا؟” [الإسلام بين الشرق والغرب، علي عزت بيجوڤيتش].١

وبذا فإن هذا المعيار أودى بشكل حتمي إلى الحصول على إنسان أكثر إنتاجية وعطاء على المستوى المادي من جهة، إلا أنه من جهة أخرى كائن منزوع القلب لا روح فيه، شأنه شأن الآلة في وظيفتها! ومِن ثم كان الناتج في المعادلة -العمران والإنسان- هو انهيار الإنسان في مقابل زيادة منسوب الإنتاج وإعلاء البنيان!

محمد علي باشا والتجربة المصرية

على الرغم من هذا العور والجمود الروحي الذي تغوص فيه الحياة الغربية -المادية- ونظمها، إلا أنها في وقت ما كانت الوسيلة الوحيدة للحاق بأوروبا بالنسبة إلى العديد من القيادات، ولعل أبرزهم محمد علي، بعد اتساع الفجوة بين العالم الإسلامي حينها، وبين الغرب في أواخر القرن الثامن عشر- هذا الإسقاط سيساعدنا ولو بشكل يسير على اقتفاء آثار النهضة والتحرير المنشود في الفلسفة المادية-.

فهل نجح محمد علي فعلا في صنع واقع موازٍ للغرب دون المساس بكينونة الإنسان وكرامته؟ أم أنه كما قال الإمام محمد عبده رحمه الله: “لم يستطع أن يُحيي ولكن استطاع أن يُميت”! [أثر محمد علي في مصر، محمد عبده]؛ إذ بعد أن استتب الحكم لمحمد علي، اعتُبِر مؤسس مصر الحديثة، في الفترة الممتدة من 1805 حتى 1848، حيث هندس “نهضة إنشائية واسعة بطول البلاد وعرضها، شملت إنشاء المصانع والمحاجر والسدود والجسور، بالإضافة إلى إنشاء الترع والقناطر. كذلك فقد قام محمد على ببناء العديد من السرايا ومنها سراي رأس التين وسراي شبرا، وسراي قصر النيل، كما قام بإنشاء المتنزهات والحدائق العامة، وقد ظلت كل هذه البنى باقية حتى بداية عهد الجمهورية شاهدة على التطور الكبير في عصر الباشا”[الجزيرة: ركائز النهضة المصرية في عهد علي باشا]. نعم ظلت هذه البنى شاهدة على الطفرة التي أحدثها محمد علي في العمران، إلا أنها كذلك ظلت شاهدة على عصر تفتّتَ فيه الحجر الأساس، واجتثُت جذور الشخصية السوية للرعية!

رسم لمحمد علي باشا من سنة 1840، بريشة أوغست كودر (المصدر: ويكيبيديا)

إلى جانب كل ما حققه محمد علي من تقدم في العمران وتشييد للمصانع، إلا أنه “أفسد بأس الأهلين، وأزال ملكة الشجاعة فيهم”، وجعل من الحياة مقبرة للإنسان، وجرّده من ما يملكه من نخوة وكرامة وعزة.. استطاع من خلالها في وقت قريب سلْب النوم من حملة المحتل الفرنسي، حيث “اندفع الناس يقاومونها بكل ما استطاعوا، واندهش الفرنسيون من مقاومة الأهالي المصريين، الذين استطاعوا إنشاء معمل للبارود، واستطاعوا إعادة تصنيع واستعمال ما بقي من المدافع التالفة، واستعلموا الأدوات البدائية من حجر وأخشاب ومثاقيل الموازين وما ضُرِب عليهم من قنابل الفرنسيين ليعيدوا صناعتها كقنابل تُطْلَق من المدافع، وكان أبطال المشهد هم أصحاب الحرف من السبّاكين والنجّارين والحدادين والعربجية، حتى قال عنهم ضابط فرنسي: “لقينا مقاومة لا قبل لنا بشراستها وتنظيمها من قبل”.

يشهد أحد مهندسي الحملة بأن ما فعله سكان القاهرة “لم يستطع أحد أن يقوم به من قبل، فقد

صنعوا البارود وصنعوا القنابل من حديد المساجد بأدوات الصُنّاع البسيطة، وفعلوا ما يصعب تصديقه، ومن رأى ليس كمن سمع، ذلك أنهم صنعوا المدافع”، ويشهد كليبر -قائد الحملة الفرنسية آنذاك- بأنه لم يكن يتصور الوضع على هذه الدرجة من الخطورة”[مات زويل: فصول من مأساة السلطة والعلم]. كان هذا هو حال الأهالي خلال الحملة الفرنسية.

إلا أنه بعد كسر بأس كل فرد منهم-خلال تولي محمد علي الحكم- وجعلهم مجرد عبيد وعمال لأعمال السُّخرة، لم يستطع واحدٌ منهم التحرك قيد أنملة لصد ودفع الاحتلال البريطاني عنه! وكيف سيفعل ذلك وهو يعيش أصلًا مستلب الهوية والكرامة، فمن أجل ماذا وعن ماذا سينافح ويجعل دمه فداء للحرية؟ أمن أجل حياة بلا حياة، أنى له بمقومات البذل والتضحية، وهو يشعر أنه يخضع لقوانين جعلته يتيمًا وغريبًا ودخيلًا أو حتى منبوذًا ومستباح الكرامة!.

ومن هنا كان الوجه الآخر للمشروع النهضوي لمحمد علي بمثابة المعول الذي دك معالم الحياة في الأفراد لا أقل ولا أكثر!

الإنسان في الإسلام

“يمكن تعريف الإسلام بأنه دعوة لحياة مادية وروحية معاً. حياة تشمل العالمين الجواني والبراني جميعاً” [الإسلام بين الشرق والغرب]، فالإسلام –كما يقول بيغوفيتش- الحل الأمثل للإنسان، لأنه يعترف بالثنائية في طبيعته، ولا يجعل منه مجرد حقيقة بيولوجية أو عضوًا صامتًا في المجتمع. كيف لا والرسول الكريم الذي لا ينطق عن الهوى قال وهو يطوف بالكعبة (ما أطيبك، وما أطيب ريحك! ما أعظمك، وأعظم حرمتك! والذي نفس محمد بيده، لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك، ماله، ودمه) [أخرجه ابن ماجة].

والكعبة ترمز هنا للبنيان، على نفاستها وما لها من عظم ومكانة في قلب كل مسلم موحد على مرّ التاريخ، جعل الله هدمها حجرًا حجرًا،  أهون عنده سبحانه من حرمة المسلم الحامل ل ‘لا إله إلا الله, فداء لألا يراق دمه ويهدر عبثا.

أي تشريف يمكن أن يناله مخلوق آخر على وجه الأرض أكثر من هذا؟

تأمل معي هذه المتساوية :

[الكعبة والإنسان= العمران لأجل الإنسان]. أطلق العنان لمخيلتك وحاول أن تستجلب في رأسك صورة مفادها أن هذا البيت العتيق، أول بيت وضع للناس في الأرض، هو ذاك البيت الذي أوحى الله إلى نبييه إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام من فوق سبع سماوات برفع قواعده، وجَعله قبلة ومثابة للناس وأمنًا، هو نفسه جعل الله حرمته أهون وأقل من دم المسلم!

قل لي بربك كيف لا تحيا الروح وتأمن في جوار شريعة جعلت من قتل نفس واحدة، كمن قتل الناس جميعا، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا!. ومن “أماتها” في الإسلام تبدأ من قتل الجنين في رحم أمه بعد نفخ الروح فيه، في الوقت الذي تصوّغ فيه “ذوات التحضر” كل الأساليب والأعذار التي تمكنها من سَن قانون -بريء- لقتل الأجنة في بطون أمهاتهم بدعوى التحضر والحرية، حيث بلغ عدد الأجنة التي تم التخلص منها تقريبًا حتى هذه اللحظة ما يزيد عن 33,370,039 حسب موقع إحصائيات أعداد الأجنة التي يتم إجهاضها عمدًا منذ بداية العام. أو -في أحسن الحالات- سن تشريعات بلغت درجة رحمتها إلى الخروج بمصطلح “صناديق الملاذ الآمن” كوجه لحقيقة ظاهرها الرحمة وضمان الحرية للإنسان، وباطنها الاحتقار والازدراء.

وعلى غرار الغرب، نجد بعض بلدان آسيا كالصين والهند الذي وإن لم يكن بالتقدم ذاته، إلا أنه سلك نفس الجحر الذي يعلي من القيمة النفعية للفرد، حيث لازالت جاهلية وأد البنات -في الأجنة- حاضرة، بل وبأبشع صورها حتى! بعد جعل التفاضل والتمايز بين الأنثى والذكر منحصرًا في زاوية الربح والازدهار الاقتصادي؛ فالرجل يعتبر في الهند مصدر رزق الأسرة الأول، والطرف الذي يحصل على راتب أعلى من الأنثى على أداء نفس العمل. “كما أن ظاهرة دفع أسرة البنت مهرًا للرجل عند الزواج يجعل الكثير من الأسر الهندية تفضل الذكور طمعًا في المهر، وتتخلص من البنات باعتبارهن عبئًا ماديًّا عند الزواج يكلفهم الكثير، إضافة إلى الأسباب الثقافية التي تعتقد في الذكر بأنه “حامل” لقب العائلة، بينما تتزوج الفتاة وتصبح تابعة لعائلة الزوج، حيث أفادت دراسة أجرتها مجلة “ذي لانست” الطبية عام 2011، أن حالات إجهاض الحوامل بإناث تراوحت بين 4 و12 مليون حالة بين عامي 1980 و2010.

ومعظم هذه الحالات تمثل الحمل الثاني للأمهات بعد إنجابهن طفلة في حملهن الأول، بحسب صحيفة ذا تلغراف البريطانية.”[الجزيرة: وأد الإناث المرحب به في آسيا.. صور متعددة للتخلص من المرأة].

فتأمل ههنا معي أيها القارئ في شريعة الرحمة وتكريم الإنسان حيث: يساوي قتل الجنين قتل الناس جميعا. والشريعة تساوى فيها جميع البشر من حيث كونهم مخلوقات وعباد لله، وليس كما في الحضارات-المادية- التي تنفي وجود الإله-أو زعمت موت الإله-، كي تصبح مظلة المساواة-إن وجدت- انتقائية ولا يستظل بظلها، ويجتمع تحتها إلا النخبة بمعايير الإنجاز بلا مواربة!

لم تركّز رسالة الإسلام على البنيان فيها أول خطوة لبناء الحضارة المسلمة، بل ركزت النصوص القرآنية أولا على بناء نفسية المسلم، والإحاطة به من كل جانب، فيكون قوي المعصم في ساحة الحرب، لين الجانب فيما سواها، يحزن ويبكي، يفرح، يضعف، يقوى… وهو المستعد لاستقبال التشريعات التي تنظم حياته داخل المجتمع،  دون أن يُطالب بتنحية أو كبح جزء من غرائزه التي فُطر عليها، حتى يرتقي في سلم الكمال الروحي كما هو الأمر بالنسبة للمسيحية-مثلا-، بل هي شريعة تقر بهذه الغرائز والشهوات في النفس البشرية، وبدل طمسها، جعلت لها ضوابط تؤطرها على نحو لا يتنصل- بسببها أو من خلالها- الإنسان من إنسانيته، ويهوي بالمقابل إلى الدركات الحيوانية. حيث روى مالك في الموطأ عن عبد الله بن دينار قال: “خرج عمر بن الخطاب من الليل فسمع امرأة تقول:

تطاول الليل واسودّ جانبه **  وأرّقني أن لا خليل ألاعبه

فوالله لولا الله أني أراقبه  ** لحرك من هذا السرير جوانبه

فسأل عمر ابنته حفصة: كم أكثر ما تصبر المرأة عن زوجها؟ فقالت ستة أشهر، أو أربعة أشهر، فقال عمر: لا أحبس أحدًا من الجيوش أكثر من ذلك”

وهكذا تكرّست في النفوس السوية المؤمنة بحكمة الله وعدله أهمية هذا المخلوق الذي استخلفه الله في الأرض، ولأي درجة بلغ تكريم كل قطرة من دمه.

موسى بن نصير والبربر

كما استعرضنا في فقرة سابقة نموذج مصغر للتطبيق الفعلي للحياة المادية على الإنسان. نعرض على ذات النهج تطبيقا من وحي تاريخنا الإسلامي، حيث تحققت مقولة “جئنا لنخرج الناس من عبادة العباد، إلى عبادة رب العباد”.

وماذا يمكن أن يفعله الإسلام إذا اتقدت ناره في حرم القلب، فيصبح عدو الأمس هو الذي يوحد الصف من ورائه بعد استقائه من نور الشريعة، ويقدم صدره فيجعله قِبلة لسهام العدو دونما تردد.

وبإيجاز في غير إطناب، فإنني أقصد هاهنا طارق بن زياد، القائد البربري الأصل، والذي رفع الله ذكره حتى حدود الساعة بين الألسن بعد اعتناقه الإسلام، وتوحدِه في صف الوالي موسى بن نصير. إذ كانت منطقة الشمال الإفريقي قبل أن يستتب له الحكم فيها شديدة الانقلابات، لا يكاد المرء يسلم فيها حتى يرتد على عقبيه في عهد عقبة بن نافع- الذي اغتيل لذات الأسباب-، ثم بعد دخول موسى عمل على تجفيف أودية الارتداد، والبحث عن الخلل الذي يجعل من الرعية ترتد ولا يستقر لها حال!.. فوجد أن معاني الإسلام لم تكن مستقرة في أنفسهم بشكل كافٍ، يمكنهم من جعله أرضا وقبلة لحياتهم ويفدونه بالروح والولد. وبذا عمل موسى بمبدأ التأني والإبطاء في التوسع والتوغل في البلاد بعد أن يحمي ظهره، ويكف عنه احتمالية الردة، فعكف على تعليمهم أصول دينهم، واستجلب لهم العلماء من بلاد الشام، وهكذا فقد قدم بناء النفوس على مشروعه الذي لأجله أتى: “فتح الأندلس” فكانت الثمرة جيشًا قويًّا بنفوس تحمل الإسلام في أنفاسها. بعد أن علِم كل فرد من هو في ميزان الشريعة التي أتته من لدن ربه.

خير الختام

نخلص إلى القول بأنه في الوقت الذي جعلت الشرائع الوضعية، والمادية الإنسان كبشا للفداء في سبيل تحقيق التقدم المادي وازدهار العمران، وألبسته ثوب الحضارة والتقدم!، نجد أن الإسلام-على النقيض- جعل منه اللبنة، والحجر الأساس قبل كل بناء. فكان في الميزان الوضعي بناء لأجل الهدم، وفي ميزان الوحي بناء لأجل البناء.


مصادر للاستزادة:

إحصائيات أعداد الأجنة التي يتم إجهاضها عمدا منذ بداية العام.

https://www.worldometers.info/abortions/

المحاضرة الثانية من سلسلة بناء وعي المسلم المعاصر

https://youtu.be/ZSGkzSRvm9w

سلسلة تاريخ الأندلس من الفتح إلى السقوط للدكتور راغب السرجاني

https://youtube.com/playlist?list=PL3dTnGoUVhi9ErCkioDaxxnUV357BkeTp

آثار محمد علي في مصر

https://m.elwatannews.com/news/details/115711

وأد الإناث المرحب به في آسيا.. صور متعددة للتخلص من المرأة:

https://www.aljazeera.net/news/women/2019/3/26/%D9%82%D8%AA%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%86%D8%A7%D8%AB-%D8%AA%D9%85%D9%8A%D9%8A%D8%B2-%D8%B6%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A3%D8%A9

الإسلام وفقه إعمار الحياة

إن الهيكل التراتبي لفقه العمارة في الإسلام، يقدّم أساسَي الإيمان بالله واليوم الآخر والجهاد في سبيله، على عمارة المسجد الحرام، قال تعالى: {أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ} [التوبة: 19]؛ فمنزلة عمارة النفس بالله في سلّم الوحي، أفضل حتى من سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام، فما بالك بمن جعل من العمران أو تأسيس الحضارة، مقصدًا قرآنيًّا!.

لقد اعتنى القرآن عناية بالغة بقضية عمارة النفس بالله والاستسلام له، فلا تكاد تجد موضعًا، إلّا وفيه ذكرًا لقضايا متعددة من دلائل وحدانية الله واثبات اليوم الآخر وقصص الأنبياء، والأهم ربط التشريع والعبادات والمعاملات في القرآن برابط واحد يجمع كل هاته المواضيع ببعضها، وهو عمارة النفس بالله والخضوع له، أما الحضارة والعمران فهي أثر ثانوي يتحقق تباعًا، لا كما يحتج كثير اليوم، على وجوب تقديم العمارة قبل تحقيق التزكية والتربية، بناء على قوله تعالى: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ} [هود: 61]، إذ الواقع أن العمارة هنا جاءت في سياق الامتنان الإلهي، ثم الأمر بالاستغفار والتوبة، نظير نِعم الله لا الكفر والجحود، وهي لم تأت في سياق الحثّ والطلب، أو كونها مقصدًا قرآنيا لتحقيق الاستخلاف، ولو كان تحقيق الاستخلاف بمحض العمارة والبناء المادّي، لما أنزل الله عقابه على أمم غابرة، كانت أشد قوة، وبرعت أيّما براعة في استخراج الأرض وعمارتها، إذ أمرنا بالسير فيها والنظر في عاقبتهم، قال تعالى: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [الروم: 30].

الرسول بين هداية الحيارى وإقامة الحضارة

تسللت عديد المفاهيم الليبرالية الفجة إلى الداخل المسلم، ثم تلقفها العامة بحسن نية، رغم ما تحمله من تلوث فكري عميق، إذ يتم التصدير لنا، أن أهم وظيفة ومُنجز قام به الرسول -صلى الله عليه وسلم- هو أنه باعث لحضارة إسلامية من عمق البدو والصحراء! وليس باعتباره رسول الله إلى الناس جميعًا، جاء ليخرج الناس من الظلمات إلى النور، ويهديهم بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد، وفضلا على أنه ما لتأسيس دولة الإسلام، من الأهمية الشرعية والسياسية، وكذا تحصيل أسباب القوة، إلا أنّ ذلك لا يجب أن يتخطى سلّم أولويات الوحي، فتأسيس دولة الإسلام وحضارته، هو تَبَع للغاية الكبرى وهي التبليغ عن الله وهداية الخلق، وليس العكس.

تحت الاستخدام المهول للأدوات الناعمة لهذا العصر، الممزوج بشيء من الغرائز الإنسانوية، تمّ النفخ في قضية الحضارة والعمران وتحميل معاني القرآن ما لا تحتمل، وطبعًا تحت أثر تعظيم الحضارة المادية والمغالاة فيها، تسرب في اللاوعي الجمعي، الاعتداد بالحضارة الغربية والانبهار بها، حتى صارت قِبلة وهمّ شباب المسلمين اليوم، ولا يعلم كثير من الناس أن هذا الانقلاب الفكري والمفاهيمي، يعزز في الداخل المسلم قبل الخارج، ويبعث فيه رسالة سلبية، مفادها: طالما أن إقامة الحضارة المادية هي الغاية في نهاية المطاف! فما الذي يجعل الداخل المسلم لا يفِد للآخر الغربي؟ وما الذي يجعل الآخر لا يستغني عن الإسلام، طالما حقّق مراده وغايته المتركزة حصرا في الحضارة المادية؟

جواب ذلك، أنّ أوّل ما يجب أن تعلّق به القلوب وتوطّن عليه، إحياء النفس الجمعية للمسلمين والاعتزاز بها، والتأكيد على أن الحضارة الغربية، مجرد حياة بهيمية منحطة ومادية بائسة، تجهل أعظم مطلوب وهو العلم بالله، ينطبق عليها قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ} [محمد: 12]، كما أن أبلغ ما ترسّخ به العقول، هو أن معيار خيرية الأمم عند الله عز وجل، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله، قال تعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}]آل عمران: 110[، أما أصحاب الحضارات، المنبَهَر بهم، فقد قال الله فيهم: {وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم} [آل عمران: 110]، وأنّ ما ننشده من حضارة كمسلمين، هي الحضارة التي تعلي ما أعلاه الإسلام وتخفض ما أخفضه، قال تعالى: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [الحج: 41].

الطريف في الأمر، أنه ورغم ما حفِلت به الأطروحات المغرضة، من تطويع للنصوص وخطابات حداثية سيّالة، لم يتحقق منها شيء!، وأنى لهم أن يحققوا شيء؟ إذ كيف لمن يشعر بهزيمة من الداخل أن ينهض؟

في هذا يقول بن نبي في كتابه دور المسلم: “لماذا استطاع ذلك أولئك الأعراب الفقراء في عهد محمد صلى الله عليه وسلم؟ لماذا قام أولئك الأعراب الفقراء الأميون بإنقاذ الأمة الإنسانية وشعروا أنهم جاؤوا من أجل إنقاذها؟ فقد كانوا يعلنون هذا في أقوالهم ومخاطباتهم للآخرين، سواء من أهل الفرس أو من أهل روما، كانوا يقولون لهم: لقد أتينا لننقذكم، إنهم لم يشعروا بمركب النقص، فلماذا لم يشعروا بمركب النقص؟، لأن الإمكانيات الحضارية المتكدسة أمامهم في فارس أو في بيزنطة أو في روما لم تفرض عليهم النقص، وبعبارة أخرى لم تبهرهم”[1].

مالك بن نبي

علاوة على ذلك فإن المتأمل لما يقدمه القرآن من هدايات وتصورات من جهة، وما تقدمه كثير من الأطروحات المحايدة بزعم أصحابها، من جهة أخرى، يرى تباينًا صارخًا، فالأطروحات المغرضة لا تنفك تصدّر لنا أنّ غاية المدنية هي تحقيق الرفاه للبشرية، بينما نقرأ في القرآن: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الكهف: 7]، فالغاية مما حبانا الله إياه من نعم، إنما هو الابتلاء، فهل نغير مقتضى الوحي وفحواه ليتوافق مع مزاجنا الليبرالي، أم نفتش في دوافعنا عمّا يرجعنا إلى حاضرة القرآن ومآرب الوحي؟

الاستهداء بالقرآن

الدعوة لاستنطاق مقاصد القرآن وفق مراد الله، وما يتطلب مبدأ عبوديته، ليست سذاجة في التصور، ولا سطحية في الطرح، ولا باقي الإطلاقات الصحفية غير المسؤولة، والحث على عمارة النفس بالله أولا والاستسلام له، قبل تأسيس الحضارة والعمران، ليست دعوة إلى التقوقع والانكفاء على الذات، فالإسلام لا يدعو إلى السلبية والانسحاب من الحياة العامة، بل على العكس فقد ضاعف الأجر على العمل، وحثّ على الضرب في الأرض والمشي في مناكبها، قال تعالى: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} [الملك: 15]، لكن الانتفاع الحسي من متاع وماديات، هو ما شغل الإنسان عن مراد الله ووحيه، فأصبح يفتّش في القرآن عمّا يوافق انتفاعه وهواه، مغلبا جزأه المادي عن الروحي، رغم أنّ داخل ذات هذا الإنسان شعث، يورثه كل حين شعورا بالتيه والوحدة وفقدان معنى الحياة، ولا يجبر هذا الشعث ويسده، إلا الإقبال على الله والقرآن.

إن هذا الدواء ثابت بنص الكتاب، قال تعالى: {كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 71]، فالقرآن لا يعطينا بيانا شافيا في التصور الصحيح لقضايا جوهرية كهاته فحسب، بل يلهمنا كيفية التصرف معها، وبيان حالنا ومآلنا إزاءها، فسبحان القائل في كتابه: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَىٰ لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل: 39].

إن العبودية الخالصة – إذًا- هي أم المقاصد وغايتها، وقصد القراّن إلي تحصيل العلم وحصول الإيمان والعمل الصّالح هي أسس هذا المقصد، وقصده إلى إيجاد الوازع، والتذكير، والوعظ، والإحسان، والصبر، هي أعظم ما يُتوصّل به إلا إقامة تلك الأسس، وذلك المقصد، وتلك هي عناصر المنظومة المقصدية في القراّن.


[1]مالك بن نبي، دور المسلم، دار الفكر، دمشق-سورية، الطبعة الأولى (1991) ص49

الحضارة الإسلامية وعقدة الخواجة

لا يمكن أن نعتبر الحديث عن المركزية الغربية تَرَفًا فكريًّا قد يروق لمفكر ما ويرفضه غيره، إذ إن هذه المركزية النظرية قد غدت منذ أمد بعيدٍ أمرًا مسلّمًا به في الفكر الغربي ومفروضًا في وسائل الإعلام العالمية وغدت ظاهرة في الطابع اليومي لوسائل التواصل الاجتماعي، ومن ثم فإن الحديث عنها مسؤولية نقديّة ينبغي تحمّلها وتبيانها وأداؤها.

أثناء قراءتي للكتاب “الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية” لعالم الاجتماع الألماني ماكس فيبر، لفت انتباهي ما مهّد به الكاتب كتابه حين قال: “باستثناء الغرب، فإنه ما من حضارة تمتلك كيمياء عقلانية، وكذلك الأمر بالنسبة للفن، فربما كانت شعوب أخرى تتمتع بحس موسيقي، غير أن الموسيقى المتكاملة عقلانيًّا وائتلاف الأصوات، كل ذلك لا يوجد إلا في الغرب” [الأخلاق البروتستانتية وروح الرأسمالية: ص 5-6]، بل إن كثيرًا من المثقفين الغربيين يرون أن الحضارات إنما جاءت ممهّدةً لقدوم الحضارة الغربية.

كيف تسللت هذه الفكرة؟

نجد هذه النظرة الأحادية والفكرة الإقصائية عند كثير من المستشرقين الذين درسوا الحضارات الأخرى، بمنهج عقلاني من جانب أو بعقدة النقص من جانب آخر، إلا أن هذه النظرة ليست حكرًا على الغرب وأهله، بل هي إرث يشترك فيه الكثيرون، فثمة أناس كثيرون –من بني جلدتنا وأفكارنا ومدننا- ينفون عن المسلمين الحضارة، بل ويصفونهم بأنهم أمة الجهل والتخلّف.

لنعد قليلاً إلى كتاب “وعود الإسلام” للمفكر الفرنس روجيه غارودي، حيث يقول فيه: “الغرب عارض، وثقافته مسخ فقد بترت من أبعاد جوهرية، ومنذ قرون ادعت هذه الثقافة بأنها تنحدر من إرث مزدوج: يوناني-روماني، ويهوديمسيحي، في الحقيقة لقد انبثقت أسطورة “المعجزة الإغريقية” لأن هذه الحضارة بُترت عمدًا من جذورها الشرقية. [وعود الإسلام، ص: 15].

بهذا القدر من التعمّد أيضًا، يحاول كثيرون قطع التاريخ الإنساني من سياقه ومحو التراكم الذي جرى فيه واقتلاعه من جذوره، في محاولة لتعزيز وتدعيم النظريات التي تحوم حول تفوق العرق الأبيض على باقي الأجناس الأخرى، والتأكيد على أن الإنسان الغربي هو الأكثر تطورًا من الناحية العقلية والنفسية.

أين الإنصاف؟

يلقى هذا الخطاب صدى متكررًا لدى المستلبين ذهنيًّا، كما أنه يلقى الرفض لدى الباحثين المنهمكين بالبحث في التاريخ الإنساني والمستشرقين المنصفين الذين يجدون في كشف الحقائق متعتهم، ومن هؤلاء نذكر المؤرخ الفرنسي “غوستاف لوبون” والألماني “شبنجلر” والبريطاني “كارين” وغيرهم.

غوستاف لوبون ممن أنصفوا الحضارة الإسلامية

غوستاف لوبون

قبل مدة من الزمن انتشر مقطع مصوّر لأحد المدونين الذين يبسّطون العلوم المعاصرة، تحدث فيه عن موضوع معين، وفي معرض حديثه قال: “لقد أسس فرنسيس بيكون المنهج التجريبي”، وفي هذا مصيبة لا تخفى!

قد يسلّم شخص لم يدرس التاريخ بهذا الأمر، إلا أنه بالنسبة لمن درس التاريخ وخاصة تاريخ العلوم -ليس بتاريخها الذي يراد له أي التاريخ الإغريقي وحسب-، بل التاريخ الإنساني، فإنه أمر عسير التقبّل؛ حيث يدرك أن فرنسيس بيكون لم يسبق أبداً العالم المسلم ابن الهيثم، بل العكس؛ إذ للعالم المسلم فضل السبق في المنهج التجريبي، ولا يحتاج ذلك منا سوى الرجوع إلى كتب القوم واستحضار الشهود، بل إن الأمر أبين من ذلك، فقد احتفلت اليونسكو بالعالم المسلم ابن الهيثم باعتباره مؤسس المنهج التجريبي.

يشير الدكتور عبد الرحمن بدوي في كتابه “من تاريخ الإلحاد في الإسلام” إلى موضوعنا هذا، فيبدي رأيه لأولئك الذين يعتبرون أن المسلمون لم يخرجوا من عباءة الحضارة اليونانية وأنهم مجرد مقلدين، قائلاً – غفر الله له-: “يجب ألّا نُخدَع إذاً -بعد فشل الادعاءات- بتأثير الحضارة في الحضارات، بل يجب أن نقوّمه التقويم الصحيح على أساس أن لكل حضارة روحها الخاصة، وأن الاشتراك في التراث لا يدل على شيء بالنسبة إلى روح من يشتركون هذا التراث. لكن ليس معنى هذا أن الحضارة الإسلامية حضارة قائمة بذاتها تكون دائرة حضارة مغلقة، وإنما هي جزء من حضارة كبيرة، الحضارة العربية هي أهم جزء في هذه الحضارة الكبرى” [من تاريخ الإلحاد في الإسلام، ص 24].

ضياع الهوية الثقافية!

أعتقد أن فكرة الدكتور عبد الرحمن تغلق كل المنافذ على المتهافتين من مختلف الجهات –حيث يناقش هنا  آراء مؤرخين أوربيين لا آراء المتعلمين الجدد -كما يقول مالك بن نبي رحمه الله- سواء كانوا من الجانب الذي يقول: إن الحضارة الإسلامية نسخة من الحضارة اليونانية، أو الجانب الذي يرى أنها حضارة خرجت من اللا شيء.

مالك بن نبي

على كل حال، فإن ما يهمنا هنا هم أصحاب القول الأول الذي ينتشر في فضاءات الميديا ويقول به كثير من مبسطي العلوم في العالم العربي، وقد يتضاعف أثر هذا الأمر حين نرى بعض شباب المسلمين والعرب ينافحون عن هذه العقيدة وكأنهم أحد أبناء الأوربيين المتعصبين لأوطانهم وما حيك حولها من نظريات التمجيد للغرب، وربما احتقر هؤلاء ذواتهم وتاريخهم، حتى بات الواحد منهم يعلنها صراحة ويجاهر بعداءه لمجتمعه وأبناء بلده، فيحتقر كل شيء يذكره بنفسه فهو لا يريد اسم “مجيد” راغبًا عنه في أن يسمى بـ “جورج”، ولعله كان يرغب في أن يصبح ذات يوم صاحب شعر أشقر وعيون خضراء ووجه جميل، وحين لا يحدث ذلك يلعن صباحه ومساءه، ويفرغ حقده على نفسه وأبناء قومه.

الغزو الفكري

تظهر السذاجة –أو الجهل- التي يمارسها مبسطو العلوم سواءً عن إدراك واستثمار مربح، أو عن غفلة لا مقصودة، حين نقف عند تعريف الغزو الفكري: فهو –بحسب الشيخ عبد الرحمن حبنّكة الميداني- “كل فكرة أو معلومة أو منهج يستهدف صراحة أو ضمنًا تحطيم مقومات الأمة الإسلامية: العقَديّة والفكرية والثقافية والحضارية، أو يتحرى التشكيك فيه، والحط من قيمتها، وتفضيل غيرها عليها، وإحلال سواها محله، في برامج الإعلام والتثقيف، أو النظرة الكلية للدين والإنسان والحياة” [الغزو الفكري والتيارات المعادية للإسلام، مؤتمر الفقه الإسلامي في الرياض عام 1396ه، ص 507]

إذا ما تمعّنّا جيدا في المحتوى الذي ينشره بعض مبسطي العلوم الذين لا يؤمنون بالقيمة التي قدّمتها حضارتهم الإسلامية للبشريّة، فإننا نرى السير نحو تعزيز الغزو الفكري والسير لدعمه سيراً جاداً، ولهذا نقول: إن مبسّط العلوم يجني على نفسه -حين يمسي بمثابة العميل الفكري عن علم أو جهل- وعلى مجتمعه ودينه بتشكيك الناس في نظم المجتمع وتعاليم الدين، والأدهى من ذلك أنه يزيّف التاريخ فيعلي تاريخ الغرب المستحدَث، ويتغافل عن تاريخ الإسلام المبهر والعظيم، والذي لولاه لما وصلت البشرية إلى ما وصلت إليه، فلولا جهود الخوارزمي الرياضية –مثلاً- ما كتبتُ هذه الأسطر ولا قرأتَها أنت.

شواهد وأمثلةٌ

نستشهد بسبق المسلمين على العالم الغربي ببضع أسطر هي عندنا تعادل كتابًا، يقول روجيه غارودي في كتابه وعود الإسلام:  “وقد مارس العرب التلقيح ضد الجدري بإدخال قليل من قيح دمل متجرثم بمرض الجدري قليلًا، من شرطه في الجلد وذلك قبل ” جيينر  “Jennerبعشرة قرون، ودرس الطبيب الجراح الأندلسي أبو القاسم (المتوفي 1013) مرض السل في الفقرات ” مرض بوت “، قبل بيرسيفال بوت (1713-1788) بسبعة قرون ونصف ومارس ربط الشرايين في حالة البتر قبل امبرواز باريه Ambroise Paré (1517-1590)  بتسعة قرون.. لقد استند علماء الطبيعية الكبار في العصور الوسطى على أعمال العرب” [ص: 107]

إن كثيرًا من الناس لا يحب أن يسمع حقيقة كون الإسلام بانيًا لحضارة عظيمة، فهم لا يعرفون عنه سوى وجود بعض التنظيمات العنيفة التي يصوّرها الإعلام وكأنه المسيطرة على العالم الإسلامي، أما فلسفته وشريعته ونظمه السياسية والاقتصادية التي لا ينكر فضلها المنصفون من الغربيين، فإنهم يكادون لا يعلمون عنها شيئًا.

لقد بنى الإسلام مجتمعات متماسكة وقوية ودولًا تحكُم ولا تسيطر، وذلك مقابل الدولة العلمانية التي خنقت الإنسان وأمسكت بزمام الأمور وانتهت بمجتمعات هي أوهن من بيت العنكبوت، هذا ما لا يعرفونه أو يتجاهلونه.

إننا بحاجة لإعادة تشكيل العقل المسلم، وبرمجته بما يتناسب وتراثه العريق وتاريخه التليد، رغم أن الحال كما قال ابن خلدون: “المغلوب مولع بتقليد الغالب”.

القدوة والقرآن .. وأثرهما في نهضة المجتمع

اتصف المجتمع العربي قبل الإسلام بالجمود والبعد عن التقدم الحضاري المحيط به، ولم يسعَ أفراده للتغيير وتطويره، فأصبح مُجتمعًا بعيدًا عن روح الحضارة، لا يمتلك هدفًا واضحًا لوجوده، إلا أن النقلة العملية والروحية والفكرية لهذا المجتمع كانت عن طريق رسالة الإسلام التي أنتجت ميلادًا جديدًا له، فعلَّمَ العالم المعنى الحقيقي للحضارة، وأنار العقل الإنساني بمفاهيم ومبادئ جديدة أخرجته من ظلمات الجهل والظلم.

لنا أن نتساءل هنا: لماذا حقق المسلمون الأوائل هذه النقلة الناجحة داخل مُجتمعهم بينما يعايش المسلمون منذ قرون عدة التقهقر والتراجع الحضاري بالرغم من أننا نملك -مثل السابقين- الرسالة ذاتها ومفرداتها من القرآن والسنة النبوية، فما سر هذا التغيير الذي جرى على أيديهم ونرجو أن نراه واقعًا في حياتنا نُعايشه ونكون جزءًا منه؟!

حين يُشعِل الإيمان الشرارة!

إن طبيعة رسالة الإسلام هي التي تُقدم لنا الإجابة الواضحة عن هذا التساؤل، ومبدأ الرسالة الإسلاميّة هو الإيمان الذي يحيي الضمير الإنساني ويقذف فيه البصيرة لمعرفة الحق واتباعه والالتزام به، وقد كان هذا دور رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام، حيث نجح في إزالة غشاوة الجاهلية عن ضمائر العرب الذين آمنوا به وحرر نفوسهم من النزعات الضالة التي سيطرت عليهم، وعندما سرى نور الإيمان في كيانهم تغيّرت نظرتهم للحياة، وأصبحوا يعون دورهم والأمانة التي كلفوا بها لتحقيق الاستخلاف الإلهي في الأرض وحمل الرسالة للناس جميعًا، وهذا هو سر النقلة التي حدثت في حياة العرب ما بعد الإسلام.

حينما يفقد الإنسان يقظة الضمير والقوى النفسية التي تجعله يرتقي بنفسه وبمجتمعه، فإنه سيلجأ لإرضاء الباطل، وسيتقبله نظامًا لحياته وتتغلب عليه شهواته، وبذلك يرى نفسه ضعيفًا أمام مختلف تحديات الحياة، وبالتالي لن يقدر على حمل أعباء الرسالة، ولن يقدر من تغيير سلوكياته أو يكون مؤهّلًا لتغيير واقعه والنهوض به، ولنصل لهذه اليقظة في ضمائرنا فإن علينا تفعيل أدوات بناء المجتمع والنهوض الجديد.

القدوة الصالحة وغرسُ القيم في النفوس

عاش رسول الله صلى الله عليه سلم بالقرآن ومن أجل تحقيق مبادئه في واقع الحياة، وقد كان صلى الله عليه وسلم قدوة للصحابة في كل شيء، فكانت أخلاقه القرآن، يمشي بين الناس يلتزم بأحكامه ويأتمر بأمره وينتهي بنهيه مُلتزمًا بتعاليمه، ثابتًا على الحق راسخًا به، ولا أدلّ على ذلك شيء أكثر مما قاله رسول الله عليه الصلاة والسلام عندما حاولت قريش مُداهنته وإيقافه عن دعوته والضغط عليه عن طريق طلب ذلك من عمه الذي يَكفله: (يَا عَم ، وَاَللهِ لَوْ وَضَعُوا الشمْسَ فِي يَمِينِي ، وَالْقَمَرَ فِي يَسَارِي عَلَى أَنْ أَتْرُكَ هَذَا الْأَمْرَ حَتى يُظْهِرَهُ اللهُ ، أَوْ أَهْلِكَ فِيهِ ، مَا تَرَكْتُهُ) [السيرة النبوية (ابن هشام)، (ج1/  266). ] إنها قوة الثبات على الحق والتضحية من أجله مهما حاولت الأطراف الأخرى تهوينه عن طريق تهديد أصحابه الداعين له ومُحاولة قمعهم وإغرائهم وتشويههم والكيد لهم ومُداهنتهم.

لقد كان صلى الله عليه وسلم وما زال وسيبقى إلى نهاية الحياة النموذج الذي يُقتدى به في فهم القرآن ومُختلف شؤون الحياة، وهذا عين ما نحتاجه اليوم في مُجتمعاتنا، أي أن يكون الدعاة والعلماء والمُصلحون عاملين ومُجتهدين قُدوة حقيقية للمجتمع المسلم، فيؤثرون في حياة الناس ويُظهرون لهم أخلاق الإسلام ومبادئه في سلوكياتهم وأقوالهم وقراراتهم، ولا يخافون في الله لومة لائم، ولا يُداهنون الظالمين والمُستبدين والمُفسدين من حكام ومسؤولين في مُختلف المجالات، بل يكون هدفهم نصرة الحق والالتزام به ودعوة الناس له وتبيينه لهم مع مُعادات الفساد والباطل ومُقاومته.

من الواضح أن من أشدّ ما نعانيه في زماننا هذا هو غياب القدوة الحقّة من ناحية، وارتكاس كثير ممن تصدر للدعوة والتعليم الشرعي من ناحية أخرى، بل ربما يحق لنا القول: إن ما نعيشه اليوم هو فرع عن أزمة القُدوة، حيث أصبح عامة المُسلمين لا يثقون في مُفكريهم وعلمائهم ودُعاتهم، بل كيف يكون ذلك وأغلبهم يقف مع مصالح الطغاة، يفتون بما يوافق أهواءهم ويُنسي الناس جرائمهم، ويسكتون عن ظُلمهم وغيهم ويُحلون ما حرم الله ويُحرمون ما أحله الله، حتى أصبحنا نرى منهم من يُبارك للتطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب لأرض فلسطين المسلمة، ويراه تحقيقًا للمصالح الاقتصادية وسبيلاً إلى السلام والتسامح الذي يأمر به الإسلام!!

ومن هنا ابتعد عامة المُسلمين عنهم، لا يسمعون لهم ولا يتبعون أوامرهم ولا يثقون فيهم، حتى أصبح الفرد منا يشعر بأن الدين أصبح تجارة دنيوية يتخذها البعض من أجل الشهرة وكسب المال زنيل الترف وتحقيق المصالح الدنيوية، ومع غياب الإخلاص والصدق في العمل وإصلاح مُجتمعاتنا، ترك ذلك كله أثرًا سلبيّا في حياة الأفراد الذين فقدوا الأمل في التغيير واستسلموا لواقعهم ورضوا به ولم يجدوا من يُوقظ ضمائرهم من جديد ويُعيد إشعال نور الإيمان المُنطفئ داخلهم.

إننا نحتاج اليوم إلى أفراد يأخذون بزمام المُبادرة ويقتحمون مُعترك الحياة وهم واثقون بدينهم ومُلتزمين به ويُقدمون الحلول البديلة لمشاكل مُجتمعاتهم على أن يكونوا هم البادئين بالعمل وبالالتزام بما يقترحونه من أفكار وبدائل وأن يكون هدفهم إيقاظ الهمم وإحياء الضمائر وإزالة غبار الجهل والجمود والتخلف عن نفوس باقي أفراد المُجتمع وليُحافظوا في ذلك على صدقهم وإخلاصهم لربهم ولدينهم، وإذا لم تنهض فئة منا من أجل إحداث تجديد داخل المُجتمع بالعودة لنبع الإسلام الصافي وإيجاد القدوة الصالحة فسنبقى في سُباتنا ونومنا ولن يتغير واقعنا.

من هو القدوة؟

من مشاكلنا اليوم أننا نعيش انفصالاً بين ما نؤمن به من مبادئ وقيم وبين ممارساتنا اليومية، فتجد الواحد منا ملتزمًا بصلاته داخل المسجد مُحافظًا على أوراده من الأذكار والقرآن وقد تراه خاشعًا لربه ولكن ما إن يغادر المسجد حتى يبدأ بأذية الناس بكلامه وبأفعاله، ويُبيح لنفسه المال الحرام، ويمتنع عن بذل المال في أوجه الخير رغم قدرته على ذلك، فمثل هؤلاء الأشخاص سيتركون أثرًا سلبيا داخل المجتمع، ويجعلون الآخرين يظنون أن المشكل في الإسلام لا في المسلمين الذين لا يطبقونه، فلا بد لنا من العمل على تصحيح أعمالنا وأن نُقيم حياتنا كما يُحبها الله أن تكون عن طريق مراجعة النفس وتزكيتها وتربيتها على الالتزام بدينها أينما كانت.

ليس بالضرورة أن تكون القدوة المُؤثرة من العلماء والدعاة بل يُمكن أن يُمثلها كل فرد مؤمن صادق يجعل نفسه قدوة لغيره ولمن حوله من أهله ومن أصدقائه ومن يتعامل معه عن طريق إظهار أخلاق الإسلام في حياته اليومية، فيكون صادقًا في كلامه، مُخلصًا في عمله، مُوفيًا بوعوده، مُلتزمًا بآداب دينه، فلا يسرق ولا يغش، ولا يخدع ولا يخون أحدًا، وبالتالي يستطيع كل واحد منا أن يُصبح مُؤثرًا في بيئته التي يعيش فيها كل حسب قُدرته واجتهاده.

إن السياسي الصادق والمُتمسك بدينه والمخلص له مع حرصه المُتواصل في تحقيق مصالح مُجتمعه ومُحاربة الفساد داخله سيكون قدوة لغيره من الساسة ومن أبناء مُجتمعه، وكذلك المُوظف النزيه المُجتهد والمُتقن لعمله الرافض لكل مظاهر الفساد في مؤسسته سيكون قدوة لزُملائه في العمل، والمُعلم الذي يبذل أقصى جهده والمُستشعر لقيمة الأمانة في تربية الناشئة وصقل مواهبهم وتطوير معارفهم العلمية سيكون قُدوة لمن حوله ولتلاميذه، والأب والأم المتمسكين بتطبيق تعاليم دينهم والباذلين لأقصى جهدهم في تعلم فنون التربية من أجل إنشاء جيل صالح سيكونون قُدوة لأبنائهم ولمن حولهم من الآباء والأمهات، وهكذا، فكل مسؤول أو راعٍ يجب أن يكون قدوة لمن يليه من الناس.

دور القرآن الكريم في حياتنا

بالقرآن نهتدي ونبدأ بناء طريقنا في النهضة، هذا ما يمكن البدء به في التعرّف لدور القرآن في حياتنا، إذ إننا لا يُمكن لنا إيجاد القدوات وبناء الإنسان المُصلح والمُؤثر داخل مُجتمعاتنا إلا عن طريق العامل الذي ينشئه والمُتمثل في القرآن الكريم، ومن ثمّ فإنه بجب علينا الانشغال به وفهم آياته وتدبرها والعمل بها، وهنا يظهر سر التغيير الذي أحدثه القرآن في المسلمين الأوائل من الصحابة والتابعين، فقد تأثروا به وغيّروا به من أنفسهم ونهضوا به وغيروا مجرى التاريخ به وبنوا حضارتهم به، فلماذا لم ننجح نحن مع أن القرآن هو هو ذاته، محفوظ من التحريف والتبديل؟

السر هنا يكمن في كيفية التعامل مع كتاب ربنا، ومن ثم فإن علينا أن نتعرف إلى حقيقة علاقتنا بالقرآن، لنرى إن كنا نُعطي أولوية له في أوقاتنا وساعات يومنا، فنخصص له وقتًا يوميا لمراجعته وتدبر آياته وفهمها؟ وهل نَحْتَكم إلى قوانينه ومبادئه وقيمه في تعاملاتنا اليومية؟

إن الإجابة واضحة للغاية، فقد أهملنا فقه العمل بكتاب الله، وضعفت علاقتنا به، فكانت النتيجة عموم الفوضى وتصاعد التخلف والضياع، وقد ذكرنا رسول الله عليه الصلاة والسلام بضرورة التمسك بالكتاب والعمل به وجعله منهاج حياتنا حتى نُحافظ على كيان مُجتمعاتنا وبقائها في الريادة، فَعَنْ أَبِي شُرَيْحٍ الْخُزَاعِي قَالَ : (خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ فَقَالَ : أَبْشِرُوا أَبْشِرُوا أَلَيْسَ تَشْهَدُونَ أَنْ لَا إلَهَ إلا اللهُ وَأَني رَسُولُ اللهِ ؟ قَالُوا : نَعَمْ ، قَالَ : فَإِن هَذَا الْقُرْآنَ سَبَبٌ طَرَفُهُ بِيَدِ اللهِ وَطَرَفُهُ بِأَيْدِيكُمْ فَتَمَسكُوا بِهِ ، فَإِنكُمْ لَنْ تَضِلوا وَلَنْ تَهْلِكُوا بَعْدَهُ أَبَدًا) [صحيح ابن حبان]

إن أول ما نحتاجه في منهج التعامل مع القرآن أن نستشعر به كأنه نزل علينا لتوّه، فهو كلام الله الموجه لنا، وأن نوقن بأن رب العالمين يُخاطبنا به ويُوجهنا به في مُعترك الحياة ويرسم لنا من خلاله طريق النجاح والتفوق، فيجب علينا إذًا أن نقبل على آياته آية آية مُحاولين تدبرها وفهم المُراد منها ومُجاهدة النفس بالإلتزام بتعاليمه ومُحاولة تربيتها على قيمه.

بالقرآن يُمكننا اكتشاف بواطن نفوسنا عن طريق عرضها على آياته وإصلاح عيوبها والانشغال بتزكيتها وتطهيرها من مختلف أسقام التخلف والكسل والجمود التي أصابتنا، وبالقرآن نتعرف على دورنا في الحياة وما علينا فعله من أجل تحقيق الخلافة في الأرض وإقامة العدل والمساواة فيها، وبالقرآن نتعرف على طبيعة علاقاتنا بمن حولنا وكيفية التعامل معهم من مسلمين وغير مسلمين ومن مُسالمين ومن مُحاربين لنا، وبالقرآن نتعرف عل ربنا ونتعلم مبدأ الطاعة المطلقة له وكيفية إقامة حياتنا كما يُحبها سُبحانه وتعالى أن تكون، وبالقرآن نتعرف على حقوقنا وواجباتنا في الحياة وكيفية الموازنة بينها ونتعرف أيضًا على حرياتنا وحدودها، فالقرآن منهج حياة كامل تنهض به الأمة جميعها إذا أقبلت عليه بصدق وأخلصت لربها في تعاملها معه.

إن الواجب علينا هو البدء بتدبر القرآن وألّا نُبرر سوء علاقتنا به بسبب قلة زادنا العلمي، فلنا الاستعانة بكتب التفسير المُتاحة للجميع، وأن نبحث في صفحاتها لفهم آيات كتاب ربنا وتعلّمها، ومن ثم يُصبح كل واحد فينا –رويدًا رويدًا- على علم ودراية بكلام الله وآياته، وبذلك تتطبّع النفس على فهمه والالتزام بقيمه، ومن ثم سنرى أثر التغيير في حياتنا اليومية، فالقرآن الكريم ليس لغزًا.. وما علينا إلا أن نقبل عليه وننهل من علومه وحِكمه ونستجيب لمبادئه.

 

 

الصورة الرئيسية لمقال الصدمة الحضارية

رويدا رويدا.. لا تنصدم حضاريا!

لا شك أن الإنسان أياً كان جنسه أو بيئته أو انتماؤه يَنشُد العيش في مجتمع تكون القيم الحضارية فيه من عدالة وحرية وكرامة للإنسان محميةً مرعيةً لها مركزيتها وأولويتها في الدائرة التي يعيشها، إضافة إلى تطلّعه الدائم لحياة أفضل وظروف معيشة مريحة ونمط منظّم.

ولعل جميعنا من المعجبين أشد الإعجاب بكل قيمة حضارية مطبقة أو تقدم تقني حاصل وصل إليه من كان، أينما كان، وليس هدف الكلام -في هذا المقال- إنكار أو تبخيس النموذج الحضاري الذي يتصدر المشهد في العصر الحديث، إنما يستعرض سريعاً ما قد يجنّبنا التسرع في الحكم على الحالة الحضارية التي يقدمها منسوبوها على أنها النموذج الأمثل للعيش.

لا شك بالإطار العام أن الدول التي يطلق عليها وصف (العالم المتحضر) في هذا العصر يقدمون القِيم -كالعدالة والحرية والكرامة الإنسانية والسعي المستمر للحياة الأفضل- على أنّها أهم أولوياتهم، لكن مع غض النظر عن تفنيد المعنى المتصور عندهم للقيمة الحضارية أو حدود تطبيقها التي قد تنفلت أحيانا من ضوابط عقلية وأخلاقية محددة، أو أولويات تطبيقها التي قد تَضعُف في العديد من القضايا، خاصة عندما تتعلق بأفراد من المناطق البعيدة عن مراكز التحضر! -وأقصد المعنى العملي للكلمة وليس المعنى القاموسي المدون في تنظيراتهم وفلسفاتهم-.

بغض النظر عن ذلك كله، فإن علينا التحري أكثر عن هذه الحضارة التي تصدم زوّارها حتى لا يكاد إنسان يخلو من لوثة “الانصدام” إلا القليل ممن نظروا ملياً وتمهّلوا قبل أن يعاجلهم الانبهار فيصوغ نظرتهم ونظريتهم حول الحضارة والتحضر!

مرض الصدمة الحضارية

بدايةً إن أهم ما ينبغي التركيز عليه حول الحاصل عند مصدومي الحضارة أن تقييم الحالة الحضارية عندهم ينطلق من تحسس الحلقة الزمانية الأقرب إلينا في تجربة الحضارة الغربية، ثم يضربون صفحاً عن سياقها التاريخي وحلقاتها السابقة التي ضحى فيها الإنسان “المتحضر” بقدر متزايد من القيم، يتناسب طرداً مع حجم المكاسب والمغانم التي سيحصل عيها في تلك البلاد التي قصدها احتلالاً واستغلالاً ونهباً لثرواتها ومقدراتها، فكانت الحملات والحروب العسكرية المباشرة، ثم تبعتها حروب الوكالة ودعم الديكتاتوريات والأنظمة القمعية مع تأمين الغطاء العسكري والاقتصادي والسياسي لمستلزمات هذه الحروب حسب متطلباتها، والأمثلة أكثر من أن تذكر في هذا السياق وهي لا تبدأ بإبادة السكان الأصليين في طرفي العالم المعاصر.

مروراً بأفعال وسياسات الأنظمة الغربية المعاصرة في القرن المنصرم، مما أفاض به على سبيل المثال الكاتب البريطاني المعروف روبرت فيسك لما عاصره بنفسه من أحداث في مجلداته الثلاثة التي جمعها في كتابه (الحرب الكبرى تحت ذريعة الحضارة) والتي يعبر عنوانه عن مضمونه بشكل جليّ، وليس انتهاءً بما شهدناه بأعيننا في السنوات العشر الأخيرة من ازدواجية فظَّة مارستها الدول المتحضرة في ملفات منطقتنا الساخنة.

يظن مرضى الصدمة الحضارية أن المنتَج الحضاري حكرٌ على الدول الموسومة بالتحضر وكأن خامة عقول أبناء المجتمعات الحضارية تفوق نظيراتها في المجتمعات الخارجة عن هذا التصنيف!

ماهية المنتَج الحضاري

إن المنتج الحضاري في كل حضارة سائدة أو بائدة هو منتَج العقل الإنساني بعمومه عبر الحضارات المتناوبة، وهو تراكم لما أنتجته الحضارة الإنسانية على مر العصور، فهو لا يحمل ختم البقعة الجغرافية المنتجة له وإنما يحمل ختم الإنسان المعمَر آلاف السنين على اختلاف هويته ولونه وتنقلاته!.

ألا نرى أن مراكز البحث حول العالم تمثل نماذج لافتة لاجتماع العقول والأعراق والانتماءات والثقافات تحت سقف واحد؟ فمراكز البحث الكبرى ومصانع المادة الحضارية من علوم إنسانية أو تقنية أو ثقافية …إلخ المتمركزة في الدول المتقدمة ليست إلا حاضنةً لهذه العقول ومراكز استقطاب لها من شتى بلدان العالم المتحضر والنامي على حد سواء، ويُبذل في سبيل ذلك الاستقطاب ما تجاوز في حالات شتى السعي لاستقدامهم أو الاحتفاظ بهم بل تعداه لتصفيتهم عند إصرارهم على عودتهم إلى بلدانهم التي تقع خارج دائرة العالم المتحضر!

لعل غياب البديل الحضاري أو السعي لتغييبه وتشويهه في عصر العولمة والقطب الواحد قطع الطريق على عقد المقارنة بين نموذجين مختلفين لإدارة المجتمع البشري بحيث تُظهر لنا هذه المقارنة عَوَرَ أو تميز أي من النموذجين على حساب الآخر، بل أخذ بعض مرضى الصدمة الحضارية بسذاجة استحضار قوالبٍ من الماضي ثم إسقاطها على معطيات حياتية محدثة فوجد أن هذه القوالب لا تستطيع التعامل مع المستجدات! فخَلَصَ إلى أنه لا شيء يصلح لإدارة العالم سوى الطرح الحالي! وهذا قصور في النظر من عدة زوايا نحتاج شرحه في غير هذا السياق.

لا شك أن مسحة الإعجاب التي تمس زوار الدول المتحضرة لها ما يبررها، وحقٌ هو إبداء الإعجاب بكل ما هو حضاري، لكن الذي لا نجد له مبرراً عند البعض استفحال الحالة المَرضية حتى تتجاوزَ به الإعجابَ بمظاهر التحضر التي يعيشها إلى نسف التجارب الحضارية السالفة وقد تجلّت فيها القيم الحضارية بأبهى معانيها وأعظم تطبيقاتها وشهد بذلك أعلامٌ من رواد الحضارة التي أخذت بلبِّ الرجل، وذلك فقط لأن صاحبنا انتقى -مع اطلاعه الضحل على التاريخ- مشاهد مسيئة وأحداث مشينة مرت بها تلك الحقب، وهي التي تكاد لا تخلو منها تجربة إنسانية.

ولو أنه كال التجربتين بنفس المكيال لعادت عافيته إليه ووضع الأمور في نصابها الحقيقي. ولكنه انتقى من مشاهداته السطحية لصور التحضر أفضلها وجعلها معبرة عن التجربة الحضارية الحالية ناطقة باسمها! ثم انتقى من اطلاعاته التاريخية المحدودة أسوأ الصور وجعلها معبرة عن تلك المرحلة ناطقة باسمها!

ختام القول

ليس الكلام السابق تبخيسًا لتطور حاصل وتقدم ملموس في مجالات شتى فيما يسمى بـ (العالم المتحضر) ولكنه دعوة للتحرر من هذه النظرة الأنانية والتي تتبلور من منطلق أن الحضارة الحالية جعلت حياتنا أكثر سهولة وأكثر رفاهاً، كالمأخوذ بجمال قَصرٍ يقطنه؛ إذ فيه من الرفاهيات والـمُشتهيات ما يُنسيه النظر في مقدمات إشادته: كيف؟ وأين؟ ومن أين؟

إنه اجتزاءٌ للمربع الجميل من الصورة المركبة ثم إطلاق الحكم على كامل الصورة!

 

لا قيمة للحضارة بدون أخلاق

إذا أردت أن تعرف ما لمجتمعٍ من المكارم والعلو والعظمة فانظر إلى موقع الأخلاق في تشريعه وفي قلوب أفراده، فإن كان قوام تشريعه لا يولي أية قيمة للأخلاق ولا يحث على حسنها ولا ينهى عن سيئها فتلك أمة قد غرقت في المادية حتى خمرت، أما إن كان قرين تشريعه المنظومة الأخلاقية، فلا ينظر إلى عمل أحدهم حتى يكون سليم القلب طاهر الصدر لا يحمل حقداً ولا حسداً ولا عجباً ولا كبراً فتلك الأمة التي قد سمت وارتقت حتى بلغ أهلها المكرمات جميعها.

وإذا أردت أن تصل إلى درجة اليقين فيما نقول، فيكفي أن ننظر إلى أمة قد أمر أتباعها بأن يريحوا الذبيحة حين الذبح بأن تكون أداة الذبح حادةً بما يكفي كي لا تتألم قبل أن تموت! ثم لتقف لحظةً: ما الموضوع؟ إنه الذبح، وما الأمر؟ أن تكون أداة الذبح حادة، وما الغرض؟ أن تراح الذبيحة! ثم الأمر الآخر بألا يكون الذبح أمام باقي المراد ذبحهم! فهي تشعر كما نشعر فينبغي علينا أن نراعي شعورها، هذا كله وأنت تذبح فما بالك إذا جئت إلى تلك الأوامر التي توصي بألا تحمّل المواشي فوق طاقتها وأن تطعمها وتسقيها وألا تفجع أما بولدها وأن تنظر لها بعين الرحمة لا بعين القسوة.

ثم قارن مع أمةٍ أخرى قد صارت قلوب أتباعها كالحجارة أو أشد قسوة، وقد أصبحوا يلهثون وراء أهوائهم وشهواتهم دون أن يعودوا إلى ضمائرهم، فيفعلون ما يشتهون وإن ألحق فعلهم ضرراً بالغاً بما خلق الله، فلا مانع لديهم من أن يضعوا السمك الحي في الزيت المغلي ويتركونه وهو يتعذب ويتمزق قبل أن يموت أثناء مضغهم إياه، كل ذلك فقط لأنه يكون طازجاً لذيذاً إذا تم قليه وهو على قيد الحياة! ثم لا يمانعون أن يمزقوا أجساد الماعز ويقلعون صوفها بأمشاطٍ معدنية حادةٍ قاسيةٍ تاركين هذه الحيوانات بجراحٍ مفتوحة دون أدنى رعاية طبية أو رحمة إنسانية، وأحياناً يسكب على جراحها الكحول الحارق، وأحياناً يضرب العمال رؤوسها بالمطارق الحديدية لكي تُصرع، وأحياناً أخرى تجر الماعز إلى المسالخ من رجلٍ واحدةٍ قبل أن تشق حناجرها أمام بقية الحيوانات، كل ذلك لأجل بيعها بأسعارٍ باهظةٍ، وهذا ما كشفته منظمة “بيتا” المدافعة عن الحيوانات مؤخراً وما خفي أعظم!

هذه مقارنة سريعة عن الطريقة التي تعامل بها الحيوانات بين أمة تولي للأخلاق أهمية بل تعطي كل الأهمية للأخلاق وبين أمة لا يهمها سوى المادية والربح والأهواء.

ولننتقل إلى عالمنا ولنمدك بمقارناتٍ أخرى، فهذان أبوان صار ولداهما بعمر الخامسة عشر فلم يجدوا في أنفسهم حرجاً من أن يقطعوا عنهم مصروفهم آمرين إياهم بالذهاب إلى العمل، أي عمل! لكي يحصلوا على النقود ويصرفوا على أنفسهم فوالديهم لم يعودا يعترفان عليهم! بينما هذان أبوان آخران يصرفان على ولديهما ويحاولان أن يؤمنا لهما احتياجاتهما ولو على حساب أنفسهما فهم يعلمان أن ذلك هو حق ولديهما عليهما وليس تفضلاً من عند أنفسهم!

وعلى الصعيد المقابل، فهذان ابنان قد وصل الأمر بهما إلى المحاكم لتحكم بينهما ولتفض خلافهما، وما خلافهما إلا بادعاء كل واحدٍ منهما بأحقيته بأن يرعى أمه في بيته! في الوقت الذي تلقى فيه أمهات أقوام أخرين على قارعة الطريق.

والحديث في المقارنات يطول ويتسع وكي لا ينحرف المقال عن الهدف الذي وضع له سنقتصر على ما ذكر، ونأتي الآن إلى حديث نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، الذي أخبره الله عز وجل أن الغرض من الخلق هو العبادة {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} [الذاريات: 56] ولكنه مع ذلك لم يعطي الأفضلية للأكثر عبادةً أو للصائم نهاره القائم ليله، أو لذاك الذي لا تفوته دقيقة إلا ويكون ذاكراً لله فيها، بل أعطاها للذي يكون رحيماً ودوداً ليناً مع الخلق متمنياً لهم الخير والبركة لا يحمل في صدره شيء على أحد صانعاً للمعروف أينما حل أو ارتحل، فأعلنها ميزاناً لمن أراد أن يزن أعماله ويعلم مدى قربه من الله إذ قال: “إن خياركم أحاسنكم أخلاقاً” [رواه الشيخان]

ولأن هذا الحديث يحمل أصلاً عظيماً من أصول الدين فسنعقبه بما قال فيه العلماء، بدءاً من الإمام النووي: “فيه الحث على حسن الخلق، وبيان فضيلة صاحبه، وهو صفة أنبياء الله وأوليائه”.

وقال الحسن البصري واصفاً جوهر الخلق الحسن: “حقيقة حسن الخلق بذل المعروف، وكف الأذى، وطلاقة الوجه”

أما القاضي عياض فشرح الخلق الحسن قائلاً: “هو مخالطة الناس بالجميل والبِشر، والتودد لهم، والإشفاق عليهم، واحتمالهم، والحلم عنهم، والصبر عليهم في المكاره، وترك الكبر والاستطالة عليهم، ومجانبة الغلظ والغضب والمؤاخذة”.

وإليك قصة تبين لك مكانة الخلق الحسن في قلوب المسلمين: “عن أم الدرداء قالت: قام أبو الدرداء ليلة يصلي، فجعل يبكي ويقول: اللهم! أحسنت خَلقي فحسن خُلقي، حتى أصبح.

فقلت: يا أبا الدرداء! ما كان دعاؤك منذ الليلة إلا في حسن الخلق.

فقال: يا أم الدرداء! إن العبد المسلم يحسن خلقه حتى يدخله حسن خلقه الجنة، ويسيء خلقه حتى يدخله سوء خلقه النار، والعبد المسلم يغفر له وهو نائم.

قلت: يا أبا الدرداء! كيف يغفر له وهو نائم؟

قال: يقوم أخوه من الليل فيجتهد فيدعو الله عز وجل، فيستجيب له، ويدعو لأخيه فيستجيب له فيه” [الأدب المفرد: 82].

وهذا الفرق بين أمة قد قال الله في اتباعها: {كنتم خير أمة أخرجت للناس، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر، وتؤمنون بالله} [آل عمران: 110].

وبين أمم قد قال الله في اتباعهم موجهاً خطابه لنبيه محمد عليه الصلاة والسلام: {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه، وأضله الله على علمٍ، وختم على سمعه وقلبه، وجعل على بصره غشاوة، فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون؟} [الجاثية: 23].