تناقضات الحركات الإسلامية في سورية وردة الفعل المجتمعية
ماهي أعظم ميزة تميز بها الإسلام عن غيره من الديانات السماوية؟ يقول الشيخ محمد الغزالي رحمه الله في كتابه ظلام من الغرب: “إن الله في شريعة الإسلام قد جعل للعقل السلطان الأعلى في فهم احكام النصوص المنزلة، وفي استنباط احكام لما لم ينزل به نص خاص صريح لا في كتاب الله ولا في سنة رسول الله.
وهذا العقل الذي أمرنا الله في آيات كثيرة أن نحتكم إليه عند جدلنا بين أنفسنا في معركة الشك واليقين، وفي جدلنا مع غيرنا من المخالفين، يشمل بسلطانه كل معنى في الوجود ابتداءً من أتفه الأشياء كإماطة الأذى عن الطريق، إلى أعظم معنى في الوجود وهو الألوهية والوحدانية.
إن السلطان العقلي المطلق الذي أمرنا الله أن نحتكم إليه، ليس معناه أن يحتكم كل فرد إلى عقله، فالعقول تختلف قوةً وضعفاً، فتصيب وتخطئ، ولكن معناه أن نحتكم إلى الأحكام العقلية القاطعة التي تتفق عليها العقول السليمة …. كل العقول السليمة اتفاقاً عاماً لا خلاف فيه”.
نعم هذا ما يميز الإسلام عن غيره من الديانات السماوية فكل الأمور في الإسلام قابلة للنقاش ضمن قدرة العقل البشري على التفكير والوصول إلى الإيمان بالله.
لكن في سورية حتى العقل لم يعد له دور كبير في مسألة الإيمان مع بروز التَّيارات والحركات الإسلامية التي تدّعي تطبيق شرع الله، ونصرة الدين، ومحاربة الكفار، وإقامة الدولة الإسلامية على المنهج الصحيح، وانقسام المجتمع إلى مسلمين وكفار ومرتدين.
لكن من هم المسلمون، ومن هم الكفار، ومن هم المرتدون حسب تصنيفات هذه الحركات والتيارات؟
المسلم: هو كل شخص أو مجموعة اتّبعت أو أيدت أو ناصرت بالقول أو الفعل أو حتى العيش في مناطق سيطرة هذه الحركة أو تلك.
والكافر: كل من كفر بالله.
والمرتد: كل من خالف المسلمين المزعومين أصحاب الإمارة والشَّوكة، ومعتقداتهم، ورضي بالتبعية لأهل الكفر والألحاد.
الصراع من الفكر إلى القتال
لم يكن الصراع بين هذه الحركات والفئات فكرياً، بل تحول إلى صراعٍ عسكري مرير راح ضحيته الكثير، والكل يعتقد ويروج لمشروعه على أنّه حق، وذاهبٌ للجنّة.
وهنا لا بدّ أن نسأل سؤالاً آخر وهو: هل كان التّدين حقيقياً في المجتمع؟
المتابع لواقع المجتمع على الأرض يرى حجم التَّناقض الكبير الذي يعيشه المجتمع، فعموم المجتمع كان يُسلِّم للأقوى ويطبّق ما جاء به من تعاليم جديدة، وفي كثير من الحالات لا يبدي أيّ ردة فعل تجاه القضايا التي من المفترض أنّها تخالف ما اعتقد به وما تربَّى عليه وتعلمه. قد يُبرّر هذا الفعل بفعل العنف الذي تمارسه السُّلطة التي تحكم باسم الدّين، والممارسات القمعية التي تنتهجها السلطة.
ساهمت هذه الحركات بتحول المجتمع شكليّاً إلى مجتمع متدين من خلال القوّة والانتصارات على الأرض على “الكفار” والخطاب الدّيني الذي يتحدث عن أحداث ربما ليس أوانها مثل معركة مرج دابق وكثرة الفتن وانقسام الناس إلى فرقٍ وما إلى ذلك.
مع انحسار هذه الحركات وهزائمها التي ربطتها كما أسلفنا بالدين أحدث ردّة فعل كبيرة عند الشريحة التي كانت تؤمن بهذه الادّعاءات، ومما ساعد أيضاً على ردة الفعل عن الدين عدة أمور أخرى منها:
١-الخطاب الديني لدُعاة لا يملكون العلم ولا المعرفة الكافية بتأويل النّصوص والأخذ بظاهرها، وتفسير النصوص وفق هواهم ووفق ما تفتضيه مصلحة جماعته.
٢-جهل الكثير من الشعب بأمور دينهم، واقتصار الدّين عندهم على طقوس تعبديّة شكليّة.
٣-كثرة القتل والدّمار الذي حلّ بالمجتمع والعجز عن فعل أيّ شيء لوقف آلة القتل.
٤-الصِّراعات المسلحة بين التّيارات الإسلامية فكلّ حركة تعتقد أنّها على حقّ.
٥-قوّة الأطراف غير الإسلامية ونجاحها بالسّيطرة على مناطق شاسعة، وتحالفهم مع التّيارات العلمانية التي تشجع على البعد عن الدين.
٦-سهولة الحصول على المعلومات وتنوعها، وعدم وجود مرجعيّة دينية موثوقة يمكن الرجوع إليها في ظل الطّعن بكل المرجعيات.
وفي ظل هذه الصّورة نطرح سؤالا آخر، هل المجتمع قادر على العودة؟
إن ما حدث في المجتمع أمر عظيم وآثاره بدأت بالظهور، وإن لم يكن بشكل واضح نتيجة للعادات التي فرضها المجتمع.
ونتيجة للتناقضات التي أحدثتها التيارات الإسلامية الموجودة على الساحة السورية، والنقاشات والجدل الذي حصل، وانكشاف معظم التيارات التي تستخدم الدين وسيلة لتحقيق مصالحها، ظهر تيار استغل هذه الأمور وانطلق منها معتمداً على العقل في توعية المجتمع، وفضح مغالطات التيارات سابقة الذكر.
هذا التيار الجديد ما يزال صغيراً ويعمل بكل جد وأنصاره بازدياد، لكن نتائج وثمار عمله قد تستغرق وقتاً حتى تظهر، وذلك لسببين هما:
- عدم وجود الاستقرار، وعدم القدرة للوصول إلى كل أطياف المجتمع.
- انطلاق هذا التيار من فكرة (عقيدة) واضحة، وفئة من المجتمع مؤمنة بهذه الفكرة، ولكنها تفتقر للمرجعية والقيادة الصالحة (السلطة) لدعم هذه الفكرة.