هل العشرينات محطة التنازلات؟
إن مرحلة العشرينات أو ما يُطلق عليها بأزمة ربع العمر -والتي يمكن حصرها بالفئة العمرية ما بين سن [20-35]، وقد يحصرها بعض الباحثين في غير هذا-، اخترناها محورَ حديثنا في هذا المقال لأهمية هذه المرحلة العمرية من حياة الإنسان، فهذه المرحلة العمرية يرجو الوصولَ إليها الصغير، ويتمنى العودةَ إليها الكبير. فهي -كما يُطلق عليها أو تُحسب كذلك- المرحلة الفاصلة الحاسمة في مراحل الشخص الحيوية، وعلى رحى هذه المرحلة سنطلق العِنان لقلمِنا فيجري بنا فيما ينبثق عنها من جميلٍ وقبيحٍ، وخطأٍ وصحيحٍ، في شتى أشياء.
وكما يشير عنوان مقالنا (هل العشرينات محطة التنازلات؟)، فإننا ارتأينا التوقف قليلًا عند هذه المحطة وهذه التنازلات أوّلًا، ثم نتدرّج في الحديث عمّا رسمناه.
أحلام الصبا
إن الطفل منذ صغره؛ تجده يرجو بلوغ مرحلة العشرينات، ويمنّي النفس بذلك، لعله إذا بلغها، سنح له عامل السن والشباب تحقيق جل أحلامه، وإنجاز صفوِ طموحاته، فحتى إذا حققها، عاش في رغدٍ وتفاخرَ بين أقرانه، فغبطه الناس، وحسده حسَّاده. حتى لتجد الطفل أو المراهق وبأمله الدّافق، ما ترك من حُلمٍ شاهِق ومطمحٍ سامِق إلا واصطفاه، وجعله هدفًا له يسعى لتحقيقه والوصول إليه.
فإذا بلغ هذه المرحلة وتوغل فيها، اصطدم بما لم يكن في الحسبان، فالواقع ليس كالتوقع، والبيئة لا تسمح، وتهكم الناس يؤذي النفس ويتعبها، والعتاب من الأهل والزوج داخل البيت يعرقل الآمال. إن الشاب بعد بلوغه هذه المرحلة، يصبح كثير التأوه، يتمنى العودة إلى أيام الطفولة والبراءة، حيث لم يكن كاهلاه مثقلان بمسؤولية أو محمّلان بالأمانات العظيمة، فجل ما كان عليه حاله القرب وملازمة أمّه ويديها الدافئتين.
حين يبلغ الشاب هذه المرحلة، تراه يتنازل عن أحلامٍ كثيرة وطموحاتٍ غزيرة، ولربما ودّعها بالأمل الخافت، فما عاد يطلب بعد ذاك غير راحة البال والسكينة، والاستقلال بعملٍ يدر عليه مالًا فيضمن له العيش الكريم، وبيت يسكن فيه، وحَلِيلَة يسكن إليها وتسكن إليه.
اغتنم ساعات الشباب
الجميل في مرحلة العشرينيات أن الشاب فيها يعيش زهرة عمره، وريعان شبابه، ورشاقة بدنه، والوقت وقته لاقتناص الفرص وتجديد الأمل وسُبُل العمل، فإن توقدت الهمّة وعلَت، فما فات ما فات، والخير كلّه آت.
أما إن كان لهذه المرحلة قبيح عراها، وامتطى زمامها فآذاها، فهو كثير، نذكر منه: أن الشاب قد يعيش ضغوطاتٍ كثيرة من مواقع شتى؛ فتؤثّر عليه وعلى نفسيته وصحته، ففي زمننا هذا نجد الشاب وعلى غير المتوقع لا يتحرج في القول بأن يقول إنه يعيش حالة اكتئاب وأزمة نفسية، فالمسألة صارت اعتيادية ومألوفة، بينما كانت في السابق عارًا ومحط سخرية.
احذر ضغط وسائل التواصل
إن الجديد بين الشباب الآن أنه منذ انتشار مواقع التواصل الاجتماعي أصبح الكثير من الشباب يعيشون أزمات نفسية وتقلّبات سريعة في المزاج والمشاعر، فتلفي الشاب لا يصفو باله إلا نادرا. فكيف لنفسية الشاب أن ترتاح وتهدأ عندما تتصفح موقعا إلكترونيا معينا فتشاهد مقطعا مضحكا ساخرا فيضحك الشاب، فيمرر إلى مقطع حزين كئيب فيحزن، فيمرر إلى مقطع محفز مرشد فيتحمس، ثم يمرر إلى مقطع يفيض بالانتقاص والتشاؤم فيتشاءم، فكيف -والحال هكذا-للمشاعر أن تهدأ إذًا؟.
إن معظم الشباب يعيش جميع الفصول في وقت واحد، فكيف له أن يرسو على ميناء واحد والعواصف ترميه بين مختلف الشطآن، وكيف له أن يقف عند حال واحدة وجل وقته يتنقل بين مختلف الأحوال، فكيف سيعطي لكلٍّ حقّه وتقديره؟.
إن ضغوطات مواقع التواصل الاجتماعي كثيرة وآثارها على الشباب جسيمة، فالشاب يسير بقدم تلي قدمًا نحو ما يرجوه ويأمله من القمم، فإذا به يشاهد مَن هو أصغر منه عمرا وربما قدرًا، قد بلغ سقف طموحاته، وهو هو على حاله، ما زال يسير في الدرب متعثرًا، كيف لنفسية هذا الشاب أن تحافظ على حماسها وتسير، وتصبر وتتعقّل، والشاب حينها يرى في عمره ذاك أنه الحاسم؟!.
يحيط الخوف من المستقبل بالشباب من كل جانب، وحتى المحيط الأسري تجده يمارس ضغطه كذلك. والزمان ليس كالزمان، والشاب كاهلاه مثقلتان بالأماني والمطالب التي يجب عليه تحقيقها، إن هذه الضغوطات على كثرتها تصيب الشاب بالعجز أحيانا والكسل، فترى كثيرا من الشباب قليلي الهمة وينأون بأنفسهم عن كلِّ مسؤولية تُحَمَّل إليهم.
احذر عواقب الخطأ
إذا ما عرَّجنا ناحية الأخطاء المفتعلة في هذه الفترة العمرية، فإننا نجدها بالجملة، ومنها: أننا نأتي الشاب ننظر إليه فنجده يسعى إلى المثالية في كل شيء، وهذا طامة كبرى، ومطمح جاف.
ولعلك تسأل -وأنت محق- لماذا؟ لأن الشاب بغفلته يسعى إلى أن يحصل على منزل مثالي وعمل مثالي والحبيب المثالي، وهذا ما لا يكون، ولن يكون. لأن النفس بطبيعتها لا تهدأ على حال، فكلما حصلت على شيء رأت ما هو أحسن منه فغبطت صاحبه وتمنَّته وحرضت صاحبها عليه. وبهذا تعوجّ النفوس ولا تستقيم، وتمرض القلوب وتختل الموازين، بعد أنْ جهِلَت أي منهجٍ في الحياة تُقيم، فتتشرد في الوجود وتنسى الحدود.
أما ما نراه صحيحا في هذه المرحلة وصوابا، هو ذاك الذي يغلِّق على هواه الأبواب، ويستعصم بمنهجٍ وثيق، ولا يتزحزح عنه ويسلك غيره طريق. فالصحيح فعل مَن تجنّب طلب المثالية، ورضي بما حباه الله وقدّره له، وسار في طلب العلا غير متكاسل.
وإننا وإن تأخر بنا القول، فخير ما يسلك الشاب أن يرى ما يفعل، لا ما قيل ويقال. فالشاب الذي يرنو بذكاء إلى حلمه، ويرضى بعمله وقوت يومه، ويطمئن في منزله، ويحب أهله وزوجه مع ما له من جميل وقبيح فيكون هو الحاضن والمقَوِّم لتلك المثالب، فهو على طريق الخير والسالك المتبع لأمر خير الأنبياء.
ختام القول
هنا نتوقف ونختم بالقول: إن مرحلة العشرينات وإن كانت محطة تنازلات كبيرة -كما يشير عنوان مقالنا-، إلا إنها زهرة العمر ومنبت الأمل. والفطِنُ الحاذق من طَوَّعَها لأجل ما يطمح من آمال ورامه من أحلام وأهداف. واللّه تعالى أعلم.
اترك رداً
Want to join the discussion?Feel free to contribute!