هل أتاك حديث الوهن؟
إنّ المرجع الأوّل والأساسي لكلّ مسلم لمعالجة واقعه وفهمه وإدارة التّغيير هو القرآن الكريم، الذي به تُحيَ القلوب وتُبنى العُقول ويُقوّمُ السّلوك العملي للفرد وللجماعة، فهو النّور الخالد الربّاني الذي يقود البشريّة الجمعاء للنّجاة في عصرٍ انتشرت فيه الظُّلمات والجاهليّة العمياء، واستفحل فيه الفساد القاتل لكلّ مظاهر الفطرة السّليمة والإنسانيّة، ومن اتّبع غير سبيله ظنًّا منه أنّ الإصلاح يكون في اتّباع مناهج بشريّة ضالّة فإنّه لا يخدعُ إلاّ نفسه، ولن يكون إلاّ مُتّبِعًا للأهواء وما تُمليه عليه شياطين الإنس والجنّ من إغواءات.
ومن بين آياته الخالدة التّي تصفُ لنا موضع الدّاء في حياتنا وكيفيّة علاجها نقرأ قوله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران: 139]، فالوهن هو من أخطر الأمراض المُستشرية فينا فخلّفت الجُمود والفساد والجهل داخل مُجتمعاتنا. فما هو مرض الوهن الذي نهانا الله عنه؟ وماهي مظاهره؟ وما هو سبيل العلاج منه؟!
أريد قبل ذلك الإشارة أنّ بعد بدايتي في كتابة هذا المقال بدأت معارك “طوفان الأقصى” من قبل المقاومة الفلسطينية في غزة، مما أشعل الأمل جديد في نهوضنا مرة أخرى، وتحرّر أرضنا، فعسى أن يكون ذلك بُشرى لطوفان التّغيير داخل أمّتنا الذي نمحو به مظاهر الضّعف والوهن، فأمّة الإسلام تضعف وتمرض لكنّها لا تموت ولا ينقطع الخير منها وستكون لها الغلبة والنّصر بإذن الله إذا أفاق المُسلم من غفلته وأخذ بأسباب التّمكين في الأرض ولنجعله طوفان الأقصى وطوفان النّهوض والانتصار!
الوهن ومظاهره
إذا بحثت في مُختلف المعاجم العربيّة عن مفهوم الوهن فإنّك فستستنتج أنّه الضّعف النّفسي والعملي والاستسلام للواقع والرّضا بالذلّ والانحطاط والقبول بالدّنيّة في الحياة، وهذا المرض أصابنا في مُختلف المجالات وبسببه لم نُحدِث أيّ تغيير حضاري في الحاضر، بل مُنذ قرون عدّة، حيث نشهد تقهقرًا وانكماشًا مُتواصلًا للمُجتمعات المُسلمة في مُختلف بقاع العالم.
العقيدة هي اللّبنة الأساسيّة لبناء المُجتمعات القويّة والنّاجحة والتي يجتمع جميع الأفراد حولها، لتكون منهج حياتهم ومرجعيتهم الأساسيّة في وضع القوانين وتنظيم الحياة، وفي الأصل يكون الجميع موقنون بها، ومُتّفقون عليها.
من شدّة الفراغ العقائدي والضّعف أصبح منّا أقوامٌ يبحثون مجهريًّا عن الاختلافات العقائديّة الفرعيّة التّي لا حرج فيها فيَكثُر الجدال حولها حتّي يصل بهم الأمر للتّصنيف والتّكفير والتّشويه وبثّ الكُره والفتنة بين النّاس وإدخالهم في صراعات أحيانًا دمويّة وخصومات كُبرى نحن في غنى عنها وما جُعلت العقيدة إلاّ لتوحيد الأمّة والبناء كما فعل قبلنا سلفُنا الصّالحُ، ولكنّنا اليوم لم نأخذ من مفاهيمها إلاّ الجزء القلبي والقولي مع غياب العمل بها، فأصبحنا بالكاد نرى مظاهرها في الحياة وأصبحت القوانين العامّة مصدرها البشر لا شريعة الإسلام، وبالتّالي أصبحت القوانين المُنظّمة للحياة سببًا في الشّقاء والمحاباة وخدمة المصالح الخاصّة على حساب المصلحة العامّة.
درجات أخرى من الوهن
لم يكن الأمر ليقف هنا بل وصل بنا بأن تحمي هذه القوانين الفاسدين الطّغاة كثيرًا، وتُحاسب المُصلحين الطّاهرين وتُنزلُ بهم أشدّ العُقوبات بسب دعوتهم للتّغيير، وأصبحت تُنتهك الحُرُمات في الفضاءات العامّة الرّقميّة والواقعيّة وفي وسائل الإعلام المُختلفة بدون مُبالاة، بل يُسمحُ بذلك داخل المُجتمعات الإسلاميّة فترى التمرّد على الأخلاق الإسلامية، فتسمع باعتياد اللّغو في القول والإيحاءات الفاحشة باسم اللّهو والتّرفيه، بل يصلُ الأمر بالاستهزاء بشعائر الإسلام علنًا بين المُسلمين، والتمرّد على الحياء فثمة تحقير للحِجاب وعدم احترام شُروطه كثيرًا لدى أهله، إلى جانب نشر التعرّي الفاجر بين نساء المُسلمين باسم الحداثة والنّسويّة.
خلّف الوهن العقائدي في الناس كثيرا من مظاهر الاضطرابات النفسيّة عند الأزمات، فتصِلُ بهم أحيانًا للانتحار بسبب الغفلة عن الحقيقة الكبرى بأنّ هذه الحياة دار ابتلاء مُسيّرة بأمر الله وقضاءه سبحانه وتعالى وتعلّقًا منهم بالحياة الماديّة ونتائجها التي هي بيد الله وحده أو اللّجوء للعُنف والطُغيان حفاظًا على مصالحه الدّنيويّة فقد يسرقُ المُسلم ويَقبل بالرّشوة ويُشارك في الفساد ويُدافع عنه ويكذب ويغشّ من أجل البقاء الموهوم والحفاظ على المظاهر الاجتماعيّة الزّائفة.
لقد أصابنا الوهن أيضا على المُستوى الشّخصي فكثير منهم أصبحوا ضعيفي الشّخصيّة، يخجل من دينه وإظهاره عمليًّا في سلوكه خوفًا من نظرة الآخرين المُنحرفين عن منهج الله المُتّبعين لأهوائهم البشريّة، بل أصبح مُطيعًا لهم شعوريًّا أو لا شعوريّا كطاعة العبد لسيّده فنتَج عن ذلك التّقليد الأعمى في المظهر باسم الموضة العالميّة والتّقليد الأجوف للسّلوكيّات باسم الحداثة والتحضّر، فأصبح الفرد فريسة سهلة تعصفُ به وساوس شياطين الجنّ والإنس بتزيين الشهوات والفواحش وتحسينها في نظره بدون مُقاومة نفسيّة منه مع العجز التّام للرّفض وانشاء حياة حرّة خاصّة به وفق المنهج الرّباني الذي يُؤمن به.
تطوّر هذا الاستسلام النّفسي حتى أصبحنا نرى المُنكر داخل مُجتمعاتنا فنلتزم الصّمت ونقبل به ونتعايش معه ولا نسعى لرفضه والتّوجيه للخير والمعروف الذي أمر به الشّرع، فنرى الظّلم ونستكين له ويُوالى أهله الطُغاة الذين يسوموننا أشدّ أنواع التّنكيل في هضم حقوق العامّة وحرمانهم من حياة كريمة عادلة وآمنة، ونرى في تعامُلاتنا اليوميّة اللاّمصداقيّة والانتهازيّة والأنانيّة فنقبل بذلك ولا نأخذ مواقف حازمة تحدّ من كلّ ذلك ولو بالكلمة، بل من شدّة ضُعف الشّخصيّة عندنا في حالة تعارض المصلحة الدّنيويّة مع أمر ديني وقيمة إسلاميّة فإنّنا نُسرعُ في التّنازل عن مبادئنا من أجل عرض دنيوي زائل.
الإعلام.. وتسويق الوهن
يُعتبر الإعلام أقوى وسيلة لتوجيه الرّأي العام وإعادة صناعة العقول والتحكّم فيها، فمن شدّة وهنِنا الإعلامي اليوم عدم قُدرتنا على إعادة تشكيل فكر المُسلم عن طريق مختلف وسائل الإعلام بل هنالك فئات طاغية تدير إعلامنا وفق المصالح الغربيّة فتُنتج لنا برامج ومُسلسلات تنشر الرّذيلة وتُشجّع على التحلّل من الثوابت الإسلاميّة فترى فيها دعاوى فاجرة للسّفور والتميّع وللسّلوكيّات المُخلّة بالحياء.
لقد كشفت أحداث طوفان الأقصى الأخيرة كيفية تسخير الغرب آلة الإعلام العالميّة من أجل تشويه المُقاومة واتّهامه بقتل الأطفال والاعتداء على النّساء بدون رحمة أو شفقة وفي المُقابل إخفاء جرائم الاحتلال الذي يقصف المستشفيات والمباني السّكنيّة والمساجد والجامعات بدعوى الدّفاع عن النّفس، فقد زرع هذا الإعلام المُضلّل في نفوس البعض الحقد والكراهية ضدّ المُسلمين والفلسطينيين خاصة ممّا دفع رجل مسنًّا في أمريكا لقتل طفل فلسطيني طعنًا والاعتداء على والدته!
في المُقابل مازالت بعض الجهات الإعلاميّة عندنا تلتزم الحياد إزاء القضيّة الفلسطينيّة وتسعى للتأثير على الرّأي العام سلبيّىا وشيطنة المُقاومة! بل أصبحنا نستخدم الإعلام من أجل تشويه رموز الإصلاح عندنا من علماء ومُفكّرين وتبرير ما تقوم الحكومات الظالمة من تقييد حرّياتهم والزجّ بهم في السجون وقمعهم!
نحن نعيش أيضًا وهَنًا علميًّا واقتصاديًّا وسياسيًّا، حيث تُشير الإحصائيّات وفق مؤشّر الويبو العالمي للابتكار لسنة 2022 عدم وجود أيّ دولة عربيّة مُسلمة في قائمة العشرين الأوائل بل أوّل دولة عربيّة وحيدة هي الإمارات في المرتبة 31 ضمن 50 دولة من العالم!
لقد أصبحنا لا نهتمّ إلا بالجانب الاستهلاكي العام ولا نقضي السّاعات الطويلة إلاّ في تتبّع المشاهير على مُختلف منصّات التّواصل والبحث عن طريقة عيشهم وعاداتهم ونقضي أوقاتنا أيضًا في التّفاهة المرئيّة والمقروءة والسّمعيّة وزد على ذلك إبداعنا المُتواصل في الثرثرة غير الهادفة والنّقد غير البنّاء، فالعلم والصّناعة والتّكنولوجيا الحديثة ليست من أهمّ المحاور في حياتنا.
أمّا على المُستوى السياسي والاقتصادي فإنّ صنّاع القرار عندنا ليست لهم الإرادة والمنهجية الواضحة في وضع الاستراتيجيات والاستثمارات اللازمة من أجل تحقيق نهوض علمي وصناعي واقتصادي، بل يعيشون تحت أوهام صندوق النّقد الدّولي المُستعبد لنا!
أمّا سياساتنا الخارجيّة فهي مُحرجة فمن شدّة ضُعفنا فإنّ حكوماتنا عاجزة عن رفض ما يحصل من جرائم واعتداءات على المُسلمين في بقاع العالم مع لزوم الصّمت بل وصل الأمر بالتّطبيع الفاجر مع أعداء الأمّة ومُوالاتهم الذين هم أنفُسهم يستنزفون خيراتنا من مواد خام مُختلفة ويبُثّون الفتن في مُجتمعاتنا ويتعاملون معانا بعقليّة استعماريّة بحتة ويُملون خياراتهم علينا مع وجوب تنفيذها.
وهننا بين السياسة والمجتمع
ما يحصل في هذه الأيام من جرائم بشعة تجاه إخواننا في غزّة على يد الكيان الصّهيوني المُحتلّ خير دليل على ضُعف سياساتنا الخارجيّة فأغلب الحكومات الإسلاميّة إمّا التزمت الصّمت واكتفت بالمتابعة من بعيد وبعضهم أصدروا بيانات تدعو للتّهدئة بل هنالك من يُحمّل المُجاهدين في فلسطين إثم هذه الجرائم ويتعاطف مع الكيان الغاصب، وفي المُقابل سرّعت دول -مثل أمريكا وألمانيا وفرنسا وبريطانيا- للإعلان رسميّا مُساندة الكيان الصّهيوني واستعدادها لدعمه بمُختلف الوسائل المُتاحة! فعجبًا لقوم رضوا بالذلّ وسعى حكامه لإرضاء جلاّديه والخضوع لهم وهم يستبيحون دماء إخوته!
لابدّ لنا أيضًا من ذكرِ الوهن الاجتماعي، فعلاقتنا فيما بيننا تنزل في الوهن والضعف والأحباط، والأنا طاغية، ولا يَنصر بعضنا البعض دفاعًا عن العرض أو الكرامة أو المال، فقد يُهان الفرد أمامنا أو يُعتدى عليه فترى الآخرين ينظرون إليه نظرة اللامُبالاة مادُمت لستُ أنا الضحيّة، بل ورّث هذا الضعف الفردانيّة في الحياة والمصلحة خاصة أصبحت أعلى من المصالح الجماعية المُشتركة وبالتّالي وصلنا إلى حدّ التفكّك الاجتماعي وضعف الرّوابط وانتشر الخوف وعدم الثقة والطمأنينة مع الآخر الذي قد يؤذيك في تعاملاته بل قد يهضم حقوقك من أجل منفعته الخاصّة، فقد يصلُ الأمر بالوشاية وتسليم المُسلم لأعدائه ليفتكوا به بدون مُبالاة!
صدق رسول الله صلى الله عليه وسلّم في تشخيصه لمرض الوهن الذي أصاب الأمّة حين قال: (يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل ومن قلة نحن يومئذ قال بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن فقال قائل يا رسول الله وما الوهن قال حب الدنيا وكراهية الموت) [أخرجه أبو داود في السنن]، فعذرًا لإخواننا في غزة وفلسطين الذين تُستباح دمائهم يوميّا من قِبل كيان ظالم مُجرم، فقد أصابنا الوهن وتخلّت الأمة عن فاعليتها، لكنّكم اليوم أبطال التاريخ الحديث أشعلتم داخلنا لهيب التّغيير والعودة للمجد والكرامة وحبّ الجهاد في سبيل الله فاثبتوا فإنّا قلوبنا معكم واعلموا أن النّصر من عند الله ولا تهنوا لما أصابكم فأنتم رمز عزّتنا وقوّتنا.
هل من علاج للوَهَنُ؟
إنّ أوّل خطوة في علاج الوهن هي إعادة بناء العقيدة وترسيخها في القلب، وقد يقول أحدنا إنّا جميعًا نُدرك هذه الحقيقة، ولكن كيف نُصلح عقيدتنا عمليّا، فقد اكتفينا من الخطب الطنّانة ومن قراءة المقالات دون توفير الحلول؟!
إنّ العقيدة هدفها ترسيخ شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّ مُحمّدا رسول الله في القلب يقينًا صادقًا وفي الجوارح عملاً خالصًا، وبكل بساطة تعني أن تعيش حياتك وفق شريعة ربّ العالمين قولا وعملا والتزاما كاملا وليس جزئيّا بأن تقوم بفرائض العبادات من صلاة وصوم وزكاة وحجّ وفي المُقابل تظلم وتكذب وتحتال على غيرك وتُنافق أهل الفساد وتُداهنهم في آرائك وتنهاز لمنهجيّتهم في الحياة.
تذكّر دائمًا بأنّ المًسلم الحقّ هو من يُحكّم شرع الله في كلّ جزئيّات حياته، ولكن كيف نُحكّم شرع الله في حياتنا؟! إنّ فاقد الشئ لا يُعطيه فنحن ابتعدنا عن روح الإسلام ومفاهيمه كثيرا، فعليك أيّها القارئ أن تأخذ دينك عن علم فتبدأ بالقرآن واعرض نفسك عليه بصدق واقرأه بتدبّر، وتوسّع في تفاسيره ولا تتجاوز آياته إلاّ وقد درستها وفهمت معانيها، ولتستسلم لكلام الله ليُعيد تشكيل شخصيّتك من جديد ومن ثمّ انغمس في مُراجعة سيرة سيّد المُرسلين عليه الصلاة السّلام وتدبّر حياته وكيف طبّق فيها مبادئ الإسلام وليكن هو قدوتك الأولى في كلّ شئ، فهذا هو الطريق الوحيد الموصل لبناء عقيدة قويّة متماسكة. ولكن هل هذا سيكون بالأمر الهيّن والسّهل؟!
لن يكون الطريق سهلا فهو ممتلئ بالأشواك المُمثّلة في الفتن وتيّار المُجتمع المنجذب للمذاهب الغربيّة المُختلفة، وهذا جهاد طويل يتطلّب منك الصبر والمُصابرة والمُرابطة حتّى تُصبح مُسلمًا قويّا عاملاً بدينك صادعًا بالحقّ الذي معك لا تخشى أحدًا إلاّ الله، ولا ترجو رضا أحدٍ إلاّ الله مُخلصًا له وحده.
فإذا التزمنا بذلك -أفرادا- فكيف ستخرج الأمّة من وهنها وضعفها، وكيف سينتصر المسلمون ويُدافعوا عن مُقدّساتها؟!
إن العقيدة السّليمة تجعل المؤمن قويّ الشخصيّة يُظهر دينه بدون حرج أو خجل منه لأنّه على يقين بالحقّ الذي يملكه، فلا يسكت على ظلم أو فجور، بل يسعى للإصلاح قدر استطاعته بالكلمة أو الفعل وسيكسر قيود الذلّ التّي تفرضها الحكومات وسيطالب بالكرامة والعزّة والعدل وتحكيم شرع الله وجعلها قوانين منظّمة للحياة.
لن يرضى المسلم أن يتولّى أمره حكومة توالي أعداء دينه، أو تطبّع مع الفساد والانحلال، وسيكون هو الرّقيب عليها في كلّ قراراتها ومواقفها وانجازاتها، ولن يرضى صاحب العقيدة الرّاسخة بالغوص في اختلافات فرعيّة تؤدّى به إلى الاعتداء على أخوه المُسلم أو تكفيره واستباحة دمه، بل سيسعى لتوحيد الصّفوف والعمل على التّغيير والتقدّم ولن يُحاول إيذاء أخيه المُسلم أو تسليمه لعدوّ أو الغدر به بل سيسعى لحماية دمه وماله وعرضه ولن تكون له في ذلك مصلحة دنيويّة بل هدفه أن يُقيم الإسلام في الأرض ويُحقّق وظيفة الخلافة فيها.
سيسعى المؤمن الصادق لتعليم من حوله العقيدة الحقّة ونشرها داخل مجتمعه من أجل إنشاء جيل جديد يحمل قضايا الأمّة وينتصر لدينه، عملا بقوله تعالى: {وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱلَّذِينَ ءَاوَواْ وَّنَصَرُوٓاْ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ حَقّٗاۚ لَّهُم مَّغۡفِرَةٞ وَرِزۡقٞ كَرِيمٞ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنۢ بَعۡدُ وَهَاجَرُواْ وَجَٰهَدُواْ مَعَكُمۡ فَأُوْلَٰٓئِكَ مِنكُمۡۚ وَأُوْلُواْ ٱلۡأَرۡحَامِ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلَىٰ بِبَعۡضٖ فِي كِتَٰبِ ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمُۢ} [الأنفال: 74].
لا يرضى المؤمن بالسلبيّة بل يبذل ما يستطيع من جهد لنصرة دينه، ولا يرضى بأن يكون من الخوالف، بل يُبادر لتحقيق النّهوض وإعادة بناء حضارتنا الإسلامية، ويبدأ التغيير بنفسه فيهجر المعاصي والمنكرات والاستبداد والظلم والفتنة، وإن لم يقدر على مواجهة ذلك كله، فإنه يجاهد نفسيًّا ومعنويا للثبات على الحقّ، أما الجهاد الفعلي فيكون بمقاومة كلّ مظاهر الفساد، والجهاد القتالي يكون بنصرة إخوانه ودفاعه عن مُقدّساته، وهذا كله مرتبط بالعقيدة.
وبالتنشئة على هذه العقيدة يكون هناك مديرون وموظفون ومسؤولون في مختلف المؤسّسات السياسيّة والإعلاميّة والعلميّة والعسكريّة، بإيمانهم وصدقهم، يسعون للتغيير وتحويل الأمّة إلى قوّة ذات وزن وهيبة تُحترم قراراتها ولا يجرؤ أعداؤها بالمسّ من أراضيها ومقدّساتها. وستصبح الأمّة مُستقلّة بذاتها صناعيّا واقتصاديّا ولن يأتى ذلك من فراغ بل علينا كأفراد العودة للمنابع الصّافية للعقيدة والأخذ منها وتحمّل المشاق لذلك.
فلا تيأس ولا تحزن بل ابذل ما استطعت من وقت وجهد، وسيأتي النّصر والتّغيير بإذن الله، فنحن مسؤولون عن العمل والأخذ بالأسباب، أمّا النّتائج فهي لله ومنه وحده.
اترك رداً
Want to join the discussion?Feel free to contribute!