ما لا يسعك جهله في الإسلام!

image_print

مرت أيام دوحة شهر رمضان الفضيل، وسلسل الله -تهوينًا علينا- أعداءنا من الشياطين، وانبثقت من قلوبنا الصدئة أحاسيسُ كنّا قد نسَيناها، وفُتحت على ألبابنا رحماتٌ طالما تمنّيناها، واصطفّ واحدنا قبالة نفسه أعزلَ إلّا ممّا كان قد اكتنزه من سلاح التقوى في أمس الذاهب.

قرعت فكرة كتابة هذا المقال القصير عما لا يسع الإنسان المسلم جهلة في الإسلام رتاج ذهني، وأعجبني قرعها لِما ألفيتها تفيض به من فائدةٍ قد تُعين المُستعين، وتُوطّئ للمسترشد فهم ما لا يسعه جهله عن غرض وجوده الذي يقدّمه هذا الدين، والله يهيّئ لنا من أمرنا رشدًا، ويمدّنا بجنود التوفيق والتمكين، اللهمّ آمين.

دينك دينك.. أدرك مقصده عظيم!

أمّا وقد صرنا إلى هذا الزمن المتعرّي أوّله أمام ألحاظ آخره، وانبثّ فيه كلّ كاتبٍ يريد ابتكار فكرٍ جديدٍ، أو برهنةَ قديمٍ وتقديمه للناس على أنّه صائبٌ مُفيد، وزخرت بكتب الجهّال المكتبات، وامتلأت المواقع بكلام الخطل والافتراءات، وسيقت نظريّات الغربيّين إلى بلداننا، تارةً بكلام المستشرقين معروفي الغاية، ومرّةً بلسان عربٍ مستغرقين في الغواية؛ فلقد وجدتُ أنّ عددًا من الشبّان المُسلمين، والشابات المسلمات لا يعرفون مقصد دينهم، ولا يُدركون بسيط روايته، وما هي حبكةُ قصّته، وأساسه، وركنه الذي عليه يدلّ، وإيّاهُ يُبيّنُ بين دفتيّ القرآن العظيم.

الإله الواحد

يُخبرنا الله تعالى بالكلام العربيّ المُبين الكاشف الذي لا يستبهم على القارئ؛ أنّهُ واحدٌ فردٌ صمدٌ ليس له كفءٌ ولا نظيرٌ ولا نِدٌّ، فيقول في سورة الإخلاص: {قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ* اللهُ الصمَدُ * لَمْ يَلِدْ * وَلَمْ يولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص:1-6]؛ ليُبطلَ به دعاوى المُحرّفينَ الذينَ ادَّعَوا لهُ ولدًا، وغيرهم ممّن زعمَ وجودَ عديدِ آلهةٍ، وليعلّم من لم يكن يعلم، ولمّا ينزلق في مزالق هذه الدعاوي المُهلكةِ حقيقةَ الفردانيّة، وصراحةَ الوحدانيّة.

أعلمُ أنّ هذا لا يعزب عن قلب مسلمٍ ولا مسلمةٍ، ولكنّهُ ممّا لا بدّ أن نستهلّ به الكلام، ما دُمنا قد أزمعنا تبيين ما لا يسعُ جهله عن الإسلام.

الإنسان والشيطان

أمّا أنا وأنتَ وهيَ، فبشرٌ من مادّةٍ هي البدن، وروحٍ مغيّبةِ الكُنهِ لحكمةِ حكيمٍ خالقٍ، نخرجُ إلى النورِ من أرحامٍ حانيةٍ، ونكبرُ في الجسم والفهم مع تطاول الأيّام، وتساوق السنوات. وإنّ لنا في الأرض غريمًا يرانا ولا نراه، ينشد إضلالنا، وهدفه أن نلقى في السعير المتضرّم عذابنا، وهو الشيطان الرجيم.

وأمّا هذا الشيطان فلقد كان عابدًا زاهدًا كما رُوِينا، ثمّ خلق الله آدم، وهو غرّة نوعِنا، ثمّ علّمه الأسماء كلّها فحاز بها مجدًا من الله ورفعةً في الجنان، وإذ أمر الله الملائكة بالسجود لخلقه الجديد، كان إبليس حاضرًا فأبى الطاعة استكبارًا واستعلاءً على أمر الله؛ لظنّه أنّهُ خيرٌ من هذا المخلوق الذي هو أبونا آدم، عليه السلام. فما كان جزاؤه إلّا اللعنُ والطردُ من ملكوتِ السماء، إلى أرضٍ هي كلّها شقاءٌ. وقبل أن يُنزل إليها سارع لتضليل أبينا آدم، وأمّنا حوّاء بأن أزلّهما عن الطاعة، وأوقعهما في المعصية.

يقول تعالى في سورة البقرة: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ۖ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ ۖ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ} [البقرة: 24].

فإذا كنتُ قد عرفتَ حقيقة أصلك، ثمّ أدركتَ مبتغى الشيطان منك، وتيقّنت -لقول الله في القرآن- من صريح العداوة؛ فلا بدّ أن تعاديَ عدوّك، وتبحث عن سبيل انتصارك عليه، وهذا يجري فيّ وفيك مجرى الطبع والغريزة، وعليهما فطرنا الله جلّ جلاله. فكيف يكون انتصارنا عليه؟

العبادة

إنّ من حظّي وحظّك السعيدَين أنّنا خُلقنا على يد ربٍّ رحيمٍ، لا يخيب فيه الأمل، ولا يضيع به الرجاء، إذا سألته أجابك، وإذا أطعته أثابك. وقد خطّ الله لي ولكَ خطّةً واضحةً أسماها في كتابه الحكيم “الصراط المستقيم”، وهو الدرب الذي ارتضاه للناس أن يأتوه منه، وهذه اغرسها في قلبك غرسًا مُحكمًا؛ كي لا تجد نفسك مضلّلًا عن دربه، شاطًّا عن طريقه، إثر دعوات بعض الجُهّال والمُغرضين، المُدّعين بأنّ الدروب إلى الله كثيرة، وأنّ كلّ هذه الدروب نهايتها البلوغ. ويقول سبحانه في سورة يس: {وَأَنِ اعْبُدُونِي ۚ هَـٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ} [يس: 61].

فإنّ العبادة أمرٌ من الله العظيم، وسبيلٌ لبلوغ مرضاته، وسلوك صراطه، والفوز بجنانه، ومجانبة عذابه، وفي التزامها الثواب العظيم، وفي تركها الإثم المُهلك؛ وهذه أخرى تُبطل ما يحاول البعض ترويجه إفكًا أنّ الصلاة ليست واجبةً، والحجاب ليس ضرورةً، فقالوا زورًا: “الإيمان في القلب”، فمن كان على رشدٍ فهم أنّ كلامَ الله شيءٌ، وكلامَ الناس شيءٌ دونه؛ إذ هم دونه وبعضٌ من خلقه. وفي العبادة تفصيلٌ طويلٌ ليس هذا مقامه، ولكن أُحيلك إلى كتاب شيخنا (عليّ الطنطاويّ) رحمه الله، واسمه: “تعريفٌ عامٌّ بدين الإسلام”؛ فيه بيّن العبادات بحُلّةٍ بهيّةٍ مفهومةٍ، وعرضها بإيجازٍ لا ينقص من مضمونها.

الرسل والأنبياء

ولأنّه أراد للناسِ الهدايةَ، ودعاهم إلى حياضها الآمنة؛ فقد أرسل في كلّ أمّةٍ رسولًا من بني آدم، يختاره ويصطفيه وفق حكمته وعلمه، وهو العليم الحكيم. ولقد اختتم هذه السلسلة الشريفة من الرسل والأنبياء بمحمّدٍ -صلّى الله عليه وسلّم-، وجعله ناسخًا لما جاء به من كان قبله، من الرسل القيّمين، والأنبياء المُباركين. ويقول -سبحانه- في سورة النساء: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَّكُمْ} [النساء: 170]  فصار علينا لزامًا واجبًا، إن كنّا نعقلُ، ونبتغي الرشادَ أن نتّبع هذا الرسول، ولا سبيل لاتّباعه إلّا بمعرفة خبره، وإماطة اللثام عن معروف سيرته، ولسعادتنا فقد انبرى لهذا العمل العظيم الكثير من العلماء والأدباء، فسيرته -صلّى الله عليه وسلّم- تملؤ الأنحاء والأرجاء، فعليكَ بها فهمًا وإدراكًا، وبه اتّباعًا واقتداءً؛ لأنّك سمعت واضح أمر الله بالإيمان به، والسير في سبيله وطريقه.

الابتلاء

كم من مرّةً شهدنا على هذه المواقع، وعلى شاشات التلفاز المسيّسة التي تبتغي غسل وعيي ووعيك، وتوجيهي وإيّاك كما يُريد دافع الفاتورة، أو الجالس على العرش، كلامًا يُساس على وجهٍ باطلٍ يعرض مصائب بعض الملتزمين، وما يظهر للعين كأنّه سوء حالٍ، أو عدم قَبولٍ من الله تعالى. فأبشّرك أنّ هذا الإله الخالق قد أنبأ بأنّه يبتلينا في حياتنا الدنيا، وأقرّ ذلك في مواضع مختلفة من كتابه العزيز، فقال سبحانه: {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 155]

فهذا كلامٌ بيّن فيه إخبارٌ لا يحتمل التأويل، وهو قضاءٌ لا يدفعه دافعٌ، وإنّما بيّنه الله من قبل وقوعه رحمةً منه، وكرمًا من لدنه، ورُوينا في الحديث الصحيح عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلَاءً؟، قَالَ: (الأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الأَمْثَلُ فَالأَمْثَلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ البَلَاءُ بِالعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ). وهذا ردٌّ شافٍ للعقل، مبرئٌ من الشكّ، مُعربٌ عن حقيقة الابتلاء، ومبيّنًا -كما رأيتَ في الحديث- علّة حلوله، وهي تزكية عباد الله من ذنوبهم وسوء أعمالهم، فيكون الابتلاء دواءً يصيب العبدَ فيشفيه من أمراض قلبه، وموجبات عقوبته، فنعمّا هو.

الموت والبعث والحساب

ينتشر اليوم بين عموم الناس مقالةٌ مُحدثةٌ غريبةٌ، تقول إنّ موت الإنسان هو نهاية أمره، ومدى وجوده، يتحلّل بعدها جسمه في جَدَثهِ فيرجع إلى عدمٍ لا تُعرفُ بدايته. وهذه المقالة وإن لم تنطقها الألسن في الشرق فقد نطقت بها الجوارح والعادات الطارئة، إذ صار الفساد نمطًا للعيش، وأمسى الاحتيال حذاقةً وحُسن تدبيرٍ، وتغيّرت دلالات الأفعال، ونُحِلَ لها ما لا يعبّر عنها من الألفاظ، وهي نظريّةُ المُلحدين الكـ.ـافـ.ـرين، الذين استفحل أمرهم في الغرب؛ فأمروا بكلّ منكرٍ، ونهوا عن كلّ معروفٍ، إلّا ذاك الذي يخدمُ مصلحتهم، ويُغني خزينتهم.

والحقيقةُ ما كلّمنا به الله في إمامه المُبين، أنّ المُسلمَ يوقن بحلول الأجل، وتجربة الموت، والمكوث في البرزخ، (وهو مكانٌ بين الدنيا والآخرة يُحبسُ فيه حتّى يأذن الله للناس بالانبعاث للحساب)، ثُمّ يُبعث من مرقده، ويوقَف أمام ربّه فيرى أعماله عملًا عملًا، حتّى يقضيَ الله في شأنه، فإمّا جنان باقية، وإمّا جهنّم حامية. واحذر أن تُنكر شيئًا في الثانية فيحبط عملك، واعلم -يقينًا- أنّ الشكّ يُحيط بكَ، والشُبُهات تُقذف عليكَ، فالزم القرآن تعرف خبرك، واجلس إلى حديث النبيّ تجد ما فيه نفعك، واحرص على كثير الدعاء أن ينير الله قلبك، ويهديك دربك، وهو السميع المُجيب.

التعليقات

تعليقات

0 ردود

اترك رداً

Want to join the discussion?
Feel free to contribute!

اترك رد