ماذا تعرف عن مؤامرة إبليس؟

يبدو أن الكرة الأرضية مع بداية الألفية الثالثة أخذت منحى مختلف تمامًا عمّا سبقها من قرون مضت، فمن شهد العشرين سنة الماضية، يعلم تمامًا تسارع الأحداث بشكل ملحوظ، ولكن لماذا؟ وإلى أين نحن ذاهبون؟

إن كل ما نشهده من الأحداث يشير إلى أن نهاية العالم باتت وشيكة -ليست بالضرورة أنها خلال عقد أو قرن أو قرنين-، ولا يختلف اثنان على وجود علامات وإشارات تدلنا بشكل صريح على أن العالم بدأ بالتغيّر بشكل جذري عما كان عليه.

تأمّل يا رعاك الله فيما يعيشه العالم الآن من الفساد والانحطاط، هل خطر في بالك -مرة واحدة على الأقل- أن للشيطان وإبليس دور رئيس فيما وصلنا إليه هنا؟

كيف بدأت المؤامرة؟

سنعود بالزمن إلى أول الخلق من البشر، آدم عليه السلام، والقصة المعروفة، حيث سعى إبليس لإخراجه مع أمنا حواء من الجنة، ويذكر القرآن الكريم نص جدال إبليس أمام الله تعالى، وطلبه الصريح منه أن يمهله إلى يوم القيامة، كما في قوله تعالى: {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَٰذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا} [الإسراء: 62]، وفي قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ فَأَنظِرْنِي إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ (*) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنظَرِينَ (*) إِلَىٰ يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (*) قَالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (*) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ} [ص: 79- 83].

يوضح لنا كتاب الله الكريم بالدليل القاطع أن إبليس مستمر في إغواء بني آدم جميعاً باستنثاء عباد الله المخلصين، الذين وُصِفوا بأنهم قليلون.

لننظر إلى حال المسلمين اليوم، ألا يؤلمك حال التفكك والابتعاد عن الدين، ألا يؤلمك أننا أصبحنا لا نستطيع التفرقة بين شباب المسلمين وغير المسلمين في حفل ما؟ بل لعلّ كثيرًا منهم بات أسيرًا لنهج الشيطان وغايات العولمة أكثر من وثني أو كافر معزول عن مفاتن الدنيا.

من أحوال المسلمين اليوم

بات كثير من المسلمين اليوم لا يعلمون شيئاً عن القرآن الكريم سوى ما يمكن أن يُلقّنوه في صغرهم من بعض السور القصيرة جداً، ولا يقرأ معظمهم القرآن إلا في شهر رمضان الكريم -وهؤلاء في تناقص أيضًا- وبات من الطبيعي أن ترى كثيرًا من النسوة المسلمات يتنافسن مع غير المسلمات في اقتناء صرخات الموضة المتبرجة والمتعرية.

ليست المشكلة في وجود المعصية بحد ذاتها، فهي شأن البشري الناقص، إلا أ ن ما هو غير طبيعي، أن تتساوق المعصية وتصبح جزءا طبيعيا من منظومة حياتنا، ونشعر مع ذلك أننا مسلمون على طريق الحق، فأين إذن نور الطاعة؟

ستجد من يطفف في الميزان، ويصف نفسه بالمتدين، ومن يكذب ويقسم بأعظم أسماء الله حانثًا، وهو يعد نفسه مؤمنا بَرًّا، ولربما ترى المجتمع تلو المجتمع لا ترى فيه من يأمر بمعروف وينهى عن منكر، فالناس يرفضون ذلك ويدفعون أهله للابتعاد عنهم والصمت. فوصل بنا وبهم الحال إلى عدم إنكار المنكر حتى بأضعف الإيمان وهو القلب، حيث جُبلت القلوب على الاعتياد على الفظائع والآثام التي تغضب الله تعالى بحجة “دعوا الخلق للخالق” و”لكم دينكم ولي دين” وعبارات مثل: “من تدخل فيما لا يعنيه لقي ما لا يرضيه”.

تخيّل عزيزي القارئ أن صحابة رسول الله والتابعين والعلماء الصالحين اتبعوا هذا الأسلوب مع ما يقابلهم من أفعال تُغضب الله تعالى، هل كانت الفتوحات التي عرفناها ستتحقق؟ هل كان الدين الإسلامي سينتشر بهذا الشكل الذي أوصله إلى القاصي والداني، تخيّل أن ديننا الحنيف بقي حبيس جزيرة العرب، فإلى أي دين أو معتقد سيكون انتماؤك؟

لنعد إلى إبليس وخطته لإفساد البشرية جمعاء، اجلس وفكر قليلاً ما هي الكبائر والذنوب والمعاصي التي نهانا الله تعالى عنها؟ ستجدها كثيرة جداً، ولكن أعظمها هو الشرك بالله تعالى.

ستقول إنك مسلم وتؤمن بإله واحد وهو الله جلّ وعلا، ولكني هنا سأعرض عليك بعضًا من الأمور التي يمارسها كثيرٌ من المسلمين وتجعلهم مشركين بالله تعالى -دون شعور- كلجوئهم للسحر والشعوذة والتنجيم وزيارة الكهّان وتعليق التمائم ذات الطلاسم، ألا تعتبر هذه المداخل من أبواب الشيطان التي يدخل منها حتى يضللنا ويبعدنا عن أصل الدين.

الآن يمكنك أن تضيف إلى هذه المعاصي معاصي أخرى يصر الناس على ارتكابها ليل نهار، الغيبة والنميمة وترك الحجاب والكذب بعضها، وربما يتطور الأمر مع استحلال ما حرمه الله كالمخدرات والخمور وغير ذلك، فهل هذا مما يرضي الله أو يمكن أن نعدّه طريقًا في الحق؟

معركة إبليس مع الخلق

يسخّر إبليس كل إمكاناته وطاقاته لإبعاد الناس عن طريق الحق من جهة، ولإبعاد المسلمين عن الدين من جهة أخرى، سواء عن طريق شخص ما أو بإقناع الشباب بأن يتبعوا خطوات معينة، كأن يصبحوا مؤثرين على أحد مواقع التواصل الاجتماعي، أو لاعبًا تتسابق الفرق لتشتريه بمئات المليارات، وهكذا يغوي العقل والروح بالشهرة والمال، ويبدأ الإنسان في البعد شيئا فشيئا عن الله تعالى، وينغمس في الملذات حتى يصبح خروجه منها أصعب من البحث عن إبرة في كومة قش.

لا يخفى على أحد منّا أن كثيرًا من الشباب والبنات يستسهلون طريقة جمع الأموال عن طريق شبكات التواصل الاجتماعي -ومن بينها التيك توك- الذي بات ملجأ المراهقين والمراهقات لتحقيق شهرة سريعة وواسعة وكسب الأموال بأسهل الطرق وأيسرها، متناسين قواعد ديننا الحنيف، وأننا سوف نُسأل يوم القيامة عن مصدر أموالنا، أهي بالطرق المشروعة التي حلّلها الله تعالى؟ أم أننا استسهلنا أمر السؤال ولم نعبء بما ينتظرنا يوم الحساب؟

يبرز لنا هنا حديث النبي ﷺ حين قال (لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ) [أخرجه الترمذي في السنن وقال حسن صحيح].

كم من الأشخاص الذين نشاهدهم اليوم على مواقع التواصل الاجتماعي انزلقوا إلى فقدان ما لديهم من قِيَم الشرف والناموس لأن همهم الوحيد أصبح في جمع المال ألا يذكرك هذا بوصف الله لنمط من الناس قال عنهم: {وتحبون المال حباً جماً} [الفجر: 20]، فهؤلاء يطلبون المال بأي طريقة كانت، لكن التعليقات الغريبة أن يقال: دع الناس للخالق، اترك الناس يسترزقون ما داموا لا يلحقون بك الأذى!

وهنا مسألة أخرى يقودنا إليها إبليس ونراها متجلية في المقولة المشهورة “تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الآخرين”، فيبدو أن على الإنسان أن يتوقف عن واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكأننا ننتمي إلى عالم صنعه الشيطان، ولم يُقِم بناءه الرحمن؟

انظر إلى الناس، كأنهم يقولون: انظروا إلى الأفعال التي لا ترضي الله، وأغلقوا أفواهكم، ولا تتكلّموا ولا تنصحوا، بل كونوا أصناماً حين ترون الباطل يسود هذا العالم ويحكمه.

إن صحابة رسول الله لم يرضوا أن يكون هناك خطأ دون تنبيه، حتى الأمراء منهم لم يرضَوا أن يسكت الناس إذا رأوا منهم منكراً أو باطلاً كما قال أبو بكر في خطبته لما بويع بالخلافة: “أما بعد أيها الناس فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني، وإن أسأت فقوموني”، وهذا خير دليل على أنه لا يجوز السكوت عن الحق وترك الباطل حراً طليقاً.

ختام المقال

معركتنا مع إبليس -ورهطه- باقية إلى يوم القيامة كما ذكر القرآن الكريم، وجهادنا ضده مستمر كذلك، فخذ لنفسك قرارًا، ولا تدعها تنشغل بسفاسف الأمور، وانظر إلى حقيقة الدنيا بشكل أعمق لتعرف مدى تفاهة ما فيها وإن بدا لك عظيما، فإنها لا تساوي عند الله جناح بعوضة. وقد وصف رسول الله هذه الحال من الدنيا بأنها ملعونة، فقال: (أَلَا إِنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ مَلْعُونٌ مَا فِيهَا إِلَّا ذِكْرُ اللَّهِ وَمَا وَالَاهُ وَعَالِمٌ أَوْ مُتَعَلِّمٌ) أخرجه الترمذي وابن ماجه في السنن.

شارك المقال