ماذا بعد بطلان الأدلة العلمية على نظرية التطور؟ .. الجواب في كتاب (لا شيء بالصدفة)

image_print

بيّنّا في مقال سابق تهافت الأدلة التي ساقها أحمد خيري العمري في كتابه (لا شيء بالصدفة) على نظرية التطور، والتي كما قلنا لم تزد مساحتها في الكتاب عن بضع وثلاثين صفحة، من أصل 520 صفحة، هي عدد صفحات الكتاب المذكور، فما الذي يحتويه الكتاب إذن في بقية صفحاته؟

تفترض بقية صفحات الكتاب أن خرافة التطور -التي فشل الكاتب تماماً في تقديم دليل مقنع عليها- هي أمر مُسَلَّم به ولا جدال فيه، فلا عجب أن كانت بقية الكتاب، هي مجموعة من المغالطات والافتراضات، لأنها قائمة أصلاً على خرافة باطلة.

من ذلك محاولات الكاتب اليائسة في التوفيق بين النظرية والإيمان، بين خرافة تطور الإنسان من أسلاف مشتركة مع الشمبانزي، وبين ما جاء في القرآن الكريم، ولا سيما قصة خلق سيدنا آدم عليه السلام. ومن ذلك أكثر من مائتي صفحة حاول فيها الرد على ما جاء في سلسلة (رحلة اليقين) للدكتور إياد القنيبي، وهي سلسلة علمية في غاية الدقة والتوثيق العلمي، قام مقدمها بالتفنيد العلمي المحكم لنظرية التطور، وأثبت أنها مجرد (خرافة) وليست نظرية علميّة، أما محاولات العمري في الرد عليها، فما أراها إلا تأكيداً للفرق بين من يتحدث بالدليل العلمي القاطع، وبين من يبني استنتاجاته على شفا جرف هار من فرضيات بعيدة كل البعد عن العلم والدليل العلمي، وفي الفقرات الآتية من المقال لمحات مقتبَسَة من المغالطات التي امتلأ بها كتاب (لا شيء بالصدفة).

مزاعم التطوريين حول نشوء اللغة

يقول العمري “هناك اعتقاد علمي راسخ يربط اللغة التي تميز الإنسان العاقل بالحمض النووي” [ص: 120]، ويجدر الإشارة إلى أن الأخ أحمد يقول ذلك، رغم أن المراجع التي يضعها في هامش كلامه ليس فيها ما يفيد بوجود “اعتقاد علمي راسخ”!؛ إذ إن نشوء اللغة يعتبر من أكبر الألغاز التي ما زال العلماء في حيرة من أمرها، وكل ما قالوه حتى الآن في هذا المجال، مجرد فرضيات لا دليل عليها، ومن بينها فرضية (نعوم تشومسكي) التي ذكرها في الصفحة 121 من الكتاب:  “حيث يعزو لغة الإنسان التي ميزته عن كل الحيوانات الأخرى إلى طفرة جينية واحدة أنتجت جيناً واحداً فقط عند فرد واحد”، ورغم أن الأخ أحمد لا ينكر بأن الكثيرين من العلماء يختلفون مع فرضية تشومسكي، وأنه “لم يتم حتى الآن العثور على جين واحد بعينه يكون مسؤولاً على التعبير”. إلا أنه يعود ليقول: “لا يستبعد بعض العلماء أن تكون هذه الطفرة قد حدثت لفرد واحد فقط، ومن ثم انتقلت منه وسادت حتى تكونت 7000 لغة في عالم اليوم” [ص: 122].

نعوم تشومسكي

يتابع العمري قائلًا: “رجل واحد؟ هل يمكن ألا نربط كل ما مضى، بشيء آخر مر معنا في النسخة القرآنية من قصة آدم عليه السلام؟ {وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقال أنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [البقرة: 31]، علّم آدم الأسماء؟ هل هي اللغة؟ القدرة على التجريد؟ هل هي المقدرة الدماغية على ذلك؟ من الصعب جدًّا عدم الربط بين الأمرين”. انتهى كلام الأخ أحمد.

أقول للأخ أحمد: هدانا الله وإياك إلى الصواب، على أي أساس تقول: إنه “من الصعب جداً عدم الربط بين الأمرين”؟! بل إن هذا الربط هو من العبث والاستهانة بكلام الله تعالى، فكيف نربط فرضيات لا تعدو أن تكون رجماً بالغيب، لا دليل علمي عليها، وما زال العلماء يحاولون حل ألغازها، بآيات الله البينات؟ لماذا تقحم كتاب الله وكلامه اليقيني في أبحاث ما زالت في طور الظنون والفرضيات؟

طبعًا فإن في قولك: “النسخة القرآنية من قصة آدم” إشارة إلى وجود نسخة (تطورية) ذكرتها في كتابك، وذلك لا يمكن قبوله، فهل يوجد نسخ أخرى غير النسخة القرآنية؟

قصة خلق آدم في القرآن هي الوحيدة التي نسلِّم بها لأنها تنزيل الخالق الحكيم الخبير، وكل محاولة للتوفيق بين كلام الله وبين خرافات العلم الزائف مصيرها الفشل.

الأسلاف المشتركة الوهمية

ذكر د. أحمد خيري العمري مصطلح (السلف المشترك) و(الجد المشترك) و(النسب المشترك) 33 مرة، ولكن لم يحدد سلفاً مشتركاً واحداً بين أي كائنين بالاسم!

وهنا يتبادر إلى الأذهان سؤال: لماذا؟

دعوني أخبركم لماذا.. لأن السلف المشترك لأي كائنين من الأحياء هو محضُ وهم لا وجود له، هو مصطلح يردّده دعاة الخرافة بكثافة على أمل أن تحظى بالتصديق، فإذا سألتهم عن السلف المشترك لأي كائنين، أجابوا: لم نعثر عليه حتى الآن ولكن سنعثر عليه بلا شك، لأن نظرية التطور نظرية (تنبؤية)!، وقد تنبأت بذلك.

ومعنى هذا الكلام أنهم يضعون النظرية، ثم يبحثون عن الأسلاف المشتركة، فإذا لم يجدوها قالوا: إن النظرية صحيحة ولا بد أن نجد الأسلاف المشتركة!.

ولا تحسبنّ أني أمزح، فهذا كلام جدي يرددونه دائماً، وهو ينطبق على السلف المشترك بين الإنسان والشمبانزي، والذي ما فتئ التطوريون يصدعون رؤوسنا به، ثم يعترفون بأنهم لم يجدوه حتى الآن، وأتحداهم بالقول: إنهم لن يجدوه.

وعن هذا كله يحق لنا أن نتساءل: أهذا هو المنهج العلمي؟

يقول العمري في كتابه عن السلف المشترك بين الإنسان والشمبانزي: “رغم أن آخر سلف مشترك لم يحدد حتى الآن، إلا أن هناك ترشيحات عديدةـ من ضمنها أحفورة لجمجمة كاملة عثر عليها عام 2017” [ص: 510]، يا لبؤس هذه الكلمة: “ترشيحات” وهل هذه لغة علم أم لغة انتخابات برلمانية؟

ثم وضع العمري رابطاً لمقال –لمن يحب قراءته- في مجلة (ساينس) الأمريكية، حول هذه الجمجمة (المرشحة)، عنوانه “جمجمة لقرد رضيع تلقي ظلالاً على أسلاف البشر والقرود المعاصرين”.

إذًا فإن الجمجمة باعتراف المجلة (جمجمة قرد)، وأترك للمهتمين من القراء أن يقرؤوا مقال مجلة (ساينس)، ليعلموا أن ما أثارته هذه الجمجمة من أسئلة واضطراب بين التطوريين، أكثر مما أجابت عليه، وأرجو أن تركّزوا على تفاصيل المقال ولا يغرنكم عنوانه البراق، فهذه من متطلبات الصنعة الصحفية.

النظرية التنبؤية وملايين الأحافير!

لنقتبس هذه العبارة:”من صفات النظرية العلمية قدرتها التنبؤية predictive أي أن تكون هذه النظرية، قد توقعت أول ظهورها نتائج معينة لم يكن عليها أي دليل وقت ظهور هذه النظرية. من الأمثلة الكلاسيكية على هذه القدرة التنبؤية: توقع اكتشاف نيبتون بناء على حسابات رياضية مبنية على نظرية نيوتن للجاذبية.”.ا.هـ [ص: 509]

ولنا تعليق على ذلك من ثلاث نقاط:

أولاً: إن اكتشاف كوكب نيبتون كان كما قلت تماماً دكتور أحمد، بناء على حسابات، وليس تنبؤات، أي أنها حسابات يقينية دقيقة، وثمة فرق واضح وشاسع بين الحساب الدقيق القائم على قوانين الفيزياء، وبين التنبؤ الذي لا أساس له من العلم.

ثانياً: إن حسابات اكتشاف نيبتون كانت مبنية على (قانون نيوتن) وليس على (نظرية نيوتن)، والفرق بينهما كبير، وقد بينت أنت بنفسك الفرق بين النظرية والقانون في الصفحة 32 من كتابك نفسه.

ثالثاً: حديثك هنا عن نظرية التطور، فلماذا تقفز بنا إلى كوكب نيبتون وإلى نيوتن وقانونه في الجاذبية لتأتي بمثال؟ طبعاً لأن تنبؤات نظرية التطور مجرد خيالات لم تتحقق، فيهرب التطوريون إلى علوم أخرى ليأتوا بأمثلة، في شيء مشابه لما في المثل الشعبي: (القرعة تتباهى بشعر بنت خالتها)!.

أما نبوءة دارون التي ضربت بها مثالاً على القدرة التنبؤية للنظرية، والتي تقول بأن العلماء سيجدون أحافير انتقالية تؤكد نظريته، فإن الذي حدث هو العكس تماماً، لأن مئات الملايين من الأحافير التي عثر العلماء عليها بعد دارون، جاءت على عكس ما تنبأ، وأكدت بطلان نظريته، ونستشهد هنا بقول العالم البروفيسور “ماتي ليسولا” في كتابه النفيس (رحلة عالم من الدارونية إلى التصميم): “المشكلة التي تعاني منها الدارونية أكبر من فشل الأحافير التي يعتمدون عليها في إثبات النظرية، المشكلة في طبيعة سجل الأحافير، فهذا السجل يظهر بجلاء أن الحيوانات الجديدة تظهر فجأة في طبقات الأرض، ثم تعيش فترة طويلة دون أن يحدث عليها أي تغيير، ثم تختفي أو تنقرض فجأة كما ظهرت”.

يضرب العمري مثالاً عن القدرة التنبؤية للنظرية الخرافة فيقول في الصفحة المذكورة أعلاه:
“نظرية التطور كانت لديها توقعات كثيرة: توقع داروين أن عمر الأرض أكثر بكثير مما كان يعتقد في عصره، وتبين أنها أكبر حتى من توقعاته، توقع وجود (أحافير انتقالية) في وقت لم يكن هناك فيه أي منها، وفعلا تراكمت الملايين منها لاحقاً” ا. هـ.

هل حقاً؟! هل تراكمت ملايين الأحافير الانتقالية؟، أقل ما يقال عن هذا الكلام إنه كذبة واسعة جداً يا سيدي، ليتك تقول للناس كلاماً قابلاً للتصديق. أين هي “ملايين الأحافير الانتقالية”؟

حسنٌ؛ نتحدى الكاتب وكل التطوريين أن يقدموا لنا -من بين تلك الملايين- أحفورة انتقالية واحدة، واحدة فقط، للسلف المباشر لأي كائن حي يعيش على الأرض اليوم، سواء كان فيلًا، أو صقرًا، أو فراشة، أو سمكة، أو شمبانزي، إلخ.

عندما (أرادت) السمكة الخروج من الماء!

في الصفحة (260) من الكتاب كتب د. أحمد خيري العمري: “الزمان: 400 مليون سنة من الآن.. تقريبًا. المكان: سطح الماء. غير بعيد عن الشاطئ.

المناسبة: أول شهقة هواء، خارج البحر. إنها الغوغوناسوس Gogonasus. سمكة لا يتجاوز طولها نصف متر كانت تمتلك فتحات أعلى رأسها ساعدتها في أن تتنفس الهواء الخارجي، تخرج القليل من رأسها فقط، بحيث تبقى عيناها تحت الماء، تأخذ شهقة من الهواء، ثم تعود. كل ما أرادته وقتها هو المزيد من الأوكسجين. النجاة فقط في مياه ضحلة قل فيها الأوكسجين. ً لكن هذه كانت أول خطوة في الطريق إلى عالم آخر. مختلف تمامًا، بالتدريج، جاءت أجيال جمعت بين القدرة على التنفس في الهواء والتنفس في الماء”. ا. هـ.

من يقرأ هذه السطور يظن أن الكاتب كان موجوداً قبل 400 مليون سنة، يراقب السمكة عن كثب! بل ويعلم ما تفكر به وتشعر! وما تريد وما تطلب! لكن الكاتب لم يقل لنا: أكانت تلك السمكة تملك جهازاً لتنفس الهواء الذي استنشقته مع (الشهقة الأولى)؟

إن كان الجواب: لا، فما فائدة هذه الشهقة؟ وإن كان: نعم، فلماذا يتطور جهاز لتنفّس الهواء في سمكة تسبح تحت الماء وما خرجت للهواء قبل تلك الشهقة؟

لم يخبرنا الكاتب كيف تطور جهاز تنفس الهواء؟، وكم عدد الطفرات اللازمة (حسب قولهم) ليصبح للسمكة رئتين؟ ثم لتضمر خياشيمها، ثم…ثم…ثم، لتصبح حيوانا بريًّا؟. وكم عدد الأجيال اللازمة لهذا التطور؟ وأين الدليل على حدوثه؟.

انظروا إلى قوله: “بالتدريج جاءت أجيال تجمع بين القدرة على التنفس في الماء والتنفس في الهواء”، ومن يقرأ بقية الفصل الذي وردت فيه هذه الحكاية الخرافية، سيجد أن الكاتب يريد أن يقول (وبالتدريج صارت السمكة بشراً سويًّا)، وهنا -لخداع القراء وإضفاء صفة العلم على هذه القصة الخرافية-، يضع الكاتب خمس روابط لمراجع أجنبية يريد بها الاستشهاد على خرافته، وسيجد القارئ العزيز روابط هذه المراجع أسفل هذه السطور، ومن يجيد اللغة الإنكليزية فليقرأ محتويات تلك الروابط، وسيجد أن كل ما فيها مجرد جبل من الأوهام بناه التطوريون على أحفورة لجمجمة سمكة، وجدوا فيها فتحة أعلى رأسها، فصاحوا كما صاح أرخميدس: “وجدتها.. هو ذاك” وكأنّ هذه الفتحة هي الدليل القاطع على أن كل الكائنات البرية التي تجري على أربع وتتنفس الأوكسيجين من الهواء برئتيها، أصلها أسماك كانت تسبح بزعانفها وتتنفس الأوكسيجين من الماء بخياشيمها. وهذه مراجع الكاتب، فاقرؤوا لتتأكدوا.

إن ما نستنتجه من السطور أعلاه، هو التأكيد للقاعدة المعروفة: (ما بني على باطل فهو باطل)، لأن بطلان الأدلة العلمية على خرافة التطور سيؤدي بالتأكيد إلى بطلان وتهافت كل ما بني عليها.

مصادر تطورية حول جمجمة السمكة:

https://www.nature.com/articles/ncomms4022

http://www.australasianscience.com.au/article/issue-april-2014/first-breath.html

https://www.dailymail.co.uk/sciencetech/article-2547404/Land-animals-learned-breathe-air-UNDERWATER-Ancient-fish-ancestor-used-large-valves-head-suck-air.html

http://www.australasianscience.com.au/article/issue-april-2014/first-breath.html

https://www.cambridge.org/core/books/evolution-and-development-of-fishes/evolution-of-air-breathing-and-lung-distribution-among-fossil-fishes/421CE830FE383279BE94CE98F97DB79B

التعليقات

تعليقات

0 ردود

اترك رداً

Want to join the discussion?
Feel free to contribute!

اترك رد