لعبة الحبار بين الترفيه والإجرام
ما هي إلا ساعات من توقيت نشر المسلسل الكوري الجنوبي “لعبة الحبار” حتى بلغت مشاهداته رقمًا قياسيًّا فاق عشرات الملايين، وقد اشتهر مسلسل لعبة الحبار، بشكل ملفت للانتباه لدرجة أنك لا تكاد تتحرك في الفايسبوك أو اليوتيوب إلا وقد ظهر لك مقطعٌ منه.
بسبب شهرته الكبيرة انتابني الفضول لمعرفة محتواه وقصته، فشاهدت المسلسل كله دفعة واحدة في ليلة واحدة خلال 9 ساعات وهو عدد الحلقات إذ أن زمن كل حلقة ساعة واحدة، وبناء عليه أستطيع التعليق عليه بعلمٍ وذلك أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره.
إشارات وتعقيبات
من جملة الأمور التي ينبغي التنبّه إليها أن فكرة المسلسل –برمتها- مشابهة لفكرة أنمي ياباني اسمه كايجي ويوجد مسلسلات أخرى أيضاً من الأنمي والتمثيل تقدم أفكارًا قريبة من الموضوع بتناولات متعددة، ومن المعروف أن لعبة الحبار تدور حول منظمة سرية عملها إغراء الفقراء والغارقين في الديون لسحبهم إلى أقسى أنواع القمار على الإطلاق “المقامرة بالأرواح” فإما الفوز بالمال الوفير وإما الموت أثناء المحاولة، إلا أن أنمي كايجي تضمن التعذيب والعقوبات بينما مسلسل لعبة الحبار ليس فيه إلا القتل.
إن هذه المنظمة من حيث المبدأ تشبه منظمة موجودة على أرض الواقع تنشط عبر النت المظلم -دارك ويب- ويدعى موقعهم الغرفة الحمراء -ريد روم- إذ أن وجه التواطؤ في المبدأ العام هو إهلاك الناس لغرض التسلية والاستمتاع بألمهم وأنينهم وبذل الأموال في سبيل ذلك، أما أوجه الاختلاف ففي نوعية الألم ما بين تعذيبٍ وقتل واختطاف واستدراج وإعطاء فرصة للنجاة وعدم إعطائها.
إلى جانب ذلك فقد كانت الفتاة الأنقى في المسلسل والتي نالت التعاطف الأبرز هي فتاة تكره مبدأ الربوبية ووجود الإله والمتدينين وتطرح شبهاتٍ لا دينية تبنيها على بعض المغالطات المنطقية التي لا ينتبه لها في الغالب معظم المشاهدين لهذا الفيلم، وهذه الأطروحات غير موجهة للمسلمين وإنما لجنس الديانات حتى ولو كان المثال المستهدف الديانة البوذية وحدها، نظرا لكون المسلسل كوريا، هذه الفتاة تضحي بحياتها لتنجو فتاة أخرى في المسابقة، بينما الراهب المتدين في المسابقة يضحي بالأبرياء لينجو هو.
ولكي لا ينتقد المشاهد هذه الفتاة تبرر موقفها بأنه ناتج عن صدمة اعتداء أحد الرهبان عليهم أو تدميره لحياة أسرتها وحياتها بالكامل.
إلا أن النقطة الأخطر في هذا السياق هو محاولة المخرج أن يصنع لصاحب المسابقة القاتلة هذه تسويغًا ما حتى ولو لم يؤكد على تأييده إذ جعل البطل معارضا له في الجزء الأول ولما يصدر الجزء الثاني بعد، ولكني أكاد أجزم أن الجزء الثاني أو الأجزاء التالية ستقود المشاهد أكثر فأكثر للتعاطف مع المجرمين صنّاع اللعبة.
وتر التعاطف
ينبغي التنبه إلى أن المسلسل حرص على إثارة الكلمات والمشاهد التي تجر إلى التعاطف مع فكرة المسلسل ولو كانت التفاصيل الداخلية متناقضة مع الطبيعة البشرية –التعاطف مع المجرم مثلاً- ويمكن الإشارة إلى ذلك إجمالا، مثل قضية اعتماد اللعبة على التصويت والديموقراطية، فمن حق المتسابقين أن يصوتوا على قرار التوقف عن المتابعة فإن وافق الأغلبية على ذلك توقفت اللعبة، وكذلك فإن المتسابقين لم يشاركوا في اللعبة إلا باختيارهم.
حاولت مشاهد المسلسل إظهار الشر الكامن في المتسابقين أنفسهم وذلك بقتلهم لبعضهم بعضا وكيدهم لبعضهم البعض طمعا في زيادة نصيبهم في المال، وذلك على خلاف مؤسس اللعبة ورأسها الأعلى الذي كان حريصا على العدل والمساواة بين اللاعبين –ضمن تسويغات تناقض فكرة العدالة ذاتها- لذلك فقد قام بقتل بعض الموظفين الذين كانوا يسربون فكرة الألعاب القادمة لأحد المتسابقين مقابل مساعدته لهم في تشريح جثث الموتى لبيع أعضائهم، فقال: “لا يهمني بيعكم لتلك الأعضاء أو إحراقها مادام أصحابها قد ماتوا ولكن الذي آلمني خرقكم للنظام الأساسي لهذه اللعبة وهو العدل، إذ أن هؤلاء البؤساء المساكين لم يُمنحوا فرصا عادلة في الحياة ليكسبوا أموالهم ونحن هنا نعوضهم عن ذلك الظلم لنعطيهم فرصا عادلة للنجاح يتساوى فيها الجميع”.
هذا الرأس الكبير لا يعرفه المشاهد بشخصيته أو بكونه مؤسس اللعبة وقائدها الأعلى، إلا أنه سيتعود على مشاهدته لاعبا يتحمل كل الصعاب كما أنه وضع نفسه في ذات الخطر الذي وُضع فيه أولئك الفقراء ليعبروا بذلك عن عدله في اللعبة ومساعدته لبعض الطيبين فيها للنجاح، وبذلك ينسى المشاهد مئات الضحايا الذين ماتوا بسبب هذه اللعبة، خاصة الذين قُتلوا في أول مسابقة ولم يكونوا يعلمون بوجود القتل فيها.
إن هذا المسلسل -أو تصميم القوانين التي بثّت فيه- يبعث في النفس حب القتل والتمتع به، كما أنها تميت القلب وتزيده ظلاما، كما أن الأفكار التي يبثها هذا المسلسل خطيرة جدا على الوعي واللا وعي ولكن معظم الناس لن ينتبهوا إلا لجانب المتعة والتسلية في متابعة هذا المسلسل.
ليس سبب كتابتي للمقال هو الحث على عدم مشاهدة المسلسل أو مشاهدته وإنما أردتُ التنبيه على هذه النقاط، حتى إذا وُجد من شاهد هذا المسلسل من قراء مقالي هذا أمكنه الانتباه لها أو تنبيه غيره عليها، حتى لا يسلّم عقله لمثل هذه الأفكار الخطيرة من دون أي مقاومة فكرية.
اترك رداً
Want to join the discussion?Feel free to contribute!