لطالما أحسست بالشفقة على نساء الغرب

image_print

أصبح موضوع حقوق المرأة وحريتها المُتصدّر الأكبر لبرامج الإعلام ومناقشات مواقع التواصل الاجتماعي وحتى ندوات ودورات المنظمات المهتمة بتنمية مجتمعاتنا وبمساعدتها ودعمها، والعناوين الغالبة عند طرح مشاكل النُّسوة هي عناوين كـ “تنظيم الأسرة” و”المرأة والعنف” و”المساواة في العمل” وكأنّ هذا هو أكثر ما تحتاجه النّساء الآن، غير آبهينَ بمحيطهنّ ووضعهن المعيشيّ، فإن نظرنا لحال أكثر الأمكنة التي تُقام فيها ندوات تلكَ المنظّمات مثلاً أو محيطِ تلكَ المرأة المقصودة بعناوين مواضيعهم، نَجدهُ يعاني من الفقر وشحّ المواد والماء والكهرباء، ومن الممكن أن تكون أقربَ مدرسة لهم تبعد عنهم عدداً من الكيلومترات، ويُعاني الجميع في تلك المنطقة من سوء الوضع الصحيِّ وليس فقط النساء، فكيف لشخصٍ أن يُلقي محاضرةً  للمحافظة على الصحّة لآخرَ وهو على شرفات الموت ويَنهشُ جسده المرض.

من الملاحظ أيضاً  أنّ الحلول والمشاكل المطروحة في غالب الأحيان بعيدٌة كل البعدِ عن الواقع، فكَمَن يُطالب شخصاً بالتحرُّر من سجنه، ويداه مُكبَّلتان بالأصفاد، وإن أعطيته المفتاح ليحرّر نفسه إلى حياةٍ ورديَّةٍ تنتظرهُ بزعمهم سَيخرجُ فلا يرى إلا السَّواد.

قضية المرأة حصانةٌ وطريقٌ للشهرة
مما لا شكّ فيه أنّ التركيز الشديد على قضية المرأة ليترَاءى لنا أنّها مُشكلتنا الوحيدة، جعل هذه القضية بمثابة الحَصَانة لكلّ شخص يَتَبنَّاها، بل إن كثيرًا منهم بمجرّد اهتمامهم بها يضعون أنفسهم على أول طريق الشهرة، لذا لا نستغرب كثرةَ المسارعين لركوب هذه الموجةِ،  فكلُّ ما يحتاجه الشخص هو التَعريفُ باختِصاصِه وإردافُهُ بعبارةِ “مهتَمٌّ أو مهتَمّةٌ بقضايا المرأة” ليتصدّر اسمه صفحات مواقع التواصل الاجتماعي ويمتلك ضوءًا أخضرَ عن كلّ ما يقدّمه من مواضيع ومشاريع،  حتى وإن كانت مواضيعه المختارةُ بعيدةً كلّ البعد عن القضيّة المُتبنّاة.

وأولّ وأكثر راكبي هذه الموجة طبعاً هم من النّساء المُعتَدِّات بنجاحهن أو المؤثرات، فتراهم يحملن راية الدفاع عن النساء في كل منشورٍ ومقابلة ومقال، كما أن صفحاتهن على مواقع التواصل الاجتماعي بَاتت المتحدّث الأول والرسميّ في قضايا المرأة.

الشهرة

تخبّط مستمرّ دون أهداف واضحة
كلُّ ما نراه لا يخرج عن كونه منشوراتُ تعاطفٍ وإثارةٌ للقضية، طبعًا مع وصف معارضيهم بالجهل والتخلّف والعداء المرأة، وفي أنفسهم يعيشون حالات من التخبّط، فلا يستطيعون أن يكونوا كالمرأة الغربيّة ولا أن يرضوا الشرقيّة.

يحاولون أن يُقَولِبوا الخطابات المعتادة لتناسب عقولنا فيوهِمُوننا بأنّ أفكارَهم نابعةٌ من الدين، فتراهم يستشهدون بالآيات والأحاديث المُكرِّمَة للمرأةِ تارةً، ثمّ يَنقُضُونها بِحجّة أهميّة تجديد الخطاب الدينيّ، وأنّ التفاسيرَ القديمة ذكوريّة تارةً أخرى، ويتمسّكون بأيّ مفكرٍ وعالم مُدَّعٍ يُفسّر النصوص كما يريدون، فعندما نَاسبوا المتطلّبات الحديثة للمرأة، لم تعد تناسبهم تعاليم دينهم، ووقعوا في ريبةٍ واتّهامات لم يستطيعوا التخلصَّ منها.

لقد وصلَ الأمر ببعضهم ممن تأثّر بهذه الخطابات –وإن بالقليل- أن يقف في صفِّ المرأة حتى لو أخطأت وظلمت وقتلت، ولا يوفّروا جريمةً قامت بها امرأةٌ بحقّ أحد إلا ويلصقها برجل ادعوا أنّه ظلمها وكأنّها لا تستطيع أن تتجاهل مشاعرها فلا تُحق الحق ولا تجتنب الباطل. وما مثلهم إلا كمثل من قال الله فيه: {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ۚ فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: 85]

هل الرجل هو المشكلة، أم الحلول غير المنطقيّة؟
ظلم الرجال هو المشكلة، هكذا يقولون! إلا أننا نرجح أنهم لا يعرفون جوهر المشكلة ولذا فإنهم يردِّدون المعتاد، وجريًا على ذلك يَنصحون المرأة بتقوية شخصيّتها، والحصولِ على حريّتها عن طريق التمرد وتحصيل الشهادات العلمية والاستقلال المادي، وكأنّ لديهم ضماناتٍ بأنّ كلّ امرأة نالت الشهادات فإن ذلك سيُوصلها لأعلى المناصب، وأن كلُّ عملٍ ستعمله سيكون مُريحاً بعيداً عن الذئاب البشريّة، يُدرّ عليها الأموالَ التي ستكفيها ذُلَّ السؤال.

هذا خلطٌ واختزال، والقائلون بذلك لا يُجيدون سوى إثارة المشكلة وإعطاءِ حلولٍ ليست إلاّ مُخدِّراً يُبعد المرأة عن الواقع قليلاً، كلّما ذهبَ مفعوله زِيدَت الجُرعة وربما تصل به إلى أن تقتل صاحبها أحيانًا.

المرأة الغربية مثالاً أعلى
إن كانت مشكلة النساء هو التسلُّط الذكوريّ، فلماذا لا زالت المرأة في الغرب تتذمّر بعد أن وصلت للمساواة رغم أنها تتقلّد المناصب الكبرى وتحقق استقلالها المادي؟ وبتنا نرى الحملات المضادّة للتحرّر لأنها بعدما وصلت المرأة لمآس متنوّعة في ظل “التحرر”.

والحقيقة أنّه كلّ ما مرت بي السنوات -وأنا أعيش بينهم- ازداد شعوري بالشّفقة على حال المرأة في أوروبا، إذ لم أرَ بعدُ امرأةً سعيدة باستقلالها حقاً، وجلّ ما رأيته نساءً تقدّم بهنّ العُمر نَدمن على ما فاتهنّ من سنين لم يَقضينها مع أطفالهنّ، ولم يستمتعن بأمومتهنّ، إذ كان هَمهنّ منصبًّا على تَحصيلُ المال .

ولن أنسى يوماً نبرة صوت الصحفيّة الممتلئةِ بالحزن عندما تحادثنا قليلًا لتخبرني بأنّها تعمل كثيراً ولا تُحصّل إلّا القليل فهي مُضطرة لإطعام أطفالها الثلاثة بعد أن تَطلّقت، ويوجد مثل حالها الكثير.

فهل شاهدوا الفتاة التي تَحمل الصناديق وهي حاملٌ لأنّه عملها، أم الفتيات اللّاتي يَحمِلن في سنّ المراهقة لتصبح مسؤولةَ عن نفسها وطفلها، فَلِأبِ الطّفل الحقُّ في الانسحاب إن أراد فلا زواجَ قانونيّ في هذا العمر، هل علموا عدم شعورها بالأمان إذ تخرج كثيرٌ من الفتيات من منازلهن بسلاحٍ أبيض، وهل شاهدوا فرحة المسلمة الأجنبيّة عندما يخبرها زوجها أنه سيتكفّل بمصروفها ولن تُضطر للعمل بعد الآن.

أعتقد أنّهم لا يعرفون عن هذا الواقع شيئاً، فإن تَخلّصت الغربيّة من ظلمٍ ظَهر ظلمٌ آخر ومشاكلُ أخرى أشدُّ، حيث تمتدّ لتشملَ المجتمع بأكمله كعدمِ الزّواجِ وانخفاض عددِ المواليد حتّى هُدّدوا بالشيخوخة التي تكاد تفني المجتمع…

إذاً هُم فعلاً لا يعلمون أين المشكلة وهذا لا يَشفع لهم، أو لعلهم يعرفون لكنهم يتجاهلون السبب الرئيسيّ وهذا أشدّ وأعظمُ، فالسّبب الرئيسيّ والمشكلةُ هيَ غياب الدّين وعدمُ مخافةِ الله، وما يتبع ذلك من انتشار الظّلم وضياع الحقوق والعدل كما قال سبحانه وتعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ} [طه:124]

ما الجدير فعله لقضية المرأة؟
أنطلق ههنا من تساؤل: إن كان همُّ النسويين المرأة في بلادنا حقًّا، أفليسَ الجديرُ بهم المُطالبة بتحسين وضعها ووضع عائلتها المعيشيّ؟ أليس الأولى بهم دعمها في المدارس والمواصلات حتى تستطيع التعلّم، أو أَن يَحُثُّوها على التَّفقُّهِ بدينها، والتعرّف على واجباتها ومسؤوليّاتها قبل حقوقها؟

لماذا لا يطالبون ببيئةٍ مناسبةٍ لعمل المرأة تراعي ضَعفها وحاجاتها تُبعد عنها الفتنة وعن أبناء المجتمع؟ لماذا لا يُطالَب بمراكز تَحمي أو توفّر المال والأمان للأرامل والمطلقات اللّاتي ليس لهنّ أحد؟  ولماذا لا يُذَكّرُونَها باتّقاء الله واتّباع أوامره؟ و لماذا لا يُطالب أصلاً بالحقوق للجميع فَفي العالم من الظّلم ما يكفي.. والأسئلة هنا لا تنتهي!

لا.. ليس هذا هَمُّهم، فَما هُم إلّا أدواتٌ لِتَمهيد طريق الفساد، الطَّريقُ الذي مَشى فيه من قَبلنا فَأوصلهم للقاع !!

فإن كون المنتقد من النسوة أو من المهتمّين بشؤونها لا يعني قدرته على حمل رايتها، وتقديم العلاج المناسب لها، ولا يعني ذلك استطاعتهم الإمساك بيد كلّ مُستغيثةٍ لإيصالها لطريق النجاة، ولا يعني أن يكون لهم الحقّ في تحديد سنّ الزّواج، في النُصحِ  بالطّلاق، أو في تحديد عَدد الشّهادات الّتي يَجب للفتاة تَحصيلها، ولا في تَشجعيها على الإجهاض، ولا في أن يَضعوا حدّاً لعدد الأطفال في كلِّ عائلةٍ والفُروق بينهم، ولا أن يَصِفوا كلّ امرأةٍ تخالفهم بالجهل، ولا أن يَرسُموا لكلّ فتاةٍ الطريق الذي يجب أن تكون عليه حياتها.

إن الطريق بيِّنٌ، وحقوقنا -نحن النسوة- وواجباتنا ومسؤولياتنا مستمدّةٌ من شرع الله سبحانه وتعالى الذي وَضَع حُدوداً ليس لأحدٍ أن يَتجاوَزها، وأعطانا حقوقاً لا يحقُّ لأحدٍ أن يَمنعها عنا، ومن يفعل ذلك فحسابه عند ربه الأكبر العادل الرحيم، وقدوتنا هو الرّسول صلّى الله عليه وسلّم ونتعلّم من سير الصّحابة وأمّهات المؤمنين، ومن ثمّ فإن واجب الوقت أن لا يتكلم بشؤون النّساء إلّا أهلُ الحكمة والعلم ممن يعرف حدود الله ونواهيه ليَقف عندها يُفصّلُ الحقّ والواجب، فلا يحرّم ما أحلّه الله، ولا يأتي بكلامه إلّا من القرآن والسّنّة.

المرأة أساسٌ في بناء الأمّة
مساهمة المرأة في بناء هذه الأمّة تبدأ في تجنّب التفكير بنفسها فقط، فهيَ فردٌ وجزءٌ من أسرةٍ ومجتمعٍ بَل هي عَمودٌ أساسيّ في كل ذلك، يَبتَدئُ الإعمار منها بإصلاح نفسها وتزكيتها أوّلاً، وباهتمامها بِما سَتُسأَلُ عنه يوم القيامة، فَلا تَنهضُ الأُمَم بإعطاء الحقِّ لإنسانٍ دون غيره ولا بالعدل لفئةٍ دون غيرها، فكلُّنا نُبحر في سفينةٍ واحدة.

لا تكوني -أيتها الأخت- أسيرةً لجهلِ البعض الّذين أَضلّهم الشيطان ليُضلُّوا غيرهم، وإن مرَّت بك مشكلةٌ أو شكٌّ فإن أكثر ما تحتاجينه هو الصّبر والحكمة واللّجوء إلى الله وسؤال أهل العلم ومن تثقين بهم من ذوي الفضل، ولا أحد يطيق الظّلم، هذا أمرٌ بدهي! ولكنّه واقعٌ موجود لا يفرّق بين جِنسٍ أو لون، سنبقى نعاني منه ما دام هناك بشر لا يَخاف الله، ولا يتّبع الإسلام وسنة النبيّ صلّى عليه وسلّم.

إن شعورنا بالظّلم لا يعني أن نظلم غيرنا وأَنفسنا، ومن هنا فإنه ينبغي الحذر، كما جاء في قوله تعالى: {وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلّاق:1]، {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} [النّحل:118]

 

التعليقات

تعليقات

0 ردود

اترك رداً

Want to join the discussion?
Feel free to contribute!

اترك رد