لا تكن رجلا شرقيا!

image_print

”لا تكن رجلًا شرقيًّا” لطالما ترددت هذا الجملة على مسامعنا في الآونة الأخيرة، سواء على مواقع التواصل الاجتماعي أو في المسلسلات الدرامية أو حتى –ربما- من أصدقائنا وأقرب الناس لنا في حياتنا اليومية.

فمن أين جاء هذا المصطلح؟

الرجل شرقي هو مصطلح جديد يطلق غالباً على الرجال الذين يحملون صفات معاكسة للرجل الغربي، إذ يقال إن الرجل الغربيّ يتصف بالانفتاح وعدم التزمّت واحترام حقوق المرأة، أما الرجل الشرقي فهو الذي يكبت المرأة من نيل حقوقها ويغار عليها سمعتها في المجتمع بشدة، ومن ثمّ فإنه يفرض رأيه عليها ويحرمها من حقوقها ويهينها.

أصبح اليوم هذا المصطلح وصمةً تلازم الرجل المسلم عامة والعربي خاصة [1] وبالرغم من البحث المطول عن تاريخ إطلاق هذا المصطلح إلا أنني لم أجد أي مقال يتحدث عن هذا الموضوع، ولكن لا أحسب أنه ثمة مانع من الإشارة إلى أن استدعاء المصطلح يتناسب مع أهداف الحركة النسوية –سأتطرق لذكرها لاحقاً-، ولذا يمكننا أن ننسب تاريخ اشتهاره مع بدء تسرب أفكار هذه الحركة إلى بلادنا والترويج لها.

لماذا يُروَّج لهذا المصطلح؟
لن يكون صادمًا أن يقال: إن تفكيك روابط الأسرة المسلمة من أحد أهم أهداف نشر هذا المصطلح، حيث قام الإعلام بتسليط الضوء على سادية ونرجسية الرجل مقابل الإصرار على إظهار -ما يرونه- معاناة المرأة منها بالرغم من أن معاناة الغربيات لم تكن سائدة في مجتمعنا الإسلامي حينها. ولكن وبسبب تضخيم هذه المشكلة بالمزامنة مع انحراف بعض الرجال في مجتمعات المسلمين وانتشار أفكار النسوية وضعف نظم الحكم الإسلامية، أدّى ذلك إلى تصعيد الدعوة لتمرد النساء.

وعلى صعيد التصرفات التي أدت لترسيخ هذا المصطلح في بلادنا ما اتصف به الكثير من الرجال كالشعور بالخجل إذا عرف أحد ما أسماء بناتهم أو أخواتهم أو أمهاتهم، أو ما بات يعرَف في أوساط كثير من المجتمعات أنه من المعيب على الزوج مساعدة زوجته في البيت! أو استمرار تهديد النساء بالتعدّد، فيقوم بكسر قلب زوجته (الصالحة) قاصدًا كان أو غير قاصد.

ولكن ماذا يقول الشرع عن واجبات الرجل تجاه أسرته؟

يقول الله سبحان وتعالى {ولكم في رسول الله أسوةٌ حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيراً} [الأحزاب ٢١].

إذاً فلابد من اتخاذ رسول الله قدوة في جميع أمور حياتنا وأهمها الأسرة التي هي أصل المجتمع، حيث كان رسولنا الكريم خير الناس لأهله وهو ما أثبته لنفسه فقال عليه الصلاة والسلام (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) [أخرجه ابن ماجه في السنن برقم 1977]، وقد حدثتنا السيدة عائشة رضي الله عنها عنه حين سئِلت عن أعماله في المنزل، فقَالَت: (كَانَ بَشَرًا مِنَ الْبَشَرِ يَفْلِي ثَوْبَهُ، وَيَحلب شَاتَهُ، وَيَخدمُ نَفْسه) [أخرجه أحمد في المسند برقم 26194].

ولنضف ههنا أنه لو كان من العيب أن تعرَف أسماء نساء المسلمين بشكل عام لكان الرسول أحق بأن يكتم عن أسماء زوجاته عنا وهو قدوتنا.

من الصحابة الذين مشوا على خطى النبي عليه الصلاة والسلام الصحابي الجليل سعيد بن عامر، حيث ولاه الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه على حمص، وحين زارها ليتفقد حال أهلها سألهم عن أميرهم فشكوه قائلين “لا يخرج إلينا حتى يتعالى النهار” فكان ردّه رضي الله عنه حين اجتمع به:

“أما قولهم: إني لا أخرج إليهم حتى يتعالى النهار، فو الله لقد كنت أكره ذكر السبب، إنه ليس لأهلي خادم، فأنا أعجن عجيني، ثم أدعه حتى يختمر، ثم أخبز خبزي، ثم أتوضأ للضحى، ثم أخرج إليهم” فتهلل وجه عمر وقال: الحمد لله” [3].

إن اللافت للانتباه أن الرسول عليه الصلاة والسلام خاصة والصحابة رضي الله عنهم عامة كانوا يحملون على عاتقهم هم الدعوة والجهاد بالإضافة إلى العمل لكسب الرزق ولكنه لم يذكَر بأنهم كانوا يتكبرون على زوجاتهم أو يهينوهنّ، بالرغم من أن هموم الرسالة التي يحملونها أكبر بكثير من همومنا في العصر الحالي.

القوامة تكليف أم تشريف؟
لا يخفى أن الله في القرآن الكريم قال: {الرّجالُ قَوّامونَ على النساءِ بما فَضّل اللهُ بعضَهُم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم…} [النساء:34] وقد أثيرت الشبه حول هذه الآية كما أن بعض التفسيرات جنحت بها إلى جعل بعض الرجال يتعالون على زوجاتهم بدعوى أن الله فضّلهم عليها في أصل الخلقة دون إدراك منهم أن الله يأمر في هذه الآية بالعدل وأداء الحقوق والواجبات.

القوّام –وفق الشيخ بسام الجرار- “هو من يكثرُ القيام”، وحين يقال “فلان صوّامٌ قوّامٌ”، فذلك يعني أنه كثير الصيام والقيام، وعليه فإنّ من أهم وظائف الرجال بنص القرآن كثرة القيام على شؤون النساء.

من اللافت هنا أنّ الصيغة التي جاءت بها الآية هي صيغة تقرير مُشْعِرةٌ بأنّ الأمر قانون فطري بقوله “بما فَضّل اللهُ بعضَهُم على بعض” حيث يذهب كثير من أهل التفسير إلى أنّ المعنى المراد هو: “بما فضلهُم عليهنّ”. إلا أن النّص القرآني يشير إلى مراده بغاية الوضوح، فالتفضيل ليس لجهة دون أخرى أي أن التفضيل لكلا الطرفين فالرجل مُفضّل على المرأة، والمرأة مفضّلة على الرجل، وذلك في إطار أداء الأوامر واجتناب النواهي، إذ إن الفضل في اللغة هو الزيادة.

لا شكّ أنّ لدى الرجل زيادة شاءها الخالق الحكيم لتتناسب مع وظيفته، ولدى المرأة زيادة تتناسب مع وظيفتها. وعليه لا نستطيع أن نُفاضل بين الرجل والمرأة حتى نُحدّد الوظيفة، تماماً كما هو الأمر لدى الطبيب والمهندس؛ فإذا كان المطلوب بناء بيت فالمهندس أفضل، والطبيب أفضل لوصف دواء الأمراض، وهكذا [4] فأين الناسُ اليوم من إدراك هذا.

بكل تأكيد فإنه ليس جميع الرجال سيئين وكذلك فإن كل النساء لسن صالحات، فلكلً حقوقه وواجباته، ولإنشاء مجتمع إسلامي صالح مبني على نهج القرآن وسنة رسول الله عليه الصلاة والسلام لا بد من تكامل الطرفين، ومن ثمّ نقول لكل مسلم لا تكن رجلاً شرقياً كما يفهمون ويروّجون، ولكن كن مسلماً تقياً قواماً على النساء بما فضّل الله.


المصادر:

[1] ماهي صفات الرجل الشرقي وكيف تتعاملين معه؟، موقع ليالينا، تاريخ النشر: ٢٤/١١/٢٠١٩

[2] صفية بنت عبداللطيف با وزير, المرأة وقضايا الإعلام، موقع “وفا”، تاريخ النشر: ٠١/٠٩/٢٠١٦

[3] أسماء طباع، نجوم في فلك النبوة، ص: ٢٠١- 203.

[4] بسام الجرار، هل القوامة حق للمرآة، ٣٠/٧/٢٠١٨ منشور على موقع الشيخ بسام جرار.

 

التعليقات

تعليقات

0 ردود

اترك رداً

Want to join the discussion?
Feel free to contribute!

اترك رد