كيف ندرب أدمغتنا على اكتساب العادات الجيدة وترك السيئة؟

منح الله تعالى أدمغتنا القدرة على الاعتياد، وجعل لهذه القدرة جانبين على النقيض، فهي ميزة جيدة عندما يوظفها الإنسان في الاعتياد على ما ينفعه، وهي أيضا ابتلاء صعب قد تتعلق بما هو ضار، ولا سيما عندما تصل حد الإدمان.

كشفت دراسة أجرتها جامعة ديوك Duke University عام 2006 أن نحو نصف تصرفات الإنسان اليومية هي عادات يكررها باستمرار، بحيث لا يشعر بتكرارها وكأنه ينفذها آلياً[1]، وهذا أمر جيد لأنه يريح الإنسان من عناء التخطيط لكل ما يقوم به من تصرفات روتينية، كما يوفر عليه مهمة التوجيه والمراقبة والحذر في كل تصرف، فالعادة تجعل من السهل علينا أن نستحم ونرتدي ملابسنا ونعدّ قهوتنا وطعامنا دون تركيز.

قد يحدث أمر مفاجئ في حياتنا فيكسر الروتين المعتاد بشكل غير متوقع، فمثلا قد نعوّد أنفسنا على الالتزام بالطعام الصحي في حمية غذائية طوال شهر كامل، ونقاوم كل العروض المغرية بالتهام الحلوى، ثم يعرض علينا شخص ما قطعة حلوى بشكل عابر فنعجز عن المقاومة.

وفي المقابل قد نكتسب عادة جديدة بسرعة مفاجئة، وبأقل قدر من الجهد والتدريب، حتى يصبح من الصعب التخلص منها. لكن الأصل في آلية عمل الدماغ هو أنه لا يعتاد على الشيء دون تكرار ورغبة وإرادة، كما أنه لا يتخلى عن العادات السابقة دون عزيمة.

21 يوما؟!
في الستينات انتشر كتاب للمؤلف ماكسويل مالتز يزعم فيه أنه يمكن لأي فعل أن يتحول إلى عادة في الدماغ بمجرد إجبار النفس على تكراره لمدة ثلاثة أسابيع، أي 21 يوما، لكن هذه الوصفة التي تتكرر كثيرا في دورات التنمية البشرية ليست صحيحة، وثبت مؤخرا خطؤها، فمثلاً بعض السلوكيات الصحية البسيطة مثل شرب كأس من الماء قبل كل وجبة قد يتطلب تكراره 18 يومًا فقط حتى يتحول إلى عادة طبقًا لإحدى الدراسات الحديثة، بينما تحتاج بعض العادات الأخرى مثل ممارسة الرياضة إلى التكرار لعدة شهور، وربما تصل إلى عام[2].

ويقول عالم النفس جيرمي دين في كتابه “صنع العادات وكسر العادات” Making Habits, Breaking Habits إن نظرية تكوين العادة خلال 21 يوماً هي مجرد خرافة، ويضيف أن العادة تستغرق في المتوسط 66 يوماً لتتشكل. بينما تتطلب العادات الأصعب، مثل التعود على تمرين عضلات البطن خمسين مرة كل صباح حوالي 84 يوماً، وذلك وفقا لدراسة أجرتها جامعة لندن.

لكن هذه الأرقام قد  تختلف من شخص لآخر كما يقول “دين”، فالاعتياد يتعلق بقدرة كل شخص على استيعاب سلوكه وبظروف بيئته وصحته الجسدية ونمط غذائه، وعلى تأثير هذه العوامل مجتمعة على دماغه.

خطوات تشكيل العادات الجيدة
1- ضع إشارات لدماغك كي يتصرف تلقائياً: عليك أن تدرب دماغك على تكرار العادة الجديدة عبر تشكيل سلسلة من الأحداث قبل أن يبدأ تنفيذ العادة، فالتكرار يتسبب في قطع سلسلة استجابات دماغك من الذاكرة، والدماغ لا يتعامل مع العادة لوحدها بل يربطها بشبكة من التصرفات، وعند قيامك بهذه التصرفات مع تكرار يومي فإنها تتحول إلى عادة تلقائية.

فإذا أردت أن تعوّد نفسك مثلا على الركض فلا تؤجل هذا الفعل إلى أوقات الفراغ التي تتخلل واجباتك اليومية، فقد تطرأ عليك أمور أخرى تشغل وقتك، بل ضع برنامجا محددا لتوقيت الركض كل يوم، واترك حذاءك الرياضي في مكان بارز ليبقى دماغك مستعدا، ومارس تمارين الإحماء قبل بدء وقت الركض، واشرب كأسا من الماء في وقت محدد أيضا استعدادا للركض، وهكذا تتحول سلسلة هذه الأفعال إلى محفزات تخبر عقلك أنه “حان وقت الركض”، حتى يصبح الركض عادة روتينية[3].

2- كافئ نفسك: أظهرت دراسة صادرة عن معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT عام 2005 أن العقد القاعدية basal ganglia، وهي منطقة في الدماغ ترتبط بالعادات، تكون أكثر نشاطاً في بداية ممارسة العادة وعند نهايتها، لذا يبنغي تحفيز دماغك قبل البدء عبر سلسلة المحفزات المذكورة سابقا، ثم تقديم مكافأة لنفسك في النهاية لترتبط العادة بشيء محبب إلى نفسك[4].

لذا ننصحك بأن تكافئ نفسك في نهاية المهمة لتحويلها إلى عادة، فمثلا بعد ممارسة رياضة الركض قدم لنفسك مشروبا منعشاً تحبه، أو مارس أي هواية ترتاح لها نفسك. والمهم أن تأتي المكافأة في نهاية المهمة مباشرة حتى ترتبط بها في دماغك وتحفزك عليها.

 

خطوات ترك العادات السيئة
1- ابتعد عن كل ما يحفز العادة السيئة، فمثلا إذا كنت معتادا على التدخين على شرفة منزلك، فابتعد عن الشرفة في الفترة التي تحاول فيها الإقلاع عنه.

في دراسة أُجريت على جنود أميركيين عادوا من حرب فيتنام تبين أن 20% منهم كانوا مدمنين على الهيروين عندما كانوا يخدمون خارج البلاد، ولكن 5% فقط واصلوا الإدمان بعد عودتهم للوطن، فالتغير في البيئة هو السبب الأهم.

2- استبدل النمط القديم بنمط آخر جديد، فإذا تخليت عن مشاهدة التلفاز الذي كان يقدم لك وسيلة للاسترخاء فيمكنك أن تخصص فترة الاسترخاء للتأمل أو القراءة كي لا تخسر مشاعر الراحة التي كان التلفاز يوفرها لك.

يقول تشارلز دويغ في كتابه قوة العادات The Power of Habit “إذا لم تتعمّد العمل على مكافحة العادة  السيئة لديك، أي ما لم تجد روتيناً جديداً، فإن نمط العادة السيئة سيهيمن تلقائياً”.

3- ضع أهدافا واقعية يمكنك إنجازها، فلا تقل مثلا إنك ستقلع عن كل عاداتك السيئة خلال يوم واحد، ففي مطلع كل عام يعزم نصف الأمريكيين على تغيير عاداتهم، وثلث هؤلاء يرغبون بإنقاص وزنهم وأن يكونوا أكثر تنظيمًا أو أن يقعوا في الحب، لكن إحدى الدراسات تقول إن 8% فقط منهم يستطيعون تحقيق أهدافهم للعام الجديد، بينما يستسلم ربعهم بعد أول أسبوع[5].

4- استغل الأوقات المناسبة، مثل شهر رمضان وموسم الحج، فهذه أوقات ترتفع فيها قوة الإرادة وتتهيأ الأجواء المحيطة للتغيير، ما يمنح الصيام للنفس إرادة مضاعفة لترك الشهوات لأن الصائم يتخلى عن ملذاته الجسدية كلها لأكثر من نصف اليوم وعلى مدى شهر كامل. كما يمكن استغلال الإجازات مثلا للتخلي عن عادة مشاهدة التلفاز، واستغلال فترة الامتحانات ليتخلى الطلاب عن اللعب بألعاب الفيديو.

المهم هو أن يضع الإنسان في ذهنه أنه سيتخلى عن العادة السيئة كي يكون واعيا بالتغيير، وليقطع الروابط في دماغه بين المتعة والعادة السيئة، حتى لا يعود إليها عندما تزول تلك الفترة التي تخلى فيها عن عادته.


[1] https://www.dornsife.usc.edu/assets/sites/208/docs/Neal.Wood.Quinn.2006.pdf

[2] https://www.washingtonpost.com/opinions/five-myths-about-our-habits/2015/12/31/1f3ab244-ad93-11e5-9ab0-884d1cc4b33e_story.html?noredirect=on&utm_term=.62edeeb31b3b

[3] https://www.fastcompany.com/3035099/how-to-trick-your-brain-to-hold-on-to-positive-habit-changes

[4] http://news.mit.edu/2005/habit

[5] https://www.washingtonpost.com/opinions/five-myths-about-our-habits/2015/12/31/1f3ab244-ad93-11e5-9ab0-884d1cc4b33e_story.html?noredirect=on&utm_term=.62edeeb31b3b