عشر خطوات على طريق النهضة
“وقف الإنسان من الحضارة، ذلك الإنجاز الذي يُعدُّ أعظم إنجازٍ بلغته جهودُ البشريّة، موقفين متباينين: الرهبة والعجز، أو التفهّم والتخطيط”[1]، وإذا كنّا نذهب مع عديدٍ من دارسي الحضارات إلى المذهب الثاني مؤكّدين أنّ النهضة اختيار، ولكنّه اختيار جماعة وتيار؛ فإنّا نورد هنا عشر خطوات عمليّة بإمكانها أن تلخّص للشباب صفات جيل النهضة على صعيد الأفراد، لتكون بمجملها خطوةً أولى تُمكّن المُتعطِّش لنهضة أمّته من أن يخطوها، لعلّها تتحوّل إلى ظاهرةٍ ويتبنّاها تيّارٌ شبابيٌّ واثقٌ فيصنعَ تلك النهضة المنشودة بإذن الله.
1- الإيمان المطلق أوّلاً وقبل كل شيء كن مؤمناً؛ آمن إيماناً مطلقاً بالله، ولا تكتفي بأن تكون مسلماً. كن على يقين مطلق بالله، وليكن لديك إيمان العجائز أو إيمان الصحابة أو إيمانك أنت. الإيمان الذي يجعلك تجابه الباطل وتحق الحق، الإيمان الذي يهون عليك المصائب ويهون الدنيا كلها في عينك، الإيمان الذي يعينك على النهضة ويرقى بك وبالأمة. وهذه الخطوة تدعمها خطوة الصحبة الصالحة وقراءة سير الصالحين والدعاء ثم الدعاء. كن مؤمناً بفكرة التوحيد التي نهضت بأمة الإسلام قروناً؛ وآمن أنّ إيمانَك هذا سيؤثر بحدّ ذاته في النهضة، فالتاريخ في جوهره تاريخ الأفكار، ومحرّكه الأساسيَ ليس أكثر من فكرة!
2- اقرأ ثم اقرأ ثم اقرأ، لتبتني تلك الفكرة السليمة، ولتدعم ذلك الإيمان العميق اقرأ القرآن واقرأ المصادر القديمة فاطلع على أصول الأفكار ولا تسمح لأحد أن يبني عقلك بقراءاته، اقرأ واستجب لذلك الأمر الإلهيّ الأوّل الذي وضع حجر أساس النهضة حين نادى جبريل بمحمّد عليهما السلام (اقرأ).
3- الالتزام الديني: الالتزام بالمظهر الديني ليس محض ترف لجمع الحسنات، إنّه انعكاس لباطن مؤمن بالله أولا، واثق بأحكامه ثانيا، والشريعة في أصلها جاءت لبناء الحضارة فكل ما فيها يبتني الحضارة من جهة، الصلاة تنظم وقت المسلم وبذلك تكون قد قامت بتهيئة الانضباط بالمجتمع لا سيما صلاة الجماعة، والصيام يفرض على الصائم الإحساس بسواه من الجائعين، والزكاة هي الاقتصاد الإسلامي المثالي وهكذا.
4- أمتنا هي الأمة المسلمة كلها شئنا أم أبينا؛ فإذا أردنا لهذه الأمة أن تنهض فعلينا حقا أن نزهر حيثما زرعنا الله، وأن نتعصّب للأمة المسلمة بالولاء الذي يعمّق هذه الفكرة في النفوس، والبراء الذي يحمي الأمة ويحصّنها ممن يمكر بها مكراً.
5- لا للترف فالترف مفسدة، بعضنا تقتصر أحلامه على ثوب جديد وبنطال جديد وقبعة جديدة ولا بدّ للمسلم الذي يطمح لنهضة أمته أن يرتقي بأحلامه، وأن تكون نهضة الأمة والارتقاء بها جوهر أحلامه ومحرك سلوكه وغاية غاياته.
6- الصعوبة والتحديات، إذا كانت التحديات التي تخوضها أيّة أمة تؤثّر إيجاباً في نهضتها بل إذا كانت تلك التحديات شرطاً أساسياً للحضارة عند بعض دارسي الحضارات[2]، فإنّنا نقترح صناعة التحديات على الصعيد الشخصيّ آليّةً لصناعة رجل الحضارة، فكما أن جسم الإنسان يتدرب على الرياضة بالتمرين المستمر وبالتدرج وكلما كان قادرا على أداء التمارين الصعبة كان أكثر صحة وسلامة فكذلك عقله وروحه، فإذا رأيت كتابا صعبا، على صعيد المثال، لا تتركه بل ابحث عمن يساعدك في فهمه. اقرأه لمرات واقرأ لكاتبه كتاباً آخر، خض تحدياتٍ مع نفسك واستعن في ذلك بقصص العلماء الأوائل والمجاهدين المخلصين من الذين جعلوا عدمَ الخضوع للنفس وتربيتها ديدناً.
7- لا تترك فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فتلك واحدة من أهم المشاكل التي تسقط الأمم والتي ضيّعت أمتنا في الآونة الأخيرة خصوصاً كما أسقطت بني إسرائيل من قبل[3]. فإذا رأى أحدكم منكراً فليغيّره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان، كما ورد في الحديث الذي أمر بتغيير المنكر صراحةً، واعلم أنّ مباردتك تلك ستخجل مرتكب المنكر ستشعره أنه منكر وليس كل الناس تعمله وأنّ الحياة فيها صلاح باق ما بقيت السموات والأرض، ولعل هذا أن يكون رادعا له عن منكره، ولقد كانت هذه الفريضة هي الآلية التي أكسبت أمّة المسلمين المناعة الداخليّة للاستمرار على طريق النهضة فإذا انهارت هذه الفريضة انهار الجهاز المناعيّ الذي يُصلح ما فسد
8- اجمع حولك الصحبة الصالحة التي تعينك على مشروعك، وانهض بنفسك وبهم، لا تترفّع وإيّاهم بصفتكم نخباً، بل اعتبروا أنفسكم ممثّلين حقيقين عن الأمة، إنّ أمّة المسلمين يسعى بأمرهم أدناهم، وذلك كان من أهم مقوّمات وجودهم، فمن يحمل همّ هذه الأمة يمثّلها، وكلٌّ يمثّلها في موقعه، فالله الله أن يؤتى الإسلام من قبلك.
9- كن مربياً صالحاً، وهذا باب واسع جم، لكن عليك أن تدرك أنّك ستكون أباً أو أماً في يوم من الأيام وأنّ هذه التجربة تحتّم عليك أن تكون في غاية الصلاح لتمشي خطوة على طريق النهضة مع أسرتك الصغيرة التي تعيلها وتمثّل قدوتها. وفي كلّ الأحوال كن فرداً صالحاً في أسرتك.
10- ابتعد عن الفساد والفاسدين وهدر الوقت والمال فيما لا ينفع، ولا تنخدع بأن هذا لساعة واحدة أو ليوم واحد أو استراحة، فالصالح صاالح دائما يريح نفسه بما لا يخرج على شرع الله.
[1] بتول جندية: على عتبات الحضارة، دار الملتقى.
[2] أرنولد توينبي، مختصر دراسة التاريخ 1/233.
[3] {لعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المائدة].
اترك رداً
Want to join the discussion?Feel free to contribute!