طائفة البهرة.. عقائدهم وعباداتهم (2 من 3)
الحديث عن العقيدة الإسماعيلية ليس سهلا مثل الحديث عن العقائد الثابتة، إذ أن كثيرا من أصول المذهب الإسماعيلي أصبح نظريا فقط، بمجرد أن أصبحت للإسماعيلية دولة سياسية، وتدخلت التنظيمات السياسية في العقيدة، فكيّفتها حسب ما أملته الظروف السياسية.

الآغان خان الرابع
(موقع منظمة آغا خان)
ومن هذه الأصول القول بضرورة وجود إمام معصوم منصوص عليه من نسل محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق، والنص على الإمام يكون من الإمام الذي سبقه، ومن الغريب أن أئمة الإسماعيلية أنفسهم لم يحترموا هذا الأصل لا في العصور القديمة ولا في عصرنا الحديث، فالمعز لدين الله الفاطمي نص على ولاية ابنه عبد الله من بعده، ولكن عبد الله توفي في حياة أبيه، فنص المعز مرة أخرى على ولاية ابنه العزيز، فخالف بذلك الأساس الذي قامت عليه الإسماعيلية في أن الإمامة لا تنتقل من أخ إلى أخ، إنما من أب إلى ابن. وفي عصرنا حرم آغاخان الثالث ولديه علي خان وصدر الدين خان من الإمامة، ونص على حفيده كريم وهو الإمام الحالي للطائفة النزارية.
ولا تزال الإمامة هي المحور الذي تدور عليه كل العقائد الإسماعيلية، ذلك أنهم جعلوا ولاية الإمام الركن الأساس لجميع أركان الدين، فدعائم الدين عندهم وعند طائفة البهرة بشقيها هي: الطهارة، والصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والجهاد، والولاية. على أن الولاية هي أفضل هذه الدعائم. فإن أطاع الإنسان الله تعالى ورسوله الكريم، وقام بأركان الدين كلها، وعصى الإمام أو كذب به فهو آثم في معصيته، وغير مقبولة منه طاعة الله ورسوله[1].
وحذا البهرة والإسماعيليون عموما حذو الجهمية في نفي أسماء الله تعالى وصفاته، فيقول المفسر الإسماعيلي ضياء الدين السليماني: “الحمد لله المتعالي عن السماء والأسماء، والمتقدس أن يكون له تعالى حد أو رسم”[2].
ويقول حميد الدين الكرماني -أكبر فلاسفة الدعوة الإسماعيلية-: “إن اسم الإلهية لا يقع إلا على المبدع الأول”[3] وهذا المبدع الأول، أو العقل الكلي، هو الذي رمز إليه الله تعالى بالقلم في الآية القرآنية: {ن والقلم وما يسطرون}. وبمعنى آخر: إن ما يقوله المسلمون عن الله سبحانه وتعالى خلعه الإسماعيلية على العقل الكلي، فهو الإله عند الإسماعيلية، وإذا ذكر الله عند الإسماعيلية فالمقصود هو العقل الكلي. إذا عرفنا ذلك، استطعنا أن نقول إنهم لم يأتوا بهذه الآراء الفلسفية عبثا، بل جاؤوا بها لإسباغ صفة خاصة على الإمام، ذلك بأنهم ذهبوا إلى أن العقل الكلي في العالم العلوي يقابله الإمام في العالم الجسماني، ومعنى هذا عندهم أن كل الأسماء والصفات التي خلعت على العقل الكلي، هي أيضا صفات وأسماء للإمام، لأن الإمام مثل للعقل الكلي [انظر مقال الغنوصية].
لذا قال الشاعر الإسماعيلي ابن هانئ الأندلسي في مدح المعز لدين الله الفاطمي:
ما شئت لا ما شاءت الأقدار ….. فاحكم فأنت الواحد القهار
وقال الشاعر أبو الحسن الأخفش في مدح الآمر بأحكام الله:
بشر في العين إلا أنه … عن طريق العقل نور وهدى
جل أن تدركه أعيننا …. وتعالى أن نراه جسدا
ندرك الأفكار فيه بانيا …. كاد من إجلاله أن يعبدا
وتعتقد طائفة البهرة كبقية الشيعة أن الإمامة من حق علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأنها اغتصبت منه، ويقولون في إحدى رسائلهم: “إن الأمة لما افتتنت بعد نبيها، وأشهرت كل طائفة منهم سيفها، وقال بعضهم: منا أمير، ومنكم أمير، قال كبيرهم -يقصدون أبا بكر رضي الله عنه- في أول قعوده: وليت عليكم ولست بخيركم.. وقال صاحبه عمر: كانت بيعة أبي بكر فلتة، وقى الله شرها. وأقر أبو بكر على نفسه بالشك، فقال: إني وددت لو أني سألت رسول الله لمن هذا الأمر من بعده، والإمام الحق لا يشك في نفسه، ولا يرجع عن أمره، ولا يندم أنه غصب على حقه، بل يثبت مستمرا على شأنه، مفصحا عن محله ومكانه، هاديا مهديا، متبوئا من العصمة مكانا عليا كما فعل علي”[4].

داعي البهرة يلقي درسا على أتباعه
[NoorAlavi/wikimedia]
ومن الواجبات المحتمة عندهم سجودهم لداعيهم، ومما يؤيد إصرار الداعي على سجود أفراد طائفته له، تلك المرثية التي رثى بها الداعي الحالي لطائفة البهرة الداؤودية الدكتور محمد برهان الدين والده الداعي السابق (طاهر سيف الدين) حيث يقول:
سجدت له دأبا وأسجد دائما …. لدى قبره مستمتعا للرغائب
وعقيدتهم في الظاهر لا تختلف عن عقائد المسلمين، أما عقيدتهم في الباطن فهي بعيدة كل البعد عن عقيدة أهل السنة والجماعة. فهم مثلا يؤدون الصلاة كما يؤديها المسلمون، وإن كانوا لا يصلونها إلا في “الجامع خانة” وهي أماكن العبادة الخاصة بهم، وقد لاحظت ذلك من خلال مراقبتهم في المسجد النبوي، ومسجد الحسين بالقاهرة، إذ كانوا يأتون للمسجدين بعد صلاة العصر زرافات ووحدانا، وقبيل أذان المغرب يتسللون لواذا، وإذا اضطروا إلى الصلاة مع أهل السنة فإنهم يصلون بنية الإفراد أو الإعادة، ولا يصلون الجماعة إلا بوجود إمام معين من قبل الداعي، كما لا يصلون الجمعة بحجة عدم وجود إمام عادل.
ولهم صلوات عديدة مثل: صلاة ليلة السابع عشر من شهر رجب، وعدد ركعاتها اثنتين وعشرين ركعة، وصلاة ليلة الخامس عشر من شهر شعبان وعدد ركعاتها أربع عشرة ركعة، وصلاة ليلة الثالث والعشرين من رمضان وعدد ركعاتها اثنتي عشرة ركعة، يرددون فيها: يا علياه سبعين مرة، ويا فاطمتاه مئة مرة، ويا حسناه مئة مرة، ويا حسيناه تسعمائة وسبع وتسعين مرة.
ويذهبون إلى مكة لتأدية الحج في موسمه، شأنهم في ذلك شأن جميع المسلمين، ولكنهم يقولون إن الكعبة التي يطوف حولها الحجيج هي رمز للإمام.
ولا يقبل الحج إلا إذا كان بصحبة الداعي أو من ينيبه من الدعاة، وغالبا ما يخالفون أهل السنة والجماعة في وقت الوقوف بعرفة، فإما أن يتقدموا عليهم يوما أو يتأخروا يوما، اعتمادا على حساباتهم الفلكية الخاصة. وإذا لم يتمكن البهرة من الوقوف بعرفة على وفق حساباتهم، فإنهم يقلبون حجهم إلى عمرة.. هذا في الظاهر.. أما في الباطن فهم يؤولون فريضة الحج تأويلا فاسدا كبقية الإسماعيليين. يقول السجستاني (أحد دعاتهم): “حج البيت هو: قصد إمام الزمان، مفترض الطاعة، والغرض من حج البيت معرفة الأئمة، والمراد من الزاد والراحلة في الحج: هو العلوم، ودليل معرفة الإمام. والإحرام هو اعتقاد معرفة الإمام”[5].
أما الصيام فيؤولونه تأويلا باطنيا. يقول الداعي الإسماعيلي السجستاني: “الصوم هو الصمت بين أهل الظاهر، وصوم شهر رمضان هو ستر مرتبة القائم، ومن شهد منكم الشهر فليصمه، أي: من أدرك زمان الإمام فليلزم الصمت”[6].
وكذلك بقية العبادات وإن عملوا بظاهرها أحيانا، فإن هذا العمل مؤقت بظهور القائم، فإذا ظهر القائم “تخلص المؤمنون من الستر والكتمان، وقدروا على كشف مذاهبهم، وجب رفع هذه الشريعة التي هي سمة الستر والكتمان”[7].
الهوامش
[1] – انظر: د. محمد كامل حسين: طائفة الإسماعيلية، ص 147-156. باختصار.
[2] – ضياء الدين السليماني: تفسير مزاج التسنيم، ص/ 5.
[3] – الكرماني: راحة العقل، ص 195.
[4] – الهداية الآمرية في إبطال دعوى النزارية: تصحيح آصف بن علي أصغر فيضي، ص 10-11.
[5] – الداعي الإسماعيلي السجستاني: الإفتخار، ص 149.
[6] – السجستاني: الإفتخار، ص 126-127.
[7] – السجستاني: إثبات النبوات، ص 182.
اترك رداً
Want to join the discussion?Feel free to contribute!