سليمان عليه السلام.. بين القرآن الكريم والعهد القديم

image_print

ذُكِر نسب سليمان في العهد القديم وإنجيل متَّى بأنَّه سليمان بن داوود بن يسِّي بن عوبيد بن بوعزا بن سلمون بن نحشون بن عمِّيناداب بن آرام بن حصرون بن فارص بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم [سفر أخبار الأيام الأول: 2/1، إنجيل متى: 1/3].

يعتقد المسلمون أن سليمان عليه السلام نبيٌّ من أنبياء الله المعصومين المرسلين إلى بني إسرائيل، وأنه ابن داوود النَّبي عليهما الصلاة والسلام، وقد ذكرهما القرآن الكريم في جملة الأنبياء المذكورين فيه.

وجاء ذكر سليمان في القرآن في جملة رسل الله في قوله تعالى: {إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآَتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} [النساء:163].

في المقابل، تأتي سيرة سليمان في العهد القديم في سفر الملوك الأول، ثم نجدها في سفر أخبار الأيام الثاني من الإصحاح الأول إلى التاسع، وقد اكتنف هذه السيرة الكثير من التناقضات والاتهامات الباطلة لنبيِّ الله سليمان.

ويذكر العهد القديم سليمان على أنه مَلِك من ملوك بني إسرائيل الحكماء الذين ازدهرت أحوال بني إسرائيل في عهده وليس نبيَّاً، وقد حاز الملك بعد موت أبيه داوود.

جاء في العهد القديم: “وكان الملك سليمان ملكا على جميع إسرائيل” [سفر الملوك الأول: 4/1]، وجاء في مكان آخر: “وكان الزمان الذي ملك فيه داود على إسرائيل أربعين سنة في حبرون (الخليل) ملك سبع سنين وفي أورشليم ملك ثلاثا وثلاثين سنة وجلس سليمان على كرسي داود أبيه وتثبت ملكه جداً” [سفر الملوك الأول: 2/11].

مجسم لهيكل سليمان المزعوم

حياة سليمان
لم ينقل إلينا في القرآن الكريم حديثاً عن زوجات سيِّدنا سليمان عليه السلام وذلك لأنَّها لا تأتي لنا بأيَّة فائدة ، أمَّا في العهد القديم فالنِّساء اللَّاتي تزوجهن سليمان كما ينقل العهد القديم بلغن ألفاً، سبع مئة من السّيدات وثلاث مئة من السَّراري، ما عدا النِّساء اللَّواتي أحبَّهن سليمان في آخر حياته. [سفر الملوك الأول: 11/ 1 ـ 5].

وكان من اللَّواتي تزوَّجهنَّ سليمان حسب هذه الرواية ابنة فرعون مصر، وبنى لها بيتاً من الحجارة الكريمة.[سفر الملوك الأول: 3/1].

كما جاء في العهد القديم وصف عجيب لطعام سليمان في اليوم الواحد، فصوَّره في صورة شخص نهم جشع، وهي صورة لا تليق بعوام النَّاس فضلاً عن ملك يعتبرونه من أعظم ملوك بني إسرائيل، الذي نصر ووطَّد ملكهم على باقي الأمم، فجاء في سفر الملوك الأول: “وكان طعام سليمان لليوم الواحد ثلاثين كر سميد وستين كـر دقيـق* وعشرة ثيران مسمنة وعشرين ثوراً من المراعي ومئة خروف ما عدا الأيائل والظباء واليحامير والإوز المسمن* وكان متسلطاً على كل ما عبر النهر من تفسح إلى غزة على كل ملوك عبر النـهر وكان له صلح من جميع جوانبه حواليه” [سفر الملوك الأول: 4/ 22ـ 24].

أما القرآن الكريم فقدّم لنا سليمان في صورة مثالية للمَلِك العظيم والزاهد في آن واحد، فيقول {وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (30) إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ (31) فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ (32) رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} [ص: 30- 33]، حيث قال المفسرون إن خيولا جميلة عُرضت عليه في وقت العصر فانشغل بها حتى توارت الشمس وفات وقت الصلاة، فندم على ذلك وأخذ يمسح أعراف الخيل وعراقيبها حباً لها -حسب تأويل ابن عباس- ثم سأل الله أن يمنحه مُلكاً عظيماً ليسخره في الخير، فتقول الآيات: {وَلَقَدْ فَتَنَّا سُلَيْمَانَ وَأَلْقَيْنَا عَلَىٰ كُرْسِيِّهِ جَسَدًا ثُمَّ أَنَابَ (34) قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّن بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ (35) فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ (36) وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاءٍ وَغَوَّاصٍ (37) وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ (38) هَٰذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ (39) وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَىٰ وَحُسْنَ مَآبٍ} [ص: 34- 40]، فالآيات تؤكد أنه بالرغم من كل ما أوتي من المُلك فإنه لم يُفتن به، حيث كان الملك الوحيد الذي سُخر له الإنس والجن والحيوانات وقوى الطبيعة (الرياح).

صورة سليمان في العقلية الغربية صارت مرتبطة بالطغيان حصرا

أمثاله وحكمته
نقل العهد القديم الأمثال التي كان يلقيها سليمان، وهذا يعكس الحكمة التي كان قد أعطاها الرب لسليمان، والمتأمِّل لهذه الأمثال المنسوبة إلى سليمان  يجد شيئاً من الحق إلى جانب الكثير من الباطل والبهتان، ويحوي سفر الأمثال مقدِّمة في امتداح العقل والحكمة والتَّحذير من أنواع الرذائل، وفيه مجموعة من الأمثال المنسوبة لسليمان عليه السلام، وفيها أمثال تدلُّ على أنها كتبت بعد سليمان بعدَّة قرون لأن فيها إشارة إلى السَّبي البابلي ويدلُّ على ذلك أن هذه المجموعة تبدأ بقوله: “هذه أيضاً أمثال سليمان التي نقلها رجال حزقيا ملك يهوذا”، وحزقيا عاش بعد سليمان بأكثر من ثلاثة قرون.

ويذكر بعض العلماء أن الذين كتبوا سفر الأمثال تأثَّروا تأثراً كبيراً بكتاب “30 فصلاً في الحكمة” لأمنموبي المصري، وقد عقد كل من هوغو غرسمان وآرمان وجيمس برستد مقارنة بين هذين الكتابين وانتهوا إلى القول بأن أفكار أمنموبي المصري سُرِقت وظهرت في ثوب جديد في سفر الأمثال، بينما يرى البعض الآخر من الباحثين أن هذا بعيداً شيئاً ما، وذلك لأن أمثال الشُّعوب قد تتشابه في كثير منها.

وقد خصص كتبة العهد القديم “سفر الجامعة” للكلام عن سليمان الحكيم الذي ييأس من الحكمة، ويظهر فيه الكثير من التشاؤم، فقد جاء في أوَّل إصحاحٍ من هذا السِّفر: “باطل الأباطيل قال الجامعة باطل الأباطيل الكل باطل* ما الفائدة للإنسان من كل تعبه الذي يتعبه تحت الشمس* دور يمضي ودور يجيء والأرض قائمة إلى الأبد* والشمس تشرق والشمس تغرب وتسرع إلى موضعها حيث تشرق* الريح تذهب إلى الجنوب وتدور إلى الشمال تذهب دائرة دورانا وإلى مداراتها ترجع الريح* كل الأنهار تجري إلى البحر والبحر ليس بملآن إلى المكان الذي جرت منه الأنهار إلى هناك تذهب راجعة*” [سفر الجامعة: 1/7]، ثم يصور سفر الجامعة سليمان وهو يلهو ويفرح ويشرب الخمر.

في المقابل، تكلم القرآن الكريم عن حكمة سليمان عليه السلام، فقال: {فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آَتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} [الأنبياء:79].

وفي العهد القديم نجد سفر الحكمة، وقد نسب ما فيه إلى سليمان عليه السلام، ويتألَّف ما حفظ منه من تسعة عشر إصحاحاً.

وأوضح علماء الكتاب المقدَّس -في اعتراف له تداعياته الخطيرة- أن سليمان ليس له ضلع فيه، كما أنه ليس له ضلع فيما نُسب إليه في بقيَّة الأسفار، فالسِّفر عبارة عن مذكرات شاعر روحاني أخذ ينقل من التقاليد الإسرائيليَّة واليونانيَّة القديمة، فيقولون في مقدِّمتهم لسفر الحكمة: “إنَّ كتابات سليمان فُقد منها الكثير، فقد ذُكر عنه في سفر الملوك الأوَّل أنَّ الله أعطاه حكمة وفهمًا كثيرًا ورحبة قلب كالرمل الذي على شاطيء البحر، بمعنى أنه كان له الكثير من أقوال الحكمة، وقد قيل عن سليمان أيضًا أنَّه تكلَّم بثلاثة آلاف مثل وكانت نشائده ألفًا وخمسًا، وتكلَّم عن البهائم وعن الطَّير وعن الدَّبيب وعن السَّمك، فأين كل هذه الأمثال والنَّشائد والكتابات؟”.

الفنان بيتر روبنس من القرن السابع عشر تخيل النبي سليمان في صورة طاغية

الأنشاد والفجور
سفر نشيد الأنشاد هو السِّفر الرَّابع من الأسفار التي ينسبها اليهود لسليمان، وهو سفرٌ يتَّخذه اليهود في الأعياد والمناسبات الدينيَّة وفي أماكن عبادتهم، وهو شعر غزلي جنسيٌّ غليظ، ليس بينه وبين الدِّين أية علاقة، بل يمثِّل سياسة أحبار اليهود نحو الجنس، فلفرط حبهم للنِّساء والزِّنى جعلوا الأنبياء زناة، بل أكثر من ذلك.

يبدأ هذا السِّفر بذكر الحبِّ والخمر فيقول:

  • ليقبِّلني بقبلات فمه لأنَّ حبَّك أطيب من الخمر.
  • لَرائحة إدِّهانك الطَّيبة اسمك دهن مهراق لذلك أحبتك العذارى.
  • أنا سوداءٌ و جميلةٌ يا بنات أورشليم كخيام قيدار كشقق سليمان [نشيد الأنشاد: 1/1ـ 4].

ثمَّ ينتقل إلى وصف حبيبته فيقول:

  • ها أنت جميلة يا حبيبتي ها أنت جميلة.
  • عيناكِ حمامتانِ من تحت نقابك.
  • شعركِ كقطيع معزٍ رابضٍ على جبل جلعاد.
  • شفتاكِ كسلكة من القرمز وفمك حلو خدك كفلقة رمانة تحت نقابك.
  • عنقكِ كبرج داود المبني للأسلحة ألف مجن علق عليه كلّها الجبابرة.
  • ثدياكِ كخشفتي ظبية توأمين يرعيان بين السوسن.
  • كلّكِ جميلٌ يا حبيبتي ليس فيك عيبة [نشيد الأنشاد: 4/1ـ 7].

ثم يوغل في الغزل (بل بالفحش) قائلاً:

  • دوائرُ فخذيك مثل الحلي صنعة يدي صناع.
  • سرّتُكِ كأس مدوّرة لا يعوزها شراب ممزوج.
  • بطنكِ صبرة حنطة مسيجة بالسوسن.
  • ثدياكِ كخشفتين توأمي ظبية. [نشيدالأنشاد: 7/1ـ 6].

وفاة سليمان
ذكر القرآن الكريم قصة وفاة سليمان عليه السلام في قوله: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمـَّا خـَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجنُّ أَنْ لَـوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} ]سبأ:14[.

وروي أنَّه كان متَّكئاً على عصاه حين وافاه أجله، والجن تروح وتجيء مسخَّرة فيما كلَّفها إيَّاه من عمل شاقٍّ شديد؛ فلم تدرك أنَّه مات حتى جاءت دابَّة الأرض، وقيل هي حشرة الأرَضة، فلمَّا نخرت عصا سليمان لم تحمله فخرَّ على الأرض، وحينئذ فقط علمت الجن موته و{تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين} [سبأ: 14]، أي ما واصلوا انهماكهم في العمل الشاق الذي سخرهم فيه وهم يحسبون أنه يراقبهم بينما كان عليه السلام في الحقيقة قد مات. ولم يذكر العهد القديم طريقة موت هذا النَّبي الحكيم.


أهم المراجع:

العهد القديم والجديد.

تفسير الكتاب المقدس، جماعة من اللاهوتيين برئاسة فرنس دافدس، منشورات النفير، بيروت، لبنان، ط: الثانية ، 1989م.

التفسير التطبيقي للكتاب المقدس، تعريب شركة ماستر ميديا، القاهرة، د/بيانات.

الله والأنبياء في التوراة والعهد القديم، محمد علي البار، الدار الشامية، بيروت، ط: 1.

ثم يقولون هو من عند الله، محمود سعد مهران، منتدى الجامع للحوار الإسلامي المسيحي، د/ط.

التعليقات

تعليقات

0 ردود

اترك رداً

Want to join the discussion?
Feel free to contribute!

اترك رد