سحر الويكا: كيف تسللت عبادة الشيطان إلينا عبر السينما والمناسبات؟

image_print

أنتجت هوليود في العقدين الأخيرين الكثير من الأفلام والمسلسلات عن السحرة والقوى السحرية، وسلّطت وسائل الإعلام الأضواء بشكلٍ أكبر من أي وقتٍ مضى على الويكا وطقوسها، كما ضمنتها في ألعاب عن التعاويذ تستهدف أطفالاً بعمر ال١٠ سنوات.

غلاف كتاب: سحر الويكاتتصدّر كتب الويكا والسحر والشعوذات رفوف المكتبات في الغرب، وتلاقي رواجاً كبيراً لاسيما بين المراهقين، وتناقش كاثرين ساندرز صاحبة كتاب “سحر الويكا Wicca’s charm” أهم الأسباب التي تشدّ المراهقين والشباب لهذا الموضوع في عدة نقاط، فما هي؟

أولى تلك النقاط هي “تملّك الفتيات للقوة” فبحسب أساطير الويكا التي يُقال إنها بدأت منذ ٣٥٠٠٠ سنة، كانت النساء هنّ الحاكمات ويعبدن الطبيعة والآلهة الإناث، وكانت الحياة هانئة مسالمة، إلى أن جاء “الغزو الذكوري” الذي عكّر صفو المجتمعات النسائية وأرضخهن، ومنذ ذلك الوقت تحاول النساء استعادة الملك والسُّلطة من الذكور، ويروّجن بأنّ على النساء التحالف سويةً لتمكين الآلهة النسوية من استعادة الحكم مرةً ثانية ليعم السلام مجدداً.

أما النقطة الثانية فهي: وَهْمُ “القوة المطلقة” حيث تبدو فكرة السيطرة على القوى الخفيّة المؤثّرة بما حولنا جذّابة للمراهقين، خاصةً أن الويكا توهم هؤلاء بأن السحرة الصغار على قدرٍ أكبر من القوة والقدرة على التحكم والسيطرة ممن هم أكبر منهم سناً، بالإضافة لذلك يضفي الطابع السري لممارسات الويكا غموضاً وإثارة تزيد من إغراء تلك الفئة العمرية.

في حين أن “حماية الأرض” تعد النقطة الثالثة، حيث إنه في عالم يعاني من تغييرات مناخية كبيرة معظمها ليس في صالح الأرض والطبيعة، يجد المراهقون في الويكا التي تقدس الأرض والطبيعة فرصةً لإحداث تغيير للأفضل.

على طريقتي وحسب هواي
هذه إحدى أهمّ صفات الويكا ومبادئها، فليس ثمّة قوانين ضابطة فيها ولا ثوابت، بل يقولون: كل شيء ممكن، ولا يوجد خطأ أو صواب، ولكل شيء استثناء، وكل إنسان بإمكانه اختيار القوانين التي يرى أنها تناسبه وتلائمه، وفي المراهقة التي لم تنضج فيها فكرة الأمور المطلقة والثوابت الأخلاقية، ستجد الويكا لها طريقاً سلساً في عقول ومنطق هؤلاء الصغار في كل مكان.

يسرد موقع focus on the family تجربة لإحدى المنتسبات للويكا تقول فيها الفتاة المسيحية “كاثي” بأنها قررت في فترة المراهقة أن تعرف أكثرعن هذا الديانة الوثنية المحيطة بها من كل مكان، فكانت تعيش في مدينة سايلم الأمريكية والتي تشتهر بتاريخ حافل بالساحرات وممارسة طقوس السحرة.

تعرفت الفتاة على راهبةٍ ويكيّة، ثم حصل أن ضمّت الأخيرة الفتاة تحت جناحها واهتمت بتعليمها السحر، وطمأنت الفتاة بأن أفعالها إنما هي “سحر أبيض” لا مشكلة فيه، بل على العكس قد يعود بالنفع على الكثيرين، وبعد عدّة سنوات أتقنت الفتاة الفنون السحرية التي تعلمتها، إلا أن الأمور سارت لتنحني نحو السواد والظلام[1]، وشعرت بأنها تنحدر تدريجياً إلى أمور غامضة لا تمت بصلة لكل ما قيل لها من قبل.

وجاء اليوم الذي رأت فيه ما لم يخطر ببالها، فبينما هي في غرفتها في نهارٍ صيفي حار، تشعر فجأة بالبرد وتصاب بالرجفة والقشعريرة وتتراقص أمامها فجأةً العشرات من الشياطين السوداء حسب وصفها، ضاحكين بصوت عالٍ، فتحاول الفتاة تلاوة ما تحفظه من تعاويذ وتمتمات لتطردهم، ولا يزيدهم الأمر إلا ضحكاً، وتزداد المسكينة رعباً، ثم تناجي الله بصلاةٍ تعلمتها في طفولتها، فيعود كل شيء إلى طبيعته، الأمر الذي قادها فيما بعد لترك كل ما له علاقة بهذه الديانة إلى الأبد[2].

هل الويكا كذبة بيضاء؟
غلاف كتاب "الويكا: الكذبة البيضاء الصغيرة للشيطان"يقول ويليام شنوبلن Schnoebelen العضو السابق في الويكا في كتابه الكذبة البيضاء الصغيرة للشيطان: “الويكا هي واحدة من أكثر الخدع المغرية التي توصل إليها الشيطان”، ويصف كيف أن رغبته الدافعة كانت الحصول على مزيد من المعرفة بأسرار عالم الروح. لكن أساتذته قادوه إلى مسارات انتهت بالخداع فقط، وقد علم فيما بعد أنها كانت طرقًا بالية لا أكثر، وأنّ سحره الأبيض في “حركة العصر الجديد” لم يكن سوى عبادة الشيطان القديمة.

يكمل شنوبلن بأن فلسفة العصر الجديد التي تروّج لها ديانة الويكا هي مجرد اختلاق حديث لأكاذيب الشيطان المركزية: يمكن للإنسان أن يصبح إلهاً، وللوصول إلى هناك يجب أن “يتطوّر” من خلال العديد من التناسخات، لكنه اكتشف أن تطوّره وصعوده ما كان إلا “نزولًا”، ويشرح بالتفصيل كيف انتقل من الرقص عاريًا في الغابة إلى القيام بالتضحيات الدموية والنوم في نعش!

أعياد الويكا
يحتفل أتباع الويكا بثمانية أعيادٍ في السنة تسمى الأسبات (جمع سبت) Sabbats، وسنرى فيما يلي أن العالم المسيحي الحديث قد اقتبس معظم أعياده منها، ونشرها حول العالم تحت تأثير العولمة، وهي بالترتيب:

أعياد الويكا

السامهان Samhain
يُحتَفَل بهذا العيد في 31 من أكتوبر ويمثل بداية السنة أو دورة الزمن عندهم، ونهاية فصل الضوء، وبداية الظلام، ويتم فيه التعبير عن الشكر والامتنان على ما أُعطوه في السنة الماضية. والأدلة المكتشفة في إيرلندا واسكتلندا وبريطانيا على احتفال القدماء بهذا العيد قبل المسيحية، وهو ما قد يجمع اليوم بين ليلة الهالوين وعيد الشكر.

 يول Yule
يُحتفل به في وقت الانقلاب الشتوي فيما بين ٢٠-٢٥ديسمبر، وحسب الباحث ريفن غريماسي Raven Grimassi في كتابه روحانية الساحر spirit of the witch “يمثل يول بالأساس تجديد دورة الحياة، ففي الوثنية القديمة آمن الناس أن الانقلاب الشتوي هو الوقت الذي يولد فيه إله الشمس من جديد” وقد كانت تُنصب الأشجار في الخارج ويتم تزيينها لإيمانهم أنها تجلب البركة من الآلهة والأرواح، واحتفالاً بولادة إله الشمس، وتُقدم الهدايا. وكما أشار غريماسي إلى أن شجرة الزينة يجب أن تكون دائمة الخضرة لترمز إلى قوة الحياة التي ستنجيهم من فصول السنة الصعبة. وكما نرى فهو عيد يتطابق في وقته وطقوسه مع عيد الكريسماس – عيد الميلاد- لدى المسيحيين اليوم.

إيمبولك Imbloc
تعني البطن في اللغة الإيرلندية القديمة، ويحتَفَل به في ١-٢فبراير وتشير إلى الأغنام الحوامل، ويعد هذا اليوم هو نقطة الوسط الفاصل بين الانقلاب الشتوي والاعتدال الربيعي، ويعبر عن التطهير والخصوبة والأمل ووعد المستقبل، وقد تجسّدت هذه المفاهيم في شخصية الإلهة بريدجيت، إلهة الطب والشعر والخصوبة والحدادة والينابيع المقدسة، وفي التقاليد المسيحية في بعض البلاد لا يزال يُحتفل بهذا اليوم كعيد للقديسة بريدجيت!

أوستارا Ostara
ما بين ٢٠-٢٣مارس حيث يتم الوفاء بالوعود والآمال التي حملها عيد إيمبولك في عيد أوستارا أي عيد الاعتدال الربيعي، ويأتي اسم العيد من إلهة الربيع والخصوبة الجرمانية إيوستر Eostre، والدة الفجر التي -وفقاً للأساطير القديمة- عادت الآلهة للظهور من تحت الأرض حيث كانت نائمةً لعدة أشهر.

طقوس الاحتفال تشمل البيض الملوّن والكتاكيت والأرانب والزهور، تركيزاً على الولادة والتجديد، ويُقرن رمز البيضة بمفهوم المتاهة، حيث يتم اخفاؤها والبحث عنها، وتعود هذه الفكرة حسب زعمهم إلى العصر الحجري الحديث في مناطق مختلفة مثل إيرلندا والهند واليونان، وهي بمثابة تمثيل رمزي لفصل الذات عن الواقع الخارجي الحالي، وبالتالي إيجاد معنى أكبر داخل الذات، تماماً كما الطقوس الممارسة في عيد الفصح في أيامنا.

بلتان Beltane

صورة من الريف الانكليزي عام ١٨٨٤ لأشخاص يحتفلون حول المايبول

يحتفَل بهذا العيد بما بين ٣٠أبريل- 1مايو- حيث يأتي النور والخصوبة بقدوم الصيف، ويُعتقد أن الاسم مأخوذ من عبارة نيران بيل Bel’s fire في إشارة إلى بيل Bel إله الشمس السلتي وتعني حرفيّاً النار الساطعة، في مراسم الاحتفال تُضرم النيران ويبدأ الرقص وغالباً حول شجرة كما في العصور القديمة، وتطورت مع الوقت رمزية الشجرية إلى رمز على شكل عمود يعرف باسم مايبول Maypole، يتم تزيينه بخيوط طويلة وشرائط يمسك بها المشاركون.

 

احتفال البلتان حول العمود في قريبة شاغورد البريطانية Chagford عام ٢٠١٢[3]

احتفال ليثا
ويكون فيما بين ٢٠-٢٢ يونيو ويُعتقد بأنه الاسم الانجلوساكسوني لشهر يونيو، يُحتفل فيه بأطول يوم في السنة، ويُعتبر هذا اليوم نقطة التحوّل في العام، ويشتمل الاحتفال على إشعال النيران والرقص وتناول الفواكه الطازجة وكعك العسل والولائم فرحاً بانتصار النور على الظلمة، مع توقّع الظلام الذي سيتفوق على النور في الأيام المقبلة -حيث يزداد طول الليل تدريجياً على حساب النهار- والرجاء بأيام خفيفة وطويلة تعود إليهم بعد الفصول المظلمة.

الممارسات الشائعة في هذا اليوم بالإضافة إلى الأعياد والنيران هي حماية النفس وتحصينها من القوى غير المرئية التي استيقظت حديثاً في عيد بلتان السابق والتي تكون اليوم في كامل قوتها وقد تسبب ضرراً كبيراً.

ويتم صنع التعاويذ للاحتماء وخاصة لمن يعقدون زيجاتهم في هذا اليوم، الذي يحرص الغالبية على اختياره يوماً للاحتفال بالزواج كجزء من الاحتفال الكبير.

لوغ ناساد Lughnasadh
يكون هذا الاحتفال في 1 أغسطس، وقد سمّي باسم الإله السّلتيّ “لوغ”، الذي يمثّل إله لنظام والحقيقة، وهذا الاحتفال عبارة عن مهرجان حصاد يُحتفل فيه بمرور الصيف إلى الخريف.  وتُقدّم فيه أولى ثمار الحصاد للآلهة والإلهات.

مابون Mabon
يحتفل بـ مابون في الاعتدال الخريفي من خلال الشكر والتفكر بما اكتسبه الفرد وخسره على مدار العام وذلك في ٢٠-٢٣سبتمبر ويقابله عيد الشكر في القارة الأمريكية، أما الاسم فهو ابتكار معاصر، صاغه الكاتب الويكي أيدان كيلي Aidan Kelly مؤخرًا في سبعينيات القرن الماضي، لكن الاحتفال بالاعتدال الخريفي يُعدّ ممارسة قديمة جدًا.

إلى أين تسير وثنية الويكا؟
في الختام لا بدّ من التساؤل عن مدى انسياق العالم تدريجياً نحو الروحانيّات الشيطانية لأسباب عديدة بفعل الإعلام وجهوده الحثيثة وتبني ما يسمى دين العصر الجديد، والويكا ليست إلا أداة جذابة من أدوات هذا الدين لاستهداف صغار الشباب والشابات من مختلف الثقافات والمجتمعات، ليتفقوا جميعاً في النهاية أن دين المرء هواه، وإلهه نفسه ورغباته.

نسأل الله السلامة والثبات على دينه الحنيف.


المصادر والهوامش:

https://www.ancient.eu/Wheel_of_the_Year/

https://www.chick.com/battle-cry/article?id=Wicca-Seduction-of-the-Innocents

https://www.focusonthefamily.com/parenting/the-hidden-traps-of-wicca/

Wicca’s charm by Catherine Sanders

https://youtu.be/4ku4mG-RXbs

 

[1] حكم تعلم السحر في الإسلام التحريم، والكثير من العلماء كفّروا تعلمه حتى وإن لم يمارسه، وليس في الإسلام تمييز بين سحر أبيض أو أسود، فحتى لو استخدمه صاحبه لنفع الناس أو فك السحر عن المسحورين فهو آثم لاستعانته بالشياطين.

[2] يتساءل البعض كيف يمكن لصلوات من الإنجيل المحرّف أن تطرد الشياطين، ونقول إن قصص طرد الشياطين بنصوص “الكتاب المقدس” إذا كانت صحيحة فعلا فربما تحدث لأن التحريف لا يعني أن الكتاب كله من صنع البشر، بل فيه أجزاء كثيرة من الوحي الإلهي، وعندما يلجأ المسيحي إلى الله بالدعاء فحتى لو كان يشرك معه في العبادة نبيه عيسى عليه السلام فإن الدعاء قد يُقبل لصدق التوجّه.

[3]  مصدر الصورة: https://www.terriwindling.com/blog/2015/05/beltane.html

Author

التعليقات

تعليقات

0 ردود

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك رد