زوال إسرائيل بين التنبؤ الحدسي والواقع الحسي
لطالما اجتذبت القضية الفلسطينية تضامن الشعوب وبعض الأنظمة -ولو دبلوماسيًّا- عقب كل حدث بارز، أو إثر كل هجوم إسرائيلي على الأراضي المقدسة. إلا أن الأحداث الأخيرة في الأراضي المحتلة وما تلاها من تصعيد إسرائيلي قد شدّت انتباه العالم -على غير المعتاد- بالتضامن هذه المرة الذي تجاوز المألوف.
لقد جدّد هذا التصعيد وما رافقه من تدنيس للأقصى وتهجير قسري لأهالي حي الشيخ جراح مواقف التضامن بين الشعب الفلسطيني وشعوب شتى، الغربية منها قبل العربية والإسلامية، وشدّ من أزر عرى الأخوة بين المسلمين والفلسطينيين، مما أحدث ضغطًا دوليًّا على الكيان دفعه إلى وقف العدوان المباشر وتدنيس المقدسات بالأراضي المباركة.
ما لبث هذا التضامن الدولي ضد إسرائيل أن أعاد لساحة النقاش التنبّؤات التي قالت بفرضية زوالها، خصوصًا بعد الصراعات السياسية الداخلية التي يعيشها الكيان بين مختلف طبقاته، والتي سنأتي للإشارة إليها خلال المقال.
يهود وليس صهاينة
تعددت النبؤات المؤذنة بزوال إسرائيل من خلال الإشارات الضمنية والصريحة أو التأويلات لنصوص في الكتب المنزَلة، ومن أشهر الروايات المؤيدة لذلك هي اليهودية منها، فهذه الأخيرة لا تعترف أصلًا بقيام دولة إسرائيل، إذ تؤكّد النصوص التوراتية أن قَدَرَ الشعب اليهودي أن يظل مشتَّتًا إلى أجل مسمًّى يصنع الله أثناءه معجزةً توحد البشرية جمعاء تحت لواء حكمه تعالى.
وهذا حسب زعم عرّاب هذه الرواية الحاخام دوفيد فيس (Yisroel Dovid Weiss) الذي ردّ على سؤال المذيع عما إذا كانت هذه الرواية استنتاجه أو استنباطه الخاص من التوراة، فأجاب نافيا؛ ”لا، في الحقيقة قيام الدولة الصهيونية يخالف الخضوع والاستسلام لحكم الله الذي حرّم أن تشيّد دولة قومية لليهود على حساب أرض شعب آخر أو حتى أن تقام على أرض خالية وغير مأهولة، فهذا مُحرم ويعد ثورة ضد الحكم الإلهي”
في حين تُنبئ روايات أخرى من التوراة أن آخر زعماء الدولة الإسرائيلية سيكون ”عطاء الله” فحدد علماء وحاخامات عمرَ الدولة في 76 عاماً ونسبوا ذلك إلى ”نتنياهو” باعتبار أن كلمة “نتن” مرادفة لـ ‘عطاء” وياهو مرادفة لـ كلمة ”الله”
هل اقتربت الساعة؟! 2022 موعد الزوال
من المسلمين، يعتبر الشيخ بسام جرار أشهر من نظّر لزوال إسرائيل عام 2022 اعتمادًا على ما أطلق عليه الإعجاز “العددي القرآني” ومتطلباته من خلال علم “حساب الجُمّل” الذي لا يسع المجال للتفصيل فيه بهذا المقال، لكن من جملة ما اعتمد عليه في فرضيته هو ربطه للأحداث المتعاقبة على الدولة الإسرائيلية بالإفساد في الأرض المذكور في القرآن حسب الآية:
{وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا (4) فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَّنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ ۚ وَكَانَ وَعْدًا مَّفْعُولًا (5) ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُم بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7) عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ ۚ وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا ۘ وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} [الإسراء:4-8]
فربط الإفساد الثاني (حيث الوعد بالعقوبة) بآية أخرى من السورة نفسها {وَقُلْنَا مِنْ بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرائيلَ اسْكُنُوا الأرْضَ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيفاً} [الإسراء: 104] كما أشار إلى أنّ عدد الآيات من الآية 21 من سورة المائدة (حيث بداية الكلام عن نبوءة اسرائيل) إلى الآية 104 من سورة الإسراء هو 1443 آية، وأنّ عدد الكلمات من بداية الكلام عن نبوءة الإفساد أول سورة الإسراء إلى قوله تعالى: “لفيفا” هو أيضاً 1443 كلمة، وهذا العدد يوافق العام 1443 هـ/ 2022م.
وسواء كانت تنبؤات الكتب المقدسة أساس ما اعتمدت عليه أطراف أخرى في تأييدها لنفس مصير الدولة الإسرائيلية أم أحداث حسية تعيشها هذه الأخيرة.
بعيدًا عن التنبؤات .. واقع إسرائيل المضطرب
شنت إسرائيل الحرب على نفسها إثر تصعيدها الأخير على الأراضي المحتلة، فتفاجؤها بمستوى الردّ وزعزعة المقاومة الفلسطينية لاستقرار الداخل الإسرائيلي، أعاد اعتدال ميزان الرعب بين الطرفين بعدما تمكن الكيان من ساحة الحرب لعقود. لم تفلح هذه المرة في شيطنة المقاومة و”أرهبة ” حركتها، ولا أرى من العدل بخس وسائل التواصل الاجتماعي فضلها في ذلك، بعدما صرفت هذه الأخيرة انتباه الجماهير عن العديد من القنوات، الغربية منها والعربية، لعدم مهنيّتها في نقل الحقائق وتحيزها السياسي الواضح لرأي أنظمتها.
مما يؤكد ذلك، استطلاع رأي أجرته مؤسسة “هارفارد هاريس” يُظهر تغير كبير في آراء الأمريكيين بالنسبة للقضية الفلسطينية مع تراجع تأييد إسرائيل في المنطقة، وجاء في إجمالي الاستطلاع حول سؤال ”مَن المسؤول الأكبر عن العنف في الشرق الأوسط ” أن %60 من الفئة الشابة صوّتت ضد إسرائيل، فضلًا عن المظاهرات الشعبية بعدد من الولايات والمقاطعات التي ندّدت بالجولة التصعيدية الإسرائيلية على الأراضي المحتلة.
لم يقتصر هذا التنديد على الشعوب والمجتمع المدني فقط، فوفق ما نشَرته صحيفة الغارديان (The Gardian) البريطانية، وقع أكثر من 50 سياسي أوروبي رسالة تدعم تحقيق الجنائية الدولية بشأن جرائم حرب في ”الأراضي الفلسطينية”.
أما على المستوى الداخلي، لم تسلم إسرائيل من التخبط السياسي والاجتماعي إثر صعود التيارات الدينية القومية لمواطن صنع القرار فنتج عن ذلك تضارب في السياسات الممثلة للنظام على جميع المستويات، الاقتصادية منها والاجتماعية والثقافية والإعلامية، بفعل الطابع الأيديولوجي والفقهي للحراك الجديد الذي يسبح ضد التيار العلماني الممثل للقيم الديمقراطية والليبرالية، ففي دراسة حديثة أخرجها الدكتور صالح النعامي الباحث والمختص في الشأن الإسرائيلي بيّن فيها مدى تأثير هذا التشكل الجديد للنخبة الإسرائيلية على الصراع العربي الإسرائيلي كافة.
إن هذا التناقض السياسي يمكنه أن يغير الواقع الاجتماعي على المستوى الداخلي مربكًا بذلك المخططات الكبرى المعتمدة في تأسيس الدولة التي اتخذت من الدين ذريعة (لاستقطاب اليهود) من أجل الاستيطان الأوّلي.
على أيٍّ، فإنه لا يمكن لنا الجزم يقينًا بزوال الكيان الصهيوني في عام محدّد كـ ( 2022)، خصوصًا وأن أكثر من نافح عن فرضية الزوال في هذا التاريخ “الشيخ بسام جرار “أكد على أنه اجتهاد قد يصيب فيه وقد يخطئ، والأوضاع السياسية الدولية ما تزال موجهة لصالح الكيان وتزداد هيمنته الدولية والإقليمية، إذ إن زوال “الكيان” يستوجب تغيُّرًا دوليًّا في موازين القوة وفي ظرف وجيز لصالح الدول المناهضة لإسرائيل، هذا بالإضافة إلى سلسلة التطبيع مع عدد من الأنظمة العربية التي نفت عن العلاقة مع الكيان نكهة الصراع والعدائية.
إلا أنه يجب التنبيه على أنه تعالى لا شيء يعجزه، فهو المتصرف في كونه المُمضي حكمه فيه. وبداية الأمل تتجلى في تعثرات وتخبط الكيان تجاه الرأي العام بفعل تطورات وأحداث شدّت الانتباه وأعادت الاعتبار لطرف القضية الأضعف الذي ظل لعقود متحيَّز ضده لقلة حيلته، وسط عالم قل ما وزعه الضمير بقدر ما وزعه السلطان والقوة.
المصادر:
- صالح النعامي، النخبة الإسرائيلية الجديدة دراسة في أثر صعود التيار الديني على مراكز صنع القرار، مركز الجزيرة للدراسات، الدوحة – قطر، ط1، 2020.
- بسام جرار، زوال إسـرائيل عام 2022م نبوءة أم صُدَف رقميـة، مركز نون للأبحاث والدراسات القرآنية
http://www.bassamjarrar.com/Part-1/Israel2020.aspx
اترك رداً
Want to join the discussion?Feel free to contribute!