ثم لم يرتابوا

image_print

يعيش عدد لا يستهان به من المسلمين في حالة من الشك بدينهم ورَيبٍ من صحة بعض التشريعات والأحكام والفرائض الإسلامية، فتراهم يتأثرون بكل شبهة تعرَض عليهم يقفون أمامها حائرين لايعرفون كيفية الخلاص منها، في زمن كثرت فيه الشبهات والفِتَن، والتي أصبحت تحيط بنا وتصل حتى عقر دارنا.

يكفي أن نتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، أو ندير التلفاز لبضع دقائق، حتى نرى الشبهات تنهال علينا كالسيل فتغرقنا، إلى جانب المحاولات المستمرة لتشويه صورة الإسلام؛ إذ لم يتوانَ أعداء الإسلام يومًا عن وصم المسلم بصفات مقيتة هو بريء منها، فأساءت للمسلم المعتز بدينه، وأثرت في جموعٍ ممن لم يتشبّع بتعاليم الإسلام حتى بات مائلًا للغرب وانفتاحهم بكل ما فيه من فسادٍ، واتباعه لأفكارهم من دون نبذ السيّئ المخالف لشريعة الإسلام منها.

لا يمكن إنكار أن كثيرًا من المفاهيم الإسلامية قد مُيّعت لعوامل عديدة، وبات الشغل الشاغل لبعض الدعاة والمفكرين إيجاد دينٍ عالمانيٍّ تنويريٍ منفتحٍ ليُعجَب الجميع به!، ولا عجب في ذلك، فهذا زمن يعيش فيه المسلم المؤمن غريبًا، ولعلّه الزمن الذي حذر منه رسولنا الصادق الأمين، حين قال صلى الله عليه وسلم: (ويل للعرب من شر قد اقترب، فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافرا، يبيع قوم دينهم بعرض من الدنيا قليل، المتمسك يومئذ بدينه كالقابض على الجمر) ]أخرجه أحمد في المسند، وقريب منه رواية أخرى في صحيح مسلم[ وبِتنا نرى من يبدل دينه بين ليلة وضحاها بعرض من الدنيا لشُهرة أو مال أو كِبر، فيصبح مسلماً ثم يمسي متلفّظاً بأقوال الكفر.

إن أسباب الشكوك وتمييع الدين الموصلة لبعض المسلمين إلى الإلحاد كثيرة لا يسعنا ذكرها كلها، ولكن الانفتاح الكبيرعلى المفاسد والشبهات من دون حصن منيع وقلب متيقن مؤمن بخالقه وبشريعته أتم الإيمان وعالم بعظمته وصفاته يجعل من السهل التأثربالشكوك والشبهات.

الشكوك والوساوس في الدين

الشك مرض من أمراض القلوب، فهو كالظلام الذي يغشى نور القلب شيئًا فشيئًا، فيشلّ كل ما في الجسد عن رؤية الحقيقة الساطعة ويمنع المسلم من التلذّذ بحلاوة الإيمان، ويُبقي المرء حائراً بين أمرين لايجزم بصحة واحد منهما.

الشكّ خلاف الوسوسة، فالوساوس تأتي على قلب وعلم متيقن يستطيع المرء طردها والتعوذ منها، وذلك كما يقول الإمام النووي رحمه الله في الأذكار: “الخواطر وحديث النفس إذا لم يستقر ويستمر عليه صاحبه فمعفوٌّ عنه باتفاق العلماء، لأنه لا اختيار له في وقوعه ولا طريق له إلى الانفكاك عنه، وهذا هو المراد بما ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لأُمَّتِي مَا حَدَّثَتْ بِهِ أَنْفُسَهَا مَا لَمْ يَتَكَلَّمُوا أَوْ يَعْمَلُوا بِهِ) [متفقٌ عليه]”.

من الممكن أن يخرِج الشكُّ الإنسان من الملّة فهو التذبذب وعدم الثبات والاطمئنان، إلا أننا يجب أن نؤكد أن التردد في كون الإسلام هو الحق أو بوجود الله وعدم الجزم بذلك، ناقض من نواقض الإيمان، وعلامة من علامات أهل النفاق الذين وصفهم الله بقوله: }مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً{ ]النساء: 143[

وما الشكّ إلا من الشيطان الذي لاينفك عن إغواء ابن آدم ليضلّه، إن استسلم له المرء عمى بصره وقَسا قلبه حتى لا يتأثر بكلام الله، وعليه يجب أن يختار الإنسان طريقًا من اثنين، فلا يمكن للإنسان أن يعيش بمرض الشك طوال عمره.

استحالة البقاء عند مفترق الطرق

الشك سلاح ذو حدين، إما أن يوصل إلى الهلاك باتباع طريق الشيطان، وقد ينتهي هذا الطريق في بعض الأحيان إلى الإلحاد، وهذا شأن الشك المذموم، يقول الله تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ ۚ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَر] {النور:21].

وإما أن يوصل إلى طريق الحق واليقين، وهذا شأن الشك المحمود، ولا يُقصد بالمحمود أنه يجب على المرء أن يشك ليُبصر؛ إذ إن الشك يبقى مرضاً منهكاً للنفس، ولكن يقصَد به بأن تكون نهايته موصلةً للطمأنينة بالإسلام وتحقيق اليقين به.

فالمطلوب للإبصار الصحيح بدلًا من الوصول للعمى، البحثُ عن الحقيقة في مكانها الصحيح، فالبحث عنها بين المضلِّين لايوصل إلا إلى ضلال، وعندما يبحث الإنسان عن أجوبة لأسئلة ما، يذهب إلى أهل الاختصاص، وهكذا يجب على الشاكّ إن يذهب بأسئلته إلى أهل العلم ويبحث في كلام الله، وعليه أن لا يستسلم للشكوك ويترك تفسيراتها للعقل والرأي والهوى، فما الاستسلام لها  اب الميزان لما نراه من بل يجب التفقه لب متيقن مؤمن بخالقه وبشريعته حا ليعجب الجميع موع من المسلمين  ولا يمكإلا زيادة في الجهل وقلة في العلم بدين الله، فلا توجد شبهة  إلا ولها جواب داحضٌ من الكتاب والسنة وأقوال وردود العلماء، وذاك مصداقٌ لقوله تعالى: }ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ{{البقرة:2}.

كيف أبعِدُ الشك؟

الشكُّ ابتلاء من الله سبحانه ليَميز به الخبيث من الطيّب، وهو يحتاج للصبر والثبات والتوقف عن الخوض بهذه الأفكار واللجوء لله سبحانه وتعالى بالدعاء والاستغفار، وإن كان الشاكّ خجِلًا من الله مما يفكر فيه، فإنّ الله قريب مجيب الدعاء قابلٌ لمن يلجأ إليه تائبًا باحثًا عن الحق، وهذا مما لا شك فيه، وإن بقيت تَحيك في الصدر الشبهات ولم يُتخلَّص منها، فسؤال أهل الذكر وطلب المساعدة من أهل الحكمة جزءٌ من عين الصواب.

كلما كان الإنسان للشيء أحوج، سهَّل الله طريقه إليه، وكلما كان الإنسان للحق أحوج، دعا الله فيّسر له الطريق، فيعينه الله في رحلة البحث عن الحقيقة والوصول لليقين، فيجب على الإنسان أن يجتهد في البحث عن الحقيقة ولايخضع لخطابات المشككين.

إن كثرة التعرض للشبهات والمعاصي والذنوب ومصاحبة رفاق السوء تقسِّي القلب وتفسد الفطرة السليمة وتعطل قدرة العقل على استيعاب الحقيقة وفهمها، فلا بدّ من المحاولة المستمرّة لإغلاق أبواب الشك والشبهات والمشتتات أولا، ثمّ اللجوء للعلم في محاربة الجهل وعدم المعرفة التي تبقي الإنسان في حيرة وتشكيك، فهو أفضل طريق للإنابة إلى الرحمن الرحيم بقلب سليم.

بناء اليقين

وهذا مايسعى إليه المسلم وحتى إن لم يكن شاكّا، فالوصول لليقين بالله يقي الإنسان من الانحراف عن الحق عند التعرض للكوارث والمصائب والشبهات حتى لو لم يجد جواباً لكل سؤال، ويبقي القلب مطمئناً متشرباً حب الله ورسوله، ومسلّماً تسليماً تاماً لشريعته وأوامره، فيكون من أولئك الموقنين، الذين امتدحهم الله تعالى في كتابه، فقال سبحانه: }إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا{ ] الحجرات:15[.

قال القرطبي في تفسيره عن قوله ( ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُواْ): “أي لم يدخل قلوبهم شيء من الريب، ولا خالطهم شكّ من الشكوك”، وقال السعدي في تفسير الآية: “وشرَط تعالى في الإيمان عدم الريب، وهو الشك؛ لأن الإيمان النافع هو الجزم اليقيني، بما أمر الله بالإيمان به، الذي لا يعتريه شك، بوجه من الوجوه”.

نسأل الله أن يثبتنا على دينه و يجعلنا من أهل اليقين الذين بشرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالمنزلة الرفيعة في الآخرة؛ حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ لاَ يَلْقَى اللَّهَ بِهِمَا عَبْدٌ غَيْرَ شَاكٍّ فِيهِمَا إِلاَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ) ]صحيح مسلم[..


مراجع للإفادة:

كيف يُحصِّن المرء نفسه من الفتنة في دينه ؟

كيفية الثبات في زمن الفتن

فتن آخر الزمان والثبات على الحق

الشكوك النفسية المعاصرة ومعالجتها عند الشباب للأستاذ. أحمد السيد

https://www.youtube.com/watch?v=MPhRDy0BBu8

‫اليقين بالله l الدكتور محمد راتب النابلسي

https://www.youtube.com/watch?v=gj7XtqNrIDw

وننصح الإخوة الذين تساورهم بعض الشبهات، ويبحثون عن طريق لمواجهة ما يلقى إليهم من شكوك، أن يتوكلوا على الله ويقصدوا توفيقه لردّ ذلك كله، فبفضل من الله يوجد برامج كثيرة وكتب وفيرة، والعشرات من المواقع التي تعين المسلم على التخلص من الشكوك، وتؤمن له زادًا يصحبه في رحلة الوصول لليقين نذكر بعضا منها:

مقالات موقع السبيل وقناة الموقع على اليوتيوب

https://al-sabeel.net/

موقع المحاورون لرد الشبهات

https://almohaweron.com/

https://islamqa.info/ar

https://www.islamweb.net/ar/

كما يوجد برامج لتعزيز اليقين والعلم الشرعي مثل أكاديمية زاد للعلوم الشرعية، وبرنامج صناعة المحاور

https://www.zad-academy.com/

https://almohawer.org/

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

التعليقات

تعليقات

0 ردود

اترك رداً

Want to join the discussion?
Feel free to contribute!

اترك رد