بين “في كل رطبة أجر” وبين “أنقذوا رالف”.. إلى أين تمضي البشرية؟

image_print

هزّ كثيراً من رواد وسائل التواصل الاجتماعي الفيلم الوثائقي القصير “أنقذوا رالف” الذي يستهدف إيقاظ الناس ولفت انتباههم لمعاناة الحيوانات التي يتم اختبار مستحضرات التجميل وغيرها من المواد الكيماوية على أجسادها وأعضائها، وما يتسبب به ذلك لها من آلام وإعاقات وتشوهات لا حاجة لها ولا فائدة منها في كثيرٍ الأحيان.

وبينما كثيرٌ من دول العالم اليوم تعاني الحروب والفقر والمجاعات، ولا يجد عددٌ كبيرٌ من البشر كفايتهم لعيشٍ كريم؛ يكاد يبدو غريباً أن نتحدث عن معاناة بعض الحيوانات، إلا أن حجم الإشكال ومساهمة معظم الناس فيه بغير علمٍ يدعونا كمسلمين لأن نتوقف ونتأمل ونسأل؛ كيف صارت الحيوانات جزءاً من ضحايا الشركات العملاقة؟ ما الذي يقوله ذلك عن إنسانية الحضارة الغربية وأخلاقيات الرأسماليات والفكر الذي بنيت عليه؟ وكيف يمكننا كمستهلكين مسلمين أن نبرأ من المشاركة بهذا النوع من الإجرام المجنون؟

صورة من فيلم "أنقذوا رالف"

من فيلم “أنقذوا رالف”
https://www.youtube.com/watch?v=oBZhGBAQoOI

قصة الدراسات الحيوانية.

من إطعام “منظفات” للأرانب، إلى إلقاء الفئران في الماء لتحاول السباحة حتى تستسلم وتغرق، وحتى إدخال مكونات من ملمّعات الزجاج أو الكحل في عيون الهامستر الصغيرة[1]، وغيرها من الممارسات التي يؤلم تخيلها أو توقع حدوثها في أي مكان في العالم ناهيك عن المختبرات؛ لا تكاد أي من الصناعات الكيماوية التي تمتلئ البيوت بمنتجاتها تخلو من التجارب الحيوانية المرعبة التي تتم دون أي مسكنات للآلام، وتتسبّب بتعذيب وقتل 26 مليون حيوان سنوياً في أمريكا وحدها في سبيل كماليات عاش البشر دونها آلاف السنين، ويمكنهم لولا شره الاستهلاك والربح وإدمان التنعم أن يستمروا بالعيش دون ما تؤدي إليه من إيذاءٍ وتلويث للهواء وإفساد للبيئة دون رقابة أو محاسبة.

وقد بدأ النوع الأول منها في الحرب العالمية الأولى عندما تم فحص الجرعة القاتلة من السم (LD50) على الجرذان والفئران، ورغم مرور عقود على دراسة هذا السم واستمرار المحاولات فيها، إلا أن أثره على البشر لم يتضح ولم يثبت بعد، بل إن تطبيق كل ما تظهره دراساته على البشر لا يعدو 65% في الدقة.[2]

هذا النوع من التجارب صار يعرف بتجارب “السُّمّيّة الحادة” لأنه يحاول معرفة خطر مادة كيميائية أو عنصر واحد منها عبر تعريض الحيوان لجرع عالية جداً منها إما بالإطعام الإجباري، الاستنشاق الإجباري، أو بتعريض مساحات من الجلد أو العين لها. وغالباً ما تنتهي هذه التجارب بمعاناة الحيوان من نتائج حادة سواء في الجهاز الهضمي، التقلصات العضلية، الشلل، نوبات الصرع، أو النزيف من الأنف أو الفم أو الأعضاء التناسلية إلى أن يموت أو يقتَل[3].

أما النوع الثاني منها فهو المعروف بفحص تخرّش وتهيج الجلد والعين الذي يعود لعام 1940، وفيه يتم إدخال المركب المدروس في عين الأرانب أو مسحه على جلدها المحلوق لمعرفة الضرر الذي قد يتسبب به، والذي عادةً يتضمن الحروق، الالتهابات الجلدية، النزف، ضبابية البصر، أو العمى، وذلك على أوقات متفرقة لمدة تصل إلى أسبوعين دون مسكنات[4].

About Animal Testing – Humane Society International

وتظهر الدراسات أن نتائج تلك التجارب تتنوّع ولا ترقى بالمصداقية لأن تطبّق على البشر أو تتوقع تفاعلات أعضائهم لأن عيون الأرانب مختلفة تشريحياً عن عيوننا، كما أن جلد الأرانب أكثر نفوذية من ذاك الذي لدينا، مما يجعل تلك الدراسات غير مجدية بصورة عامة. على سبيل المثال أظهرت دراسة مقارنة بيانات بين دراسات 65 مادة كيميائية والتعرض لها بين الأرانب والبشر أن 45% من تصنيفات المواد الكيميائية بناءً على فحص تخرش وتهيج الجلد والعين كانت غير دقيقة.[5]

وهناك أنواعٌ أخرى من تلك الدراسات تشابه سابقتها بالوحشية وتعذيب الحيوان، وتتضمن فحص حساسية الجلد الذي يُجرى على الخنازير الغينية بتركيزات متزايدة تدريجياً من المواد، كفحص الخلايا السرطانية الذي يجري على الفئران والجرذان على مر سنوات، وفحص سمية الإنجاب والنمو الذي يبحث عن آثار المواد على الخصوبة والصحة الإنجابية على أجيالٍ من حيوانات مختلفة كالكلاب والقرود.[6]

لماذا؟!

رغم أن جزءاً من الحيوانات المخبرية تُستخدم في الدراسات الصحية واختبارات الادوية المفيدة والضرورية لتقدم العلوم الصحية اليوم، إلا أن نسبة كبيرة منها تُقتل وتُعذَّب في سبيل إنتاج مواد استهلاكية كمالية لا تتوقف عندها حياة أو صحة الناس، ومن ذلك المستحضرات التجميلية المصنّعة من تركيبات كيميائية معقدة، ومواد التنظيف ومكوناتها، والمحسنات الغذائية أو المواد الحافظة، وغيرها مما تدخل المواد الكيميائية المصنعة في تركيبه، ومع زيادة استهلاك تلك المواد والطلب عليها وارتفاع سقف المتوقع منها، فإن عدد تلك التجارب يزيد سنوياً ليشبع متطلبات الزبائن، ويؤمن للشركات المنتجة الارتفاع المستمر والمتصاعد في المبيعات.

أما من حيث ضرورات تلك الدراسات، فإن قوانين بعض من الدول ومن ضمنها الصين تشترطها في أي مادة كيميائية تجارية، بينما معظم الدول الأخرى تسمح ببيع المنتجات المدروسة على الحيوان، أو تطلب وجود أي اختبار يدل على أمان المواد المكونة للمستحضرات كالحال في الولايات المتحدة مثلاً. ومنذ عام 1980 كانت جهود الناشطين في جمعيات كثيرة مثل People for The Ethical Treatment of Animals، Animal Free Safety Assessment Collaboration، Humane Society International، تعمل للضغط على الحكومات لمنع الدراسات الحيوانية، مع توعية المجتمعات عن حقيقة ما يجري فيها، وكذلك البحث المستمر عن بدائل مجدية وأكثر فعالية منها للتجارب وتطبيق النتائج على البشر.

وعام 2016 وضع الباحثون في مجتمع Non-animal Methods for Toxicity Testing لائحة طويلة من الاختبارات غير الحيوانية التي يمكن أن تنوب عنها في فحص المواد الكيميائية، وأرفقوها بدراسات تثبت دقتها، والقوانين التي توافق عليها في أوروبا والولايات المتحدة. لكن التكلفة الأعلى لتلك التجارب مقارنة باختبارات الحيوانات مازال يمنع تطبيقها في كثير من الصناعات الكيميائية، الأمر ذاته الذي يمنع الشركات من الإنفاق على مسكنات آلام للحيوانات المدروسة.[7]

بشرٌ بلا فطرة!

ولنا بعد النظرة للحال التي وصلت إليه البشرية اليوم مع هوس الاستهلاك والتمركز حول شهوات الإنسان ومحاولة الانتفاع منها بأي وسيلة لتغذية رؤوس الأموال بغض النظر عن الوسائل أو الأضرار أن نقارن ذاك كله بحال ديننا الحنيف الذي يقرّ بأن الحيوان مسخر للإنسان، ويعلّمنا أن الله كرم ابن آدم وأذن له بالانتفاع بالأنعام، لكنه في الوقت ذاته يحمله مسؤولية الاستخلاف، ويجعله جزءاً من هذا الكون ممنوع عليه إفساده أو الإساءة لغيره من المخلوقات فيه.

ولا أملك مع كل هذا الإجرام الذي أراه من تعذيب الحيوانات في سبيل أحمر اشفاه أو ملمع أرضياتٍ إلا أن أذكر رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجر والشجر إذ سكّن أنين الجذع، وردّ السلام على الحجر، ورحمته حتى بالحيوان الذي أذن بأكله والانتفاع به إذ قال: (إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الإحْسَانَ علَى كُلِّ شيءٍ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فأحْسِنُوا القِتْلَةَ، وإذَا ذَبَحْتُمْ فأحْسِنُوا الذَّبْحَ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ). [أخرجه مسلم]. وأذكر إذ جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم في إطعام كل كبدٍ رطبةٍ أجر، وحكى أن الله غفر لبغِيٍّ من بني إسرائيل لما سقت كلباً ظمآناً.

فسبحان الله، كم خسرت كل مخلوقات الله بغياب شريعته الرحيمة المتوازنة، وكم انحدر البشر حين جعلوا إلههم هواهم فاستخفهم الشيطان وأضلهم حتى فقدوا أبسط مكونات إنسانيتهم وفطرتهم التي تستحسن الحسن وتستقبح القبيح وتعرف مكارم الأخلاق بمجرد أن تراها، فصاروا تائهين لا يعرفون طريقاً إلا أن يلهثوا وراء مزيد من اللذة الحاضرة كل يوم وبكل وسيلة، ولا عجب.

ولا حول ولا قوة إلا بالله..


[1] Toxic and Tragic Consequences of Product Testing on Animals, PeTA, Animals Are Not Ours.

[2] Organisation for Economic Co-operation and Development, “Guidance Document on the Recognition, Assessment, and Use of Clinical Signs as Humane Endpoints for Experimental Animals Used in Safety Evaluation,” OECD Environmental Health and Safety Publications, Series on Testing and Assessment 19 (2000).

[3]B. Ekwall, “Overview of the Final MEIC Results: II. The In Vitro–In Vivo Evaluation, Including the Selection of a Practical Battery of Cell Tests for Prediction of Acute Lethal Blood Concentrations in Humans,” Toxicology in Vitro 13 (1999): 665–673.

[4] M.K. Robinson et al., “Non-Animal Testing Strategies for Assessment of the Skin Corrosion and Skin Irritation Potential of Ingredients and Finished Products,” Food and Chemical Toxicology 40 (2002): 573–592.

[5] M.J. Bartek et al., “Skin Permeability In Vivo: Comparison in Rat, Rabbit, Pig, and Man,” Journal of Investigative Dermatology 58 (1972): 114–123.

[6] B. Magnusson and A.M. Kligman, “The Identification of Contact Allergens by Animal Assay. The Guinea Pig Maximisation Test,” Journal of Investigative Dermatology 52 (1969): 268–276.
G.F. Gerberick et al., “Local Lymph Node Assay (LLNA) for Detection of Sensitization Capacity of Chemicals,” Methods 41 (2007): 54–60.
K. Ennever and L.B. Lave, “Implications of the Lack of Accuracy of the Lifetime Rodent Bioassay for Predicting Human Carcinogenicity,” Regulatory Toxicology and Pharmacology 38 (2003): 52–57.
AltTox, “Toxicity Endpoints and Tests: Reproductive and Developmental Toxicity,” 21 May 2014 .

[7] TABLE OF VALIDATED & ACCEPTED ALTERNATIVE METHODS, Non-Animal Methods for Toxicity Testing, 2016

http://alttox.org/mapp/table-of-validated-and-accepted-alternative-methods/#3

 

 

 

التعليقات

تعليقات

0 ردود

اترك رداً

Want to join the discussion?
Feel free to contribute!

اترك رد