بالمنازعات والشبهات .. هكذا يصنعون نسخة أمريكية من الإسلام!

image_print

أمام الرغبة العارمة التي تجتاح الغرب لتفريغ الإسلام من مضمونه العقائدي والتشريعيّ؛ كان لا بدّ من ملء الفضاء الرقمي والإعلامي بالمنازعات والشبهات الفكرية لتشويه الإسلام، تحت مسوغات عديدة كالتخلص من عقائد التطرف والتكفير التي تسببت في أحداث الحادي عشر من سبتمبر -برأيهم-، والتي لا يمكن فهم المشروع الغربي دون العودة إليها، فهي نقطة بداية المشروع والاستناد الأساسي في معظم الأعمال غير الأخلاقية الموجهة ضد المسلمين، إلى جانب استغلال ظهور تنظيم الدولة وأعماله الوحشية بوصف هاتين الركيزتين محركا مشروع الإسلام الجديد.

لنفرض أجندات النسوية.. والبقية تأتي!

تأتي النسوية جزءًا مهمًّا من الخطة الغربية، بداية من اتفاقية سيداو التي وقعتها عدة دول عربية منذ التسعينات، وانتهاءً بالتحول الملاحظ في التوجه الإعلامي نحو دعم المرأة وفق مطالبات الحركات النسوية المتطرفة.

إن الباب مفتوح على مصراعيه، والحبر يوزّع مجانًا والورق، والهدف بسيط: امدح النساء ودافع عن عنهن بالمطالبة برفع تكاليف الحياة والدين والأخلاق عنهنّ!

كم هي المرات التي خرجت أصوات من الأزهر تتحدث عن أن المرأة غير مطالبة بخدمة زوجها وأن ما تقوم به ليس إلا تفضّلًا؛ وأصوات أخرى ذهبت أبعد فقالت أن إرضاع المرأة لولدها أمر اختياري، فإن شاءت أرضعت وإن شاءت فلا!

أَبَعْدَ هذا حُمقٌ؟ لا أعتقد! إن اشتعال ملفات كهذه في العالم الإسلامي ليس مصادفة، فالنسوية المدعومة ماليًّا وإعلاميًّا، تنشر أفكارها في كل قطر، عبر قنوات مختلفة طالت المقدس منها، شيوخ لا هم لهم سوى الدفاع عن المرأة وإبراز معاملة الرسول صلى الله عليه وسلم للنساء وتلفيق قصص عن صحابيات تاجرن وأخريات قدن الجيوش، ووصلت الجرأة لدى بعض شيوخ تيار النسوية الجدد إلى الحد الذي جعل القوامة في يد المرأة، ولم يبق إلا أن يقول: إن الرجل الذي يموت وزوجته غاضبة منه سيدخل النار.. ولا عجب أن يخرج علينا أحدهم بنسخة محرفة من القرآن ترضي نزعات النسوية المتطرفة.

المرأة مكرمة في الإسلام هذا لا شك فيه، ولكن هذا لا يعني أنها مقدسة لا يأتيها الباطل من بين يديه، إنما لها ما لها وعليها ما عليها، واليوم وخاصة في مصر نرى أن المرأة طغت وتجبرت، وما عادت كسابق عهدها، بل باتت تنافس الرجال في السرقات والإجرام؛ وتتصدر عنوان الصحف، فحتى وقت قريب كانت الجرائم حكرا على الرجال بما فيهم من طباع، فالله تعالى حين ذكر حد السرقة قال {السارق والسارقة} [المائدة: 38] فبدأ بالرجل لأنه أقدر من المرأة على ارتكاب الجرائم، إلا أن الحاضر يشي بانقلاب الأدوار، وهذا كله -للأسف- ليس سوى جزء مما هو قادم، خاصة أن كثيرات من بناتنا تشبّعن بالفكر النسوي، وكثيرٌ منهن من المنتقبات -عن عادة لا اقتناع- تدافعن عن أفكار التيار الغربي، وكم من زوج وجد نفسه مرميًّا في السجن وقد خلعته زوجته المنقبة الحاملة لكتاب الله تحت مسمّيات كيديّة كتبديد القائمة!

وبسبب اللامبالاة التي يتميز بها المسلمون اليوم تجاه القضايا المصيرية؛ وبسبب قلة الاستثمار في الإعلام ودعم المؤثرين الغيورين على الإسلام، وفسح المجال أمام القوى التغريبية أخشى أننا خسرنا معركة النساء لصالح الغرب، وأننا نعيش الدقائق الأخيرة لقضية الفتاة الطيّعة لربها وأبيها وزوجها، فبسبب وسائل التواصل الاجتماعي باتت في كل بيت نسوية أو على طريقها، حتى لو أدخلها أهلها الجامع وأشربوها ماء زمزم؛ فالتيار الجارف يأخذ في طريقه الكل؛ وبتنا نرى الفتيات أنفسهن يدعمن المشروع النسوي في المنطقة.

مساعٍ مضللة ومفاهيم خاطئة

تعتقد الفتيات أن النسوية تيار أوجد للدفاع عن المرأة، ولا يدركن أنه يتجاوز هذا ليؤسس لمجتمع تسيطر فيه النساء، ويعيد الآلهة الوثنية القديمة -مثل عشتار- إلى الحياة؛ لكن هذا لن يتحقق إلا بالقضاء على الأبوة وعلى الأسرة وعلى الدين، أو نسونة الإسلام، وهذا بالضبط ما يردنه.

فالنسوية قبل كل شيء نظرة فلسفية وثنية، ترى في الدين الحالي وتعاليمه أغلالا تسجن المرأة في سجن الرجل؛ فالنظام الأبوي البطريركي ما هو إلا تمثل لرغبة الدين في استعباد المرأة، والإله كما تراه الأديان السماوية هو تجسد للرجل، بينما تزخر الوثنية بنماذج للمرأة الإله.

دارُ البلديّةِ في مونسترَ حيثَ جرى توقيعُ معاهدةِ سلامِ وستفالْيا. (المصدر ويكيبيديا)

الملاحظ في وسائل التواصل، أنه مع كل موضوع عن النساء والرجال وموقف الإسلام منهما ونظرية الإسلام حول دور المرأة ودور الرجل، تتقافز الفتيات اللاتي يتابعن اليوتيوب ويتفقهن منه؛ ليدافعن عن التيار النسوي، والضرب في كل من يعارضه، وحتى لا بدو الأمر وكأنه ضرب في ثوابت الإسلام، يصرّحن باستفاضة أن الإسلام لم يظلم المرأة بل الفقهاء، وبالتالي يجب تغيير قراءتنا للقرآن والسنة وفق المستحدث من القوانين والرؤى.

في دولنا تتحرّك الجمعيات النسوية وفق هذا الطرح، فحين يتعلق الأمر بفتاة خلعت الحجاب أو تعرضت للتحرش حتى ولو لم تثبت ذلك تقوم قائمتهن، وتبدأ أسطوانة الحجاب لم يكن والفقهاء من فرضه وهلم جرا، وهي نفسها تتغاضى عن الدخول في قضية تتعلق بفتاة تتعرض للمضايقة بسبب حجابها أو التزامها، فهذا ليس ضمن المهام المنوطة بها والتي تتلقى الدعم من أجلها.

يمكن -ببساطة- لمتابعي تحرك النسويات في فلسطين -على سبيل المثال- قراءة تقاريرهن التي تنشَر في بعض الصفحات المناهضة لهن ولاتفاقية سيداو.

القومية بديلاً عن جامعة الإسلام!

يقدّم الغرب فكرة أخرى بإمكانه تعويض الإسلام السياسي، وهي فكرة القومية، وقد لاحظت أن مجموعة من المؤثرين في العالم العربي بدؤوا بالفعل في الترويج لفكرة القومية، وإبعاد المشاهد عن فكرة الاجتماع بالإسلام، وذلك بالنبش في التاريخ وإخراج نماذج دفينة، وإظهار أصحابها شخصيات قومية دافعت عن بلدانها وراياتها لا عن حوزة الإسلام.

أعجب ما سمعته في هذا صدد أن أحمد المنصور الذهبي حاكم الدولة السعدية ما بين 1578-1603، كان رجلًا قوميًّا ومغاربيًّا قحًّا! وهذا الوصف لم أجده أو أقرأ عنه سابقًا، إلا أني وجدت أحد صنّاع المحتوى المرئي في يوتيوب يروّج له، مع أن مسألة القومية وأسماء الدول كما نعرفها اليوم لم تكن معروفة في أوروبا نفسها حتى القرن السابع عشر، فالدولة الحديثة لم تنشأ إلا مع معاهدة “ويستفاليا 1648” التي أنهت حرب الثلاثين سنة 1618-1648، فكيف نتحدث عن رجل في المغرب يدافع عن القومية في القرن السادس عشر، هذا لعمرك جنون! لكن إذا ما أدركنا أن الأمور لا تسير بشكل عشوائي وأن المواضيع لا تطرح اعتباطيا بل وفق أجندة محددة لأغراض واضحة، زال العجب.

إن الرهان الذي يضعونه هو على شباب قومي يرفض مصطلح “الأمة الإسلامية”، وبالتالي سيرفض شعار الإسلام هو الحل أو الإسلام دين شامل.

خاتمة لا بد منها

لا يفهم الغرب أنه لم يكن للأفغاني أن يسمع بأمريكا لولا حروبها الجائرة، ولا يريد أن يفهم المنبطح للغرب أنه لولا الهجوم الأمريكي على العراق لما سمعنا بتنظيم داعش البتّة، فإذا كان هناك إرهاب في بلادنا فإن للصناعة الغربية فيه دورًا كبيرًا، وليس في الإسلام دعوة لتفجير النفس في الأبرياء، وليس فيه أن تقود فيلقا لإبادة قرى بأكملها تعارضك فكريًّا كما حدث في سورية والعراق من قبل دعاة التحضّر والمدنيّة.
الإسلام صاف غير ذي درن، يدعونا ويدعو العالم إلى السلم {ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ} [النحل: 125] {وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} [الأنفال: 61].

لا يحتاج العالم إلى نسخة مشوهة من الإسلام تصنعه ليبراليّات الغرب وحكوماته، بل يحتاج إلى الإسلام الحقيقي؛ الذي لوّثته أيدي الجهال والطغاة؛ لتتماشى ومآربها الشخصية، فجعلوا منه ما نراه اليوم، وعوضًا الاستثمار في إفساد المسلمين وتحويلهم لمسوخ تتماهى مع الثقافة الاستهلاكية ليتهم استثمروا في جعل البلدان الإسلامية أكثر عدلًا وأقل فساداً، فحينها لن نجد شبابًا يسعى للقتل أو الظلم.

إن الواجب على العالم عوضًا محاربة الإسلام أن يتقبل ثقافته ويفهم رسالته ويتبنّاها، فما نحتاجه هو عالم يجمعنا تحت راية الحقّ جميعًا، لا راية الظلم، ولتكن هناك ندوات تقارب الرؤى وتمحص الأفكار، وتوضح نظرة كل واحد للآخر.

إن الغرب يريد تغيير الإسلام لأنه يريد تعميم شرعه وعقائده على العالم، لكن ألا يريد المشروع الحداثي فرض الرؤية الغربية البشرية على العالم! ولنا أن نتساءل: أيهما أقوم قيلاً، وأكثر كمالاً.. نشر تعاليم الإسلام الروحية والدينية أم إصرار الغرب على نشر ثقافات محاربة الفطرة وفرض أنواع مختلفة من الشذوذ بالقوة.. أو ليس في ذلك تعدّ سافر على الإنسانية الرافضة لهذه الأفعال المناقضة للفطرة؟

اتركونا نعود للإسلام الحقيقي الذي بنى الحضارات العظيمة.. وحينها سيعمّ الخير البشرية.

التعليقات

تعليقات

0 ردود

اترك رداً

Want to join the discussion?
Feel free to contribute!

اترك رد