القوامة وظلم الزوجة

image_print

العلاقة الزوجية جملة متبادلة من الحقوق والواجبات، وهي قائمة على مبدأ الأخذ والعطاء {ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة} (البقرة: 228)، وهذه الدرجة (القوامة) ليست لقعود جنس النساء عن جنس الرجال، بل تفضيل متناسب مع ما أودعه الله في الرجل من استعدادات فطرية تلائم مهمته وتتناسب مع إنفاقه على الأسرة وبناء الحياة خارجها. وقوامة الرجل على المرأة والأسرة لا تعني تفرده بالقرار، فالنبي أكمل الرجال وسيدهم يستشير أم سلمة في مسألة تتعلق بالأمة، لا بالأسرة فحسب، ففي إرضاع الأولاد قال تعالى {فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور} (البقرة:233)، وفي حجة الوداع وأمام جموع الصحابة وقف النبي فحمد الله، وأثنى عليه، وقال: «ألا إن لكم على نسائكم حقا، ولنسائكم عليكم حقا، فأما حقكم على نسائكم فلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن» (1).

وأمر النبي بحسن العشرة للنساء والصبر على ما يصدر منهن من أذى اللسان، فإن المرأة بحسب جبلتها تأخذ حقها بلسانها، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «واستوصوا بالنساء خيرا، فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وإن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرا» (2).

 ولما كانت الأسرة كسائر المؤسسات المجتمعية والاقتصادية تحتاج إلى قائد يقودها؛ فإن القرآن جعل القوامة في الأسرة للرجل دون المرأة {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} (النساء: 34)، فالآية تحدد صاحب المسؤولية الأولى في الأسرة، وهو الرجل، إذ أي مجتمع إنساني لا يخلو من قيم مسؤول يقود من تحت ولايته بما يمتاز به عن الآخرين، ككبر سنه أو امتلاكه حصة أكبر في الأسهم أو خبرة وأقدمية في العمل، لكن على كل حال لابد من وجود مدير أو مسؤول أول أو قائد لهذه المؤسسة.

وفي حالتنا هذه نحن أمام أحد خيارين: إما أن تكون المسؤولية الأولى للمرأة، أو أن تكون للرجل.

إن نظرة بسيطة تتفحص عالمنا الذي ما فتئ ينادي ويصرخ بالمساواة العمياء بين الرجل والمرأة لتكشف لنا عن حقيقة تميز الرجل عنها في مختلف بلدان الداعين إلى المساواة، لذلك أسأل القارئ الكريم: كم نسبة الوزيرات إلى الوزراء في دول العالم الذي ينادي بالمساواة بين الجنسين؟ وكم نسبة الملوك والرؤساء من النساء في تلك البلاد؟ وكم نسبة نساء الدولة والبرلمان وقادة الأحزاب إلى الرجال في هذه الدول؟!

لا ريب أننا جميعا متفقون على تقدم الرجل في كل هذا على المرأة وبفارق كبير، فكيف وقع هذا عند من يدعون المساواة؟ إن الدول الإسكندنافية حققت أعلى الأرقام العالمية في تولية المرأة مناصب قيادية، لكنها لم تتجاوز نسبة الـ30 %، لماذا؟ القرآن يجيبنا: {الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم} (النساء: 34)، نعم لقد خلق الله الرجال لغاية، وأعطاهم من الملكات والإمكانات ما يعينهم عليها، ومن ذلك مسؤولية القيادة في الأسرة والمجتمع، لأنه مسؤول عن رعاية البيت ونفقته، فالزوجة مصانة، ليس واجبا عليها ولا مطلوبا منها أن تكدح وتشقى بالعمل لتضمن مكانا لها في بيت الزوجية، فهذا ليس من واجباتها، ولا هو متناسب مع أنوثتها وطبيعتها الحانية العاطفية التي فطرها الله عليها لتناسب مهمتها السامية في إدارة بيتها

وتربية أبنائها وإعطائهم حقهم من الحنو والرعاية «كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته .. والرجل راع في أهله، وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها، وهي مسؤولة عن رعيتها» (3).

والمرأة مكفولة النفقة، أما كانت أو زوجة، أختا كانت أو ابنة «يد المعطي العليا، وابدأ بمن تعول: أمك وأباك، وأختك وأخاك، ثم أدناك أدناك» (4)، فواجب الرجل الإنفاق على الأسرة عموما، وعلى الزوجة خصوصا، ولو كانت ذات مال ووظيفة، فقد أمر النبي بذلك: «ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف» (5).

فالقوامة في الإسلام تعني حق الطاعة الواجبة على الزوجة تجاه زوجها، وهي طاعة عطاء وبذل متبادل بلا منافسة ولا شحناء، فالرجل هو القائد والمرأة مركز القيادة، دون إخلال بإنسانيتها أو كرامتها، بل إن هدف القائد رفعة المرأة سواء كانت كزوجة أو ابنة أو أم، فعليه حق العناء ولها حق الرفاهية والإعزاز، فإدارة دفة الحياة لا تصلح بقائدين متساويين، والرجل في قيادته ليس له حق الاستبداد والاستعلاء، ولكن عليه مشاورة المرأة فيما يخص الأسرة من قرارات.

وحق القوامة في الإسلام فيه كامل حماية المرأة مما يواجهها من أخطار تمس الشرف أو الكرامة أو الكبرياء، فهي جوهرة مصونة لا يعبث بها أي طامح أو طامع، فإن احتاجت التقويم والإرشاد فهناك ضمانات لعدم إهانتها أو مس كبريائها، وإن شهدت كان لها حق شهادة مع مراعاة طبيعتها كامرأة بلا نقصان في أهليتها، وإن وليت أمرا فلا بد أن يكون في حدود إمكانياتها وطاقاتها وطبيعتها حتى تفلح فيه، ولها حرية امتلاك الأموال والتصرف فيها، وحرية مفارقة الزوج إن رغبت في ذلك بالخلع فإرادتها في الإسلام كاملة، وكرامتها مصونة وهي المشاركة للرجل في شتى مناحي الحياة، وهي السكن والمودة والرحمة.

اليوم يريدون للمرأة حرية أكبر ولا طاعة للزوج ولا قوامة، ولايريدون أن يتحكّم الزوج بخروجها ودخولها وأن تعيش بصلاحيات المرأة الغربية، لكن وبنفس الوقت يريدون من الزوج أن يكون شرقيا معها، يحميها ويعطيها الحنان والأمان والمال، وأن يفني عمره عليها وعلى أولادها وألا يكون متطلّبا حين يأوي لبيته.

إن شواهد الحياة كلها تدل-عند التحقق-على أنه قد لا يسعد المرأة سعادة حقيقية أن تتساوى بالرجل في كل شيء، بل إن سعادتها الحقيقية تكمن في أن تراعي وجوه اختلافها عن الرجل سيكولوجيا، وبيولوجيا، وفسيولوجيا، ولا تكمن في أي خروج على هذه الأوجه، أو تجاهل لها. وأشير إشارات سريعة – لأسباب معروفة- إلى ما هو مشاهد ثابت من غلبة الاكتئاب المرضي، والرغبة في الانتحار -بل الإقدام عليه أحيانا- وغلبة الشقاء النفسي، والفشل في الحياة الخاصة على كثير من المتزعمات لما يطلق عليه حركات المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة، في مقابل السعادة الحقيقية التي تجنيها المرأة المتوافقة في حياتها مع طبيعة الأنثى بكل صفاتها، وأبرزها ما تختلف فيه مع الرجل من تكوين نفسي، وعضوي.

يبقي أن نسأل ما هو الموجود في كتب الأخرين حول موضوع القيّم على الأسرة: وما رأيكم في قول بولس: “الرجل ليس من المرأة، بل المرأة من الرجل، ولأن الرجل لم يخلق من أجل المرأة، بل المرأة من أجل الرجل” (كورنثوس (1) 11/ 8 – 9)، وهذا النص وأمثاله يفيد قوامة الرجل، ويفيد أيضا ما لا نقبله، ونراه إزراء بالمرأة التي لم تخلق للرجل، فهي ليست كسائر ما سخره الله لنا من متاع، بل هي كالرجل مخلوقة لعبادة الله وعمارة الأرض بمنهجه تبارك وتعالى.

لقد آمنت التوراة بضرورة قوامة الرجل على المرأة حيث فشلت المرأة في أن تكون المعين والمساعد للرجل في الجنة، فتسببت في إخراجه منها، ولذلك فله حق القيادة والرئاسة والإدارة في الدنيا والتي وصفت بلفظ ثقيل المعنى والمفهوم وهو التسلط، أي الرياسة بضغط وإكراه، وكان من حق الوالد على ابنته أن يبيعها لسداد ديونه… ومن حق الزوج على زوجته اللواط معها بدون رغبتها ومن حق الأب تزويج ابنته بدون أخذ رأى أمها… وكان من آثار هذا التسلط: عدم احتفاظ المرأة باسم عائلتها إذا تزوجت من عائلة أخرى. وعدم الحق في مباشرة إدارة الأموال إلا بوصاية زوجها.

وتؤمن المسيحية بأن العدل هو خضوع المرأة للرجل؛ لأن المساواة في الكرامة تجلب الصراع، والمرأة لا تستحقها، لأنها أساءت استخدام السلطة في الجنة فخرجت منها هي وزوجها، وعبر بولس عن خضوع المرأة للرجل وجعله كالعبادة تماما حيث قال: 22 أيها النساء اخضعن لرجالكن كما للرب، 23 لأن الرجل هو رأس المرأة كما أن المسيح أيضا رأس الكنيسة. (أفسس 5: 22، 23).

كما يقول: رأس المرأة هو الرجل. (كورنثوس 11: 3).

ونتج عن هذا التسلط عدة أحكام مجحفة بالمرأة منها:

أ – لا ينبغي أن تكون المرأة معلمة للرجل.

ب – الصمت في الكنيسة وعدم الكلام نهائيا.

جـ – تحريم عملها كداعية دينية أو العمل الكهنوتي بالكنيسة.

د – عدم حقها في الاستقلال بذمتها المالية ومزاولة أعمال التجارة والتصرفات المالية.


الهوامش

(1) أخرجه الترمذي ح (1163)، وابن ماجه ح (1851).

(2) أخرجه البخاري ح (3331)، ومسلم ح (1468).

(3) أخرجه البخاري ح (893)، ومسلم ح (1829).

(4) أخرجه النسائي ح (2532)، وأحمد ح (7065).

(5) أخرجه مسلم ح (1218).

التعليقات

تعليقات

0 ردود

اترك رداً

Want to join the discussion?
Feel free to contribute!

اترك رد