اسلُك طريقًا تلتمس فيه علمًا

image_print

يتّضح للقاصي والداني عظمة الدين الإسلامي ورفعته وأنه دين الحق كما أنه دين الخلق جميعاً، بأن يفرغ ذاك الباحث عن الحق قلبه من ميوله السابق وأن يكون موضوعياً صادقاً مع نفسه أولاً ثم مع الآخرين ثانياً، ثم يقبل على نصوص الله عز وجل وأحاديث رسوله عليه الصلاة والسلام دارساً لها، مقارناً ومقارباً بينها، هادفاً إلى معرفة صلاحيتها لأن تنهض بالبشر وتقومهم وتخرجهم من الظلمات إلى النور.

ولا يكون الباحث عن الحق صادقاً في بحثه إن أخذ عن الإسلام حكماً مسبقاً بأنه دين الجهل أو دين العنف أو دين التخلف أو ما شابه، لأن حكمه المسبق هذا سيؤدي به إلى أن يحرّف أو يؤول الأحاديث النبوية والآيات القرآنية على هواه وإن كان هواه يقتضي تأويلاً لا يعقل أن تؤول به!

الحق في البحث عن الحق
زعم بعض الباحثون أنهم يريدون الحق ولا شيء سواه، ثم شقوا طريقهم في دراسة الإسلام وعلومه، فأخذوا ببعض الأحاديث الشريفة ثم رموا بعضها الآخر وراء ظهورهم! ولا يصلح ذلك ولا تتحقق هداية به، إذ إنما تدرس أحاديث الباب الواحد دراسةً شاملة، ولا يؤخذ إلا بها جميعا ثم يجمع الباحث بينها ليصدر حكمه على أساس ذلك.

وقد زعم باحثون آخرون بحثهم عن الحق، ولكنهم لم يريدوا على وجه الواقع سوى البحث عن العثرات وعن النقائص وعن الشبه المتوهم وجودها في هذا الدين، ليثيروها فيشككوا المسلمين في دينهم، ظانين أنهم قادرون على أن يواجهوا ديناً وقفت في وجهه مختلَف التيارات والاتجاهات الفكرية الرافضة لتعاليمه، فذهبت أدراج الرياح وبقي قرآن الله كما نزل، وما ذلك إلا لأن الله عز وجل تعهد بحمايته من الأفكار الضالة أن تدخله وذلك بحفظ كتابه وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام.

فكان منهج هؤلاء الباحثين عن الشبه ليثيروها، أن ينشروا أحاديثاً مدّعين أنها من الدين وما هي من الدين بشيء، كتلك الموضوعة أو المكذوبة، أو أن ينشروا بأحسن الأحوال أحاديثاً صحيحةً ولكنهم يفسرونها تفسيراً لم يفسره أحد من الصحابة أو التابعين أو العلماء وإنما هو تفسير قد أملاه عليهم هواهم.

طلب العلم والسؤال
إن الإسلام دين العلم والمعرفة لا دين الجهل والتخلف، إذ يحث أتباعه وغيرهم على البحث والنظر والتفكر لا أن يعطلوا عقولهم وقلوبهم، ففي الوقت الذي يخبرنا الله عز وجل في كتابه عن نفسه وعن حقيقة الدنيا والآخرة، وعن حقيقة الجنة والنار، وعن هذا الدين وأحكامه، فإنه لا يشغله ذلك عن أن يثير بينها أسئلةً داعياً الباحثين عن الحق إلى التفكر بها قائلاً:

{أم خُلِقوا من غير شيءٍ أم هم الخالقون؟} [الطور: 35]

وهذا مثالٌ عن سؤالٍ أثاره القرآن الكريم، ورغم عدد كلماته القليلة إلا أن الله عز وجل قد قدّم من خلاله سؤالاً جوهرياً يفضي جوابه إلى معرفة أن الله هو الخالق القاهر فوق عباده، فهل يعقل أن الإنسان بتعقيدات جسده قد خلق من غير شيء؟ إننا لا نصدق أحداً قد قال لنا أن كرسياً من الخشب قد صنع من غير صانع، أفيعقل أن نقبل على أنفسنا تصديق وجودنا من غير خالق؟! أم يعقل أن الإنسان الذي لا يقدر على أن يخلق ذبابةً أن يدّعي أنه هو الخالق؟!

طلب العلم طريق الجنة
لقد حثنا الله عز وجل في كتابه على التفكر في خلق السموات والأرض، وأمرنا بأن نطلب العلم، إذ لا يمكن أن يعقل الإنسان ويفهم إلا بالعلم، لا أن يصم أذنيه ويعمي بصره وقلبه عن الحق الذي يكاد يحاط به من كل جانب إن لم يصرف هو نفسه عنه، وقد انتهجت السنة النبوية نهج القرآن ذاته، إذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف: (من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة) [متفق عليه]

والعلم المقصود بالحديث هو العلم المراد به وجه الله، إذ إنّما الأعمال بالنيات وإن لكل امرئ ما نوى، وكذلك هو العلم الذي جرّد الباحث عنه نفسه من جميع أهوائها وميولها طالباً الحق وحده ولا شيء سواه، فكان أن ثمن ذلك الجنة! وما أعظمه من ثمن، وما أعظمه من دين!

طريق علم

إنه ليهون على الإنسان كل شيء في هذه الدنيا عندما يعرف أن المقابل الجنة، وأن يُكافئ الإنسان بالجنة لسلوكه طريق العلم فإن ذلك شأن عظيم، إذ بينما يدرس ذاك الطالب ويتعب ويكد ويسهر فإن الحسنات تنزل عليه، ويرضى الله عنه لما يقوم به من جهد وصبر، وإن من شعر بذلك وآمن به فإن مشقات العلم والبحث والدراسة كلها لتصبح هينةً على قلبه إذ إنما عقبى ذلك الجنة!

الجنة التي يدفع أقوام في سبيلها أرواحهم، فيهجرون أهلهم وأوطانهم، حاملين معهم كل ما جمعوا من أموالٍ ليضعوها وأنفسهم في سبيل الذب والدفاع عن الإسلام دين الحق، فيجاهدون أقواماً قد ضلوا وأضلوا كثيراً من الخلق، فلا يرجعون من ذلك إلا بإحدى الحسنين: الشهادة أو النصر.

كما دفعت الجنة أقوامًا آخرون -وهم من الذين قصدهم الحديث الشريف- في أن يسعوا في ليلهم ونهارهم على تعلم لغة القرآن الكريم، فيحثوا ألسنتهم على إتقان اللغة العربية والنطق بها نطقاً صحيحاً من مخارج حروفها السليمة، فيتعثرون حيناً وينجحون حيناً آخراً، ولا يدفعهم إلى تعلمها سوى رغبتهم في أن يصبحوا من أهل القرآن وخاصته، راجين أن يكونوا من الذين قد سلكوا طريق العلم فكانت عاقبتهم الجنة يوم القيامة.

التعليقات

تعليقات

0 ردود

اترك رداً

Want to join the discussion?
Feel free to contribute!

اترك رد