مقالات

معجزة الخلق.. فيديو يصور للمرة الأولى طيّ الحمض النووي الريبي

على الرغم من وجود مقاطع فيديو كثيرة تمثّل عمليّة طيّ الحمض النووي الريبي (RNA)، إلا أنها ليست سوى نماذج تقديرية تولّدها الحواسيب مبنيّة –في مجملها- على التقديرات والافتراضات، مما يجعلها مليئة بالثغرات، إلا أن دراسة جديدة لفريق من جامعة نورث وسترن أظهرت فيديوهات تمثيلية دقيقة لكيفية طي جزيئات الحمض النووي الريبي حيث تلتئم الخلايا بعضها مع بعض بهدف أداء وظائف محددة، وذلك في إنجاز مذهل يمكن أن يساعد في تطوير علاجات للأمراض المرتبطة بالحمض النووي الريبي، بما في ذلك مرض ضمور عضلات العمود الفقري وفايروس كورونا الجديد.

في هذه الدراسة التي نُشرت في 15 يناير/كانون الثاني الجاري، في مجلة (Molecular Cell)، تمكّن العلماء من تطوير تقنية جديدة لتصوير مقاطع فيديو لـ”آر إن إيه” ‏-الجزيء الجيني الذي يخبر الخلايا عن كيفية بناء البروتينات- باستخدام البيانات التجريبية وخوارزمية حاسوبية،حيث طوّر فريق من الباحثين بقيادة جوليوس ب. لاكس برنامجًا حلل البيانات المتوفرة حول طي الحمض النووي الريبي أثناء تصنيعه، وذلك باستخدام أدوات حسابية لتنظيم هذه البيانات والكشف عن النقاط التي ينثني فيها الحمض النووي الريبي وما يحدث فيه بعد هذه العملية، لينتج الباحثون أول فيلم على الإطلاق يعتمد على البيانات حول كيفية طيات الحمض النووي الريبي كما تصنع بواسطة الآلات الخلوية، ومن خلال مشاهدة مقاطع الفيديو الخاصة بهذا الطي، اكتشف الباحثون أن الحمض النووي الريبي غالبًا ما ينثني بطرق مفاجئة مثل ربط نفسه في عقد- ثم فك الارتباط على الفور للوصول إلى بنيته النهائية.

وتُظهر مقاطع الفيديو الجديدة المذهلة كيف يتشابك “آر إن إيه” في عقدة غير منتظمة أثناء تشكلها ثم تفكيك نفسه في الثانية الأخيرة وذلك بطريقة أدهشت العلماء.

يقول لاكس: “يحدث الطي في جسمك أكثر من 10 كوادريليون مرة في الثانية” يحدث ذلك في كل مرة يتم فيها التعبير عن الجين في خلية، ومع ذلك فنحن لا نعرف سوى القليل عنها، تتيح لنا أفلامنا أخيرًا مشاهدة حدوث الطي للمرة الأولى “.

الحمض النووي الريبوزي
يقسم الحمض النووي لنوعين، أولهما الحمض النووي الريبوزي منقوص الأكسجين “دي إن إيه”(DNA)، الموجود في نواة الخلايا الحية، وثانيهما الحمض النووي الريبوزي “آر إن إيه” (RNA) الذي يوجد لدى ‏كل الكائنات الحية‎ ‎والفيروسات، إلا أنه لا توجد بنية مستقرة دائمة للحمض “آر إن إيه”، حيث يمكن له التسلسل ضمن عدد من البنى، ولوحظ أن لديه ما يزيد على 150 نوعا من الترابط، وتحتوي جينومات كثير من الفيروسات‎ على “آر إن إيه” فقط بصفته حاملا للمعلومات الوراثية، ‎وتوجد دراسات لاستخدام جزيئات “آر إن إيه” في العلاج وإنتاج اللقاحات؛ عبر استهداف الجينات الفيروسية لإسكاتها ومحاربة ‏العدوى والأمراض.

يقول جوليوس ب. لاكس قائد الفريق البحثي: “إن طي الحمض النووي الريبي عملية ديناميكية أساسية للحياة، كما أن الحمض النووي الريبي هو جزء مهم حقًا من التصميم التشخيصي والعلاجي، وكلما عرفنا المزيد عن تعقيدات وطي الحمض النووي الريبي، كان بإمكاننا تصميم العلاجات مستقبلاً بشكل أفضل”.

تصوير مقاطع الفيديو
استخدم الفريق من الحمض النووي الريبي في التجارب جزيء التعرف على الإشارة “إس آر بي” (SRP)- كنموذج، لكونه جزءًا أساسيًّا في عدد من أنواع الخلايا، ومن أجل تكبير كيفية بناء الخلايا لهذا الحمض النووي استخدم الفريق مواد كيميائية لإيقاف عملية البناء مؤقتا، ثم سجلوا كيفية تفاعل الجزيئات المكونة له داخل الخلية، وعن طريق التقاط البيانات الفردية طور الفريق ‏لقطات تتعلق بكيفية بناء الحمض النووي الريبي بشكل عام عبر الزمن‎.‎

لقد كانت هذه اللقطات بمنزلة إطارات فردية في حين ستصبح مقاطع الفيديو النهائية لتشكيل الحمض ‏النووي الريبي، بينما قامت الخوارزمية بشكل أساسي ‏بربط الإطارات الفردية معا في أفلام مصغرة وملء الفجوات بين الإطارات، وهنا لاحظ الفريق كيف أن تشابك الحمض النووي الريبي في عقد مربوطة سيجعل الجزيء كله عديم الفائدة.

يقول قائد الفريق البحثي يوليوس لاكس‎‎، في بيان صحفي  إن “الحمض النووي الريبي ‏لن يعمل بوجه صحيح إذا كان محاصرًا ممّا يعني وجود عقدة تعترض ‏شكله النهائي، وما كان مفاجئًا هو كيفية خروج أجزاء الحمض من هذا الفخ، وما نتج عنه من لدينا مقاطع فيديو عالية الدقة”.‏