image_print

هل سمعت بأفكار مدرسة فرانكفورت التي تحكم العالم؟

تعتبر أفكار مدرسة فرانكفورت الحجر الأساس وراء معظم الأفكار المنتشرة اليوم بين النخب الفكرية في الحرم الجامعي والإعلام والسياسة والمنظمات غير الحكومية. فلقد أنتجت مجموعة من الأفكار الثورية التي أصبحت تتحكم في أغلب تفاصيل المواطن الغربي وانتشر صداها حتى في أغلب دول العالم. وهذه الأفكار تدير العالم وتحكم حياتنا وهي المسبب الأول لصعود كل التيارات الليبرالية واليمينية المتطرفة في أوروبا وفي العالم. إننا عندما نسمع عن منتدى دافوس لكلاوس شواب والمجتمع المفتوح لجورج سوروس وكل المنظمات الحقوقية في العالم التي تدافع عن باقة من الحقوق فإننا لا نعلم الأفكار الأيديولوجية لمدرسة فرانكفورت التي تحركهم من الخلف.

مدرسة فرانكفورت.. التأسيس وأهم الأفكار.

للتوصل إلى نظرة شاملة لإيديولوجية مدرسة فرانكفورت، من الضروري العودة إلى العشرينات في التاريخ الألماني في عام 1923، أسّس فيليكس ويل معهد البحوث الاجتماعية في فرانكفورت، حيث كان المعهد قائمًا على نظرة ماركسية للواقع، وقد تم تأسيسها لكي تكون مأسسة فكرية بحثية لأجل الحكومة الألمانية في حال انتقالها إلى الشيوعية.

بهذا، أثبتت الماركسية نفسها كحجر الزاوية الأيديولوجي للمعهد لدرجة أن أحد كبار الأساتذة في جامعة فرانكفورت، وهو فريتز شميدت، قدّم شكوى إلى وزارة الثقافة البروسية من خلال إثبات أن اختيار مساعدي المعهد كان قائمًا على التحيز الأيديولوجي. وبحسب شميدت، فقد تم تجميع عدد كبير من الطلاب الشيوعيين والثوريين الأجانب في المعهد. من الأهمية بمكان تسليط الضوء على أن الجيل الأول من معهد البحوث الاجتماعية تألف بالكامل من اليهود الشيوعيين والأفراد الذين أدانهم النازيون لانتمائهم لليهودية. وبالفعل، كان أعضاء المعهد ضحايا للحس الأخلاقي المعادي لليهود المنتشر في المجتمع الألماني بالإضافة إلى أنهم كانوا من الأجانب.

من الجانب النفسي، الموقف الصعب الذي عاشه أعضاء المعهد جعلهم يتبنّون نظرة نقدية للمجتمع. بعبارة أخرى، أدت المثل العليا المشتركة للهيمنة الثقافية والقيم الأخلاقية في جميع أنحاء ألمانيا إلى استجابة مضادة والتي تتمثل في معهد البحوث الاجتماعية. حدث التغيير الكبير في تاريخ المعهد عندما تنحى المدير السابق، كارل جرونبرج، عن منصبه بسبب مشاكل صحية ليخلفه الفيلسوف الألماني اليهودي ماكس هوركهايمر في عام 1928. وبمجرد وصوله إلى إدارة المعهد، جمع المدير الجديد حوله شخصيات مختلفة بما في ذلك إريك فروم، وهربرت ماركيوز، وفرانز نيومان، وفريدريش بولوك. خلال هذا الوقت اكتسبت النازية أرضية سياسية كبيرة في ألمانيا مع صعود أدولف هتلر إلى السلطة. لذلك، كان لا بد من مغادرة اليهود للبلاد لتأمين حياتهم. ولحسن حظهم، فتحت الولايات المتحدة حدودها أمام المفكرين والعلماء اليهود الفارين من ألمانيا النازية مثل ألبرت أينشتاين لتعزيز مجالها التكنولوجي والعلمي. عملت سياسة هجرة العقول التي طبقها الأمريكيون لصالح المعهد الذي استغل الفرصة وقام بتغيير مقعده إلى سويسرا ثم إلى الولايات المتحدة. اعترف ليو لوينثال في مقابلة أن “جامعة كولومبيا كانت سخية للغاية: لقد وفرت لنا من الناحية التنظيمية والقانونية نفس الظروف التي تمتعنا بها في فرانكفورت. وجعلوا معهد البحوث الاجتماعية تابعا لجامعة كولومبيا وحصلنا على مكان رفيع في الجامعة حافظنا عليه حتى أواخر الأربعينيات. تم الانتقال إلى الولايات المتحدة في عام 1934، وفي الستينات تم استخدام مصطلح “مدرسة فرانكفورت” لوصف هذه المجموعة الفكرية، وسعد بها تيودور أدورنو”.

ومع وصولهم إلى أمريكا، تم تطوير النظرية النقدية من قبل هوركهايمر وأدورنو في عملهم الشهير (جدل التنوير) المنشور في عام 1947. الحجة الأساسية للنظرية تدور حول الهيمنة الاجتماعية. بعبارة أخرى، يتعرض الفرد للهجوم المباشر من قبل المجموعة إلى الحد الذي يُحرم فيه من ممارسة فرديته بالكامل. بناءً على هذا، يمكن تطبيق الخصائص الكاملة للنظرية بشكل مثالي على المجتمع الأمريكي ومن هنا قاموا بتعويض كرههم للثقافة الألمانية بكره الشعب الأمريكي.

باستخدام نفس طريقة التفكير، صور هربرت ماركوز المجتمع الأمريكي على أنه “مجتمع أحادي البعد” يعمل على قمع أي معارضة سياسية محتملة. وتحصلت هذه الأفكار على مكانة مرموقة داخل جامعة كولومبيا. وبهذا تمكّنوا على التعبير عن اشمئزازهم من المجتمع من خلال مهاجمة ما اعتبروه الهيكلة السفلية للسلطة وهو ذاته ما واجهوه في ألمانيا النازية. تشكّلت مدرسة فرانكفورت من المثقفين الماركسيين الذين ذاقوا ذرعا من الواقع مما دفعهم إلى التفكير بجدية في تغيير وجه النظرية الماركسية برمتها لصالح الأقليات. انتشر هذا المنظور النقدي للمجتمع على نطاق واسع في الجامعات الأمريكية في الستينيات ونجح في تعزيز تعدد الحركات المناهضة للمنظومة السياسية والاجتماعية.

نتيجة لهذا، نشأت أيديولوجية سياسية جديدة بالكامل خرجت من الحضن الفكري للنظرية النقدية الممثلة في اليسار الجديد. ولتعزيز هذا الارتباط، ظهر كتاب (الإنسان ذو البعد الواحد) للمنظر النقدي هربرت ماركيوز والذي نُشر في عام 1964 وانتشر كالسيل الجارف بين الراديكاليين الشباب من اليسار الجديد وناشد كل المدافعين عن الثقافة المضادة.

على الرغم من انطلاقه من وجهة النظر الماركسية للواقع، إلا أن اليسار الجديد انحرف عن اليسار القديم الذي آمن بالصراع الطبقي واعتبر البروليتاريا القوة الثورية ضد النظام البرجوازي القمعي. لقد ألقى اليسار الجديد جانبًا كل هذه الأفكار واعتبر الأقليات المضطهدة قوى مقاومة ضد جيش الهيمنة الذي تجسده الأغلبية. لم يعد الصراع بين البرجوازية والبروليتاريا. بل أعيد تشكيل أسس الصراع وتم تجديده بين الأغلبية والأقلية. في حين ركز اليسار القديم فقط على الكتلة الاقتصادية، أكد اليسار الجديد على أهمية الثقافة والاقتصاد والتحالفات السياسية.

ربما يكمن أهم اختلاف بين النظريتين في مسألة الليبرالية إذ وصف اليسار القديم الليبرالية بالشر المطلق. على الجانب الآخر، قبل اليسار الجديد الليبرالية في كل مقياس وفي كل فئة. ومن هنا، ظهرت مجموعة من الحركات الاجتماعية الجديدة لرفع راية اليسار الجديد. كانت تتمحور بشكل أساسي حول الطبقية الاجتماعية والجندر والعرق والجنس والبيئة ومعارضة الكولونيالية والعديد من القضايا الأخرى المختلفة.

أدّت كل هذه التحليلات الجديدة للواقع إلى انفجار كبير من النظريات النقدية المختلفة. في الواقع، كل فئة تحمل نظريتها النقدية الخاصة. النظرية الماركسية للطبقات الاجتماعية. والنظرية النسوية للجندر. والنظرية العرقية النقدية للأقليات العرقية. والنظرية الكويرية للأقليات الجنسية. والنظرية الخضراء للبيئة. ونظرية ما بعد الاستعمارية لأجل الشعوب المضطهدة.

كل نظرية تنبع مباشرة من النظرية النقدية التي أتت بها مدرسة فرانكفورت، والهدف المطلق من وراء كل هذه النظريات هو تقديم شكل من أشكال النقد للمجتمع المهيمن والمتخلف مع التأكيد على ضرورة تحقيق الحرية والتحرر لأجل الأقليات؛ لذلك ينقسم المجتمع الأمريكي إلى مجموعتين رئيسيتين: مجموعة ظالمة ومجموعة مظلومة. وبالتالي، أصبح لدينا تنظيم فكري تبعه تنظيم سياسي.

يمكن افتراض أن الأيديولوجية اليسارية الجديدة هي شكل من أشكال التزاوج بين الشيوعية والليبرالية. أو بتعبير أدق، اليسار الجديد هو وليد اقتران الثورة البلشفية والثورة الفرنسية. من هنا ولدت الليبرالية النقدية. وهذا التيار الفكري هو المسؤول الأوحد عن صعود تيار ما بعد الحداثة.

مدرسة فرانكفورت.. السياسة والمجتمع الأمريكي.. بداية التأثير.

تحولت مواجهة المجتمع من النظرية إلى الممارسة فيما يعرف بالستينات المتأرجحة، إذ تم طرح أسئلة مثيرة للقلق حول الطبيعة العنصرية للمجتمع الأمريكي، وكراهية المثليين، والتحيّز الجنسي في المجتمع الأمريكي. تمّ إعادة معالجة وتمحيص كل قيم ومعتقدات المواطن الأمريكي البسيط مما زلزلت كل معتقداته وثقافته. كما تطرق المفكّرون والمنظرون إلى كل المواضيع المحرمة.

تم تحدي كل المبادئ الهوياتية في الولايات المتحدة وتمّ ضربها في الصميم، وكذلك ظهرت حركات ثورية مختلفة، مثل: الحركة الطلابية، والحركة المناهضة للحرب، وحركة الحقوق المدنية، وحركة القوة السوداء، وحركة حرية التعبير، وحركة الهيبيز، والموجة النسوية الثانية، وحركة الهنود الأمريكيين، وحركة تحرير المثليين، والمدافعون عن البيئة، وحركة الدفاع عن استهلاك المخدرات، والحركة النباتية، وحركة العصر الجديد، وحدثت الثورة الجنسية وهلم جرا.

تم تعزيز كل هذه التحركات برسالة مفتوحة بعنوان (رسالة إلى اليسار الجديد) كتبها تشارلز رايت ميلز، أستاذ علم الاجتماع بجامعة كولومبيا في عام 1960. وأكد فيها ميلز نهاية الأيديولوجية لصالح الليبرالية النقدية بالقول، “دع النساء المسنات يشتكون بحكمة من نهاية الأيديولوجية، فنحن [اليساريون] في كرسي القيادة من جديد”. هذا الافتراض ينطلق من منظور دارويني بحت يؤكد أن جميع الأيديولوجيات لا تمتلك القدرة الفكرية على المصارعة الذهنية مع الليبرالية النقدية.

لذلك، فإن اليسار الجديد هو القوة السياسية الأخيرة التي ستصمد في وجه أي أيديولوجية أو معتقد آخر.

عملت رسالة ميلز على زيادة تصعيد ثقة الطلاب النشيطين ليصبحوا وكلاء للتحول الاجتماعي من خلال الضغط على السياسيين في حرم الجامعات وفي الشوارع. ومن هنا تحولت القوى الثورية من البروليتاريا إلى الطلاب ثم إلى الأقليات.

كانت الستينات فترة من فترات صعود تيار ليبرالي جديد عارض الوضع الاجتماعي الأمريكي. يمكن تجسيد الستينيات من خلال التطبيق السياسي والاجتماعي لتصور متجدد لليبرالية قائم على وجهات نظر مدرسة فرانكفورت، كما ظهر الدفاع الليبرالي عن الأقليات وحقوقها من داخل الجامعات وكان نقطة البداية لصعود سياسات الهوية.

أدى هذا التصور إلى ظهور مجموعات وحركات مختلفة تسببت في زلزال في الساحة السياسية الأمريكية. بعبارة أخرى، تم تبني نهج معاد للثقافة الأمريكية بين الأكاديميين والشخصيات السياسية، واهتزت القيم الأساسية للمجتمع الأمريكي من أسسها، كما أثار النشاط الحافز للحركات الليبرالية رفضًا تامًا من المجتمع المحافظ الذي كان غاضبًا وخائفًا على قيمهم التقليدية القائمة على العقيدة المسيحية البروتستانتية.

مدرسة فرانكفورت والسياسيون الأمريكيين.. توالي التأثير

تعليقًا على الظاهرة السياسية المتصاعدة، أعلن الرئيس الأمريكي جون كينيدي في خطابه الافتتاحي للرئاسة: “دعوا الكلمة تنتشر، انشروا الكلمة من هذا الزمان والمكان بين الأصدقاء والأعداء على حد سواء، واعلموا أن الشعلة قد انتقلت إلى جيل جديد من الأمريكيين”. اللمسة التبشيرية في خطاب كينيدي تعتبر واحدة من نقاط الحشد لتوسيع بوتقة اليسار الجديد بين الجيل الجديد الذي أصبح يشعر بالاغتراب عن التقاليد القديمة الموروثة لآبائهم.

وعدُ كينيدي هو بمثابة دعوة للمساهمة في الصحوة الليبرالية من خلال طرد شبح المحافظة من المجتمع واستبداله بالقيم الليبرالية. لتحقيق هذا التصور المستقبلي، كان النشاط السياسي ضروريًا بالنسبة لكينيدي الذي عبّر عن التزامه: “لا تسأل عما يمكن أن يفعله بلدك من أجلك. اسأل ما يمكنك القيام به لأجل بلدك”. كان مرشح الحزب الديمقراطي، جون كينيدي، أحد الشخصيات الرئيسية التي حددت معايير الحرب الثقافية بين اليمين واليسار. كانت تصريحاته ترمز إلى رسالة أمل للشباب الذين كانوا يبذلون قصارى جهدهم لتغيير العقلية الاجتماعية. يمكن القول إن جون كينيدي كان من الأقلية الأيرلندية الكاثوليكية في الولايات المتحدة. لذلك، من الطبيعي جدًا أن يلتزم بعناصر التغيير. بالإضافة إلى ذلك، أصبح الحزب الديمقراطي ملاذًا للقوى الثورية الجديدة حيث تعمل على ضمان حقوق الأقليات منذ الستينيات.

سار الرئيس بيل كلينتون أيضًا في نفس المسار عندما دعا إلى ثورة ثالثة عظيمة لإكمال الثورة الأمريكية وثورة الحقوق المدنية. الهدف من الثورة هو إثبات أن الجيل اليساري الليبرالي الجديد يمكن أن يعيش بدون هيمنة الثقافة الأوروبية.

صرخة النفور من الثقافة الأوروبية المهيمنة في خطاب كلينتون جعلت استدامة هذه الرؤية الأيديولوجية اليسارية الجديدة جزءًا لا يتجزأ من الحياة الروحية الغربية. في الواقع، لم تؤثر هذه الأيديولوجية على الولايات المتحدة والغرب فحسب، بل أثرت أيضًا على غالبية العالم. باختصار، صدّرت أمريكا معضلاتها السياسية إلى الخارج.

أفكار مدرسة فرانكفورت ونظريتها النقدية تواصل اليوم على نفس المنوال في التأثير على أصحاب النفوذ في العالم من سياسيين ورجال أعمال ومفكرين وصحافيين وفنانين وغيرهم. فالمنظومة الغربية الصاعدة تقوم أساسا على نظرية الووك والتي خرجت بدورها من رحم النظرية النقدية والتي تنادي إلى طمس تاريخ الدول “العنصرية” وتنادي إلى إعادة كتابة التاريخ وتضغط على الحكومات والشعوب للاعتذار عن تاريخها “الإجرامي” وتعمل على فتح الحدود للمهاجرين غير الشرعيين وتروج للقومية السوداء زاعمين أن أصحاب البشرة السوداء هم أكثر الشعوب تعرضًا للتهميش والاضطهاد. كما أنها تنادي إلى العديد من الأفكار الأخرى كالتغير المناخي والطاقة البديلة والمثلية الجنسية وتقنين المخدرات وحرية المرأة والإجهاض وتحديد النسل والتعدد اللغوي والفدرالية والحركات الانفصالية والتشدد في الدفاع عن حقوق الحيوان ومعاداة النظام الأبوي والتعددية الثقافية ومنع الإعدام والأكل النباتي وروحانيات العصر الجديد وتضعيف سيادة الدولة ووحدة الأديان وإلغاء الشرطة ومعادات القيم الأسرية ومعارضة الحروب. فكل هذه الأفكار التي تبدو مبعثرة ولكنها تنتمي إلى أصل واحد لم تعد حبيسة الغرب بل أصبحت تروج في بقية العالم بما فيها العالم العربي وسيكون لها صدى كبير في المستقبل.


المصادر

Dubiel, H. (1981). The Origins of Critical Theory: An Interview with Leo Lowenthal. Telos, September 21, 141-154. Retrieved from http://journal.telospress.com/content/1981/49/141.full.pdf+html

Geary, D. (2009). Radical Ambition: C. Wright Mills, the Left, and American Social Thought. London: University of California Press.

Held, D. (1990). Introduction to Critical Theory: Horkheimer to Habermas. Oxford: Polity Press.

Huntington, S. (2004). Who Are We? The Challenges to America’s National Identity. New York: Simon & Schuster.

Katsiaficas, G. (1987). The Imagination of the New Left: A Global Analysis of 1968. Cambridge: South End Press.

Kellner, D. (2005). Herbert Marcuse: The New Left and the 1960s. Oxon: Routledge.

Mauk, D. & Oakland, J. (2009). American Civilization. Fifth Edition. New York: Routledge.

Thomas, S. (2011). A New World to Be Won: John Kennedy, Richard Nixon, and the Tumultuous Year of 1960. Santa Barbara: Praeger.

Wiggershaus, R. (1995). The Frankfurt School : Its History, Theories, and Political Significance Studies in Contemporary German Social Thought. Cambridge: The MIT Press.

نقد الخطاب المدني والعبودية الناقصة

من المسائل المركزية التي استُحضرت مؤخرا في النقاشات القائمة في فضاء الفكر الإسلامي هي نظرة الإسلام إلى الحضارة والمدنية، وقضية ما إذا كان الإسلام قد دعا إلى إقامة حضارة عصرية أو مدنية متقدمة، أم أنه يعدها مسألة ثانوية، ولذلك لم يعطها ذلك الاهتمام الكبير.

ويبدو أن الكلام في هذه القضية بدأ يستحوذ على اهتمام خاص في البيئة العربية الإسلامية بعد عصر النهضة الأوروبية واكتشاف المسلمين الفجوة الحضارية الهائلة بينهم وبين الأوروبيين، وتجلي ذلك في ميادين العلوم الطبيعية والإنسانية والتقدم التقني في المجالات الصناعية والزراعية والحربية وغيرها، وهو ما انكشف للمسلمين مع الحملات الاستعمارية التي اجتاحت معظم البلاد الإسلامية، وكذلك عن طريق البعثات العلمية التي أُرسلت إلى الديار الأوروبية. وبناء على ذلك نشأ تيار من العلماء المسلمين أفزعه ذلك التخلّف وقض مضجعه، فانطلق يدعو المسلمين إلى ضرورة النهوض، وبنى خطابه الإصلاحي على مركزية الشهود الحضاري، وجعل يحرّض المسلمين ويستحثّهم على استئناف مسيرتهم الحضارية، والعودة إلى مركز الريادة في سائر مجالات الحياة. وعلاوة على ذلك رأى بعض منظري هذا التيار أن وظيفة الإنسان المركزية في الحياة هي عمارة الأرض، وما سوى ذلك ما هو إلا وسيلة لهذه الغاية.

وعلى صعيد آخر قام الحداثيون العرب بالدعوة إلى تقليد الغرب بعجره وبجره، واقتفاء أثره شبرًا بشبر وذراعًا بذراع، وصار التقدّم المدني عندهم معيار الحكم على المجتمعات والثقافات، وقد تطوّر الأمر عند بعضهم إلى درجة التصريح بعدم صلاحية الإسلام وشريعته للزمن المعاصر باعتبار أن المسلمين أصبحوا متخلّفين في مختلف المجالات الدنيوية، بينما تقدّم الغربيّون بمراحل بعيدة خارج إطار الدين، فقال هؤلاء: تعالوا نضع الدين جانبًا كما فعل الغربيون من أجل أن نصل إلى ما وصلوا إليه. وهذا الفريق على اختلاف أقنعته ومشاربه من علمانية وليبرالية وحداثية، لا نستهدف مناقشته في هذه المقالة، فقد كُتبت الكثير من الردود على أطروحاته بما كشف لنا حقيقته وأغراضه وخطورة أفكاره على المجتمعات الإسلامية ونهضتها المنشودة.

لكن الذي يهمّنا هنا هو مناقشة ردود بعض الإسلاميين المعاصرين التي تُقدم تحت عناوين من قبيل “نقد الخطاب المدني” و”الرد على الأفكار الحداثية أو الليبرالية” وما أشبه ذلك، لكنها في الواقع تحاول -في حيّز كبير منها- تقديم ردٍ على خطاب المدرسة الإصلاحية، الذي نُسِب إليه مسمى “الإسلام الحضاري”، ونقد بعض أفكاره المركزية.

معارضة الخطاب المدني بمركزة مفهوم العبودية لله  

وجد بعض الباحثين ممن اشتغل بنقد الخطاب المدني -وقد لاقى خطابهم قبولا لدى الشباب- الحلَّ في المقاربة التالية: الإسلام ما جاء للناس لكي يقول لهم ابنوا حضارة أو شيّدوا مدنية، لكن جاء لدعوتهم ليكونوا عبادا لله تعالى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، وكل دعوات الأنبياء مع أقوامهم المسجلة في القرآن شاهدة على ذلك، بل هي صريحة وواضحة في مركزية هذه الدعوة {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَٰهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء: 25]، وذلك ظاهر من نداءاتهم المتكررة {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ} [هود: 61]، بل نجد فوق ذلك أن الاستعلاء المادي والتفوّق الحضاري والتقدم المدني، الذي بلغته بعض الشعوب الغابرة، جاء في القرآن الكريم غالبا في معرض الذم، وعقّب الله عز وجل بعد ذكر أحوالهم بالوعيد والنكير الشديد. فالعبودية لله إذن حسب هذا الرأي هي رسالة الإسلام الجوهرية، أما الحضارة والمدنية وعمارة الأرض والسعي الدنيوي عموما فهي مسائل ثانوية لم يعطها الإسلام تلك الأولوية كما يدعي أنصار الإسلام الحضاري، ويرى هذا المذهب أن الأفكار والمشاريع الإصلاحية المتمركزة حول النهضة المادية متأثرة بالخطاب الحداثي المدني.

وفي تطور لافت أصبحت بعض الاجتهادات الفقهية الحديثة، والمقاربات الفكرية المعاصرة، والرؤى التجديدية تُوضع مباشرة في خانة الخطاب المدني المتأثر بسلطة الثقافة الغالبة، الذي يُنتج حسب هذه الرؤية تحت ضغط الواقع، وفي مصانع التجميل العصري، بحيث يراد إخراج الإسلام بحلّة عصرية جديدة تتوافق مع المكتسبات المدنية الحديثة، وتلقى قبولا لدى الآخر غير المسلم، وتتماهى مع المعايير العالمية الجديدة التي أقرتها دساتير الدول الحديثة.

إشكالات هذا الطرح

لا حاجة هنا لمناقشة فكرة أن العبودية لله تعالى هي غاية الوجود الإنساني، فهي من الوضوح بما لا يُحتاج معه إلى مزيد إيضاح. كما لا بد من الإقرار بوجود إشكال في المبالغة في تصوير مكانة الحضارة والسعي المدني في الإسلام، وأن ذلك جاء أحيانا على حساب تزكية النفوس وتربية القلوب، فلم تتصف هذه الدعوة بالتوازن المنشود. فالحضارة أو المدنية ليست مسألة معيارية تسمح بالحكم النهائي المطلق على السعي الإنساني بالنجاح أو الفشل، لكنها في المقابل قضية غير منفصلة عن مفهوم العبودية لله، بل إنها ملازمة له، ونتيجة طبيعية لتحمل تكاليف الخطاب الشرعي كما سيتبين لاحقا.

والإشكال في هذا الطرح هو تصويره للعبودية على أنها العبادة المحضة (الصلاة، الصيام، الحج، الدعاء…)، وإهمال حقيقة أن بعض الأعمال الدنيوية قد تدخل أيضا في معنى العبودية، إذا قصَد الإنسان فيها وجه الله تعالى. ويؤخذ على هذه المقاربة أنها جعلت العبودية مقابل المدنية والمكتسبات الحضارية كأن بينهما تناقض أو انفصال في التصور الإسلامي، فالأولى حسب هذه الرؤية هي التي أرادها الله لعباده، وكلّفهم بها، والثانية ليست من جوهر الدين، ولم يحثّ الشارع عليها.

والعبودية لا تُقصر على العلاقة المباشرة بين الإنسان وخالقه، ولا يمكن حصرها في مجال الوجداني والروحاني أو اختزالها بالشعائر العبادية، لكنها تنسحب أيضا على المجالات الحياتية كافة {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 162]. والعبرة فيها بالنية والقصد، فإماطة الأذى عن الطريق عبادة، وإتيان الزوجة بغية الاستعفاف عبادة (وفي بُضْعِ أحدِكم صدقةٌ)، وإقامة الدولة لنصرة الحق عبادة، وإرساء نظام اقتصادي نظيف بعيدا عن الربا والغرر وأكل أموال الناس بالباطل عبادة، وبناء مدرسة أو جامعة من أجل تنشئة الأطفال وتعليم الشباب عبادة، وتشييد مصنع لصناعة الأدوية عبادة، وهكذا.. ولا يمكن أن تتحقق العبودية لله على مستوى الأمة حتى بشقها التعبدي المحض على الوجه الأمثل دون هذا السعي “المدني”.

وعليه وجب تقرير أن للإسلام مطالب “دنيوية” واضحة تجاه المسلم بأن يضطلع بدوره التعميري في هذه الأرض. وإلا فماذا نفعل بتشريعات القرآن في المجالات المالية والسياسية والدفاعية وغيرها من المجالات؟! فالقرآن وضع المبادئ العامة في مجالات الحياة الأساسية ليقول للناس: أقيموا حياتكم بكل ما يلزم لضمانها حياة كريمة نظيفة عادلة تعبدا لله تعالى.

ومن إشكالات هذا الطرح أيضا أنه جعل العبودية بمعنى التزكية، والأقرب أن الأمرين مختلفان في المدلول والمقام. فتحقيق العبودية لله له مساران يترقّى بهما المسلم ليكون عبدا لله في باطنه، وفي أعماله الظاهرة: مسار روحي قائم على تزكية القلب وتنقيته من الأهواء والشهوات في عملية مستمرة وملازمة لوجود الإنسان في الحياة الدنيا، ومسار مادي قائم على جملة من الأمور منها: اكتشاف السنن الكونية، والازدياد المعرفي، وتحصيل أسباب القوة من أجل تحقيق الغايات والمقاصد التي حددها الشرع، ولا يقوم الدين إلا على هذا. وإن عدم احترام السنن الربانية في الطبيعة والإنسان، والزهد في البحث عنها، وإهمال النظر في الكون، ومحاولة الكشف عن أسراره، مع التوهم بتحقيق العبودية، هو تمرد على مفهوم العبودية ذاته.

والعبادة عند شيخ الإسلام ابن تيمية هي: “اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة”. وقريب من ذلك رؤية الأستاذ المربي ماجد عرسال الكيلاني لهذا المصطلح، فهو عنده: “اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأفكار والمشاعر والعواطف في حياة الأفراد والجماعات، وفي جميع الميادين الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والعسكرية وغير ذلك”.

ومن هنا يتأكد لنا أن قصر مفهوم العبودية على العبادة المحضة يحولها إلى عبودية ناقضة تكرّس نظرة مختزلة ومشوهة لمهام الوجود الإنساني، ولا يُستبعد أن تؤدي إلى الدروشة والعطالة الفكرية والحضارية، بحيث يصير المسلمون عالة على الأمم كما هو الحال في أيامنا هذه. ومن العجيب أن تدفعنا انحرافات المقولات الحداثية في هذا الشأن إلى التخبّط بين طرفي الطريق، إما إلى إفراط أو تفريط، دون الاهتداء باتزان إلى الصراط المستقيم وسطا بين المسالك المنحرفة. كما أن ضغط الواقع وثقله لا ينبغي أن يربك المفكر المسلم الواثق فينسى تجاربه التاريخية وخبرته الثرية، ويصرف نظره عن الإشكالات الكثيرة والآثار الخطيرة في تحوير مصطلح العبادة، وهو أمر ظهرت له تبعات ثقيلة في تاريخ هذه الأمة الطويل، ولنا في بعض فرق المتصوّفة المبتدعة قديما وحديثا دروس وعبر.

الحضارة والمدنية نتيجة لازمة لتحمل التكاليف الشرعية

وإن كان الإسلام لم يأمر صراحة بإقامة الدول، أو إنشاء الدواوين، والمؤسسات، والوزارات، وتشييد وسائل النقل والاتصال، وهي مما تشكّل بمجموعها المدنية أو الحضارة عند البعض، فإن تلك الوسائل والآليات وما يضاهيها هي النتيجة الطبيعية لمحاولة تنزيل الإسلام على أرض الواقع، والترجمة الضرورية للسعي إلى بلاغ الرسالة الربانية؛ وهذا ما يبوح به التاريخ، إذ إن المسلمين في المرحلة الأولى للدعوة، لمّا اضطروا إلى دفع الاعتداءات والمكائد عن معاقل الإسلام، عملوا على الاستعانة بأحدث الأسلحة المتوفرة في زمانهم (الخندق، المنجنيق..)، ولمّا سعوا إلى تطبيق فريضة الزكاة، وأرادوا جمعها وتوزيعها على مستحقيها، أنشأوا المؤسسات والهيئات الإدارية اللازمة التي تمكنهم من أداء هذا الفرض على أحسن وجه. وكذلك لمّا سعى الخلفاء إلى تنظيم الأسواق، ومراقبة سَير الحياة المالية وضبطها، ومحاربة الغش والاحتكار والغرر، استحدثوا هيئات الرقابة ونظام الحِسبة وبيت المال.. إلخ؛ وذات الشيء يقال في المستشفيات، وصك العملة، ونظام البريد، وابتكار نظام التأريخ الهجري، وسوى ذلك من الابتكارات الحضارية التي توالت في المراحل التاريخية اللاحقة.

وعليه فإن مجرد قيام المسلمين بواجبات الإسلام في تطبيق منهجه وممارسة شعائره، والسعي إلى بلاغ رسالته، ونشر دعوته، وحماية أرضه، يلزم منه قيام هيكل متناسق ومترابط من الهيئات والمؤسسات والوسائل التي يستند عليها في إحياء الفكرة الإسلامية وحمايتها، وجعلها فاعلة مؤثرة في أرض الواقع. وإن الاعتداء على هذه الوسائل المدنية بعدَّها مظاهر خارجة عن مفهوم العبودية هو بمثابة قصَّ أجنحة الفكرة الإسلامية، وتقطيع أطرافها، وهدم أسوارها، وذلك يفضي في النهاية إلى جعلها فكرة مثالية هلامية منبتّة الصلة بالواقع، وعاجزة عن إصلاح الأفراد والمجتمعات، ويسلبها حظا وافرا من قوتها ورونقها فيما يُرتكز عليه في الإقناع والمجادلة، ورفع الهمم وإرشاد الأمم في الإقبال على تطهير النفوس من قبائح السلوكيات والعادات، وتقبّل منهج التوحيد منهجا في الحياة.

وهذا هو الحاصل في أيامنا، فقد رأينا أنه لما ذبلت الحضارة الإسلامية، وتحوّلت وسائلها المادية إلى أدوات بالية ومتهالكة، صارت الفكرة الإسلامية عارية الجسد، ووُجِّهت إليها الأسهم من كل اتجاه، وأخذت الشبهات تتسلل دون مقاومة فعّالة إلى عقول الشباب المسلم، وتعشش في نفوسهم، متوسلة بأدوات البحث العلمي الحديثة تارة، وبالمناهج التربوية والتعليمية الجديدة في المدارس والجامعات تارة أخرى، ولم تتوانَ الآلة الإعلامية عن استخدام سحر الصورة وبهجة الألوان من إرسال أشعتها الضارة من خلال الثقوب التي وجدتها في أسوار القلاع الحجرية القديمة، ممهدةً بذلك لاعتناق الأفكار الجديدة بما فيها من أوبئة وسموم. ولما انتفض دعاة الإسلام إثر هذه التطورات المخيفة، وفزعوا لمواجهة هذه التهديدات الخطيرة، لم يجدوا في سبيل ذلك من الوسائل ما يكافئها ويفت عضدها، وصاروا يحتاجون إلى جهود مضاعفة ومساعي ماراثونية من أجل صد الفتن ومقاومة الضلالات الوافدة. وإن نجح بعضهم إلى حد ما، فإن الكثير من هذه الأشعة الفتاكة اخترقت السدود، وأصابت قطاعات واسعة من المسلمين في عقيدتهم وقيمهم وأخلاقهم في مقتل.

وإذا نظرنا من زاوية أخرى، يمكن التساؤل: ما حاجة المسلم الجاد المجتهد إلى السعي المدني الذي يحتسبه نصرة للإسلام إذا أُخبر أن سعيه وجهده في هذا الميدان لا يقع ضمن الأولية القصوى التي جاء بها الدين، بل في رتبة ثانوية تابعة، وأن ذاك المتعبد في محرابه خير منه، وعمله خير من عمله، وأنه أقرب منه إلى تحقيق العبودية لله والغاية من التكليف ومقصود الشارع من الخلق؟! فهل سيدفعه ذلك إلى مواصلة تحمّل معاناة السعي الدنيوي في طلب العلوم الدنيوية، ومحاولة فهم بدائع الصانع في خلقه، واكتشاف قوانينها، ومن ثمّ تسخير ذلك لصناعة الأدوات والآلات التي تتحقق بها كفاية الأمة وقوتها ومنعتها؟ أم أنه سيهجر ميادينها كما فعلت الأمّة بالمجمل في القرون الماضية تحت تأثير هذا الخطاب؟!

وقبل الختام أريد أن أوضح أن ما سبق ليس دفاعا عن الخطاب المدني الذي تمارسه التيارات العلمانية والليبرالية والحداثية، وإن انحرافاتهم وضلالاتهم معلومة لكل مثقف واعي، ولا هو دفاع عن ما يسمى بخطاب المدرسة الإصلاحية، ولا هو انتقاص من أهمية التزكية والتربية الروحية، ولا نفي لوجوب أن تكون العبادات والشعائر الإسلامية هي المنطلق والمحرك لكل سعي دنيوي، إنما هو دفاع عن جملة من الخصائص والقيم التي تفرّد بها هذا الدين الحنيف، وعلى رأسها: الشمولية والواقعية والتوازن والفاعلية، لما لها من دور جوهري في نهضة الأمة، وتمليكها القدرة على مقارعة الظلم وإزالة التخلف الذي أصابها.

وخلاصة القول: إن التزام منهج الدين الكامل على المستوى الجمعي، والسعي إلى تفعيله في أرض الواقع، لا بد أن تنشأ عنه حضارة منتجة متماسكة البناء، ومدنية مادية قائمة على أفضل الوسائل العصرية في كافة مجالات الحياة، تكون هي العاكسة لقيمه العليا، والممثلة لحقائقه النقية، والحامية لمبادئه السامية، والناشرة لأفكاره النيّرة؛ وليست الحضارة ولا المدنية مسألة ثانوية بأي حال من الأحوال.

أصول الاستبداد واحتكار العنف باسم الديمقراطية | مراجعة كتاب “تشريح الدولة”

نستعرض في هذه الحلقة أهم أفكار الكتاب الصغير والمهم “تشريح الدولة” للمفكر الأمريكي الراحل موري روثبارد، وهو من منظري التيار الليبرتاري، ومن المدافعين عن اللاسلطوية، ويُعدّ من أبرز أعلام المدرسة النمساوية في الاقتصاد السياسيّ. يعرّف الكتاب الدولة بأنها الجهة التي تُحاول الحفاظ على احتكار استخدام العنف والقوّة في منطقة إقليمية مُحدّدة، وهي الجهة الوحيدة في المُجتمع التي تُحصِّل إيراداتها عن طريق الإكراه والإجبار، وليس بالمُساهمة الطَوعية في الإنتاج أو مُقابل ما تُقدمه من خدمات للمجتمع. يُعتبر نقد روثبارد للنظام السياسي الغربي مهمًا جدًا في فهم عيوب وثغرات الديمقراطية المبنية على أسس رأسمالية. إعداد وتقديم سليمان بلحاج.

هلوسة الذكاء الاصطناعي.. هل الروبوت ينافس الإنسان في التفكير والإبداع؟


نتابع في هذه الحلقة رحلتنا مع عالم الوعي، ونحاول التحقق من تطور الذكاء الاصطناعي، وهل يمكنه أن ينافس الإنسان في الذكاء والوعي؟ سنختبر شات جي بي تي ChatGPT في بعض المواضيع ونكتشف هلوسة الذكاء الاصطناعي، ونتحدث عن إمكانيات الإبداع الفني والفكري القائم على المحاكاة بدون وعي. إعداد وتقديم أحمد دعدوش.

هل يمكن للروبوت أن يمتلك الروح كي يصبح واعيًا؟


تحدثنا في حلقات سابقة عن الوعي والذكاء الاصطناعي، وعن ارتباط الوعي بالروح، ونتابع في هذه الحلقة محاولاتنا لفهم الروح، وسنسأل السؤال التالي: هل يمكن التحكم بالروح؟ وهل يمكن أن ننقلها أو نضيفها للروبوت حتى يكتسب الوعي؟ إعداد وتقديم أحمد دعدوش

الوعي والروح | هل يوجد وعي للحيوان والنبات والروبوت؟


نتابع بحثنا في عالم الوعي، ونستعرض أهم الدراسات والآراء الفلسفية في العصر الحديث، كما نراجع أقوال علماء المسلمين في “العقل” لدى الحيوانات وكل الكائنات، بما فيها الجمادات، ليقودنا هذا البحث إلى ربط الوعي بالروح، والاعتراف بأن علمنا البشري قاصر عن إدراك كنه هذا العالم الواسع. وبعد هذه الجولة سنصل إلى السؤال الأهم: هل يمكن للذكاء الاصطناعي أن يبدع روبوتات واعية؟ إعداد وتقديم أحمد دعدوش

بعد الحوار الحصري | ناهد متولي: أسلمت بإرادتي ولم يضغط علي أحد


بعد عرض الحوار الحصري الذي أجرته قناة السبيل مع السيدة #ناهد_متولي عن عودتها من المسيحية إلى الإسلام، تلقت اتصالات كثيرة تتضمن هجمات شخصية واتهامات لها بأنها لم تسلم إلا تحت الضغط! وفي هذه الحلقة تعود السيدة ناهد لتوضيح موقفها ونفي هذه الاتهامات، كما يعلّق المشرف على موقع السبيل أحمد دعدوش على هذه القصة، ويقدم رسالة للمشاهدين من المسلمين والمسيحيين.

حوار حصري على السبيل | ناهد متولي تعود للإسلام بعد ثلاثين سنة من التنصير


السيدة ناهد متولي، كانت وكيلة شؤون الطالبات بأكبر مدارس القاهرة. وفي عام 1990 صدمت عائلتها ومجتمعها بإعلانها التخلي عن الإسلام واعتناق المسيحية، ثم لجأت إلى هولندا وأصبحت من أشرس المحاربين للإسلام. استغلّتها العديد من المنظمات التبشيرية، ونشرت باسمها نحو عشرين كتابا، وكانت تنظم لها جولات تبشيرية في أنحاء أوروبا وأمريكا، كما ظهرت في العديد من المقابلات والبرامج التلفزيونية على شبكات مسيحية. وبعد ثلاثين سنة من النشاط التبشيري ومهاجمة الإسلام، ومع بلوغها سن الثمانين، تعلن السيدة ناهد متولي في هذا اللقاء عودتها للإسلام، كما تقدم اعتذارها للمسلمين الذين هاجمت مقدساتهم، وتسأل الله التوبة عن كل ما مضى. أجرى الحوار في هولندا: سفيان اعلوشن

هل الوعي وهم؟ | مراجعة كتاب “الوعي” للمؤلفة الملحدة سوزان بلاكمور


تؤكد عالمة النفس الملحدة سوزان بلاكمور أن الوعي من أكبر الألغاز التي اختلف فيها العلماء، وتستعرض في كتابها أهم النظريات الفلسفية والعلمية لمحاولة فهمه، وتحاول إيجاد معنى له من خلال نظرية التطور، ثم تخلص إلى أنه وهم لا يمكننا فهمه، مع تفاؤلها بأن يجد العلم التجريبي تفسيرا له يومًا ما. أما نحن فنؤمن بأن الوعي مرتبط بالروح، وهو الرأي الذي يؤيده الكثير من الفلاسفة والعلماء الغربيين باعتقادهم أن جوهر الوعي لا يمكن أن يكون ماديًا، منذ طرح ديكارت لمبدأ الثنائية في القرن السابع عشر. هذا المبدأ سيساعدنا على الإجابة على السؤال الأصعب: هل يمكن للروبوتات أن تكون واعية؟ وهل سيكتسب الذكاء الاصطناعي وعيًا يهدد الوجود البشري؟ إعداد وتقديم أحمد دعدوش

التنمية البشرية والبرمجة اللغوية العصبية.. حقيقة أم علم زائف؟


تأسست البرمجة اللغوية العصبية NLP في أميركا في السبعينات، ثم صدرت دراسات كثيرة في الثمانينات والتسعينات تؤكد أنها علم زائف، ومع ذلك استوردها بعض المدربين بعد نحو عقدين من الزمن إلى العالم العربي وحاولوا أسلمتها، ولكن سرعان ما تلاشت هذه الموجة. ما هو الموقف من التنمية البشرية وتطوير الذات ومهنة مدرب الحياة (لايف كوتش)؟ إعداد وتقديم أحمد دعدوش