علوان في الميزان

إنّ معظم الأدباء سواء كانوا روائيّين أم لا، في بحثٍ دائمٍ عن الثيمات الرّابحة والرّائجة في السّوق السّوداء، ولأنّ القارئ عموماً، والنّاقد خصوصاً في منطقةٍ مضطربةٍ تعاني من اختلافٍ في الذّوق العام؛ اضطر بعض الأدباء والمتأدبين إلى استيراد لسانٍ دون فمٍ وأسنانٍ.

لكن في الواقع نجح الروائي محمد حسن علوان في أن يجعل من تجربته الأدبيّة (موتٌ صغيرٌ) كينونة خاصة به، على اعتبار أنّه متسوقٌ ذكيٌّ ودبلوماسيٌّ من الطّراز الرّفيع، فقد استغل مراهقة الواقعيّة وغرر بها وبفروعها المتشعبة، وبالرّغم من قِدم سنّها؛ راودها عن نفسها فخلعت إنسانيّتها وهمومها القوميّة، وأضحت دعارةً أدبيّةً تحمل شعارات هوليودية بحجّة الحريّة؛ بدءاً من دغدغة المحظور، إلى التّطاول على الأدب وتجنيسه، مما أقلق بعض الجهات الّتي لطالما فهمت اللعبة والّتي هي: (الجنس بدل قضية الخبز)!

اختناق الأدب

إنّ الكتابة بشروط المستهلك رفعته إلى صفوة الكتّاب الأوائل في عصره، على باعتبار أنّه استطاع أن يكسر التّابوت العربيّ، وينفي المثاليّة الخرقاء، ويفضح مفاصل المجتمع المهترئ والمحافظ لحد

الاختناق! ولأنّه العاقُّ البارُّ نقّب في مناطق ضحلة جداً ومليئة بالألغام؛ محظورةً دينياً، ومكفّرة أدبياً. ولأنّه يتسوق أدبه من ماركاتٍ باهظة الثّمن، ضَمِن هدنةً طويلة الأمد مع النّقاد بحجّة التّرميم والإصلاح!.

بدايةً لم يكن علوان واعٍ بشكلٍ كافٍ بالتّجربة الرّوائيّة، ففشل فشلاً ذريعاً في كتابة أدبٍ متكامل البنية والبناء، بل انتهج سياسة القطب الواحد، متناسياً أنّ الرّواية بهندامها العام مكونٌ متعددُ الأقطابِ.

يقول واستن وارن: إنّ اللّغة في العمل الأدبيّ تؤدي وظيّفةً جماليّة لا تقريبيّة فمن الجرم النّقديّ مثلاً رواية (سقف الكفاية)، بقامتها المهيبة تقوم كلّها على اللّغة دون أيّ مكونٍ آخر مثل: فتنة السّرد، حيوات الشخصيّات، الوعاء اللّغويّ، الموتيفات. فكلّها حملتها اللّغة على ظهرها، فخذلها وخذلته، على الرّغم أنّ الرّواية تفيض بالإمتاع اللّغويّ والكنايات، بالإضافة إلى التّكثيف المُركز للّغة الشّعريّة في عمقها الوجدانيّ والسّيكولوجيّ، فصرنا أمام ملحمةٍ لغويّةٍ تراجيديّةٍ فقط!، فقد امتدح لُغتها الدّكتور عبد الله الفيفي فقال: الرّواية توشك بلحظة أن تكون نصاً شعريّاً خالصاً بتركيبه البنائيّ العام.

بالمقابل في الأعمال الأخرى فقد حاول أن يروّضها ولكن بشكل فوضويّ، فلم يحقق التّناغم المطلوب في العمل الأدبيّ عموماً، وبين الشّخصيّات واللّغة خصوصاً. كما أوضح باختين في (مستويات اللغة). فلم نشهد على مستوى الشّخصيّة الفكريّ والاجتماعيّ (صوفيا، غادة، الأم) سوى مستويات خجولة ومذابة بشكل مجحف!. ولم يتوقف الأمر هنا! بل امتدّت في مجونها حتى خنقت بعض التّقنيات: كصنّارة السّرد الّتي تتيح للكاتب تعليق القارئ بالعمل منذ البداية، وخلق حالةٍ من اللا تشويق، واستحضار حالةٍ أُخرى تعزّز من هيمنتها!

وذلك لأنّ الوصف يقتضي انقطاع الصّيرورة الزّمانيّة، وتعطيل حركتها التي لا بدّ من أن تنعكس على الدّلالة المكانيّة. هنا كان الانعكاس على اللّغة، فزادت من غيّها. فمثلاً ألغى الوصف في (رواية القندس) الشّخصيّات في البداية، بل إنّ القارئ ليقفز عشرات الصّفحات دون تغيير في الأحداث!

أوستين ارين

معطيات على حافّة السرد

والحقّ يقال بأنّ اللّغة في أدب علوان منطقةٌ جدليّةٌ، وفي ذات الوقت مغريّةٌ للتّنقيب النّقديّ، فهي فريدةٌ ومتفرّدةٌ؛ جعلت من علوان متمكّنًا من اللّغة؛ عبر تعاطيه أفيون المتضادات، العنوان يوازي بالتّحديد إثم المحتوى، الّتي جعلت من رواياته سوق للأدب مع عدم الصّلاحيّة للحياة! هذا إذا درسنا جسم العنوان باعتباره مكوّنٌ دلاليّ.

يقول الدّكتور زهير توفيق: بأن عجز الكاتب هو عدم وضع عنوان دالٍ دلالةً مطلقةً على محتوى العمل. فمثلاً (طوق الطهارة) لا طهارة فيه كعملٍ روائيّ، بل عِقد تتألف حبّاته من الجنس والشّذوذ والتّحرش!.

صوفيّا رمز الحكمة عبر التّاريخ، استحالت في أدب علوان قصةً لامرأةٍ تستحضر أمنيّتها المقدسة بألا تموت عذراء!.

فتيّار الوعي جنسيّة اشتراها علوان. ولكن هي بالذّات لا تُمنح سوى لسكانها الأصليّين؛ فكانت ناقصة الأهليّة في (صوفيّا) فلم نشهد تجاوز أسلوب الصّوت الأحاديّ الّذي سمّاه باختين (التخارج). فمثلاً: الملل يجب أن يكون له صوت، على اعتبار أنّه الدّافع الرئيسيّ لمعاشرة أنثى تُحتضَر بالسّرطان!.

كما نعلم أنّ الحلم معطًى روائيّاً، يتداخل في تشكيل التّداعي الحرّ بوصفه أحد مسالك تيّار الوعي. فلم يتعطل الزّمن عندما طالبت صوفيّا بطفلٍ عن أدائه في المضي نحو الأمام.

التخيّل، التّداعي، التّذكر، كلّها جزئيّات فقدها السّرد وأفقد معها غرائبيّة الهواجس والاعترافات؛ خوفاً ورعباً وعزلةً. وهذا الّذي قاد إلى طامّة عدم التّناسل اللّانهائي لموت صوفيّا!.

وإذا ولجنا إلى أعمق نقطةٍ في أعماله، وتعرّت المفاهيم كلّها؛ برزت الخيبة الّتي لا مناص منها، فرواياته عروشٌ خاويةٌ يجرّها التّكرار واللّغة من رقابها.

(صوفيّا، سقف الكفاية، طوق الطّهارة، القندس) روايات أربع يشتركن في الدّم والهويّة. ورواية تنسف ما قبلها وتعقم ما بعدها، وكأنها انسلاخ حقيقي للكاتب عن ذاته ومن ذاته الأدبية (موت صغير)

فالحبكة والموتيفات والهيئة التكوينيّة تكاد تتشابه فكان التكرار نقطة الضعف الأولى الّتي استطاعت أخرى الولوج منها كإذابة الشّخصيّات واستخدام السرد المتسلسل الّذي يعد أسلوب تقليديّ لم يذهب إليه الكتّاب الكبار.

صوت روائي واحد، سلوكٌ فرديّ يستغرق العمل الرّوائي بأكمله حبكة تقليدية بسيطة، كما شكّل الاسترجاع والولوج للحالة النفسيّة تقريبًا في كلّ أعماله لحمة النسيج الروائيّ، وجسر للرّبط بين الماضي والحاضر والمفاصل الحكائيّة الأخرى، لخوض رحلة منتقاة في ذاكرة الكاتب الفرديّة.

حسان المتعرض للتّحرش في طوق الطّهارة، استرجاع اللحظات في بيت الحبيبة، في سقف الكفاية، لحظات الطّلاق والتفكك الأسريّ في أغلبية رواية القندس.

خلل واضح في نظام الزّمن بالإضافة إلى خلل في الإيقاع، فمثلاً تسريع أحداث غير مبرر عبر تقنيّات الخلاصة، أما المكان الّذي يعتبر العامود الفقريّ الّذي يربط أجزاء الرّواية ببعضها البعض، فيمكننا القول بأنّ الكاتب سجن أعماله كلّها في فضاءٍ روائيٍّ واحدٍ، فجميع أعماله تنطلق من الرّياض إلى عواصم مختلفة: بيروت صوفيّا، فانكرفور سقف الكفاية، بورتلاند الأمريكية القندس، بريطانيا طوق الطّهارة.

تُعرّف الرّواية بأنّها عملٌ أدبيٌّ يعكس ثقافة مجتمعٍ ما، في حقبة زمنيّة محددة، تكون مرآةً له، فكانت ثقافة المجتمع واحدة تقريباً؛ عقوقٌ اجتماعيٌّ لا مبرر له! الشّباب طائشٌ، جائعٌ جنسياً، يقابله بالتّحديد كبار السن المحافظين على العادات، والتّقاليد، والشّعائر الدّينيّة، فالمرحلة الوسطى، مرحلة الانقلاب من حالٍ لحالٍ مجهولة، ممّا ورّث عقمًا في السبب الأدبيّ، فلا مشروعية ولا إقناع لأعمال علوان.

حسان المُتحرّش فيه في الصغر، يقيم علاقات لا حصر لها في الكبر!

كيف يمارس الحبّ في بيت العشيقة وفي منزل أبيها؟ أين رقابة المجتمع الّتي يتباكى بسببها علوان؟ أم أنّ تيمة الحبّ واضطهاد المرأة أيمان رائجة في السّوق؟ وهل كسر الملل وحده يُبرر لمعتز ممارسة الزّنا مع مريضة سرطان في بيروت؟ كيف تُفسر ردّة فعل الأب الباردة على ابنه المُتحرَّش به؟ بالمقابل يستقل طائرة من الرّياض إلى بريطانيا ليصفع أيمن صفعة واحدة لعلمه أنّه يدخن!؟. يا تُرى أيّ هم أشدّ التّحرّش أم التّدخين في سلطة الرّجل الشرقيّ؟

موت صغير .. يتيمة علوان!

أُؤمن بأنّ نجوميّة أيّ كاتبٍ تتحقق بالتّراكمية، وأنّ مصطلح (كاتب الرّواية الواحدة) ما هو إلّا تعويم مضلل للإبداع وكذبة إرثيّة يلتحف بها الكاتب.

انسلاخٌ حقيقيٌّ لعلوان عن ذاته، ينسف ما قبله، ويعقم ما بعده! ابن عربيّ بحلّته الشّهية وتكفيره المحرّم.

توأم البلاغة من عقلٍ وعاطفةٍ، موكبٌ يزفّ اللّغة المنضبطة بمستوياتها الخطابيّة والثّقافيّة، فهي لا تمثّل الشّعرية الكثيفة كما في سقف الكفاية. ولا الّتي من الطّبقة المتوسطة في رواية صوفيّا، ولا ذات الهندام الاقتصاديّ التي رأيناها في طوق الطّهارة، بل جاءت دبلوماسيّة بشكلٍ مثاليٍّ بسردها المختلف، فهي لا تتجاوز حدود حيائها في خدمة المعنى فقط!.

ولأنّ علوان يتعاطى أفيون المتضادات لم يكن السّرد بمستوى واحد من الحيويّة، فبدأ بسردٍ هادئٍ رتيبٍ أثناء إقامة ابن عربيّ في الأندلس، مقابله تماماً حيويّة متدفقة أثناء إقامته في مكة، ومردّ ذلك إلى عصا سحرية تمرر إبداعها من حينٍ لآخر، فكانت الحركة سيدة السّرد ولولاها لفقدت الرّواية ذاتها وخسر السّرد بناءه الروائيّ.

لقد اعتنى الكاتب عنايةً فائقةً بكلّ جزئيّة في الرّواية، فلإذابة الشّخصيّات كلّ شخصيّة تدور بحريّة في فلك ذاتها وحالتها الوجدانيّة والانفعاليّة، بل كان الخط السّياسيّ والتّاريخيّ للأحداث ينساب بحريّة للتّكامل مع الثّيمات الأخرى كتاريخ الأندلس وحياة السّلاطين.

ولكن رغم التّرف الأدبيّ الّذي أغدقنا به علوان فإنّه ينسى ككلّ مرة شروطًا تجعل من شبهة عدم الصّلاحيّة تتربّص بأعماله تربص الجدريّ بالمجدور!

فمثلا: قد يفهم البعض أن المخيّلة قد تسمح لفضاء خيالنا أن يبتدع أحداث ووقائع لم تقع! وهذا الحدث بالتّحديد يخرج برواية السّيرة الذّاتيّة عن مسارها ويحولها لجنسٍ أدبيّ آخر يحتاج إلى هويّة، فكيف لو حدث ذلك في موت صغير؟ مثلاً: المخطوطات حَدَث مُختَلَق!.

إفراغٌ ممنهجٌ، وتهجيرٌ قسريٌّ للقوقعة العامّة! وحشوها برؤى وأفكار الكاتب من أشدّ الجرائم الأدبيّة بحق صاحب السّيرة الذّاتيّة.

وقع علوان ضحيّة مراهقة أدبيّة بشكلٍ مستفزٍ. فمثلاً وقع ضحية الحدث التّاريخيّ الواقعيّ، وبين التخيّل فدسّ العديد من الأفكار، ومرَّرها على حساب ابن عربي!.

فأيّ كاتب قد يحاول إعادة تشكيل شخصيّة رواية وتحميلها رؤى وأفكار خطيرة، تحت حجّة التّرميم والسّيرة الذّاتيّة، الّتي من شروطها: الموضوعيّة وسلامة الأحداث التّاريخيّة، مجرمٌ أدبيٌّ يستحق أن يشنقه التّاريخ!. وكأننا بحاجة إلى اختلاق تاريخٍ هو في ذاته يعاني من عار التّزوير!.

فمثلاً يروي علوان: أنّ أحد الأولياء يخلّصه من سجن حاكم مصر وقاضيها، ويتشفّع أمامها، ويتبين بأن هذا الشّخص ميت! وحضر من العالم الآخر!.

كيف يمكن تفسير؛ أنّ شيخًا كبيرًا كابن عربيّ مُسيّر من قبل دابّة؟ ويستسلم لرغباتها والبغلة تسوقه إلى أحد أوتاده؟

وكما يقول الدّكتور طارق عبود: إن الشّيء الأخطر يتمثّل في استسهال مذلّة الإنسان، واستعباده تحت عناوين مختلفة مثل (المريد)! بالإضافة إلى فكرة قبول العبودية والنّخاسة كفعلٍ طبيعيّ ومحمود! فيستطيع الإنسان حسب ما ورد في الرّواية أن يشتري من السّوق أو يبادل إنسانًا بدابّة!.

ويضيف بأنّ الرّواية تحمل في طيّاتها أفكاراً خطيرةً وموهومةً، تحت شعار محاربة الكفار يتم القبول بمهادنة السّلطان، وعدم الاعتراض على كيفيّة وصوله إلى السّلطة!

أدب رخيص الجسد 

عدة أسئلة لابد أن تطرح في النهاية على الرغم من أن القاتل والمقتول في خانة واحدة ولكن الجريمة مازالت مهترئة لا شيء يستر عريها، فمن يدفع يا ترى فاتورة الأدب؟ من أيّ جهةٍ بالتحديد يشوّه التّاريخ؟  من يدفع فاتورة النّشر والمزاج السّياسيّ، كيف صعد العبد على رأس الملك؟

لعل أصدق جملة في أدب علوان كانت تختصره كأديب ولكنّه لم يشعر بالتّحديد في الميزان النّقديّ أنها بالتّحديد وحيٌ لحظيٌّ لا يتكرر أبداً، فكيف وهو قد تضخم بلا معنى؟

(إما أن نبدأ، وإما أن تحدث في أجسادنا مئات الثقوب حتى يتسرّب منها الحزن، لا أحد يريد أن يتضخم بلا معنى).




من الجدل إلى الفضيحة .. البوكر مافيا الأدب!

أهو استحقاق أم أنها خديعة؟ من منهما قتل الآخر البوكر أم الرّواية العربيّة؟ أهي شبهات أم حقائق؟ أم أن الفضائح تتلوّن بألوان صاخبة! وهل قياديّوها كُتّاب أم لصوص؟

إنها جريمة دائماً مثقوبة الفم على الرّغم من أنّ القاتل معروف، ولكنّ العدالة اختارت أن تفقأ عينها!. تَكتُّلات ثقافيّة أم محاصصات سياسيّة؟ تبييض دولارات أم كتابة روايات؟

موجز صاخب وخليط عجيب يفتح شهيّة التّأويل لعدّة ملفات عنوانها الأبرز الفساد الأدبيّ بالإضافة إلى الحقيقة الّتي شكّلت الانتكاسة الّتي فتحت باب الإلحاد للكثير من الأدباء؛ كما فعل الأيرلندي برناد شو والفرنسي جان بولجين حيث إنّهما رفضا جائزة نوبل، بالإضافة إلى متتبعي الأدب حول العالم بعدما سقطت الصّورة الكبرى والمزركشة للجوائز الأدبية عموماً والبوكر خصوصاً.

عالَم الجائزة

في البداية يأخذ الحديث عن الجوائز الأدبية في العالم حيزاً كبيراً من حديث المثقفين والكتّاب والنّقاد، حتّى القرّاء على حدٍّ سّواء، بالإضافة إلى وسائل الإعلام على تنوّع مصادرها، فلا يهدأ الحديث عن جائزة إلا ويبدأ الحديث عن أخرى، فبالأمس كان الحديث عن قلّتها وندرتها وتواضع قيمتها المادية جداً كجائزة النيل، واليوم بات الحديث عن كثرتها ومساوئها وارتفاع قيمتها الماديّة كجائزة الشّيخ زايد، وجائزة البوكر.

ولكن لا مبدأ ثابت هنا والفضائح المتتالية تأكل سمعة البوكر، كالفضيحة التي كشفت تفاصيلها صحيفة الغاون البيروتية عن وجود صفقة رباعيّة لإعطاء الجائزة للرّوائيّة علوية صبح، علاوة عن ذلك تسريب اسم الفائز قبل إعلان النتيجة -كتسريب فوز هدى بركات- بالإضافة إلى المحاصصة السياسيّة والانحياز الذي قال عنه الكاتب ومدير النشر السوريّ فايز علّام: “المصريّة اختارت المصريّ ، والعراقيّ اختار عراقيّة، واللبنانيّ اختار أيضاً لبنانيّة، والروسيّة اختارت أجواء فيها روسيّة”

وهنا يُطرَح سؤال بسيط ولكنّه طارئ وضروريّ: طيلة عشر سنوات من عمر الجائزة لم تُمنح لكاتبٍ سوريّ على الرّغم من وصول العديد من الأسماء منهم: فؤاد حدّاد وخالد خليفة، فهل يا تُرى تُمنح الجائزة للعمل الأدبيّ أم للرّأي السياسيّ؟

مجاملات أدبيّة واهتراء الذّوق النّقديّ

الجدل الّذي يعصف بكلّ عملٍ يفوز، يصنع شبهات تضارب عقائديّة في الآراء بين الأوساط الأدبيّة، فمثلاً يفوز بهاء طاهر عن رواية واحة الغروب تقديراً لسنّه وتاريخه الروائيّ، وليس لاستحقاقه الأدبيّ، فالرّواية لا تتسم إلا ببنائها الروائيّ المحكم، فهي رواية بلا روح كما قال الدّكتور سيد البحراوي.

كما فازت رواية وزير الثقافة المغربيّ لمكانته الوظيفيّة بدلاً من عمله الأدبيّ كما قال النّقاد والسّمة المميّزة للعمل أنّه مثيرٌ للجدل! فالجائزة في هذه الحالة بالتّحديد ربما ضد الإبداع.

هدى بركات الحائزة على أسوأ تقييم في موقع جودريدز عمّقت الهوة بشكل استفزازي فالكاتب سعيد حسون يقول عن روايتها: إنّ لغة الرّواية بلا صوتٍ ولا صورةٍ ولا شكلٍ ولا مضمونٍ ولا لغةٍ سرديّةٍ مميّزة ولا جماليات!.

كما قالت عضوة اتحاد الكتّاب اللّبنانيين رانيا محيو الخليلي: رغم أنّها أتت للبنانيّة هذا العام ولكنّ المضمون نفسه، انحراف جنسيّ، وشذوذ، وبغاء، وشرقٌ منحدرٌ متخلف سيّئ، ونفس دور النّشر تتناوب عليها، والطامّة الكبرى أنّها فقدت مصداقيّتها لدى القارئ العربيّ ولا تزال تتبع ذات المنهج.

تشابُك العديد من الخطوط الحمراء أدى إلى تبادل الأدوار بين المؤيدين والمعارضين، فمثلاً أحد الأعضاء الفعالين في لجنة البوكر أضحى اليوم أكبر المنتقدين لها، وهي الدّكتورة شيرين أبو النجا التي قالت في رئيس اللّجنة طالب الرفاعي: إنّه لا يصلح لأن يكون كاتباً من الدّرجة العاشرة!.

بالإشارة إلى استقالة الناشر رياض الرئيس من مفصل هام من مفاصل البوكر وهو مجلس أمناء البوكر؛ اعتراضاً على الطّريقة الّتي تُدار بها، بل هناك من أقسم أنّه لن يعيد التّجربة أو يتقدم بعمل آخر كما هو الحال مع الرّوائيّ الجزائريّ سمير قسيمي.

لجنة البوكر وغياب النقد الحقيقي!

التّقليد والسّرقة وجهان لعملة واحدة عنوانها الأبرز غياب الناقد الحقيقيّ ومحدوديّة ثقافة اللّجنة، مما أسهم في إفراز أعمال موسومة بالعار الأدبيّ، فمثلا رواية عزازيل للكاتب يوسف زيدان متّهمة بتقليد رواية (اسم الوردة) للكاتب إمبرتو إيكو، وكذلك رواية الدّيوان الأسبرطي، فالبناء الدّراميّ يشبه بناء رواية (ميرامار) ورائحة العديد من خطوط رواية غرناطة تفوح من رواية (النهاية) مثلاً، عدا عن عيوب التّطويل والأحزاب والتّكرار.

حرب الكلب الثانية الّتي أجمع القرّاء أنّها أسوأ أعمال الكاتب بالإضافة إلى أنّها نسخة مصوّرة ولكن بنكهة عربيّة عن رواية١٩٨٤.

الاتهامات لا تنتهي ولكن أكثرها فظاعة الاتهام الذي وجهته الرّوائيّة لينا حسن للرّوائيّ خالد خليفة بسرقة فكرة وقصّة رواية الموت عمل شاق من مقال سابق لها بعنوان (رحلة الشيفروليه نحو دروب الأحزان)!.

الجوائز أضحت وبالاً على الرّواية العربيّة. أو هكذا على الأقل رأي الناقدة نادية هناوي، وقد صرح أسعد أبو خليل قائلاً: جائزة البوكر مؤشر آخر على فساد الحياة الثّقافيّة العربيّة، ولكنّ ملايين الدّولارات الّتي تُنفَق تحمّلت جميع الفضائح، بل أضحت قبلة الكتّاب الجائعين لاعتراف وشهرة دون تعب يُذكر والنّتيجة حدث ولا حرج!.