الديانات الوضعية وآثار الوحي: قراءة في كتاب “الإنسان والأديان”

يرى محمد كمال جعفر في كتابه «الإنسان والأديان: دراسة مقارنة» أن الأديان قد تصنف بناء على مصدرها إلى صنفين أساسيين، هما: الأديان السماوية، والأديان الوضعية التي وضعها البشر سواء كانوا أفراداً أو جماعات، غير أنه يرى أنه بالإمكان العثور في نهاية الأمر على عناصر في هذه الديانات تدل على ما يساعد بإرجاعها إلى مصادر سماوية قديمة[1]، فالوضعية في هذه الأديان ليست نقطة الانطلاق، ويستدل على ذلك بما كان يعتقده المصريون القدماء وأحاديثهم عن الصراط والميزان والحساب والجزاء وكل أمور الآخرة، فهذه ليست من اختراعاتهم وإنما هي من بقايا ما خلفته تعاليم الأنبياء عبر العصور، لكن أضيفت لها كسوة من الآراء والأساطير والأفكار السحرية، الأمر الذي جعل من الصعوبة بمكان تحديد مصادرها الأولى.

وبرأي محمد كمال جعفر، فكل استدلال عن ضرورة البعث بعد الموت أو الحساب أو الثواب في الجنة، والعقاب في النار، ومهما اصطنع من حجج عقلية، فإن أصله لا بد أن يكون قد انبثق من مقولة دينية، أداها نبي، أو نقلها من قد سمعها من نبي، لأن العقل لا يستقل بإدراك غيبيات الآخرة[2].

ويلاحَظ أن المؤلف يسهب في تأكيد هذه البقايا النبوية والآثار التي لا يمكن أن يقال بها إلا بعد سماعها من وحي، فهو بهذا يرى أن في الأديان الوضعية بلا شك عناصر سماوية، لكن ما حجب إمكانية العودة إليها وتنقيتها هو الكم الهائل من الإضافات والتعبيرات والخيالات والأساطير المتراكمة عبر قرون.

وما لاحظه محمد كمال جعفر في ديانات المصريين القدامى، يتكرر أيضا في ديانات أخرى كالبوذية والكونفوشيوسية والمانوية والمزديكة، فبالرغم من تصنيفه لها ضمن الديانات الوضعية، فإنه يرى أنها استفادت واستمدت من الأصول السماوية في أزمنة ضاربة في القدم، ومن العسير تحديد القدر الذي وضعه الواضع، سواء أكان فرداً أم جماعة أم أمة من الأمم[3]، لكن المؤلف يشير إلى إمكانية تحديد العناصر الوثنية في الأديان، كما فُعِلَ في دراسة النصرانية مثلاً.

ويتفق على هذه النتيجة مع محمد كمال جعفر، عبد الله علي سمك في كتابه «مدخل لدراسة الأديان»، فيقول «ولا نستبعد -بناء على النصوص القرآنية- أن تكون الأديان الوضعية عرفت الوحي الصحيح، لكنها مع تقادم الزمن وطول العهد، لم تستطع المحافظة عليه، وغلبت الصناعة البشرية والتدخل العقلي على الوحي الإلهي، ومن المستحيل عقلاً ونقلاً عدم إرسال رسل مثلاً إلى بلاد الهند، وهي أمة قديمة ذات تاريخ عريق وحضارة عظيمة[4]».


الهوامش

[1] محمد كمال جعفر، الإنسان والأديان دراسة مقارنة. الدوحة: دار الثقافة، الطبعة الأولى 1985م، ص 103

[2] المصدر السابق نفسه ص 110

[3] المصدر السابق نفسه ص 110-111

[4] عبد الله علي سمك، مدخل لدراسة الأديان. مكة: دار الدراسات العلمية للنشر والتوزيع 2013م. ص73