عقيدة الإسلام

image_print

تحققنا في بداية مسيرنا بهذه الموسوعة من ضرورة وجود الله تعالى، ثم تبين لنا في مقال نبوة محمد أن النبوات هي الطريق الأمثل لتواصل الله مع خلقه وتبليغهم رسالته إليهم، بما تشتمل عليه من غاية وجودهم والمهمة الموكلة إليهم في هذه الحياة، والمعتقد الذي يجب عليهم أن يؤمنوا به، وطريقة العبادة والمعاملات التي ينبغي عليهم أن يلتزموا بها.

وأوضحنا أيضا في مقال “الدين والتدين” أن الدين -سواء كان وحياً إلهياً أو فلسفة وضعية- يتكون من أربعة عناصر، وهي الاعتقادات والشعائر والالتزامات وتنظيم حياة الجماعة، ومن البدهي أن العنصر الأول هو الذي تستمد منه بقية العناصر روحها وجوهرها، ومن هذا المنطلق سنستعرض في مقالنا موجزا لأصول العقيدة التي يقوم عليها الدين الإسلامي، وذلك استكمالا لما عرضناه في المقالات السابقة من تحقق النبوة ومصداقية الوحي الذي جاءت به، وتمهيدا في الوقت نفسه للتعرف على الجانب العملي في مقال “الشريعة الإسلامية“.

ومع أن العقيدة هي الأصل والمنبع، فإن عناصر الدين الأربعة يغذي بعضها بعضاً. فكما يتذبذب السلوك العملي بين الزيادة والنقصان، يتدرج الاعتقاد العقلي أيضاً من الشك إلى اليقين، وكذلك يتدرج الإيمان القلبي لبلوغ الطمأنينة.

وقد يتوصل الإنسان في دراسته وبحثه العقلي إلى الأدلة اليقينية التي تنفي الشك قطعاً، إلا أن العوامل النفسية والمؤثرات الحسية والجسدية والبيئية قد تقف حائلاً دون وصوله إلى درجة الإيمان، فيجد صراعاً داخلياً بين قناعته العقلية وشكوكه النفسية، وينشأ عن ذلك غالباً أثر سلوكي أيضاً. وعلاج هذه الحالة -التي قد يمر بها معظم الناس في مرحلة ما- يتطلب بذل الجهد والصبر والمزيد من التأمل والتفكر في الأدلة العقلية، والتجرد من المؤثرات النفسية، والإقلاع عن العادات السلوكية السيئة، وعندما يصل القلب (النفس) إلى الطمأنينة فإنه يتوافق مع العقل دون أن يكون بحاجة إلى مزيد من الأدلة والبراهين واكتساب العلم، ويتحقق بذلك كمال الإيمان.

وهذا يعني أن الإيمان المطلوب ليس مجرد ميل نفسي عاطفي واستسلام للكهنة الذين يلقنون العوام معتقدات غيبية فلسفية لا برهان عليها، كما أنه ليس بحثاً عن معرفة باطنية “إشراقية” لا يمكن التحقق من صحة مصدرها، بل هو تجرد نفسي وسلوكي واعٍ بعد استكمال العلم والمعرفة والفهم عن طريق العقل.

ذكرنا في مقال “المسيحية” أن الكهنة يطلبون من أتباعهم الإيمان ببعض الأسس العقائدية الجوهرية دون طلب للدليل العقلي، وهو ما سمي لاحقا بالفيدية fideism، حيث يعجز المنظرون عن إيجاد مبررات منطقية لبعض الأساطير المتناقضة فيقدمونها في صورة وعظية، وهو أمر يتعارض جذريا مع رسالة الإسلام، حيث ورد فعل العقل (التعقل) في تسعة وأربعين موضعا بالقرآن الكريم، فضلا عن آيات أخرى تشير إلى الألباب والنهى والقلب (بمعنى العقل) والتفكر، وهي جميعها تأتي في سياق بناء الإيمان وهدم الوثنية والشرك والكفر.

وهذا هو طريق الأنبياء في هداية الناس، فالقرآن الكريم يتضمن الكثير من الأدلة العقلية على وحدانية الله وتنزهه عن مشابهة الخلق وقدرته على البعث وغير ذلك من المبادئ العقائدية، كما ينص أيضاً على وعد بالهداية إلى الإيمان (أي بعد جلاء الأدلة العقلية) لمن يبذل جهده في طلبها، فيقول {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ} [العنكبوت:69]، ويصف حالة الهداية هذه بقوله {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ} [الفتح: 4].

وهذه الحالة هي التي طلبها النبي إبراهيم عليه الصلاة والسلام من الله تعالى، فكونه نبياً وعلى صلة مباشرة بالله يعني بالضرورة أنه ليس بحاجة إلى أدلة عقلية تزيده علماً بقدرات الله وصفاته، إلا أنه طلب من الله تعالى مشاهدة حسية لحالة إحياء الموتى كي يزداد قلبه اطمئناناً، أي ليشعر بالمزيد من الإيمان النفسي، فقال {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ، قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن، قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} [البقرة: 260].

دين الإسلام
يُطلق اسم الإسلام اليوم على أتباع النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهو خاتم الأنبياء الذي جاء مصدِّقاً برسالات كل الأنبياء الذين سبقوه، حيث يقول القرآن الذي بُعث به {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ، كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ} [البقرة: 285]، فالإسلام إذن ليس ديناً جديداً بل هو الدين الذي أعاد التذكير به كل الأنبياء، مع اختلافات طفيفة في تفاصيل الشرائع دون العقائد.

أما صفة الإسلام فكان النبي إبراهيم عليه السلام قد أطلقها على المؤمنين بالدين الإلهي من قبل، فيقول القرآن {مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ، هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ} [الحج: 78]، كما أطلق هذه الصفة أنبياء آخرون بُعثوا بعده، فقال موسى {يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللَّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ} [يونس: 84]، وأرسل سليمان رسالة إلى ملكة سبأ فجمعت حاشيتها وقالت لهم {يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتَابٌ كَرِيمٌ، إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ، أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ} [النمل: 29-30]، كما قال يوسف في دعائه {تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ} [يوسف: 101]، وقال تعالى عن حواريي عيسى {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ، قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 52].

والإسلام يعني في اللغة الاستسلام والإذعان، فيكون في الاصطلاح اسماً للديانة التي يستسلم صاحبها لله وينقاد له بقلبه ولسانه وجوارحه. والإيمان هو الجانب الاعتقادي من هذا الدين، والذي يتبعه الجانب العملي السلوكي في العناصر الثلاث المذكورة سابقا وهي الشعائر (العبادات) والالتزامات والمعاملات.

ويلخص أركان الإسلام والإيمان حديث واحد، وهو صحيح رُوي من طرق عدة في صحيح مسلم وكتب أخرى، وسنكتفي بذكر أحدها وهو طريق عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يُرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخديه وقال: يا محمد، أخبرني عن الإسلام. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا. قال: صدقت. فعجبنا له يسأله ويصدقه. قال: فأخبرني عن الإيمان. قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره. قال: صدقت. فأخبرني عن الإحسان. قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك. قال: فأخبرني عن الساعة (أي يوم القيامة). قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل. قال: فأخبرني عن أماراتها (أي علاماتها). قال: أن تلد الأمَة ربّتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان”. قال: ثم انطلق فلبثت مليًا ثم قال لي: “يا عمر، أتدري من السائل؟”، قلت الله ورسوله أعلم. قال: “فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم”.

هل يفترق الإيمان عن الإسلام؟
اختلف علماء الإسلام في هذه المسألة إلى الفريقين التاليين:

1- فريق يرى أنه يمكن للشخص أن يكون مسلما دون أن يكتمل إيمانه، فليس كل مسلم مؤمناً، وقد يكون الإيمان ضعيفاً فلا يتحقق القلب به تحقيقاً تاماً، مع عمل جوارحه (أعضائه) أعمال الإسلام. ويرى هذا الفريق أنه إذا اجتمع الإسلام والإيمان في نص واحد من نصوص القرآن والسنة فلكل واحد منهما معنى يختص به، فيكون الإيمان جامعا للأعمال الباطنة من الاعتقادات (في العقل والقلب)، ويكون الإسلام بمثابة الانقياد العملي بالعبادة والتسليم، أما إذا افترق المصطلحان وورد أحدهما لوحده في النص فيكونان بمعنى واحد.

2- فريق يرى أن الإيمان والإسلام متلازمان، فالإسلام لا يصح بدون اعتقاد لأن أول أركانه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. ويرى هذا الفريق أن نصوص القرآن والسنة التي تحدثت عن نفي الإيمان وبقاء الإسلام في بعض الأشخاص تعني أن الإسلام هو التطبيق الظاهري للعبادات مع النفاق، فيكون أولئك الأشخاص منافقين أصلا.

ومن الأمثلة على اجتماع الإيمان والإسلام في نص واحد، نذكر قوله تعالى: {قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 14]، فيقول الفريق الأول –ومنهم ابن عباس وإبراهيم النخعي وقتادة وابن جرير الطبري وابن كثير- إن الأعراب الذين نزلت فيهم كانوا مسلمين ولم يستحكم الإيمان في قلوبهم (إيمان ناقص)، وإنهم ادعوا لأنفسهم كمال الإيمان فنزلت الآية لتخبرهم بأنهم لم يحققوه بعد. ويقول الفريق الآخر إن الآية نزلت في جماعة من البدو أظهرت الإسلام نفاقاً، فيروى أنهم من أعراب بني أسد الذين قدموا إلى المدينة المنورة وأخذوا يمنّون على الرسول بأنهم لم يحاربوه ويطلبون الصدقة، كما روي أنهم أعراب جهينة ومزينة وأسلم وأشجع وغفار الذين ذكرهم الله في سورة الفتح، وكانوا يظهرون الإيمان ليأمنوا على أنفسهم وأموالهم، فلما استُنفروا إلى الحديبية تخلفوا، فكشفت الآية نفاقهم، وبينت أنهم أسلموا في الظاهر من حيث الانقياد للنبي سياسيا واجتماعيا، غير أنهم لم يعتنقوا الإسلام في الباطن.

وفي مثال آخر من السنة، نذكر حديثا صحيحا رواه البخاري ومسلم عن سعد بن أبي وقاص، حيث قال: أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم رهطا (مالاً) فترك رجلا هو أعجبهم إلي، فقلت يا رسول الله ما لك عن فلان فوالله إني لأراه مؤمنا؟ فقال أو مسلما؟ فسكتّ قليلا ثم غلبني ما أعلم منه فعدت لمقالتي فقلت ما لك عن فلان فوالله إني لأراه مؤمنا؟ فقال أو مسلما؟ ثم غلبني ما أعلم منه فعدت لمقالتي وعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال يا سعد إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه خشية أن يكبه الله في النار.

ويفسر الفريق الأول هذا الحديث بنفس تفسير الآية السابقة، فالشخص المعني كان مسلما لكن إيمانه لم يكتمل، لكن الفريق الثاني يقول إن المرء قد يُسمى مسلما من حيث الانقياد والطاعة في الظاهر، لكنه لم يؤمن بعد، فتجري عليه أحكام المسلمين إلا أنه عند الله لا يكون مسلماً ولا مؤمناً، والنبي اطلع من الوحي على حال هذا الرجل الذي لم يؤمن قلبه فسماه مسلما فقط، أما بقية الناس فلا يملكون سوى الحكم بالظاهر، ومن ثم فلا يحق لهم سوى الحكم على من لم يثبت كفره بأنه مسلم ومؤمن في آن واحد ودون فصل بينهما.

مصادر العقيدة
اطلعنا في مقال “الوحي القرآني” على الأدلة اليقينية التي تؤكد حفظ القرآن الكريم من التحريف على مر العصور، وأنه ما زال يُرتل كل يوم على ألسنة الناس كما كان في عصر النبوة. كما اطلعنا في مقال “السنة النبوية” على الجهود الاستثنائية التي بذلها علماء الحديث المسلمون لتوثيق سنة النبي وأقواله وأفعاله، وكذلك أقوال وأفعال صحابته، كي تبقى محفوظة في الكتب والصدور للأجيال اللاحقة، وتبين لنا أن ما وضعه هؤلاء العلماء من ضوابط النقل والتوثق والتحقق لم يسبقهم إليه أحد في تاريخ البشرية، فكانت النتيجة نشوء علوم الحديث بفروعه المتعددة، والتي قد يستهلك التبحر في كل منها عمُر طالب العلم المجتهد كله.

لذا وضع علماء العقيدة الأسس العقلية التي يمكن للجميع الاتفاق عليها في سبيل تجريد مصادر الاعتقاد، لا سيما وأن الأمر يتعلق هنا بالمعرفة الغيبية التي تقتصر مصادرها الموثوقة على الوحي الإلهي [انظر مقال مصادر المعرفة]، فالتعويل في هذه المعرفة على نص الوحي الصادق والمجرد عن الآراء والأساطير البشرية والشيطانية.

وأول هذه الأسس أن الاعتقاد بصدق القرآن ونسبته إلى الله تعالى، وبما دل عليه دلالة قطعية من معتقدات وأحكام، هو واجب عقلا وشرعا، وينطبق ذلك أيضا على الأحاديث النبوية المتواترة، سواء كان التواتر باللفط أو بالمعنى.

أما أحاديث الآحاد الصحيحة التي تلقتها الأمة الإسلامية في القرون الأولى (السلف) بالقبول ودون إنكار أو مخالفة، فحكمها أيضا حكم الأحاديث المتواترة السابق، لأن قبول السلف لها يعني أنها متوافقة مع ما علموه من الوحي المباشر.

وأما إنكار عقيدة ثبتت بدلالة ظنية في نص قطعي الثبوت (قرآن أو حديث متواتر)، أو ثبتت بدلالة قطعية ولكن في نص ظني الثبوت (حديث آحاد)، أو بدلالة ظنية في نص ظني الثبوت، فهذا كله لا يؤدي إلى الخروج من الإسلام، إلا أنه قد يؤدي إلى الفسق والإثم إذا كان الظن غالباً وحجة الثبوت قوية [للتعرف على درجات الحديث النبوي يرجى مراجعة مقال “السنة النبوية“].

وإذا أجمع علماء الصحابة على أصل من أصول العقائد، وأخذه عنهم التابعون وتابعو التابعين حتى صار مقررا ومشهورا، فهذا أيضا يكتسب صفة اليقين، إذ يستحيل على صحابة النبي صلى الله عليه وسلم أن يتفقوا على عقيدة ما دون أن يكونوا قد اقتبسوها من النبي نفسه، حتى لو لم يكن لدينا حديث مرفوع إلى النبي ينص على ذلك الأصل العقائدي، فالعقيدة كما أسلفنا لا تُعرف إلا بالوحي وليست رأياً.

يقول إسماعيل التيمي الأصبهاني في كتابه “الحجة في بيان المحجة”: “ومما يدل على أن أهل الحديث هم على الحق؛ أنك لو طالعت جميع كتبهم المصنَّفة من أولهم إلى آخرهم، قديمهم وحديثهم مع اختلاف بلدانهم وزمانهم… وجدتهم في بيان الاعتقاد على وتيرة واحدة… بل لو جمعت جميع ما جرى على ألسنتهم ونقلوه عن سلفهم؛ وجدته كأنه جاء من قلب واحد”.

قصة الخلق
يوضح الوحي أن الله كان موجوداً وحده قبل بدء الخلق، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم عن بدء الكون: “كان الله ولم يكن شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذكر كل شيء، وخلق السموات والأرض”. [أخرجه البخاري]، وسنذكر بإيجاز آراء علماء المسلمين في أول ما بدء به الخلق:

الرأي الأول: أول المخلوقات هو عرش الرحمن، وذلك استنادا إلى الحديث السابق.

الرأي الثاني: الماء خُلق قبل العرش، استنادا إلى عدة أحاديث لا تتعارض مع الحديث السابق، ومنها حديث رواه أحمد والترمذي بأسانيد صحيحة يقول: “إن الماء خلق قبل العرش”، وكذلك حديث أبي هريرة الذي قال: يا رسول الله ممّ خُلق الخلق؟ قال “من الماء” [رواه الترمذي وصححه].

الرأي الثالث: أول المخلوقات هو القلم الذي كُتب فيه القدَر، وذلك استنادا إلى حديث رواه أحمد والترمذي وصححه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال “أول ما خلق الله القلم، ثم قال: اكتب، فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة”. ويرد الآخرون على أصحاب هذا الرأي بأن هناك أحاديث صحيحة تؤكد أن الله تعالى حين خلق القلم وأمره بكتابة مقادير كل شيء كان عرشه على الماء، ما يعني أن العرش كان موجودا قبل القلم، ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم “كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة وعرشه على الماء” [صحيح مسلم: 2653]. ويرى المعارضون لهذا الرأي أن أولية القلم في قوله “أول ما خلق الله القلم” هي أولية بالنسبة إلى ما عدا الماء والعرش، أو بالنسبة إلى المخلوقات التي ستوجد بعد أن يكتب عنها، وقيل أيضا إن كلمة “أول” منصوبة وليست مرفوعة فيكون معنى الجملة هو “حين خلق الله القلم”.

وأياً كان الرأي الصائب، فجميع أهل السنة متفقون على أن هناك مرحلة كان الله تعالى فيها وحده، ثم خلق العرش والماء والقلم، ثم خلق السماوات والأرض.

وقد أخبرنا الوحي أن خلق السماوات والأرض استغرق ستة أيام، كما في الآية: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ} [ق: 38]، واليوم آنذاك ليس هو اليوم الذي نعرفه، فلم تكن هناك شمس ولا تعاقب لليل والنهار، فقد يكون كل يوم من تلك الأيام الستة حقبة تمتد لمليارات السنين بحسب معاييرنا الحالية للزمن، والزمن نسبي كما تؤكد نظرية النسبية لأينشتاين.

ويقول تعالى عن خلق السماوات: {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا، مَّا تَرَىٰ فِي خَلْقِ الرَّحْمَٰنِ مِن تَفَاوُتٍ} [الملك: 3]، ولا ندري على وجه الدقة ما المقصود بالسماوات السبع، فهناك من يرى أنها طبقات الغلاف الجوي للأرض، وهناك من يرى أنها تشكل طبقات الكون كله، الذي يرجح الفيزيائيون أن شكله مثل الكمثرى وليس كروياً تماماً، ويميل رأي ثالث إلى أن السماء الدنيا وحدها هي الكون الذي نعرفه، وأن هناك ست سماوات أخرى تحيط بها أو تتدرج فوقها، بينما حاول آخرون تطبيق نظرية الكون المتعدد على ما جاء في القرآن والاعتقاد بأن هناك سبعة أكوان. وليس هناك نص متواتر من الوحي يبين المقصود، كما أن النظريات العلمية (وهي لا ترقى إلى درجة الحقائق) لا تتناقض مع تلك التأويلات المحتملة للنص.

ولا نجد أيضا في قصة خلق الكون الموجزة في القرآن أي شبه بالأساطير الملحمية، فالقرآن يوجز الأمر بربطه بإرادة الله وقدرته، وهو الفاعل الوحيد في خلقه، بينما سبق أن اطلعنا في مقال “الوثنية” على أساطير متعددة تنسب تشكل الكون المادي إلى قصص زواج أو صراع بين الآلهة، كما اطلعنا أيضا في مقال “وجود الله” على النزعة الأسطورية لدى العلماء الماديين المعاصرين في وضع افتراضات لامنطقية طمعا في الهروب من ضرورة الخلق الإلهي.

وفي مرحلة لا نعرفها خلق الله الملائكة والجن، وسيأتي تفصيل الحديث عن هذه المخلوقات، ثم قال تعالى للملائكة {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً، قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ، قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 30].

واختلف المفسرون في سبب رد الملائكة بهذا السؤال، فقيل لعلهم علموا أن سلالة المخلوق الجديد سترتكب الذنوب والجرائم والإفساد استنتاجاً من كونها مخلوقة من تراب، وقيل ربما كانوا يقيسون على ما سبق لأن بعض القصص غير المؤكدة (لعلها من الإسرائيليات) تحدثت عن وجود سلالات من الجن على الأرض قبل خلق آدم، وعن اندلاع حروب بينها. وعلى أي حال فإن سؤال الملائكة لم يكن على وجه الاعتراض ولا الحسد، فقد وصفهم الله تعالى بأنهم لا يسبقونه بالقول، أي لا يسألونه شيئا لم يؤذن لهم، وإنما هو سؤال استعلام واستكشاف عن الحكمة في خلق الخليفة على الأرض.

وخلق الله آدم من تراب الأرض، ونفخ فيه الروح، {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ، قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ، قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة: 31- 33]، وتعني هذه الآيات أن الله ألهم آدم اللغة ومسميات الأشياء مباشرة بعد خلقه، فكان عاقلا وناطقا منذ بداية الخلق، ولم يكن بحاجة للتطور والتعلم للانتقال من حالة بهيمية كما تفترض نظرية التطور الدارويني.

وأمر الله الملائكة وإبليس (الجني) بأن يسجدوا لآدم إكراماً له وليس عبادة، وقد وردت هذه القصة في سور قرآنية عدة نذكر منها: {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ} [الكهف: 50]، فالآية توضح أن إبليس كان من الجن وليس ملَكاً. وفي آية أخرى قال تعالى {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ} [البقرة: 34]، فالآية تؤكد أن السبب الذي منع إبليس من تنفيذ الأمر الإلهي هو الكبر، وفي ذلك دليل أيضا على أن الجن لديهم إرادة واختيار كالإنسان، بينما لا يملك الملائكة سوى أن يطيعوا الله دون تردد.

وبدأت بذلك قصة الصراع بين آدم وإبليس، حيث أمر الله آدم وزوجته حواء -التي خُلقت لاحقا- بالعيش في الجنة والتمتع بنعيمها دون الاقتراب من شجرة واحدة، ولم يذكر القرآن ولا السنة نوع الشجرة ولا سبب تحريمها، فأغوى إبليس آدم وزوجته معاً بالأكل منها كما يقول القرآن الكريم: {فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآَتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ، وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ} [الأعراف: 20-21]، ونستنتج من الآيتين ما يرجح أن وسوسته لهما لم تكن بمجرد الإلقاء في الصدر لاشعورياً، بل كان هناك حوار، حيث اختتم إبليس زعمه بالقسَم والحلف، ففعلا وأكلا من الشجرة.

وعندما عاتبهما ربهما ندما و{قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف: 23]، وفي سورة أخرى يقول تعالى {وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه: 115]، وفي تتمة القصة يقبل الله توبة آدم ويقول {فَتَلَقَّىٰ آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 37]، ومع ذلك يُحكَم على آدم وزوجته بالخروج من الجنة والهبوط إلى الأرض للحياة فيها إلى حين، مع تذكيرهما بأن الشيطان سيظل عدواً لهما ولسلالتهما، وأنه سيحاول أن يفتنهم هو وجماعته، فتقول الآيات: {قَالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ، قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ، يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا، وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌ، ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ، يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا، إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 24- 27].

وفي سورة الأعراف نقرأ هذا الحوار بين إبليس والله تعالى: {قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَٰذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَإنْ أَخَّرْتَنِ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا، قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَاؤُكُمْ جَزَاءً مَّوْفُورًا، وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُم بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِم بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ وَشَارِكْهُمْ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ وَعِدْهُم وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا، إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ وَكِيلًا} [الأعراف: 62 -65].

وفي سورة الحجر نقرأ أيضا هذا الحوار: {قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ، قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ، قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ، قَالَ هَٰذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ، إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ، وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ} [الحجر: 40].

ونستنتج من هذه الآيات ما يلي:
1- لقد قضى الله على آدم بأن ينزل إلى الأرض قبل أن يخلقه ويدخله الجنة فقال “إني جاعل في الأرض خليفة”، فحتى لو قلنا إن خطيئة آدم هي السبب في نزوله إلى الأرض فإن الأمر كان مقدراً قبل خلقه. لذا عندما عاتب النبي موسى عليه السلام النبي آدم -كما جاء في حديث صحيح- على نسيانه وأكله من الشجرة قال له آدم مستنكراً: تلومني على أمر قد كتبه الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة، فعلّق النبي محمد صلى الله عليه وسلم بقوله “فحجّ آدم موسى” [رواه البخاري]، أي أقام عليه الحجة، واختُلف متى وقع الحوار بين آدم وموسى، فقيل ربما في ليلة المعراج عندما التقى النبي بالأنبياء السابقين، وربما كان ذلك في رؤيا، فأرواح الأنبياء حية عند الله.

2- تمرُّد إبليس على أمر الله لم يكن تصرفا خارجا عن مشيئة الله، فإبليس كان يخاطب الله تعالى بصيغة الربوبية معترفا بأن الله ربه، وقد أمهله الله ليبتلي به بني آدم، ووعده هو ومن يتبعه بأن يكون مصيرهم النار جميعا، ووافق إبليس على ذلك لفرط حماقته وغروره. وهذا يناقض تماماً أسطورة تأليه إبليس لدى المجوس والهندوس وغيرهم من أصحاب الأديان المحرفة الذين رفعوا إبليس إلى درجة الإله الند للإله الخالق، وجعلوا العالم ساحة لصراع بين إلهين أو فريقين من الآلهة.

3- آدم لم يكن سوى مخلوق من طين نُفخت فيه الروح، ولم يتّحدْ به الإله كما تزعم أسطورة القبالاه.

4- إغواء إبليس كان لآدم وحواء معاً، أما القصة الواردة في التوارة المحرفة فتزعم أنه أغوى حواء فأغوت بدورها آدم، ثم صبّ آدم غضبه على زوجته وحمّلها مسؤولية الخروج من الجنة، ومازالت هذه الأسطورة منتشرة في الثقافة العامة لملايين الناس بما فيهم الكثير من عوام المسلمين، وآثارها واضحة في الأدب والدراما بشتى الثقافات واللغات، ومن أهمها تقريع النساء واتهامهن بلعب دور الشيطان نفسه.

5- الخطأ الذي ارتكبه آدم وحواء كان نتيجة النسيان، وليس خطيئة مقصودة.

6- تاب الله على آدم بعد توبته، ولم يتطلب الأمر توريث تبعات الخطيئة لسلالته، ولم يكن هناك أي مبرر لنزول الله تعالى على هيئة المسيح (كما تقول الأسطورة المسيحية) ليقدم نفسه فداءً للبشر كي يمحو عنهم أثر هذه الخطيئة، فما زال أبناء آدم يرتكبون من الجرائم والأخطاء ما هو أكبر بكثير من خطيئة أبيهم التي ارتكبها ناسياً، ومع ذلك فالله يغفرها لهم إذا تابوا -كما وعد في آيات كثيرة- ودون الحاجة إلى الفداء.

7- الغاية من هذه القصة هي أن يدرك الإنسان أن حياته قائمة كلها على الابتلاء والصراع مع إبليس، فالابتلاء بدأ بتكبّر إبليس، وسيستمر في الصراع معه ومع جنده حتى يوم القيامة، فقد مد الله في عمره حتى قيام الساعة، كما تعهد إبليس بين يدي الله بأن يبذل كل جهده لإغواء آدم وسلالته، ومنحه الله تعالى القدرة على المحاولة، إلا أنه أخبره أيضا بأنه لن يكون له سلطان إلا على من قبلوا باتباعه.

8- قصة الخلق التي نزل بها الوحي بسيطة ومفهومة ولا تتناقض مع العقل، وإذا كانت الأساطير التي حُرفت عنها على مدى آلاف السنين تناقض العقل فهذا لا يعني أنه يحق لنا أن نضع كل ما يشبه تلك الأساطير في خانة المستحيل والخرافة، وأن نجعل العلم المادي هو المصدر الوحيد لفهم الوجود وتفسيره. وإلا فسنضطر إذن إلى نبذ العلم المادي نفسه كلما ثبت لنا خطأ إحدى النظريات العلمية، وهو ما يحدث باستمرار بحكم التطور العلمي، فتكذيب نظرية ما لا يعني نسف العلم كله، كما أن تكذيب أسطورة محرفة لا يعني نسف عالم الغيب واستبعاده بالكلية.

أركان الإيمان
بما أن مقالنا هذا يتحدث عن الجانب الاعتقادي، فسنخصص بحثنا للحديث عن أركان الإيمان الستة التي ورد ذكرها في الحديث الصحيح السابق ذكره، حيث عددها الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بقوله: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره. وسنفصل المقصود بكل منها فيما يلي.

1- الإيمان بالله:
ابتدأنا رحلتنا المعرفية في هذه الموسوعة بالتحقق من وجود الله تعالى، وسنتابع هنا الحديث عن أهم صفاته وفقاً للوحي الذين أنزله على رسوله.

يقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح “إن لله تسعا وتسعين اسما، مئة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة”، وفي حديث آخر رواه الترمذي والبيهقي، نقل أبو هريرة عن النبي الأسماء التسعة والتسعين كاملة، وقد وردت في القرآن أسماء أخرى لم ترد في حديث أبي هريرة، ومنها القاهر والقريب والناصر والأعلى والأكرم وغيرها، كما وردت أسماء إضافية في أحاديث نبوية أخرى مثل الحنان والمنان والسيد والديان.

وفي المصنفات العقائدية المشهورة، يلخص العلماء أهم صفات الإله في الوجود والوحدانية والقدرة والإرادة والعلم والحياة ومخالفة المخلوقات، ويُدرجون تحت كل منها بضعة أسماء من الأسماء التسعة والتسعين، وبما أننا فرغنا من الحديث عن الصفة الأولى (الوجود) في مقال سابق، فسنوجز الحديث في الصفات الأخرى كما يلي:

الوحدانية: يتميز مفهوم الإله في الإسلام عن الكثير من الوثنيات بوحدانية الإله، بل يعد التوحيد من أبرز معالم الإيمان، فيما يُعد الشرك -أي الاعتقاد بتعدد الآلهة- أعظم الذنوب، ففي حديث صحيح رواه البخاري سئل النبي عن الكبائر، فقال “الشرك بالله، وقتل النفس، وعقوق الوالدين”، وقال تعالى {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [النساء: آية 48].

وقد مرّ بنا في مقال “الوثنية” أن الأديان الأسطورية الكهنوتية أقامت بناءها الميثولوجي على مفهوم “مجمع الآلهة” الذي يرأسه إله خيالي ويضم مجموعة من الآلهة الأقل شأناً، وقد يتصارعون فيما بينهم على النفوذ كما يتصارع الملوك من البشر، وهذا بالضبط ما انتقده القرآن ليثبت استحالة وجود إلهين اثنين فضلا عن آلهة متعددة، فيقول {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ} [المؤمنون: 91]، أي لو كان هناك إله آخر لاستأثر كل واحد منهما بمخلوقاته وتنافسا في العلو والعظمة وتحول الكون إلى ساحة حرب بينهما، ويقول أيضا {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آَلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الأنبياء: 21]، أي أن وجود إلهين أو أكثر في السماوات والأرض سيؤدي حتماً إلى فساد الكون لاحتمال تعارض الإلهين، فلو كان كل إله متفردا برأيه وكامل الإرادة والمشيئة فلا ينبغي أن تحدّه إرادة إله آخر، لكن تعدد الآلهة يعني حتماً نقص القدرة والمشيئة لدى كل منهما كي لا يحصل التعارض، وهذا ما اضطر إلى الإقرار به كل واضعي الأساطير كما رأينا في مقال “الوثنية“.

أما مفهوم التثليث المسيحي الذي حاول منظّروه أن يجدوا له حلا فلسفيا دون سقوط في معضلة التعدد، فقد أوضحنا في مقال المسيحية استحالته منطقيا وعمليا، وأنه أقرب إلى السفسطة.

القدرة: تكرر ذكر هذه الصفة في عدة آيات من القرآن، ومنها قوله تعالى {وهو على كل شيء قدير} [الحديد: 2]، فقدرة الله مطلقة، وهي تتعلق بكل الممكنات، ولا يصح عقلاً أن نعالج سؤالا سفسطائيا من قبيل: هل يقدر الإله على أن يكون ميتاً؟ لأنه لا يمكن أن يكون الإله إلا حياً، ونفي الموت عنه ليس نفياً للقدرة بل تنزيه له عن النقص. وقد يجد الباحث أسئلة سفسطائية أخرى مطروحة بين المشككين، مثل سؤالهم: هل يستطيع الإله أن يخلق شيئا ضخما يعجز عن حمله؟ وهو سؤال طفولي يليق بالعقول التي تتصور الإله مشابهاً لآلهة اليونان التي لم تكن سوى كائنات خارقة تعيش على قمة جبل الأولمب، لكن المشكلة ليست في التصور فقط، بل في جمع نقيضين بسؤال سفسطائي بحت، فالصيغة المنطقية للسؤال هي: هل يستطيع الإله أن يعجز؟ وهي صيغة عبثية.

الإرادة: إرادة الله أيضا مطلقة لا تحدها حدود، فقال عن نفسه العلية: {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} [القصص: 68]. وفي المقابل نجد أن آلهة الأساطير محدودة الإرادة والقدرة، فتضطر إلى تقديم التنازلات أو التراجع عن بعض القرارات أو اتخاذ مسارات اضطرارية في تدبير شؤون الكون.

العلم: فالله يعلم كل شيء ولا يغيب عنه شيء، فيقول في كتابه {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ، قُلْ بَلَىٰ وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [سبأ: 3]. وفي المقابل نجد صوراً منقوصة للإله في الأديان الأسطورية والمحرفة، ففي التوراة المحرفة نقرأ هذا النص: “وسمعا (آدم وحواء) صوت الرب الإله ماشياً في الجنة عند هبوب ريح النهار فاختبأ آدم وامرأته من وجه الرب الإله في وسط شجر الجنة، فنادى الرب الإله آدم، وقال له: أين أنت؟ فقال: سمعت صوتك في الجنة فخشيت؛ لأني عريان فاختبأت. فقال: من أعلمك أنك عريان؟ هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك أن لا تأكل منها؟ فقال آدم: المرأة التي جعلتها معي هي أعطتني فأكلت” [سفر التكوين: 3/8]، وهذا يعني أن الإله حسب الأسطورة لم يعلم أن آدم أكل من الشجرة، كما لم يعلم بمكانه عندما اختبأ منه في الجنة.

الحياة: يقول تعالى عن نفسه {اللَّهُ لاَ إِلَٰهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة: 255]، فمن المنطقي أن يتصف الإله الواهب للحياة بأنه حي بذاته، مستقل ومستغن عما سواه، كما أنه قيوم على خلقه، أي قائم بشؤون الخلق ومدبر لها، فبينما كان أرسطو يعتقد أن دور الإله (واجب الوجود) يقتصر على إيجاد الكون وخلقه، فإن الإسلام يؤكد أن الله لا يتخلى عن الكون بعد أن يخلقه، بل يظل وجود الكون قائما في كل لحظة على تدبير الله له، ولو تنحى جل وعلا عن إدارة شؤون الوجود لاختفى وعاد إلى العدم كما كان.

مخالفة المخلوقات: يقول تعالى عن نفسه في قاعدة موجزة شاملة: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى: 11]، ويفسرها العلماء بقولهم “كل ماخطر ببالك فالله بخلاف ذلك”، أي لا يمكن أن يُشبَّه الإله في صفاته أو ذاته بشيء من صفات أو ذوات المخلوقات، فهو منزه عن كل تشبيه يمكن أن يخطر ببالنا عنه، وهذا يعني أنه ليس مجسداً ولا موجوداً في حيز مكاني، وليس حالّا أيضا في الكون ولا في الطبيعة ولا في أي مخلوق (الحلول هو الاتحاد والاندماج مثل الروح في الجسد)، كما أنه ليس منفصلاً عن الكون في المقابل، ولا تجري عليه مجريات النفوس من الشهوات والرغبات، وليس بحاجة إلى زوجة ولا ولد ولا انقسام ولا تعدد ولا طعام ولا شراب ولا راحة.

لذا فإن كل الصور المنقوصة التي وضعتها الأساطير للآلهة لا تليق بالله تعالى، وقد لخصت سورة الإخلاص هذا التنزيه في أربع آيات جامعة، وهي {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ، اللَّهُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}، وصفة الصمد تعني أن الله هو الذي يُصمد إليه، أي يُرجع إليه في كل أمر، وتعني أيضا أنه غني عن كل شيء.

إذن فالإله المتصف بهذا الكمال ليس بحاجة إلى القرابين البشرية والحيوانية التي درج الكهنة على تقديمها في الأديان الأسطورية، زعماً منهم بأنها تُقدم على المذابح لامتصاص غضب معبودهم وإرضاء غروره ونزعاته الدموية. أما الدين الذي جاء به الأنبياء قبل أن يحرف فكان ينص على التقرب إلى الله بذبح الحيوانات التي يؤكل لحمها لتوزيعها على الفقراء، ولتربية النفس على البذل وتحقيق التكافل في المجتمع.

الإغريق تخيلوا إلههم زيوس على هيئة إنسان

والإله الصمد ليس بحاجة أيضاً إلى شركاء يتقرب الناس بواسطتهم إليه، فالمشركون من عرب الجاهلية كانوا يقرون بوجود إله أعلى لكنهم يُشركون معه آلهة أقل شأنا، ويبررون ذلك بقولهم {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَىٰ} [الزمر: 3]، وهذا ما كان يقوله أتباع وثنيات أخرى قبلهم، لكن الآية تردّ عليهم بالقول {إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ}، في إشارة إلى أن هذا الزعم ليس إلا افتراءً وكذباً.

كما نستنبط من مفهوم الصمدية أن الله ليس بحاجة إلى مفهوم الفداء الذي زعمه محرّفو دين عيسى بن مريم عندما جعلوه شريكا لله في الألوهية، فلو وافقنا جدلاً على مفهوم الخطيئة المزعوم (تحميل بني آدم وزر خطيئة آدم عندما أكل من الشجرة)، فإن الله قادر على أن يغفر هذا الذنب دون حاجة لانتظار آلاف السنين التي تفصل آدم عن عيسى، ودون أن يحلّ تعالى بنفسه في جسد عيسى ثم يرضى بصلب جسده ليفدي الناس به [انظر مقال “المسيحية“].

وقبل أن نختم حديثنا عن صفات الإله، ينبغي التوقف عند ما يسمى بالنصوص المتشابهات في صفاته، وهي الآيات والأحاديث التي تتضمن صفات قد يوهم ظاهرها بتشبيه الله بالمخلوقات، مثل إثبات الوجه واليد والعين والقدم لله، واستوائه على العرش ووجوده في السماء، ولفهم معاني هذه الصفات لدينا أربعة احتمالات، وهي:

1- أنها حقيقة وفق ظاهر مدلولها اللغوي، وهذا مستحيل، فلا يمكن أن يكون الإله مُجسَّما بدليل الآية: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}.

2- أنها حقيقة وفق دلالة لغوية صحيحة، فيكون لها معنى أعلى يليق بجلال الله، ويراد بها معنى أدنى يناسب فهمنا، فلله يد وعين وغير ذلك من الصفات لكن دون تجسيد ولا تشبيه.

3- أنها حقيقة في الاصطلاح الشرعي لمعانٍ لا نعلم حقيقتها على وجه التحديد، فتكون لله مثلا صفة اسمها “اليد” كما جاءت في النص، فنؤمن بها كما وردت دون تأويل، ولكن مع نفي المعنى الذي يتبادر لأذهاننا مما لا يليق أن يكون صفة لله.

4- أنها مجاز يمكن تأويله بمعنى آخر بما يتوافق مع دلالات اللغة وما يليق بجلال الله، فيمكن مثلا تأويل اليد في قوله تعالى: {إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله، يد الله فوق أيديهم} [سورة الفتح: 48] بأنها تعني القدرة، وليست يداً مجسدة.

وقد كان أغلب علماء السلف (القرون الثلاثة الأولى) يأخذون بالاحتمال الثالث، كما أخذ كثير منهم بالاحتمال الثاني، أما الاحتمال الأخير فظهر في مرحلة لاحقة. وجميع أهل السنة متفقون على أن الإيمان بصفات الله ينبغي أن يكون منضبطا بضوابط اللغة وألا يؤدي إلى التشبيه والتعطيل.

وبناء على كل ما ذكرناه في باب الألوهية، يتبين لنا أن الإسلام هو الدين الوحيد الذي يقدم مفهوما متكاملا للألوهية بشكل يجمع بين العمق والبساطة في آن واحد. فما كتبه علماء اللغة والعقيدة والمفسرون المسلمون في أسماء الله وصفاته طوال قرون يملأ مئات المجلدات، ومع ذلك يمكن للعامي الأمي البسيط أن يفهم حقيقة الإله بالفطرة ودون فلسفة، فليست هناك ملاحم أسطورية للصراع بين آلهة متعددة، ولا حلول ولا اتحاد ولا انقسام، بل يكفي المؤمن أن ينسب كل ما يراه في هذا الوجود من مظاهر الخلق والإبداع إلى إله عظيم ليس كمثله شيء، وأن ينسب إليه كل صفات الكمال، وأن ينزّهه عن نزعات الغضب التي تسلتزم تقديم القرابين في شعائر دموية، ودون أن يحتاج إلى التقرب إليه بواسطة آلهة أو كهنة، ودون الحاجة أيضا للانضمام إلى جماعات دينية سرية والترقي في درجاتها.

2- الإيمان بالملائكة:
ذكرنا سابقا الحديث الصحيح الذي رواه عمر بن الخطاب وقال فيه إن رجلا دخل المسجد النبوي وسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان، فأخبر النبي عمر بأن ذاك الرجل هو الملاك جبريل بعد أن تجسد في هيئة إنسان. وهناك أحاديث أخرى صحيحة تؤكد وجود الملائكة وصفاتهم.

ومن صفاتهم أنهم مخلوقون من نور، فيقول الحديث “خُلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار” [رواه مسلم]. كما أنهم مخلوقات خفية في حالتها الطبيعية عن عيون البشر، فكان جبريل ينزل على النبي بالوحي في حالات عدة دون أن يراه أحد سوى النبي. ويمكنهم أيضا أن يتشكلوا في أشكال مادية، كما فعل جبريل في الحديث السابق، حيث كان يتمثل أحيانا على هيئة شخص مجهول أو معلوم، حيث روي أنه كثيرا ما كان يأتي مجلس النبي على صورة صحابي وسيم يدعى دِحية الكلبي.

وذكر القرآن الكريم عدة قصص لتمثُّل الملائكة في هيئة بشر، ومنها دخول مجموعة منهم على النبي إبراهيم عليه السلام دون أن يعرف أنهم ملائكة: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ، إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ} [الذاريات: 24-25]، وكذلك دخولهم على هيئة شباب حسان على النبي لوط عليه السلام كما ورد في سورة هود.

ومن أهم صفاتهم أنهم مقربون إلى الله ولا يعصونه كما تؤكد الآية {إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} [الأعراف: 206]، فالقرآن ينفي قطعاً الأساطير التي وضعها محرفو الوحي عن “سقوط ملائكة” بعد تمردهم وتحولهم إلى كائنات شريرة تشبه الآلهة التي تنافس الله تعالى وتبارزه، وقد مرت بنا هذه الأساطير في مقالي “الباطنية” و”القبالاه“. وهي مجرد تحويرات لقصة تمرد إبليس -وهو من الجن وليس ملَكاً- ومحاولة لتأليهه ووضعه في مرتبة تقابل الإله نفسه جل وعلا.

كما أكد القرآن أنهم ليسوا سوى عباد لله ينفذون أوامره، فقال {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا، سُبْحَانَهُ، بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ، لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الأنبياء: 25-27]، وذلك رداً على فئة من عرب الجاهلية الذين قالوا إن الملائكة بنات الله، وهي أسطورة تسربت إليهم من أديان وثنية أخرى رفعت مرتبة الملائكة -الذين ورد ذكرهم في رسالات أنبياء سابقين- إلى مرتبة الآلهة، فجعلوا للإله زوجة وأولادا وبناتٍ ضمن مجمعات الآلهة (البانثيون) [انظر مقال الوثنية]، كما جاء الرد في آية أخرى أكثر وضوحا ومباشرة: {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَٰنِ إِنَاثًا، أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ؟ سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ وَيُسْأَلُونَ} [الزخرف: 19].

وللملائكة درجات وأصناف ووظائف، وقد ذُكر بعضها في القرآن والسنة، ويبدو أن هناك حقائق أخرى كثيرة عنهم ولا سبيل إلى معرفتها في هذه الحياة الدنيا دون وحي، إذ يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال “أُذن لي أن أحدِّث عن ملَك من ملائكة الله تعالى من حملة العرش، ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة سنة” [رواه أبو داود والطبراني بإسناد صحيح]، فظاهر الحديث يدل على أن هناك صفات أخرى عجيبة للملائكة ولم يؤذن للنبي بأن ينقلها للبشر، غير أن ما وصلنا عن عظمة خلقهم يكفي لتصور جلال عالم الملكوت الذي يليق بجلال الله تعالى، ويكفي أن يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن أعدادهم الهائلة تملأ السماء، فيقول “إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون، أطّت السماء وحق لها أن تئط، والذي نفسي بيده ما فيها موضع أربعة أصابع إلا وملَك واضع جبهته ساجدا لله” [رواه أحمد والترمذي وابن ماجه].

وقد أسند الله تعالى إلى الملائكة وظائف عدة وردت في القرآن والأحاديث الصحيحة، ومن هذه الوظائف حمل العرش على عظمته الهائلة، والنفخ في الصور عندما تحين الساعة، وإنزال العذاب على بعض الأقوام التي استحقت غضب الله وانتقامه في الدنيا قبل الآخرة، وقبض أرواح الموتى، وتسجيل أعمال العباد من الحسنات والسيئات في صحائف أعمالهم التي ستوزن في ميزان الحساب الأخروي، وحفظ الناس من المصائب كما تقول الآية {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} [الرعد: 11]، فالملائكة يحفظون كل إنسان من أمر الله، أي بأمر الله تعالى بما لا يخالف مشيئته، فكلمة “من” تعني الباء لأن حروف الصفات يقوم بعضها مقام بعض.

والخلاصة أن هذه المخلوقات وُجدت لتنفيذ أوامر الله دون أن تكون لها إرادة المخالفة كما هو حال البشر، فالملائكة ليسوا مُكلفين لأنهم لا يملكون العصيان أصلاً كما وصفتهم الآية {لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6]، وبما أنهم في عالم الغيب فلا نملك حق الاجتهاد في تصور حقائق أخرى عن عالمهم دون أن يذكرها الوحي، كما لا نملك الحق في ادعاء المعرفة بحكمة الله في خلقهم، فهو قادر على أن يسيّر كل شؤون الكون دون وجودهم، ولعل وجودهم الخفي ابتلاء واختبار لإيماننا، فكل ما ورد عنهم في النصوص الصحيحة لا يخالف العقل، ولن يجد صعوبة في تصديقها إلا من كان قد حصر عقله مسبقاً بحدود الفلسفة المادية.

وبالطريقة نفسها يمكن للعقل التصديق بوجود كائنات خفية أخرى هي الجن، ومع أن الإيمان بوجودهم ليس معدوداَ ضمن أركان الإيمان الواردة في جواب النبي على سؤال جبريل، إلا أن الإيمان لا يكتمل إلا به، فقد ورد ذكرهم في نحو أربعين آية من القرآن الكريم، فضلا عن الأحاديث الصحيحة، بل خصص الله تعالى سورة كاملة لذكر قصة جماعة منهم استمعوا إلى تلاوة النبي للقرآن وحملت اسم “سورة الجن”.

وقد آمنت معظم الأقوام السابقة بوجود هذه المخلوقات، ولكن على تباين في الفهم والتأويل، فكثيراً ما تم الخلط بينهم وبين الملائكة كما فعل الغنوصيون والقبّاليون، كما رفعهم البعض إلى مراتب الآلهة حتى وجدنا أثراً لهم في مجامع الآلهة لدى الهندوس وغيرهم [انظر مقال الهندوسية والبوذية]، واتصل بهم السحرة على مر العصور للاستعانة بهم واكتساب بعض قدراتهم من أجل استعباد الآخرين.

ومن أهم الحقائق والصفات التي وردت في نصوص الوحي عن الجن ما يلي:

1- أنهم مخلوقون من نار، وقبل وجود الإنسان، يقول تعالى {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن صَلْصَالٍ مِّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ، وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ} [الحجر: 26- 27].

2- أنهم مُكلفون مثل البشر، وليسوا كالملائكة، لذا عصى إبليس ربه عندما أمره بالسجود لآدم، وما زال كثير من الجن يعصون الله ويتحولون إلى شياطين بإرادتهم لإغواء الناس وتضليلهم، يقول تعالى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، كما ينقل القرآن عن جماعة الجن الذين استمعوا إلى النبي فآمنوا به قولهم {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ} [الجن: 14] أي فيهم المؤمنون وفيهم الكافرون.

3- لديهم قدرات كبيرة تفوق قدرات البشر العاديين، فسخّر الله الجن لنبيه سليمان ليقوموا بأعمال البناء والغوص في المياه وصناعة الجفان والقدور الراسية والتماثيل، كما عرض أحد الجن على سليمان أن يحمل عرش ملكة سبأ بسرعة هائلة من اليمن إلى فلسطين، حيث تقول الآية {قَالَ عِفْرِيتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ} [النمل: 39].

4- يستطيعون الصعود إلى مسافات بعيدة في السماء واستراق السمع من الملائكة لمعرفة ما يخفى على الإنسان من مصاريف القدر، وهو ما أكده القرآن الكريم دون تفصيل لآلية الاستراق والمسافات التي يقطعونها، فيقول على لسانهم {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاء فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا، وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ، فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا} [الجن: 8- 9]، أي أنه بعد بدء نزول الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم لم يعد يُسمح للجن بالصعود والاقتراب من السماء كي لا يختلط الوحي بأكاذيب الشياطين، فكان كلما صعد أحدهم وجد ملائكة وشهُباً تتصدى له.

5- لا يمكن للعين البشرية المجردة أن تراهم في حالتهم الطبيعية، فتقول الآية عن الشيطان وبقية الجن {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف: 27].

6- لديهم القدرة على التشكل في أجساد مادية تراها العين البشرية، مثل أجساد الحيوانات والبشر، ومن الأدلة على ذلك حديث رواه مسلم عن صحابي قتل حية (ثعبانا) بطعنة رمح، فمات الشاب على الفور، فقال النبي “إن بالمدينة جنًا قد أسلموا فإذا رأيتم منهم شيئا فآذنوه ثلاثة أيام، فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان”.

7- لدى الشياطين -وهم كفرة الجن- قدرة على الوسوسة في صدور الناس، كما جاء في آخر سورة بالمصحف، وهي تنص على التعوذ بالله من تلك الوسوسة: {مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ، الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ، مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ} [الناس: 4-6]، ومن الواضح أن السورة ساوت بين وسوسة شياطين الإنس والجن معاً، فكلاهما يؤثر في القلب، إلا أن الشيطان الجني لا يُرى بالعين ولا يُسمع بالأذن بل تصل وسوسته إلى القلب لاشعورياً.

3– الإيمان بالكتب المنزلة:
تعرضنا في مقال “نبوة محمد” إلى حقيقة الوحي الذي كان يتنزل على النبي صلى الله عليه وسلم، كما فرغنا من إثبات صحة الوحي القرآني في نزوله وجمعه وتدوينه ونقله إلينا بالتواتر، وبالطريقة نفسها التي أنزل فيها القرآن على خاتم الأنبياء نزلت صحف وكتب أخرى على أنبياء سابقين كما أخبر بذلك القرآن والنبي نفسه.

ولا يكتمل إيمان المسلم دون إقرار جازم بنزول تلك الكتب، غير أنه لا يؤمن بصحة النسخ المتوفر منها حاليا لعدم سلامتها من التحريف والتبديل والضياع والنسيان. علماً بأننا لا نملك نصاً متواتراً من القرآن أو السنة بعدد كل الكتب المنزلة ولا بأسمائها وأسماء الأنبياء الذين تلقوها، لذا فالمطلوب من المسلم أن يؤمن بها إيماناً مجملاً، وأن يؤمن بما جاء ذكره في النص المتواتر.

أما الكتب التي وردت في القرآن الكريم فهي صحف إبراهيم، والتوراة المنزلة على موسى، والزبور المنزل على داوود، والإنجيل الذي أنزل على عيسى.

لكن هناك نصوصاً غير مؤكدة ذكرت كتباً أخرى، ومنها الحديث الذي روي عن أبي ذر عندما قال يا رسول الله كم كتابا أنزل الله؟ قال: “مئة كتاب وأربعة كتب، أنزل الله على شيث خمسين صحيفة، وعلى أخنوخ (إدريس) ثلاثين صحيفة، وعلى إبراهيم عشر صحائف، وأنزل على موسى من قبل التوراة عشر صحائف، وأنزل التوراة، والإنجيل، والزبور، والفرقان…” [أخرجه ابن حبان وصححه لكن الجمهور على تضعيفه].

وبما أن هذا الحديث غير مؤكد الثبوت، فقد يكون من الروايات الإسرائيلية المنسوبة إلى النبي، وهذا يعني أنه لا يمكن الجزم بما جاء فيه ولا نفيه، والمسلم ليس مُطالبا بالإيمان بنزول تلك الكتب، ويكفيه الإيمان بنزول ما ثبت نزوله بالنص المتواتر.

{وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس: 37:].

4- الإيمان بالرسل:
أوضحنا في مقال “نبوة محمد” حاجة الإنسان للنبوة، وبما أننا أثبتنا فيه أيضا صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فإن من مقتضيات إيماننا بصدقه التصديق بوجود ونبوة كل من سبقه من الأنبياء. وهناك خلاف بشأن عدد الأنبياء والرسل لأننا لا نملك نصاً متواتراً يعددهم، فكل ما نجده في هذا الباب أحاديث غير مؤكدة وهي تشير إلى أن عدد الرسل بلغ 315 رسولاً، وأن عدد الأنبياء كان 124 ألفاً، وقد يكون العدد الصحيح أكثر أو أقل.

أما الذين يجب على المسلم الإيمان بهم فهم الذين ذُكروا في القرآن الكريم، وعددهم 25 فقط، وهم آدم وإدريس ونوح وهود وصالح وإبراهيم ولوط وإسماعيل وإسحاق ويعقوب ويوسف وشعيب وأيوب وذو الكفل وموسى وهارون وداود وسليمان وإلياس واليسع ويونس وزكريا ويحيى وعيسى ومحمد صلى الله عليهم وسلم.

وللتمييز بين النبي والرسول هناك رأيان:
الأول: النبي هو الإنسان الذي اصطفاه الله من عباده بالوحي إليه، فهو يُخبِر بالغيبيات التي ينبئه بها الوحي، أما الرسول فهو النبي الذي يكلفه الله بتبليغ رسالته وشريعته للناس، وكلاهما يحملان نفس الصفات إلا أن الرسول يتميز عن النبي بكونه مُكلفا بالتبليغ.

الثاني: الرسول هو الذي يبعث إلى الأمة مستقلاً، والنبي هو الذي يبعث تابعاً لغيره، مثل أنبياء بني إسرائيل الذين كانوا تابعين للرسول موسى عليه السلام فكانت مهمتهم هي التذكير بما جاء به موسى دون الإتيان بشريعة جديدة.

ويتفق الرأيان على أن كل رسول نبيا، ولكن ليس كل نبي رسولا.

وفيما يلي موجز لأهم صفات الرسل:
1- الحكمة والنباهة والفطنة، فهم يتمتعون بقدرات عقلية ونفسية كبيرة للقيام بمهمة التبليغ والإقناع والمجادلة، فمع أن الذي يميزهم عن الحكماء والفلاسفة هو أنهم يتلقون معرفتهم من الوحي الإلهي إلا أنهم يملكون أيضا الملكات العقلية التي يملكها كبار العقلاء ويتفوقون بها عليهم.

2- كمال الأخلاق والعصمة عن الذنوب، وقد تتبع علماء العقيدة سيَر حياة الأنبياء والرسل ووجدوا أنهم معصومون قبل البعثة عن الذنوب الكبيرة والصغيرة دون الهفوات الناجمة غالبا عن نسيان (مثل نسيان آدم وأكله من الشجرة) أو خطأ (مثل دفاع موسى عن أحد الإسرائيليين المستضعَفين من قبل جندي مصري فضربه موسى فقتله بالخطأ)، لا سيما وأن الأنبياء غالبا ما يُبعثون في بيئة لا يكون فيها الشرع محفوظا حتى يُحتكم إليه أصلاً، فلا يكون الذنب محدداً قبل البعثة، أما بعد البعثة فهم معصومون عن كل الذنوب، مع احتمال وقوع خطأ في التقدير كما يخطئ المجتهد، وذلك عندما لا ينزل الوحي ليرشدهم إلى التصرف المطلوب في نازلة بعينها، مثل اجتهاد النبي محمد صلى الله عليه وسلم وسماحه للمنافقين بعدم الخروج معه للقتال لأن الوحي لم يخبره بما ينبغي فعله، فنزل الوحي لاحقا ليقول له {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} [التوبة: 43]، ولعل الحكمة من تأخر الوحي هي إثبات بشرية النبي أمام أتباعه، فهو ليس إلهاً يشرّع بنفسه دون وحي كما ظن بعض أتباع عيسى عليه السلام، كما أنه لا يخفي شيئا مما ينزل به الوحي حتى لو كان متضمنا عتاباً له، وهذا من تمام أمانته وعصمته عن الكذب. والعصمة هبة من الله للرسل كي يمثلوا بسلوكهم القدوة الحسنة للناس.

3- الحفظ من العيوب المنفرة، فمع أن الله تعالى لم يحفظ رسله من الفقر والمرض وإيذاء الظلمة، إلا أنه لم يعرضهم للإهانة والإذلال الشديد والأمراض المنفرة والخلقة المشوهة.

كان السفهاء يتعجبون من كون الرسل بشراً مثلهم فيقولون {إن أَنتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا}، فيكون الرد {قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّأْتِيَكُم بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [إبراهيم: 10 و11]، فبشرية الرسل ليست نقيصة في حقهم، بل هي حجة على خصومهم بعد أن بيّن الله للناس عبر رسله النموذج العملي لما ينبغي أن تكون عليه أعمالهم وسلوكهم وطريقة عيشهم.

5- الإيمان باليوم الآخر:
الإيمان بالبعث والحساب هو من مقتضيات الفطرة التي تقر بوجود غاية وراء قصة وجودنا، فالإنسان في كل مكان وزمان يجعل لحياته هدفا وغاية، حتى لو كانت دنيوية، أما من يتأمل في الغايات الأبعد ولا يسمح لمجريات الحياة اليومية بأن تشغله عن الهدف الأسمى فلا بد أن يجد إلحاحاً شديداً في نفسه لوجود نهاية عادلة لحياة البشر بأسرها. فمهما اجتهد الإنسان في تحقيق العدل لأجله ولأجل الآخرين، فستظل هذه الحياة الدنيا ناقصة، بل غالبا ما يكون الظلم هو السائد في حياة البشر باستثناء فترات عدل قصيرة للغاية دوّنها التاريخ، فضلا عن النقص في الرزق والصحة وما يطمح إليه الإنسان من رخاء وراحة.

يقول تعالى {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ، فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيم} [المؤمنون: 115- 116]، فالآية الأولى تنفي العبث وتؤكد البعث، والآية التالية تربط بين إثبات البعث وبين علو الله تعالى، فلا يليق بإله ملك حقٍّ عظيم أن يخلق هذه الحياة بكل ما فيها من تعقيد دون أن يجعل لها نهاية عادلة. وفي القرآن آيات عديدة تثبت هذا المعنى في صيغة سؤال استنكاري، فهي تؤكد مراراً وتكراراً أن من يتأمل قليلاً في هذه الحياة وبعيداً عن مشاغلها لا بد أن يدرك أن العدل لا يتحقق إلا بالبعث والحساب.

وقد جعل الله للساعة (الساعة الأخيرة) أمارات (علامات) تدل على قربها، ومنها علامات صغرى وأخرى كبرى، أما الأولى فنذكر منها بعض ما جاء في الأحاديث الصحيحة، وأهمها: “أن يُرفع العلم، ويكثر الجهل، ويكثر الزنا، ويكثر شرب الخمر، ويقل الرجال ويكثر النساء، حتى يكون لخمسين امرأة القيم الواحد” [رواه البخاري ومسلم]، وحديث: “لا تقوم الساعة حتى يكثر المال ويفيض، حتى يخرج الرجل بزكاة ماله فلا يجد أحدا يقبلها منه، وحتى تعود أرض العرب مروجا وأنهارا” [رواه مسلم].

أما الأمارات الكبرى التي ستحدُث في المرحلة الأخيرة من هذه الدنيا، فقد رُويت بشأنها الكثير من الأحاديث غير المؤكدة والقصص المنقولة عن أتباع أديان سابقة (الإسرائيليات)، إلا أننا سنوجز ما جاء عنها في النصوص الصحيحة فقط، وهي:

1- الدخان، وهو أمر مثبت في حديث صحيح دون توضيح، أما تفاصيله فوردت على ألسنة عدد من كبار الصحابة، والراجح أنه دخان يخرج في مرحلة قريبة جداً من الساعة، فيأخذ المؤمن كهيئة الزكام، وأما الكافر فيهيجه.

2- خروج الدابة، وهي المذكورة في قوله تعالى {وَإِذَا وَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَابَّةً مِّنَ الْأَرْضِ تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ النَّاسَ كَانُوا بِآيَاتِنَا لَا يُوقِنُونَ} [النمل: 82]، وهناك روايات كثيرة وغير مؤكدة تتحدث عن صفاتها، ولا نعلم بالضبط ترتيب خروجها من بين أمارات الساعة.

3- خروج الدجال الذي يدّعي الربوبية، ويكون متمتعاً ببعض الصفات الخارقة، ويتبعه أناس كثيرون افتتانا بقدراته.

4- نزول عيسى عليه السلام من السماء، وهلاك الدجال على يده، وإعادة العمل بسنة النبي محمد وشريعته، وبيان أن عيسى لم يكن كذاباً (كما زعم اليهود) ولا إلهاً (كما زعم النصارى).

5– خروج قبائل يأجوج ومأجوج وإفسادهم في الأرض، ثم هلاكهم في حياة عيسى عليه السلام.

6- طلوع الشمس من مغربها.

7- ثلاثة خسوف في الأرض، في المشرق والمغرب وجزيرة العرب، دون تحديد دقيق لموقع كل منها.

8- خروج نار من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم، والمقصود هو مطاردة من بقي حياً في شبه الجزيرة العربية إلى أرض الشام ليموتوا هناك قبل البعث، ولا ندري إن كان هؤلاء هم الأحياء الوحيدون على الأرض أم أن هناك شعوباً أخرى تعيش في بقية العالم وستُحشر إلى الشام أيضا أو ستموت في بلادها.

وفي النهاية، سيموت الجن والملائكة أيضا تصديقا للآية: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88]، ولا يبقى إلا الحي الديان قبل البعث والحساب، وسيكون البعث جسدياً ومادياً وليس للأرواح فقط، حيث قال ابن عباس “قام فينا النبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال إنكم محشورون حفاة عراة غرلاً، كما بدأنا أول خلق نعيده (الآية)، وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم” [رواه البخاري]، ثم يكون المصير إما إلى الجنة وإما إلى النار.

والجنة والنار مكانان حسّيان عظيمان، لا نعرف أين موقعهما اليوم وهل هما خارجان عن الكون أم داخله، فهما في عالم الغيب الذي لا يمكن للعقل ولا لأدوات العلم التوصل إلى تفاصيل بشأنهما، وقد اكتفى الوحي بإخبارنا ببعض صفاتهما، فللجنة درجات يرتقي فيها أصحابها حسب مقاماتهم عند الله، وأعلاها الفردوس، وفيها من النعيم “ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر” [رواه البخاري ومسلم]، وللنار أيضا دركات ينحط فيها أصحابها حسب معاصيهم وتمردهم، وقد وصفت بعض الآيات والأحاديث شيئا من عذابها الأليم لتحذير الخلائق، ونرجح أن بعض المؤمنين العصاة قد يدخلونها مؤقتا ثم يخرجون ويدخلون الجنة، تصديقا لظاهر قوله تعالى {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ * خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} [هود: 106-107]، حيث فسّر الاستثاءَ كثيرٌ من العلماء بأنه للعصاة الذين يخرجون من النار بشفاعة الأنبياء، وسنناقش بالتفصيل في مقال “الأسئلة الوجودية الكبرى” أهم التساؤلات التي تُطرح حول مسائل الخلود في النار وشدة عذابها.

6- الإيمان بالقدر خيره وشره:
لا يكتمل إيمان المسلم ما لم يؤمن بالقضاء والقدر، وفيما يلي تعريف لكل منهما:

القول الأول: القضاء هو إرادة الله الأزلية المتعلقة بالأشياء، والقدر هو إيجاد الله للأشياء بما يتوافق مع القضاء. فمثلا: قضى الله تعالى في الأزل أن يخلق الأرض، ثم قدّر أن يخلقها في زمن ما.

القول الثاني: هو عكس الأول، فالقضاء هو خلق الأشياء، والقدر هو إرادة خلق الأشياء على مقدار محدد قبل أن تُخلق.

والإيمان بهذا الركن الأخير من أركان الإيمان يقتضي أن يقر الإنسان بحكمة الله وصفاته على النحو التام المطلق، فلا يداخل قلبه شك في أن يكون عِلمُ الله محيطا بكل شيء من الأزل، وأن تكون إرادته محررة من القيود التي تقيد إرادتنا، وأنه قادر على فعل ما يشاء، وأن له حكمه وغاية في كل شيء سواء علمنا ذلك أم لا، وسواء كان ذلك يوافق رغباتنا أم لا، وأنه عادل لا يظلم أحداً حتى لو كان في قضائه وقدره ما يؤلمنا، ففي الإطار العام للخلق والأحداث تتحقق الحكمة والعدل، حتى لو تأجل استكمال العدل إلى الحساب الأخروي.

وسنعالج في مقالنا الأخير “الأسئلة الوجودية الكبرى” بإذن الله تفاصيل التساؤلات التي قد تطرأ على الذهن فيما يتعلق بالحكمة والغاية والعدل، وما يتعلق أيضا بالجانب العملي للإيمان بالقضاء والقدر.

نواقض الإسلام
تتضمن كل الأديان محددات وشروطا لا بد منها ليتحقق الإيمان، ومن ثم فإن الإخلال بأي منها يُعد نقضا للإيمان بطبيعة الحال، وقد ذكرنا حديث عمر بن الخطاب الذي سأل فيه جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن أركان الإيمان والإسلام، ومن المنطقي أن نقر بأن عدم التصديق بأي من هذه الأركان يعد كفرا وخروجا من الدين.

وقد خاطب القرآن اليهود في إحدى المناقشات حول تحريفهم للتوراة بقوله {أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ، فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ} [البقرة: 85]، فمن ينكر جزءا أصيلا مما جاء به الوحي ومما هو معلوم من الدين بالضرورة لا يمكن أن يكون مؤمناً، لأن هذا يقتضي تكذيب الوحي أصلاً، إذ لا يمكن منطقياً الاعتقاد بأن الوحي الإلهي يجمع بين الصدق والكذب، فإما أن يكون إلهياً ومن ثم صادقاً في كل أجزائه وتفاصيله، وإلا فهو ليس منزهاً ولا إلهي المصدر.

ينبغي الانتباه إلى أن لفظ الكفر ليس شتيمة كما هو شائع في عصرنا، حيث يحاجج البعض من غير المسلمين بأنهم ليسوا كفاراً حتى بالنسبة للمسلمين، مع أن المسلمين بالنسبة لهم كفار أصلاً، فالكفر علاقة نسبية، وهي تعني عدم الإقرار بعقيدة معينة. لذا وصف القرآن الكريم كل مؤمن بالله بأنه كافر بالطاغوت، وليست هذه شتيمة للمؤمن طبعا، فقال تعالى {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 256].

ونواقض الإيمان والإسلام في الأصل أمور اعتقادية، وبما أن الاعتقاد يتعلق بالقلب الذي لا يمكن الكشف للآخرين عنه إلا بإرادة صاحبه، فإن هناك مظاهر خارجية يمكنها أن تعكس الاعتقاد الباطني، فإذا ثبتت في الظاهر جرت على صاحبها أحكام الخروج من الدين، وإلا فيُعامل معاملة المسلم طالما كان يزعم انتسابه للإسلام، ويكون عند الله منافقاً لو لم يكن صادقاً، ويبقى أمر حسابه على الله.

وبناء على ما سبق، نقسم نواقض الإسلام إلى ثلاثة أقسام نوجزها كما يلي:
1- النواقض الاعتقادية: وتتضمن إنكار الإيمان بأيٍّ من أركان الإيمان الستة، أو إنكار أي من أركان الإسلام الخمسة، أو إنكار أي حكم شرعي معلوم من الدين بالضرورة، مثل إنكار تحريم الربا والزنا وعقوق الوالدين وغير ذلك من المحرمات التي ثبت بالنصوص المتواترة أنها محرمة قطعاً. وكذلك الاعتقاد بتحريم ما أحله الله، مثل تحريم أكل الذبائح المذكاة. فمن أنكر المباحات القطعية أو أحل المحرمات القطعية فقد خرج من الإسلام حتى لو لم يمارس ما يعتقده، لأن اعتقاده هذا يخالف نصوص الوحي قطعية الدلالة التي لا تقبل التأويل والاحتمال.

2- النواقض القولية: وهي من علامات الكفر الظاهرية، وتشمل كل قول يقر فيه صاحبه بعقيدة تناقض الإسلام أو تجحد بعقيدة معلومة من الدين بالضرورة أو تستهزئ بالدين أو بعقائده وأحكامه، وكذلك من سبّ أحد الرسل أو الكتب المنزلة، أو اعترض على عدل الله. ولا يعد مجرد النطق بذلك كفراً ما لم يكن صادراً عن وعي، فقد يفقد المسلم وعيه تحت وطأة الغضب الشديد أو يتعرض للإكراه فلا يكون مسؤولا على كل ما ينطق به، حيث تقول الآية {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ، وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل: 106].

3- النواقض الفعلية: وهي أيضا من علامات الكفر الظاهرية، ومن أمثلتها السجود لصنم أو لإنسان، وتمزيق المصحف مع قرينة الإهانة، وتعليق صليب على الصدر مع قرينة التقديس، وكذلك تعليق أيقونات عبدة الشيطان مع قرينة تؤكد اتخاذها عن عقيدة وليس لمجرد التقليد الأعمى أو الجهل.

ويجدر بالذكر أن الكفر درجات كما هو حال الإيمان أيضاً، حيث تقول الآية عن بعض المرتدين عن الإسلام {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ} [آل عمران: 90]، فهناك من يزداد كفراً بعد كفره، والمقصود بعدم قبول توبته هو أن توبته من الذنوب لن تغنيه طالما ظل على الكفر، فمن كان على علم بالإسلام وممارساً لشعائره ثم ارتد وصار معاديا له فهو أشد كفرا ممن لم يعتنق الإسلام بعد، لأن الحجة قامت عليه أصلا وتبين له صدق الإيمان والوحي.

أما من لم تصلهم رسالة الوحي، أو بَلَغتهم مشوهة ومحرفة، كما هو حال ملايين البشر الذين لا يسمعون عن الإسلام إلا أنه دين إرهاب وظلم، فتجري عليهم أحكام غير المسلمين في الدنيا بطبيعة الحال لكن أمرهم يوكل إلى الله في الآخرة، وقد وعد سبحانه بأنه لن يظلم أحداً مثقال ذرة، ومن تمام عدله ألا يحاسب هؤلاء كما سيحاسب من بلغته الرسالة وقامت عليه الحجة فرفضها، وأن يكون لكل شخص حساب خاص بحسب عقله وبيئته وظروفه وعوامل أخرى لا نعلمها، فلا يحق لنا أن نجزم بمصير أحد، بل نكتفي بالإقرار بعدل الله ورحمته.


أهم المراجع
عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني، العقيدة الإسلامية وأسسها، دار القلم، دمشق، 1979.

أحمد بن حجر العسقلاني، فتح الباري شرح صحيح البخاري، تحقيق محب الدين الخطيب، دار المعرفة، بيروت، 1959.

إسماعيل التيمي الأصبهاني، الحجة في بيان المحجة وشرح عقيدة أهل السنة، تحقيق محمد بن ربيع المدخلي، دار الراية، الرياض، 1999.

أبو جعفر الطحاوي، العقيدة الطحاوية شرح وتعليق، تحقيق محمد ناصر الدين الألباني، 1974.

يحيى هاشم فرغل، مداخل إلى العقيدة الإسلامية، دار ناصيف، دمشق، 1985.

ناصر عبد الكريم العقل، مباحث في عقيدة أهل السنة والجماعة، دار الوطن للنشر، الرياض، 1992.

Author

التعليقات

تعليقات

0 ردود

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك رد