هيكل سليمان المزعوم

يعتبر الهيكل عند الشّعب اليهودي بمثابة الكعبة عند المسلمين، ولذا فهم يعملون ليلاً نهاراً لإقناع العالم بحقِّهم في التنقيب عن الهيكل والذي يعتقدون أنه يقع تحت المسجد الأقصى المبارك، وعمليات تهويد مدينة القدس عامة والتَنقيب تحت الأقصى  خاصَّة ما زالت مستمرَّة وتزداد كل يوم.

وما زال الصهاينة بهذه الحجَّة يزيلون الأحياء السَّكنية المنتشرة حول المسجد الأقصى، ومازالت الجرَّافات الإسرائيليَّة منذ عام 1967 وهي تمارس أشدَّ أنواع التَّخريب والإرهاب في حقِّ المقدَّسات الإسلاميَّة.

في التراث الإسلامي؛ بنى سليمان المحاريب لعبادة الله وحده لا شريك له ـوليس هيكلاً ليسكن فيه الرَّب كما زعم اليهودـ منذ حوالي ثلاثة آلاف سنة ، والدليل قوله تعالى: {وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب} [ص:21] وقوله تعالى: {يعملون له ما شاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب} [سبأ:13].

وجاء في سفر الملوك الأوَّل أنَّ العمل انتهى في البيت في عام 763 ق.م، أي بعد 480 سنة من الخروج من مصر، فالخروج تمَّ في حدود سنة 1237ق.م، وذلك يعني أن الهيكل بدأ بناؤه سنة 757ق.م تقريباً، ووفاة سليمان كانت في حدود عام 910ق.م على اختلاف بين المصادر في ذلك، ولكن كل المصادر ذكرت سنة الوفاة بحدود هذا العام، أي أن البيت على فرض وجوده بني بعد وفاة سليمان بأكثر من 150 سنة.

رسم تخيلي لهيكل سليمان (Israel Truths)

وهيكل اليهود كما جاء في التَّاريخ -إذا سلمنا جدلاً بوجوده- لم تدل على أنَّه ما زال موجوداً أي أدلَّة، بل بالعكس جاءت أدلَّة على تدميره، فضلاً عن أنَّ مكانه -على فرض وجوده- غير محدد، والآثار والجغرافيا تثبت ذلك كما سنرى. والذي جاء في المصادر التَّاريخيَّة أنَّه عندما انتهى سليمان من بناء البيت (وليس الهيكل) تضرَّع إلى الله ليحفظ البيت ويديم ملك إسرائيل، فأخبره الله بأنَّه لن يفعل ذلك إلَّا إذا حفظ اليهود عهدهم مع الله والتزموا بشرعه ووصاياه، وإلا فإنَّه سوف يدمِّر البيت ويشتِّت بني إسرائيل.

ولمَّا عاد اليهود إلى كفرهم وعنادهم وقتلهم لأنبياء الله وعبادة الأوثان في الهيكل أرسل الله إليهم من ينذرهم ويحذِّرهم من الأنبياء وأخبروهم بأنَّ الله سيدمِّر الهيكل ويسلِّط عليهم من يسومهم سوء العذاب، وأخبروهم كذلك بالسَّبي البابلي لهم وأنَّهم إذا تابوا بعد السَّبي سوف يعيدهم الله إلى فلسطين مرَّة أخرى، وقد وقع كلُّ هذا فدمَّر الملك البابلي نبوخذ نصَّر (بختنصر) الهيكل وأحرقه وسبى اليهود إلى بابل، ثمَّ عادوا إلى القدس وبنوا الهيكل مرَّة أخرى في عهد قورش ملك فارس، ثمَّ تمَّ تجديده من قبل هيرودس في عام 20ق.م وبقي اليهود هكذا حتَّى أرسل الله المسيح عيسى بن مريم عليه الصَّلاة والسّلام، فوجدهم قد اتَّخذوا الهيكل سوقاً للصِّرافة والتَّعامل بالرِّبا وملهى لسباق الحمام ومعبداً للأوثان فطرد اليهود منه وأخبرهم بأنَّ الله سوف يدمِّر لهم الهيكل.

جاء في العهد الجديد أيضاً: “يا أورشليم يا قاتلة الأنبياء وراجمة المرسلين إليها كم مرة أردت أن أجمع أولادك كما تجمع الدجاجة فراخها تحت جناحيها و لم تريدوا هو ذا بيتكم يترك لكم خرابا” [إنجيل متى: 23/ 37ـ 38].

وجاء أيضاً: “ثم خرج يسوع ومضى من الهيكل فتقدم تلاميذه لكي يروه أبنية الهيكل فقال لهم يسوع أما تنظرون جميع هذه الحق أقول لكم إنه لا يترك ههنا حجر على حجر لا ينقض” [إنجيل متى: 24/ 1ـ 2].

والملاحظ أن عيسى عليه السلام لم يخبرهم بأنَهم سوف يعيدون بناء الهيكل وإنما أخبرهم بأنه سوف يتهدَّم فقط، وهذا وإن دلَّ على وجود الهيكل فإنه ينفي إمكانيَّة العثور عليه أو على مكانه.

وتحقَّق كلام عيسى عليه السلام، ففي عام 70م هجم تيطس الرُّوماني على القدس ودمَّر الهيكل كما جاء تاريخيَّاً ولم يُبق حجراً على حجر، وقتل أعداداً كبيرة وتشرَّد اليهود بعدها في البلاد وتشتَّتوا في أنحاء العالم، ثم فتح عمر بن الخطَّاب رضي الله عنه القدس وحرَّرها من الإمبراطورية الرومانية البيزنطية، وظلَّت القدس تتبع للمسلمين حتّى عام 1967م عندما احتلَّ اليهود المدينة، وكان ذلك بتدبير ومساعدة من الإنكليز النصارى ضمن وعد بلفور الذي منح لليهود قبيل الحرب العالمية الأولى عام 1917م، حيث تعهدت خلاله بريطانيا بإقامة وطن قومي لليهود، وقد اقترحت بريطانيا على اليهود في البداية أن تعطيهم أوغندا بدلاً من فلسطين ولكنهم رفضوا لاعتقادهم بأن فلسطين هي أرض المعاد لا أوغندا، وبعد أن تمكن اليهود من إعلان الدولة اليهودية برعاية أمريكية أخذوا يطالبون بحدودها ما بين الفرات والنيل.

وزعموا بعدها أن أنبياء بني إسرائيل أخبروهم بأنَّهم سوف يبنون الهيكل للمرَّة الثَّالثة -على حدِّ زعمهم- التي ستكون بعد العودة من الشَّتات، وهذا برأيهم تحقَّق بعد إعلان قيام الدَّولة اليهوديَّة سنة 1948، وهذا الزَّعم لم يأتِ في توراتهم أبداً وإنَّما الذي جاء أنَّهم يبنونه بعد السَّبي البابلي فقط.

ومنذ 1967م تتواصل الحفريات الإسرائيلية تحت المسجد الأقصى المبارك، وهي مستمرة حتى الآن ولكن كل ما وجدوه هو آثار أموية، وقد تبنت الجامعة العبرية التنقيبات برئاسة البروفيسور بنيامين مزار، وتمت على مراحل عدة متسببة بإحداث تشققات في جدران المسجد.

ومن وقتها مازالوا يسعون بأيديهم وأرجلهم لإقناع العالم بحقِّهم في البحث والتَّنقيب عن الهيكل وبالتَّالي هدم المسجد الأقصى المبارك، لا سيما عن طريق الأمم المتَّحدة التي سيطرعليها اليهود فلم تعد قادرةعلى فعل شيء إلَّا ضمن مصالح اليهود الذين صوَّروا للعالم بأنَّهم مظلومون،  وخاصَّة بعد المحرقة التي قام بها هتلر لليهود في ألمانيا النَّازيَّة إبان الحرب العالميَّة الثَّانية، والتي يشكك كثير من الباحثين بأرقام ضحايا المبالغ فيها.

يهود أرثوذكس يتجمعون للصلاة عند حائط البراق (المبكى) وهو جزء من الجدران الخارجية للمسجد الأقصى

حائط المبكى
هو الحائط الغربي من الحرم القدسي، ويسمِّيه المسلمون حائط البراق، ومنه عرج النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى السَّماء في حادثة الإسراء والمعراج.

يزعم الصهاينة اليوم أنه جزء من السُّور الخارجي للهيكل حتى جعلوه من أقدس مواقعهم اليهودية في الوقت الحاضر، ولم تكن له تلك الأهميَّة قبل وعد بلفور وإنما كان يحظى ببعض الزيارات المتقطِّعة، ثم عظمت الصهيونيَّة هذا المكان في أعين اليهود.

اختلفت الرِّوايات في سبب تسميته بهذا الاسم، فقيل لأن الصَّلوات عنده تأخذ شكل عويل ونواح، وقيل في إحدى الأساطير اليهوديَّة أنَّه سمِّي بذلك الاسم لأنه كان يذرف دمعاً يوم هُدم على يد تيطس.

يبلغ طوله 49 متراً وارتفاعه 12 متراً، وبالرَّغم من ترسُّخ صورة حائط المبكى في الوجدان اليهودي والصهيوني فإنَّ الحاخام هيرش الذي يعيش في القدس على بعد أمتار من الحائط يرفض زيارته ويؤكِّد أنَّ تقديس الحائط ما هو إلَّا حيلة من الحيل السِّياسيَّة للصهيونيَّة.

الجغرافيا والآثار
رأينا سابقاً الطَّريقة التي بنى بها سليمان الهيكل المزعوم كما جاءت في العهد القديم، ورأينا أيضاً الأرقام الدقيقة التي نقلت عن الهيكل.

ترى التَّوراة بنسختها المتوفرة اليوم أن الهيكل بني على بقعة سهليَّة في بيت المقدِس، فإذا قارنا بين المساحة الجغرافيَّة الحقيقيَّة في البيت المقدس وبين المساحة التي بني عليها الهيكل نجد أنَّه لا توجد بقعة سهليَّة في بيت المقدس تسع لبناء هذا البيت المزعوم، وذلك للطَّبيعة الجبليَّة التي تتميَّز بها القدس، فالمساحة المزعومة في التَّوراة لا تتطابق مع المساحة الجغرافيَّة لبيت المقدس، ويكفي أن ترجع إلى الإصحاح السَّادس من سفر الملوك الأوَّل لتلاحظ ذلك، ولك أن تجمع عدد الأذرع التي جاءت في ذلك الإصحاح لترى حجم المساحة الكبيرة التي بني عليها الهيكل ورواقه، هذا عدا مرابط الخيول التي بنيت خارج هذا الهيكل وبيت سليمان الذي بناه ليسكن فيه ورواقه، فمن غير المنطقي اندثار بناء بهذا الحجم تحت التُّراب فلا يبقى من آثاره شيء، بالرَّغم من الزعم بأنه أُعيد بناءه أكثر من مرَّة، مع العلم بأنَّ مدينة القدس لم تُهجر ولم تخل من السُّكان لفترات طويلة حتى يقال بإمكانيَّة اندثاره إذا قلنا بوجوده.

وترى التَّوراة المحرَّفة أن الهيكل بني من الحجارة الصحيحة وخشب الأرز المستورد، وأنَّ الذين شاركوا في بنائه بلغوا 30 ألف مسخَّر من العبيد، وهذا يعني أن الحجارة كانت موجودة وجاهزة عند بناء الهيكل، وكأنهم نزعوها من بيوت مهجورة، وتدل على ذلك كلمة مقتلعة.

جاء في العهد القديم: “والبيت في بنائه بني بحجارة صحيحة مقتلعة ولم يسمع في البيت عند بنائه منحت ولا معول ولا أداة من حديد” [سفر الملوك الأول: 6/7]. في حين أننا نجد في نصوص أخرى أن الحجارة كان ينحتها بناؤو سليمان وكان له سبعون ألفاً ممن يحملون الأحمال وثمانون ألفاً يقطعون في الجبل، حيث جاء في العهد القديم: “فنحتها بناؤو سليمان وبناؤو حيرام والجبليون وهياؤو الأخشاب والحجارة لبناء البيت” [سفر الملوك الأول: 5/18].

وجاء في مكان آخر: “وكان لسليمان سبعون ألفاً يحملون أحمالاً وثمانون ألفاً يقطعون في الجبل” [سفر الملوك الأول: 5/15]. وهذا كله تناقض في العهد القديم.


أهم المراجع

الكتاب المقدس: العهد القديم والعهد الجديد.

خطر التوراة على الكتّاب العرب المحدثين، فضل بن عمار العماري، مكتبة التوبة، الرياض، ط: الأولى، 1419 هـ، 1998م.

القرآن والتوراة، حسن الباش، دار قتيبة، د/ط.

المدخل لدراسة التوراة والعهد القديم، محمد علي البار،الدار الشامية، بيروت، ط:الأولى، 1410هـ، 1990م.

التاريخ اليهودي العام، صابر طعيمة، دار الجيل، بيروت، ط: الثالثة، 1411هـ، 1991م.

موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، عبد الوهاب المسيري، دار الشروق، ط: التاسعة، 2009م.

خدعة هرمجدون، محمد إسماعيل المقدّم، دار بلنسية، ط: الأولى، 2003م.

أورشليم قاتلة الأنبياء، محمود الشرقاوي، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، د/ط.

المجتمع اليهودي، زكي شنودة، مكتبة الخانجي،القاهرة، د/ط.

الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة مانع بن حماد الجهني، دار الندوة العالمية، ط:الرابعة، 1420هـ.

بيان لإخواننا المسلمين البراق قطعة من المسجد الأقصى، من دون ذكر اسم المؤلف، دار الأيتام بالقدس.