كيف يُروج للإلحاد في الرسوم المتحركة والألعاب الإلكترونية؟

تعيش المجتمعات الإسلامية حاليّاً مرحلة من الانفتاح غير المنظّم على كل التقنيات الحديثة، مما أدّى إلى إحداث فوضى والاختراق الفكري في عقول الجيل المسلمين، ولم يترك الملحدون وسيلة يمكن أن تصل إلى المسلمين إلا واستغلوها لبثّ أقوالهم وأفكارهم فيها، حتى إنك تراها في الألعاب الإلكترونية والتطبيقات الرقميّة وغيرها من الوسائل، مما يظهر أن هناك مجهودات كبيرة في تصميمها، والملايين من الدولارات المخصصة لترويجها، وهذا يظهر أن شبكات الإلحاد مستعدة لصرف الملايين لحرف الناس والترويج لأفكارهم.

الألعاب الإلكترونية والترويج للباطل

 اتجه الملاحدة إلى بث فكرهم في الألعاب عن طريق وضع رسائل مشفرة وخفية بها، ومن هذه الألعاب لعبة Assassin’s Creed التي تعني عقيدة القتلة، وقد اتخذ مروّجو اللعبة شعار حرف (A) الذي هو في الوقت ذاته شعار الإلحاد، كما أن اللعبة تحتوي في داخلها على العديد من العبارات التي تروّج لإبطال الدين والإيمان بالمطلق، مثل “عندما ينشغل الناس بالحقيقة فتذكر دائمًا أنه لا توجد حقيقة”،  ومثل عبارة “عندما يقيّد الناس بالأخلاق والشرائع تذكر دائمًا أن كل شيء مباح”.

شعار إحدى الألعاب الإلكترونية

بنيت هذه اللعبة على تفاصيل ومراحل كثيرة، وفي أحد أجزائها تدور الأحداث حول “تفاحة عدن” حيث يقصَد بها شيفرة حرية الإرادة، وبالسيطرة عليها تستطيع السيطرة على عقول البشر،  تدور المنافسة بين طرفين هم القَتلة وفرسان المعبد،  حيث يحرس القتلة التفاحة ويمنعون فرسان الهيكل من الحصول عليها بهدف الحفاظ على حرية إرادة البشر.

إن المسألة هنا لم تعد مسألة تسلية وإنما تجلٍّ للصراع بين المؤمنين بحرية الإرادة وبين من يرى الإنسان خاضعًا للتفاعلات الكيميائية، وهذه المشكلة بحد ذاتها معضلة فلسفية كبيرة عند الملحدين والماديين، فهم ينفون للإنسان حرية الإرادة، إلا أن الإرادة الحرة في هذه اللعبة ليست إلا “كود جيني” فلو استطاع الإنسان تعديله بالهندسة الوراثية فإنهم –كما يروّجون- سيكونون قادرين على إلغاء حرية الإرادة الإنسانية، لأن حرية الإرادة هي أساس الشر في العالم.

إلى جانب هذه اللعبة نرى أيضًا لعبة Fortnite المليئة بالرسائل الخفيّة، حيث يمارسها اللاعب لساعات طوال يختلي فيها مع أشخاص يحادثهم حيث يروّجون لأفكار الإلحاد، فضلاً عن الترويج لبعض العقائد الوثنية القديمة كرقصة عُبّاد الشمس. 

الألعاب والحض على التأليه

  وقد ظهرت في الآونة الأخيرة ألعاب أخرى أكثر صراحة في نشر أفكارها الإلحادية دون تلميح كالألعاب السابقة مثل لعبة  Doodle godحيث إن شعار هذه اللعبة مكوّن من مثلث بداخله العين الماسونية، وتنطلق اللعبة من المقولة الآتية “أطلق العنان لإلهك الداخلي وأنشئ الكون”، ومن هنا فإن فكرتها قائمة على تجسيد اللاعب ليكون هو (الإله) الذي يقوم بدور خلق الحيوانات والأدوات والعواصف والبراكين، ولا ريب أن في ممارسة هذه اللعبة حرمة شرعيّة لما فيها من مخاطر كبيرة وتشكيك وانتقاص في حق الذات الإلهية وصفاتها، ولما فيها من انتهاك لحرمات الله، وتبديد لما وقر في نفوس الناس من تمجيد لله تعالى.

  يدخل في الإطار ذاته نشر الكثير من الألعاب التي تدور حول التعظيم إلى درجة التأليه، حيث يحتوي معظمها على كلمة (God) مثل لعبة (إله النور،  وإله الحرب،  واختبار الإله،  وإله الخدع،  وإله المعركة..إلخ) وغيرها الكثير من الألعاب التي تروّج للباطل بشتّى وجوهه،  ولمواجهة هذه الألعاب ومعالجتها لا بد من محاربة الفكرة بالفكرة واللعبة باللعبة، فيتوجب بذلك تصميم ألعاب إلكترونية قادرة على مواجهة الإلحاد وقادرة على غرس العقيدة والتعاليم الصحيحة في عقول الأطفال والشباب،  وتوعيتهم من خطر هذه الألعاب، وحث الوالدين على متابعة أبنائهم عند انشغالهم بالألعاب الإلكترونية.

أفلام الكرتون وحِيَلُ الإلحاد

من الظاهر للعيان أن مروجي الإلحاد لم يتركوا فئة من المجتمع إلا واستهدفوها بخطابهم للترويج للعقائد المنحرفة –كلها أو بعضها- التي يؤمنون بها، مستفيدين بذلك من وسائل الإعلام التي تؤثر في عقول البشر.

لننظر إلى الرسوم المتحركة مليًّا، وسنرى الكثير من الرسائل المشفّرة فيها موجهة لأطفالنا، هدفها أن تفسد عقولهم ودينهم وعقيدتهم التي يجاهد الآباء في غرسها فيهم، إلى جانب المشاهد المخالفة للشرع التي لا يكاد فيلم يخلو منها، حيث يختزن الأطفال العديد من الأفكار والسلوكيات التي يرونها في الذاكرة، وتُحدث تلك المشاهد تراكمات داخلية تظهر بعد ذلك في شكل سلوكيات أو أفكار في وقت لاحق.

أمثلة ونماذج

  من الطبيعي أن تجد الأفكار المناقضة للدين منتشرة في أفلام الكرتون خاصة أن منشأها من بلاد الغرب حيث الانحلال والانفلات الأخلاقي والدعوات المستمرة لإنكار وجود الله، بالرغم من أن كل هذا لا يمثل إشكالًا عند عرضه على أطفالهم، وبالتالي ينشأ الأبناء على قصص وأساطير وصراعات الآلهة، وكل هذا تحت مسمى تنمية خيال الطفل، بل وربما عند موت البطل يبعث مرة أخرى حتى لا يجرح نفسية الطفل وليعزز عامل الإثارة والتشويق.

إن من أخطر ما يتلقاه أبناؤنا من تلك الأفلام ما يكرس النواقض العقدية مثل تكريس الإيمان بالسحر حيث لا يكاد يخلو فيلم من أفلام الكرتون من نوع من السحر، سواء في دور الساحر الشرير المتحكم بمجموعة من الأشرار، أو الساحر الطيب الذي يسخره لفعل الخير، حيث يَلْجَأ إليه لحل المشكلات، ومساعدة الأبطال ومنحهم القدرات الخارقة، ويمكن ذكر أمثلة عديدة على ذلك كأميرات ديزني، وخلطات بابا سنفور التي تعيد الحياة والصحة وتعيد الأوضاع إلى طبيعتها، وكما في مارلن ودورايمون ونوبي،  ودروبي مع دوري مي،  وبن 10،  وأدغال الديجيتال، وصولًا إلى فتيات القوة،  والتي قام البرفيسور بصناعتهن وخلقهن -حسب زعمهم- من تركيبات كيميائية، وهي المعلومة التي يؤكدون عليها ويذكرونها مع كل حلقة من حلقات المسلسل قبل بداية الحلقة.

إضافة إلى ذلك نرى العديد من أفلام الكرتون القائمة على فكرة مصارعة الآلهة، أو تخصيص الإدارة بين الآلهة ليقوم كل إله بإدارة جزء من الكون، وهذه الآلهة -في نظرهم- تُجَسِّم كأشخاص لهم بنية جسدية أكبر، أو نور في السماء، أو حتى أصنام؛ فلا يهم ذلك كله، ويمكن أن يمثل لذلك بكرتون يوجي يوم، والسنافر فلا يكاد يحدث حدث عظيم إلا ويتبعه بابا سنفور بشكر (الأم الطبيعة) على فضلها، ناهيك عن كون وجود آلهة للشر تنظر من السماء لتحرك الأشرار وتقودهم للتدمير والخراب ونشر الفوضى والقتل،  ثم إعادة من قُتل منهم إلى الحياة،  ليكمل دوره في الفساد في الأرض،  كما في مغامرات جاكي شان، ومات هارت، بالإضافة إلى الكثير من الأفلام التي تنشر الكريسماس وللهالوين.

أين الخلل؟

تغيب شعائر الإسلام عن أفلام الكرتون كمشهد الصلاة أو قراءة القرآن أو الحديث الشريف ولذلك نرى أن أفكار الأفلام الكرتونية المنقطعة عن بيئة المسلمين تجرّد الطفل بشكل غير مباشر من كل ما يربطه بالدين، ولن يكتفي أصحاب الأفلام بذلك بل يحاولون تَلويث العقيدة بأساطيرهم التي يملؤون بها عقول الأطفال والتي تختلف مع العقيدة الإسلامية مثل ادِّعائهم تعدد الآلهة والخارقين مثل إله النار وإله الخير وغيرها، وهي بذلك تهدم عند الطفل بعض مفاهيم العقيدة وأساسياتها فتعدد الآلهة يؤثر على فكرة التوحيد.

أما عن الأزياء والحجاب فحدّث ولا حرج، إذ تُعدم تمامًا أية مشاهد لبطلات في أفلام الكرتون ترتدي حجابًا، بل جميعهن يرتدين ملابس غير لائقة لأن ترتديها امرأة، فضلاً عن أن يراها طفل صغير، عدا عن المشاهد المخلة في مقاطع كثيرة كما في فيلم قُبلة الضفدع، وأميرات ديزني، وشريك والأميرة فيونا، والجميلة والوحش.

ما العمل؟

أول المشكلات التي تدفع أولادنا للضياع في وسائل الترفيه تكمن في انشغال الآباء والأمهات في أعمالهم، ومن ثمّ يتجه الأطفال إلى ملء أوقاتهم بوسائل التسلية من كرتون وألعاب إلكترونية وغيرها الكثير من الوسائل التي تكون معهم أمًّا وأبًا بديلين، إضافة إلى ذلك فإن الآباء لا يكادون ينتبهون لنوع المحتوى المقدم إلى أبنائهم، بينما كان من الواجب عليهم أن يتابعوا مضمونها قبل عرضها على أبنائهم، عملا بالواجب الذي تحتمه الأبوة والأمومة فكما يختار الوالدان الأصدقاء الصالحين ذوي الأخلاق الطيبة لأبنائهم ويبعدونهم عن أصدقاء السوء، فمن الواجب عليهم أيضاً اختيار المادة الكرتونية المحافظة على الأخلاق والتعاليم الدينية.  

كما يجب على الوالدين السعي للبحث عن بدائل للتسلية لأطفالهم تناسب أعمارهم، وقدراتهم ومهاراتهم كممارسة الرياضات البدنية والذهنية والبرمجة وأساسيات العلوم والفنون وحفظ القرآن والسُنة، وتعليمهم أصول دينهم.

فإما هذا، وإما أن نستيقظ وقد جالت قطعان الذئاب في الغنم!، وقد استولى مروجي الإلحاد على العقول بشكل كامل.

كذلك يجب على العالم الإسلامي تبني إنتاج مشاريع لمواد كرتونية ذات جودة عالية، وبُعدٍ ديني وقيمي وأخلاقي، وفيها من الإبهار والتشويق والحبكة والتسلية ما يجذب الطفل المسلم إليها، ولذا فإنه لا بد من حل مشكلة نقص الكوادر المؤهلة في إنتاج أفلام الكرتون والألعاب الإلكترونية بجودة عالية، وكذلك فرق إنتاج وإخراج وتصوير أفلام الكرتون وغيرها، ومحاولة تطوير هذا المجال كي نعتمد على إنتاجنا ونكون قادرين على المنافسة مع الإنتاج الغربي، وأيضًا يجب تخصيص مقدّرات مالية أعلى لإنتاج  محتوى عالي الجودة قادر على المنافسة العالمية وقادرة على جذب انتباه الأطفال لمتابعتها.

إن المنصات المنزلية قنوات الأطفال وأدوات الترفيه، لا تقل بحال عن مواقع ومنصات صناعة الوعي، فإذا لم يكن هناك اهتمام لائق بالنشء، فلا تنتظر مستقبلًا أفضل مما نعيشه، فالأطفال أمانة وضعها الله في أعناق آبائهم، وسيُسألون عنها أمام الله. وتركهم فريسة لقنوات الأطفال وأفلام الكرتون يؤدي إلى خلخلة أساسات البناء القيمي والأخلاقي ؛ نظرًا لطبيعة أفلام الكرتون المأخوذة من سياق تاريخي وثقافي وقيمي وديني مختلف.