عن ذبح الأضاحي أمام الأطفال

قرأت عدة مقالات تحذر من ذبح الأضاحي أمام الأطفال، وخطورتها وأثرها على نفسية الأطفال، وأخرى تنتقد الحج على أنه بات وسيلة للتفاخر وأن “بطون المسلمين أولى”، أو تدعو لتوفير أموال بناء المساجد لقضايا إنسانية أولى من ألف مسجد.

تنبع هذه الدعوات من فكرة باتت تتطرق لكل ما هو يتعلق بالشعائر الإسلامية، وتحاول أن تكيل لها النقد بأيّ شكل كان، فهي لا تتناول ذبح الحيوانات بالمجمل وإنما تخصِّصُ الأضاحي بعينِها، وهذا جزء من توجيه الرأي نحو مساق بعينه ليمتد نحو انتقاد الأضحية بذاتها والحديث عن خطورة ذلك على الثروة الحيوانية، ليصل أخيراً إلى اتهام المسلمين بالعنف والتطرّف، والذين تتجلى مظاهره بقتل الحيوانات بهذه الوحشية كما يصفون.

لم تطل هذه الدعوات يوماً ما أيّ استخدام سيء للحيوانات حول العالم، كاستخدامها في الصراعات والرهانات، وصراع الثيران وصراع الديكة وما شابهها.

رجل يحمل سكينومن مثل هذه الدعوة تصدر لنا دعوات أخرى. توجَّه نحو قضايا تتعلق بالإسلام وتشريعاته، كالحديث عن جرائم الشرف وربطها الدائم بالمجتمعات المسلمة رغم عدم وجود أي رابط بين القانون والتشريع، وحتى بين القضية والواقع.

كل هذه الدعوات تحمل ازدواجية معايير صارخة وواضحة، تتجلى ببعض هذه الأمثلة:

– يُضرب المثل بالمرأة المسلمة أن خياراتها الشخصية ممنوعة دائماً، فخيار المرأة في أن تكون (زوجة) لا يعدّ من الخيارات التي تروَّج أو يُشجَّع عليها، ولكن يُروَّجُ لخيار أن تكون مطلَّقة مثلاً، فهو الخيار الذي يُدعى له كثيراً هذه الأيّام. ويُعتَبَرُ خيار عملها مما تدعو له المنظمات وتشجع عليه وسائل الإعلام، لا سيّما إن كان على حساب زواجها أو أسرتها.

ويأتي السياق الأخطر حينما يعتبر خيار المرأة أن تصبح (زوجة) ثانية محارباً بشدة، بينما تُتناول قضية الدعارة على أنها مسألة إيجابيَّة تدرُّ دخلا للدولة.

هنا -في معرض الحديث عن الدعارة- تُستثنى المرأة كليّاً. ولا يتناولُ أحدٌ ما تتعرَّض له المرأة من استعباد واستغلالٍ بشع تحت اسم الدعارة، وتبقى المسألة محصورةً حين يتمُّ بحث تقنين الدعارة، بالمردود الاقتصاديّ للدولة، أو يصل في بعض الأحيان لحقوق الداعِرة في المجتمع الظالم حين ينظر لها بفوقية واستعلاء.

 ومن المضحك جداً أنّ هذه القضيّة بالذات لا يُنظر فيها لشهوانية الرجل، طالما أنه ضمن إطار (تقنين الدعارة) والحريات الفرديّة، بينما في مسألة (الزواج) الثاني لا يُنظر للمسألة مطلقاً إلا من خلال زاويتين ضيّقتين: اضطهاد المرأة، وشهوانيّة الرجل.

– من ذلك قضية الشذوذ الجنسيّ، فالشذوذ اليوم يخوض حرباً شرسة ليفرض وجوده في المجتمعات، حيث يمكنك أن تكون حرّاً بكلّ أفكارك إلا في الحديث عن الشواذ وحقوقهم!

شعار شركة فيسبوكولعلك إن استخدمت كلمة “شواذ” بدلاً من “مثليين” بمعرض النقد، فإن فيسبوك سيحذف منشورك ويهدِّدك بالطرد من العالم الأزرق كلّه!

فلا يمكن اعتبار وجود الشواذّ في المجتمع خطراً على الأسرة أو أفرادها، ولا يُنظر للشذوذ لا على أنه حالة مرضيّة، أو أنه خلل جيني، ولا أنه حتى حالة شاذة عن الفطرة السليمة، بل يُفرض على أنه واقع يجب أن يتقبله الناس “رغماً عنهم” وأن يتعاملوا معه على أنه إنسان طبيعي لا يختلف عنك بأيّ شيء.

وهنا لا يتم الحديث عن الشهوانية التي يُغرِقُ بها هؤلاء أو من يناصرونهم، ولكن يتمُّ الحديث عن الشهوانيّة في معرض الحديث عن المسلمين، ويتمُّ على الفور استيراد مصطلحات “ملك اليمين” أو “التعدّد” أو “السبي”، ويبقى الشذوذ حريّة اختيارٍ مالم يكن اختيار الإنسان أن يُعدِّد في الزواج.

– من التناقضات أن مسألة تدريس التربية الجنسية تعتبر من المسائل التي تُطلب ويُنادى لها وبشدة، إذ لا يُعتبر مشهد فتاة عارية أمام الفتى، ولا مشهد فتى عارٍ أمام الفتاة. مما يخدش الحياة أو يؤثر على نفسية الطفل، أو يترك أثراً يمتدّ لمرحلة متقدمة في حياته، أو يحيي عند الطفل غرائز كامنة قد تتطور إلى ممارسات خاطئة جداً، كالاعتداء على طفلة في المدرسة أو أخت في المنزل.

ومع ذلك ينتقدون المجتمع المسلم، على أنه -مسبقاً- مجتمعٌ مكبوتٌ مقموعٌ جنسياً، والغريب أن مجتمعاتهم -المنفتحة- تعاني من نسب عالية في التحرّش والاعتداء الجنسي والاغتصاب.

وهنا لا تستحضر “النسوية/الفيمينيست” حملة (أنا أيضاً) -التي أظهرت كماً هائلاً من التحرش والاغتصاب والاعتداء في المجتمع الغربي- لا تُستحضر إلا على أنها حالة تتطلب المزيد والمزيد من التمكين للمرأة وإعطائها المزيد والمزيد من الحقوق. ولا يجروء يرجع أحد ليتناول المسببات التي أوصلت المرأة لهذا الاستغلال البشع، ولو في أكثر المؤسسات انفتاحاً وحريّة كهوليود!

– يتساءل الكثيرون عن جدوى الحجّ وتكاليفه وكم جائعٍ يمكن أن تطعم هذه التكاليف، ولا يتساءلون عن تكاليف إقامة حفلات الغناء، ولا اقتصاديّات مباريات كرة قدم، ولا عن تكاليف إنتاج الأفلام والمسلسلات أو الكليبات. وكذلك لا يتساءلون عن مزادات تقام لشراء لوحة فنية بملايين الدولارات، أو عن أرقام هدر مخيفة في المكياج والتجميل أو ما يُنفق على تربية الكلاب، فضلاً عن السياحة الجنسية، والسياحة التجميليّة (المرتبطة بعمليات التجميل).

فالمسائل المتعلقة بأيّ هدر أو تبذير يُتغاضى عنها، ولكن تنفتح العقيرة على المسلمين حين يؤدّون فريضة الحجّ، وطبعاً تعتبر مسائل سباق التسلح والتريليونات المنفقة عليه خارج الحساب أصلاً!

–  يعتبر هؤلاء أن زواج الثانية كارثة وجريمة، ويتحدثون عن مخاطر الزواج المبكّر، بينما لا تشكّل حالة الأمهات العازبات، ولا الأمهات الصغيرات ولا الأبوين الشواذّ، أيّة خطورة لا على المجتمع ولا الأسرة، ولا على الأطفال أنفسهم.

 فعلياً أيّة ممارسة خارج إطار (زواج) تلقى ترحيبا ورواجاً أكثر من الزواج نفسه، ويتمّ تجاهل ما يترتب على الزواج الثاني من مزايا مجتمعيّة وفردية أيضاً.

فلا بأس أن تكون المرأة “مومساً” في إطار الحديث عن الدعارة ولكن لا يمكن أن تكون “زوجةً” في إطار الحديث عن التعدد. ولذا فيمكن لوسائل الاعلام أن تتناول بصيغة لا تخلو من الترحيب أخبار زواج رجل من رجل، أو رجل من كلب، أو امرأة من أخرى، أو حتى رجل بلعبة باربي.

– وفي حين أن هذه المجتمعات وصلت بمرحلة الانتكاسة الحضارية والإنسانية لهذا المستوى فإن مجتمعنا الذي بدأ يصاب بداء النسويّة ما يزال يناقش زواج المطلّقة والأرملة من أعزب، وزواج امراة من شابٍ يصغرها سناً، أو زواج الرجل من امرأة ثانية.

وقد وصلت الانتكاسة الغربية لمرحلة خطيرة جداً حين ولد طفل من نطفة شاب وبويضة أخته، زُرعتا في رحم أمهم.

ولربما من المفاجئ أن الكنيسة المحافِظة أكثر شجاعة في الحديث عن هذه المواضيع من مجتمعنا الذي يعاني فوبيا تهمة الإرهاب التي باتت حملاً ثقيلاً نحمله على عاتقنا أينما حللنا واينما ارتحلنا، بداعٍ أو بغير داعي..

وتأتي منظمات أو ناشطات “النسويّة” لتكمل المشهد حين يُعتبر الحديث عن المرأة خطّاً أحمر لا يستطيع الرجل المساسَ به، وإلا فسيتعرّض لكيلٍ واسعٍ من التهم المعلّبة، التي ليس أولها الذكورية ولا آخرها الشهوانية.

وأختم بمشهد مظاهرة للشواذ، ظَهَرَ فيها شاذٌ يجرُّ أربعة من أصدقائه (أو ربما زوجاته) وهم يسيرون على قوائمهم الأربع مربوطين بسلاسل كالكلاب، وفي المظاهرة أطفال يتأمّلون المشهد بطفولة يبدو أنها لم تنتهك فحسب، بل مُزِّقت بكارتها مبكراً جداً.

فأيُّ أثرٍ خادشٍ تُركَ على براءة طفل أو طفلة حين يرون هذا المظهر -الخالي من كلّ عناصر الانسانية والمغرق بالشهوانية والعبودية– أنّه مظهر حضارة، وأنه حقّ يجب أن يخرجوا لأجله في مظاهرة!

يحدث هذا في زمانٍ تصبح فيه كلّ الشعائر الإسلاميّة محطّ تساؤلٍ ونقاشٍ واستغرابٍ وجدلٍ ونقدٍ لدى المسلمين أنفسهم.

لنسأل أنفسنا بعد كلّ هذه الانتكاسة الإنسانيّة التي نحن مقبلون عليها، وتدخل بيوتنا رغم أنفنا: هل مشاهدة ذبح الأضحية خطر على نفسية الأطفال؟!