حين يفتك الأنمي بالعقول والقلوب!
في مقالٍ سابق أشرت إلى تقنيات نشر الأنمي وبعض جوانب مصمميه المظلمة، إلا أن سؤالا مهمًّا معلّقًا يجب البحث عن جواب له، وهي هل يمكن أن نحصّن أنفسنا من التأثر بالأنمي.
التأثُّر .. هل هو أمرٌ لا مفرّ منه؟
قد يخطر في بال القارئ قائلاً: لكن مهلًا أنا لن يحدث هذا معي، أنا أقوى من أن أنجرف، أنا لن أُدمن!
هذا يذكرني بحلقة لعماد الدين على قناة السبيل التي شرح فيها نظرية (تأثير الشخص الثالث) لـ (فيليبس دافيسيون)[22] التي مفادها أنَّ الناس يتوقعون أنَّ تأثير الإعلام يكون أكبر على الآخرين فقط، وأنهم لن يقعوا تحت هذا التأثير، لسان حالنا هم ضعفاء لكن نحن أقوياء، سنشاهد دون أن نتأثر!
نعم من الممكن ألا يحدث معنا ما حصل معهم، لكن من الممكن أن يحدث معنا ما هو أسوأ من ذلك، شيء هجين تُجرى عليه دراسات لاحقًا لأنَّ مجتمعنا مختلف عن مجتمعهم والله أعلم؟
أرجوكم دعونا نكن صادقين مع أنفسنا ونتذكر قوله تعالى: {إنْ أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإنْ أسأتم فلها} [الإسراء:7 ] فإن كنت لا تقوى على حبس نفسك عن (الأنمي)، فكّر بصنَّاع ومحتوى (الأنمي) الذي تشاهده، والمجتمع الذي يعيشون فيه، تذكر أنَّ الذين يرسمونها ويموّلونها هم بشر من مجتمع يعاني من القلق والاكتئاب، وأنَّ الذين يموتون منتحرين لديهم أكثر من الذين ماتوا بفيروس كورونا في بلادهم[23] وأنَّ ٥٠٪ منهم عازفون عن الزواج[24] حيث يُخشى من أنَّ المجتمع الياباني كلَّه يتقلص، وأنَّ اليابان _حسب دراسة في جامعة كامبردج_ احتلت المرتبة الخامسة في انتشار الإلحاد واللاأدرية.[25] وهذا ليس للتشفي إنَّما للتفكّر، لعلَّنا ننظر فيمن يغذِّي خيالنا؟
فهل من الممكن أنَّ رسام (الأنمي) الذي رسم شخصيات مسلسلك المفضل قد يكون مولعًا برسم أفخاذ الفتيات الصغيرات، وأنَّه كان يقضي وقتَه في قراءة القصص الإباحية في حب الصَّغيرات كرسَّام الأنمي الذي قابله كالبريث في كتابه[26] أو أنه مُستَعبَد لشركة الإنتاج التي لا تقبل العمل إن لم يكن فيه بعض الإباحية[27].
اسأل نفسك
عندما تضغط زر التشغيل لمسلسل (أنمي)، توقف واسأل نفسك هل أنا أتأثر بما أشاهد؟ ولاحظ نفسك خلال اليوم كم مرة تذكرت (الأنمي) أو تصرفت أو تفوهت بألفاظ شخصيتك المفضلة خلال النهار وحلمت بها في الليل؟ فكِّر هل هذا صحيٌّ؟ إذا كنتُ أتصرف مثل هذه الشخصية فمن أنا إذن؟ فكِّر! هل ما زلت تأخذ القيم وموازين الأمور من السماء أم من (الأنمي)؟ هل ما زالت سنن الحياة تعريفها عندك كما أوضحها الله {ولنبلونَّكم بشيءٍ من الخوف والجوع ونقصٍ من الأموال والأنفس والثَّمرات وبشِّر الصابرين} [(البقرة:١٥٥] أم بدلتها بسنن (الأنمي)؟ هل ما زال الحَسن عندك ما حسّنه الله ورسوله؟ والقبيح ما قبّح الله ورسوله؟
هل فقدت لذَّة قراءة قصص القرآن وسيرة نبينا محمد؟ حبكتها ليست كـ (الأنمي) الياباني؟ هل تغيرت توقعاتك من الله ومن الناس حولك؟ هل بدأت لا تتحمل فكرة وجود الألم والشَّرِّ وبدأت الشُّكوكُ بالله وصفاته تأكل قلبَك؟ أم هل ظننت أنك خارق ومتحكم ومسيطر؟ وبما أنَّ كلَّ شيء بـ (الأنمي) ممكن! وكاتب قصص (الأنمي) غيّبَ الله أو جعل الشخصية تتبارز معه، ومع التَّكرار بدأت تظن أنك المتحكِّم والمتصرِّف على الأرض فاستغنيت عن الله! فتأتي إلى الحياة العادية فترتطم بالواقع، فتغضَب وتُحبط فتهرب إلى أحضان (الأنمي) كحلقة مفرغة!
عندما تشاهد (الأنمي) انتبه إلى أنك تربِّي في نفسك مهارات للعيش على كوكب (الأنمي) الخيالي وهي مهارات غير ملائمة لكوكب الأرض! فتنقص قدرتك على قراءة مشاعر من حولك من الناس فتُطْعَن منهم كذا مرة، لأنَّك تمرّست الفِراسة في قراءة مشاعر شخصيات (الأنمي)، وهذا ما أكدته دراسة في كتاب (دراسة نفسية لمحبِّي الأنمي): إنَّ محبِّي (المانغا والأنمي) يجدون صعوبة في قراءة مشاعر الناس، لأن وجوههم لا تشبه وجوه (الأنمي) ذات العيون الواسعة، كذلك هم لا يفضّلون مشاهدة أفلام أبطالها بشر حقيقيون! فما عادوا يستمتعون بالطبيعي!
فكِّر، هل ردَّات فعلك مبالغٌ بها؟ هل بدأت تشعر أنَّ ردَّات فعل الآخرين ناقصة، ليست بشدَّة الانفعال التي اعتدت عليها في شخصيات (الأنمي)؟ هل شَكلُك لم يعد يعجبك؟ فالعيون ليست عيون (الأنمي)، والبشرة ليست ناصعة كصورهم مع أنَّك لو شاهدت جمجمة شخصية (أنمي) لأثارت فيك ضحكًا وما تمنيت هذا!
وأخيرًا، انتبه، إن أكثرت التَّعرض لأفكار (الأنمي) ستجد نفسك مُتَقبِّلًا لأي فكرة! ليس فقط الشذوذ والاختلاط والتَّعرِّي فقط! بل أي شيء قادم من خيال رسَّامي اليابان، ظانًا نفسك أنك منفتح[28]، لكن هذا ليس انفتاحًا، بل سيولة فأنت هلامي مُعَدٌّ لتوضع في أي قالب يريدونه هم!
تعاليم الإسلام.. غذاء للقلوب.
أنهي مقالتي بكلمات الشَّيخ ابن تيميّة: “والشرائع هي غذاء القلوب وقُوتها، ومن شأن الجسد إذا كان جائعًا فأخذ من الطعام حاجته؛ استغنى عن طعام آخر، حتى لا يأكله، وإن أكل منه إلاّ بكراهةٍ وتَجَشُّم، وربما ضرّه أكلُه، أو لم ينتفع به، وإن لم يكن هو المغذِّي له ذاك الذي يقيم بدنه، فالعبد إذا أخذ من غير الأعمال المشروعة بعض حاجته قلَّت رغبته في المشروع وانتفاعه به، بقدر ما اعتاض من غيره، بخلاف من صرف نهمته وهمَّته إلى المشروع، فإنّه تعظُم محبته له، ومنفعته به، ويتم دينه، ويتم إسلامه، لذا تجد مَنْ أكثرَ سماعَ القصائد؛ لطلب صلاحِ قلبِه تنقُص رغبته في سماع القرآن، حتى ربما كرِهه، ومن أكثر السفر إلى زيارات المشاهد ونحوها؛ لا يبقى لحج البيت الحرام في قلبه من المحبة والتعظيم ما يكون في قلب من وسعته السُّنة، ومن أدمن على أخذ الحكمة والآداب من كلام حكماء فارس والرُّوم، لا يبقى لحكمة الإسلام وآدابه في قلبه ذاك الموقع، ومن أدمن قصص الملوك وسِيَرِهم لا يبقى لقصص الأنبياء وسيرهم في قلبه الاهتمام، ونظير هذا كثير” [اقتضاء الصراط المستقيم 326 – 327]
أعيدوا قراءة كلام الشيخ واستبدلوا كلمة الحكمة والآدب وقصص الملوك بكلمة (أنمي ومانغا)..
أسأل الله أن يرزقني وإيَّاكم الصِّدق، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.
المراجع
- Galbraith, Patrick W.) 2017,April) The Moe Manifesto .Tuttle Publishing. Kindle Edition.
- Martin, M. (2007). The Cambridge Companion to Atheism. Cambridge University Press.
- O, M. (2021, November 17). More Japanese deaths by suicide than from covid-19. Center for Japanese Mental Health. Retrieved April 15, 2022, from https://cjmh.org/news/more-japanese-suicides-than-deaths-from-covid/
- Stephen, R., Plante, C. N., Roberts, S. E., & Gerbasi, K. C.)2021).The Psychology Of Anime Fan.Commerce,Texas.USA
- عماد الدين، (2021، آذار). وَهم التفوق [فيديو]
____________
[22] (عماد الدين،2021)
[23] More Japanese Deaths by Suicide than from COVID-19, (2020)
[24] Galbraith. (2017)
[25] Martin, The Cambridge Companion to Atheism (p.56).
[26] Galbraith. (2017) (p. 47).
[27], Galbraith (2019) (p. 36).
[28] وهذا ما أكدته دراسة في كتاب (دارسات نفسية على محبي الأنمي) إن متابعي الأنمي هم الأكثر “تحررًا” يتقبلون أي إنسان وأية فكرة
اترك رداً
Want to join the discussion?Feel free to contribute!