1

هل يعبد الإيزيديون الشيطان؟

يطلق على ديانة الإيزيديين العديد من الأسماء كاليزيدية، والأزداهية والعدوية، وقد اختلف في سبب هذه التسميات؛ إلى أقوال كثيرة، والأرجح أنهم ينسبون إلى يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، لأن الإيزيديين ينسبون أنفسهم إلى الإمام عدي بن مسافر وهو من أئمة أهل السنة والجماعة من المسلمين، وهو ممن يرى الولاية ليزيد بن معاوية، ونصوصهم المقدسة تدل على أنهم انشقوا عن المسلمين السنة لكثرة ورود ألفاظ السنة فيها والألفاظ الصوفية، فهم في الأصل فرقة صوفية تطورت عبر الزمن فوصلوا إلى ما هم عليه اليوم.

وينتشر الإيزيديون في العراق وسوريا بشكل أساسي، وقوتهم البشرية في العراق في منطقة الشيخان وسنجار، ولهم بعض القرى في سوريا، وهم من المذاهب المنغلقة التي تكتسب بالتوارث، فلا مجال فيه للتبشير؛ فالإيزيدي هو من ولد لأبوين إيزيديين فقط.

ومن المعروف عند الباحثين أن الإيزيدية جمعت عقائدها من عدة أديان، وخاصة إذا علمنا أن كل أتباعها من الأكراد الذين كانوا قبل الإسلام على الديانة المجوسية، ثم أسلموا، ومناطقهم مليئة بالنصارى المسيحيين، ولذلك فديانتهم ملفقة من أديان عدة، ومن أهم كتبهم المقدسة كتاب “الجلوة إلى أصحاب الخلوة” و”مصحف رش”.

معبد لالش الذي يضم قبر عدي بن مسافر في العراق (Vindheim)

عقائدهم وعبادتهم
ومن معتقداتهم التي يصرحون بها أنهم يؤمنون بالله تعالى، ويسمونه “خودي” أي الإله، ويزعمون في كتبهم أنهم موحدون، إلا أنهم يذكرون العديد من الآلهة في كتبهم، ربما على طريقة مشركي العرب الذين كانوا يعبدون الأصنام ويؤمنون بالله تعالى في نفس الوقت، فعقيدتهم متناقضة في ذلك كثيراً، ومن الآلهة التي يؤمنون بها: “بري آفات” إله الفيضانات، و”خاتونا فخران” إلهة الولادة عند النساء، و”شيخ عبروي” إله البرق والرعد، و”شاه سوار” إله الحرب والفروسية، وغيرهم الكثير من الآلهة.

يؤمنون أيضا بالرسل ويعتقدون أن الله هو أرسلهم إلى الخلق، كما يؤمنون بتناسخ الأرواح، ونصوصهم في كتبهم واضحة، وربما هو من بقايا العقيدة المجوسية التي بقيت في نفوسهم، حيث جاء في كتاب الجلوة: “وما أسمح لأحد بأن يسكن بهذا العالم الأدنى أكثر من الزمن الذي هو محدد مني، وإذا شئت أرسله تكراراً ثانياً وثالثاً إلى هذا العالم أو غيره بتناسخ الأرواح”.

ويؤمن الإيزيديون بالحلول، أي: حلول الله تعالى في كل الأماكن، فقد جاء في كتاب الجلوة: “ما يخلو عني مكان من الأمكنة، مشترك أنا بجميع الوقائع التي يسميها الخارجون شرور لأنها ليست موضوعة حسب مراميهم”.

ومن بقايا أثر الإسلام لديهم نص الشهادة، وهو: “الله هو هو، لا يأكل ولا ينام، أشهد وأؤمن به، وبطاووس ملك، شهادة ديني الله أحد، طاووس ملك حبيب الله حقا…”، كما نجد لديهم ألفاظا تدل على أصلهم الإسلامي مثل “أهل السنة” و”الروافض” و”الكفار” و”زمزم” و”الكعبة”.

وهم يصلون أربع صلوات في يومهم، مع الاتجاه نحو الشمس، ولديهم حج خاص في وادي لالش شمال الموصل، حيث يرقد الشيخ عدي بن مسافر، ويسمون الجبل هناك “عرفات”، كما يصومون في كانون الأول ثلاثة أيام.

 

حقيقة عبادة الشيطان
ينتشر بين الناس أن الإيزيديين يعبدون الشيطان ويسمونه “طاووس ملك”، إلا إنهم لا يعترفون بذلك، وينكرون عبادتهم له، ويعترفون بأنهم يعظمونه لأنه رفض السجود لغير الله تعالى، وأنه هو من طبق وصية الله بعدم السجود لغيره.

أما كلمة “طاووس” فالبعض يردها إلى أنها كلمة كردية مؤلفة من مقطعين؛ الأول “tav” أو “ta”، وهذا المقطع يعني بالكردية: نور الشمس وحرارتها، والمقطع الثاني “us” وهو اسم الآلهة الإغريقية، وتصبح بعد الترجمة للعربية: نور الله أو الإله.

فهم يزعمون أنهم يقدسونه لأنه حفظ الوصية لله تعالى، ويورد الإيزيديون قصة لذلك يقولون فيها أنه عندما خلق الله تعالى إبليس مع الملائكة أمرهم ألا يسجدوا لغيره، وعندما خلق آدم عليه السلام أمرهم الله بالسجود له؛ فقال عزازيل “الشيطان” لله تعالى: ربي: أنت أوصيتنا ألا نسجد لغيرك، فكافأه الله تعالى فوضع الطوق الذهبي في عنقه وجعله رئيساً للملائكة، وبات اسمه: “طاووس ملك” كما يسمونه إلى الآن.

ومن القصص التي يذكرها الإيزيديون عن تعظيم الشيطان أو “طاووس ملك” ما ذكره القوالون -وهم طبقة دينية في المجتمع الإيزيدي- والقصة مذكورة في كتابهم المقدس وتقول: إن الله تعالى غضب على سيدنا عيسى عليه السلام فحبسه في الجب “البئر” ثم وضع على فتحة الجب صخرة عظيمة، وبدأ بعدها عيسى عليه السلام بالاستغاثة بالأنبياء والرسل لكنهم لم يتمكنوا من نجدته، فمر عليه أحد معارفه وهو في الجب فناداه: مسكين يا عيسى لماذا لم تستغث بطاووس ملك، فهو وحده يقدر على تخليصك من هذا السجن؟ فلما استغاث به أدركه وأخرجه من الجب العميق ورفع الصخرة وأخلى سبيله.

وبعد ذلك لاقى عيسى الله سبحانه وتعالى في السماء؛ فسأله: من أخرجه من الجب وأتى به إلى هنا؟ فأجابه: طاووس ملك، فلما سمع ذلك تغاضى عنه وذهب في سبيله ولم يتكلم بشيء بعدها!

ويعتقد الإيزيديون بأن الملائكة لم تر الله تعالى، ولكنهم يؤمنون بقدرته، لذلك عندما وقف طاووس ملك وهو رئيس الملائكة يعبد الله ويمجده قائلاً: يا رب علا شأنك وعلا مكانك وعلا سلطانك، يا رب دوماً أنت الإله، أنت الكريم وأنت الرحيم، ويا رب دوماً أنت الإله، ودوماً يليق الحمد والثناء بك.

وكل عبارات الألوهية يوجهها الإيزيديون إلى الله تعالى، كما هو موجود في كتبهم المقدسة، حتى تلك الألفاظ التي وردت في كتابهم المقدس والتي تنسب الألوهية للشيطان فيقولون إنهم لا يفسرونها على ظاهرها ولا يعتقدون بها حقيقة، وإنما يعدون “طاووس ملك” رئيساً للملائكة وأقرب الأقربين من الله تعالى، فهو حسب اعتقادهم الذي أنزل آدم من الجنة بعد أن أكل الحنطة، ويمنعون قول “شيطان” أو “شر” أو أي كلمة مشتقة أو قريبة من لفظ “شيطان”.

وبذلك يمكن القول حسب المُعلن من عقيدتهم أنهم لا يعتبرون الشيطان إلهاً يعبدونه وإنما يعظمونه ولا يرفعونه لدرجة الألوهية، وذلك بناء على ذكرته المصادر المنشورة، بينما يعترف بعض الإيزيديين بعبادتهم للشيطان، وخاصة أولئك الذين يسكنون القرى المهملة تعليمياً واقتصادياً، حيث يسيطر عليهم الجهل والفقر.


أهم المراجع
الموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب والأحزاب المعاصرة، مانع الجهني، دار الندوة، ط 4.

اليزيدية، بحث مقدم في كلية الشريعة جامعة دمشق، الباحث صهيب محمد، 1434هـ، 2013م.

اليزيدية، سعيد الديوه جي، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، ط: 1، 2003م.

www.noonpost.org

www.al.qantara.de