تسرب الأجندة النسویة إلى المجتمع الإسلامي عبر الأیقونات النسویة
لا یخفى على ذي عین تغلغل الخطاب النسوي في المجتمعات حول العالم كله، أما في مجتمعنا الإسلامي الذي ما زال یقاوم رغم الكثیر من الھشاشة والضعف، فإن الخطاب النسوي قد وجد العدید من الآذان المصغیة والكثیر من المريدين والمریدات، وتمكّن من بسط سطوته على كثير من مظاهر حیاة المرأة المسلمة والمجتمع المسلم.
وحتى نفتح ذھن القارئ على الوعي والحذر من الخطاب النسوي، الآخذ في الاندماج مع كُل الخطابات والتحركات الموجھة نحو المرأة؛ فإننا سنناقش في ھذا المقال كیفیة تغلغل خطاب النسویات في المجتمع الإسلامي، عبر إحدى الآلیات المھمة، وھي تصدیر وتلمیع الأیقونات النسویة.
تاریخ النسویة
كانت بدایات الحركة النسویة في مطلع القرن الحدیث في أوروبا، إذ سعت العدید من النساء إلى رفع الظلم الاجتماعي والدیني والسیاسي الواقع علیھن، وكان ھذا التحرك في أغلبه ردَّة فعل، فلم تكن تلك البدایات تأخذ شكل الحركة المنظمة، وظلَّ الجدل قائمًا على صحة تسمیتھا بالنسویة حتى بدایات القرن الثامن عشر، حيث لم تشھد تلك الفترة تحسّنًا یُذكَر في وضع النساء، لكنھا أصبحت تمھیدًا لما جاء بعدھا.
بدأت الموجة الأولى للحركة النسویة في نھایات القرن التاسع عشر وبدایات القرن العشرین؛ إذ ركّزت على اكتساب الحقوق القانونیة والسلطة السیاسیة وحقوق الاقتراع والتصویت.
تلتھا الموجة الثانیة في ستینات وسبعینات القرن العشرین، التي سعت للمساواة المطلقة بین الرجل والمرأة، ثم الموجة الثالثة في تسعینات القرن العشرین، والتي ركزت على ضم شرائح أكبر من النساء من مجتمعاتٍ وفئاتٍ مختلفة مثلَ ضم حقوق المثلیات.
تسرب النسویة للعالم الإسلامي
إن أكثر ما تسربت النسویة عبره إلى المجتمعات المسلمة ھو خدعة حقوق المرأة وتحریر المرأة، ومما لا شك فیه أن المرأة الغربیة ذاتھا لم تحقق أي مكاسب، سوى استعبادھا واستقلالھا بما لا یناسب فطرتھا وطبیعتھا، فكان أن أقیمت العدید من المؤتمرات العالمیة في شأن المرأة، ومؤتمرات السكّان التي تتحدّث عن المرأة والأسرة بشكل مباشر وغیر مباشر.
كما صدرت المعاھدات والمواثیق والاتفاقات الدولیة مثل: اتفاقیة “سیداو” الشھیرة والمُسماة بجملة رنّانة هي “اتفاقیة القضاء على كافة أشكال التمییز ضد المرأة” لكنھا في الحقیقة تعمل على تشویه الفِطرة وخدمة النظام العالمي والأجندة النسویة المشوھة.
آلیة المؤتمرات والمعاھدات تخضع لسلطة النظام الحاكم، الذي یخضع لسلطة النظام العالمي والأمم المتحدة، وعادة ما تقاومھا المجتمعات لأنھا آلیات تبدو واضحة -نوعًا ما- في سعیھا لتفكیك المجتمع المسلم، فنجد الاعتراضات والمظاھرات تُقام ھُنا وھناك حین تشرع بعض الدول الإسلامیة في القیام بالتوقیع أو تنفیذ أجندة تلك المؤتمرات.
لكن الآلة الإعلامیة ھي الأخطر، لنعومة السلاح الذي تحمله ولوجودھا في كُل البیوت، ولكونھا تشكل منبرًا لتصدیر أیقونات النسویات في البلدان الإسلامیة، وتطبیع المجتمعات مع خطابھن وإیصال الخطاب النسوي عبرھن إلى كل بیت مسلم من خلف تلك الشاشات.
تفتح أبواب المؤتمرات والمجالس لمجموعة مختارة من النساء اللواتي یحملن الفكر النسوي، سواء حملنه بوعي منھن أو بدونه، فمنھن من اتخذت من النسویة فكرًا وعقیدة وأصبحت تدافع عنھا بكل شراسة وتنشر أفكارھا، وأخریات یسرن تحت مظلتھا دون وعي منھن -على أحسن تقدیر- وكونھن نساءً نشأن في المجتمعات المسلمة ذاتها، وعشن تجارب المرأة المسلمة في تلك المجتمعات، فھن أقرب لإیصال الخطاب النسوي وأوقع في النفوس الضعیفة.
تأخذ وسائل الإعلام التابعة للنظام العالمي على عاتقھا فتح أبواب الشھرة لھن، إذ یتم تصدیرھن كقدوات للمرأة المسلمة وقائدات لركب التغییر والعولمة، لتَلْمَعَ العدید من الأسماء في العالم العربي والإسلامي لنساء بعضھن یحاربن الدین بصورة مباشرة، وبعضھن الآخر یسمین أنفسھن منتمیات للإسلام، لكن لا مشكلة لدیھن في قدح ونقد كلام ﷲ وشرعه، وھدم القیم، والحرص على أسلمة كُل ما ھو غربي، والصدع بتبجیل معاھدات حقوق الإنسان وأیام المرأة العالمية.
دعم لا محدود
مع كُل الأحداث الكبیرة الساعیة للتغییر التي تعصف بالعالم الإسلامي كالثورات والحروب، یسارع النظام العالمي الحاضن للفكر النسوي إلى تلُّقفِ ھذه الفئة من النساء دون غیرھن ليستديرَ مركِب التغییر نحو شاطِئه، فنرى احتفاءه بخروج النساء في مواكب المظاھرات ومواجھتھن للرصاص والقمع، لكن ھذا الاحتفاء عادة ما یُخفي تحته أجندة تختلف تمام الاختلاف عن الأسباب التي دفعت النساء للخروج ومواجھة القمع، وفي النهاية يختار النظام العالمي لذراعه النسوية تلك الشخصيات.
بعد الثورة في مصر عام 1919م، والتي أعادت سعد زغلول للحكم، برز اسم “هدى شعراوي” كرائدة نسویة تدعو لخلع الحجاب والتحرّر منه، وفي مصر أیضًا نجد الإعلام قد بسط سجادته الحمراء للنسویة المثیرة للجدل”نوال السعداوي” التي مثلت حالة نسویة فریدة وشاذة، ورغم آرائھا الغریبة والمتناقضة مع الواقع والدین الإسلامي ؛ إلا أن أطروحاتھا كانت تُقدّم على أنھا نضالٌ مستمرٌّ لأجل المرأة في وسائل الإعلام.

هدى شعراوي (جهة اليمين) ونوال السعداوي (جهة اليسار)
وفي باكستان نجد الفتاة الباكستانیة “ملالا یوسفزي” قد اكتسبت شھرة عالمیة بین لیلة وضحاھا، والتي یمكن تصنیف بدایة طریقھا تحت قائمة النساء اللواتي تُمرر أھداف النظام العالمي عبرھن دون وعي منھن، فھي لم تكن رائدة نسویة، بل ذكرت في مقابلة لھا أنھا اعتقدت في البدایة أن الحركة النسویة “كلمة مخادعة” لكنھا بعد ذلك أصبحت تعتقد أنه على كل شخص أن یصبح نسویًا.
ما حدث لملالا من باب الصدفة كان فرصة لم یضیّعھا النظام العالمي، فأصبحت أیقونة وتحولت بلمح البصر إلى ناشطة ومدافعة عن حقوق الطفل والمرأة، وھي لم تتجاوز بعد سن المراھقة، لكن حین ینظر الناظر إلى حال النساء في أفغانستان، یرى أن تلمیع الأیقونة ملالا لم یأتِ بخیر على ذلك المجتمع، فتدخل البعثات الأممیة تحت ذریعة تمكین النساء والترویج للمرأة الأفغانیة كأمة مُضطھدة زاد من تعقید الوضع.
في الیمن بعد الثورة الیمنیة نرى الدعم یحیط بتوسل كرمان دون غیرھا من النساء. وفي سودان ما بعد الثورة، برزت صورة لفتاة تُدعى “آلاء صلاح” ترتدي الثوب السوداني الأبیض، واقفة على ظھر سیارة تُردد بعد أھازیج الثورة، ورغم أن الكثیر من الفاعلین في الثورة قد انتھى دورھم بعد انتھاء الحِراك على الأرض؛ إلا أننا نجدُ أن طریق الإعلام والمؤتمرات الخارجیة قد فُتِح أمام ھذه الفتاة، فألقت بيانًا في الأمم المتحدة، وكانت آخر مشاركاتها في مؤتمر باریس لإعفاء دیون السودان.

توكل كرمال (أعلى اليمين)، ملالا یوسفزي (أعلى السيار)، آلاء صلاح (الأسفل)
ولا یھمنا ھُنا إن كان حراكھا مع نغمة النظام العالمي وأجندة الحركة النسویة بوعي منھا أم لا، لكن ما نرید أن نذكره ونوضحه، ھو سعي النظام العالمي بذراعه النسویة إلى اختیار أیقونات نسائیة مثیرة للجدل، أو لا تحمل رسالة معینة ولا ھدف، وإن كُن یحملن فھو ھدف یصُب في مصلحة الحراك النسوي والنظام العالمي الجدید، ولا یصب في مصلحة الإسلام – المنبع الرئیسي للمرأة المسلمة- بقدر ما یبعدھا عنه ویشوھه، ودوننا ما آلت إلیه حال النساء في العالم الإسلامي.
لن نجد أبدًا النظام العالمي والحراك النسوي، یتحدث ویمجد ویمنحُ الجوائز ویفتح أبواب الإعلام، للنساء اللاتي یُضربن ویُحبسن ویُقتلن في فلسطین، أو یُمنَعْنَ من دخول المسجد الأقصى، أو اللاّتي یُحظر علیھن ارتداء الحجاب والنقاب في فرنسا وبعضٍ من دول أوروبا، ولن نجده یتلقّف الفاعلات ضد الظلم في مجتمعاتھن إن كُنَّ یتخذن الوحي كمصدر وموجه لحراكھن.
كیف السبیل إلى القدوات الحقیقیة؟
الآلة الإعلامیة التي تبرز ھذه الأیقونات في الغالب، لن یستطیع المجتمع المسلم وأدھا أو تغییرھا ببساطة، كما أنه غالبًا لا یملك الأمر في إلغاء سیاسات الحكومات التابعة للنظام العالمي بكل سھولة، والمقصود الأساس بالتدمیر ھو الأسرة المسلمة متمثّلة في إحدى أھم لبِناتِھا وھي المرأة، لذلك فالسبیل للنجاة یأتي عن طریق الأسرة المسلمة نفسھا، ومن یحملون ھم الأمة من مربّین ومعلمین ودور تعلیمیة ومؤسسات إعلامیة وغیرھا.
عبر إحیاء التراث الإسلامي ككل والمتعلق بالمرأة على وجه خاص كجزءٍ من الحل، وإبراز القدوات النسائیة الحقیقیة سواءً قدیمًا أو حدیثًا، بدءًا بالصحابیات رضي ﷲ عنھن ومن سبَقْنَھُن كمریم بنت عمران وآسیا بنت مزاحم، وصولًا إلى المعاصرات اللواتي وفّقھن ﷲ لطریق الحق، بتوضیح أدوارھن وقصصھن وأخبارھن، وتعریف الأجیال وملء الواقع بھن ولو في إطار الأسرة الصغیرة، لأن التغییر الحقیقي والعودة للمنبع الأصیل لا یحدث فجأة، لكنه ینشأ تدریجیًا عبر أیام متتابعة وأجیال واعیة ونساء ورجالٍ یتخذون موردھم من أصالة دینھم وسماحته.
المصادر
- إكرام بنت كمال بن معوض المصري، عولمة المرأة المسلمة “الآلیات وطرق المواجھة”، مركز باحثات للدراسات المرأة، الریاض، 2010م/1431ھـ، الطبعة الأولى.
- د. سامي عامري، العالمانیة طاعون العصر، مركز تكوین للدراسات والأبحاث، 2017م/1438ھـ،الطبعة الأولى.
- أحمد دعدوش، مستقبل الخوف، مؤسسة السبیل، اسطنبول، 2021م/1442ھـ، الطبعة الأولى.
- مثنى أمین الكردستاني، حركات تحریر المرأة من المساواة إلى الجندر، دار القلم للنشر والتوزیع،القاھرة، 2004م/1425ھـ، الطبعة الأولى.
- محمد أحمد إسماعیل المقدم، عودة الحجاب، دار طیبة للنشر والتوزیع، الریاض، 2006م/1427ھـ،الطبعة العاشرة.
- (بيان آلاء صلاح في الأمم المتحدة) https://www.unwomen.org/en/news/stories/2019/10/speech–alaa-salah-at-the-open-debate-on-wps
- (حديث ملالا يوسفزي عن النسوية) https://www.theguardian.com/world/2015/nov/05/malala-yousafzai-tells-emma-watson-im-a-feminist-thanks-to-you
اترك رداً
Want to join the discussion?Feel free to contribute!