بين الشرق والغرب: الحجاب.. هويّةٌ أم غطاء اعتيادي؟

بمناسبة كاليوم العالمي للحجاب، تجد عند تصفحك أيها القارئ الكريم لصفحات الانستغرام والفيسبوك عشرات المنشورات يتذيلها وسم: #الحجاب، أو #حجابي-هويتي وما شابه. لكننا قليلًا أو نادرًا ما نصادف منشورًا لوضعية “البؤس الاجتماعي” التي أصبحت تعانيه المحجبة، أو على الأقل أصبحنا أكثر وعيًا ودرايةً بهذا الأمر الآن سواء ببلاد العرب أو ما وراء البحار!

 مجموعة من الأسئلة المهمة سنحاول أن نسلط عليها الضوء في هذا المقال من قبيل:

ما الأشكال التي يتخذها “البؤس الاجتماعي” السالف الذكر ضد المحجبات سواء في البلدان العربية أو الغربية؟

كيف بإمكانك كمحجبة أن تحاربي تغلغل هذا البؤس إلى داخلك، حتى تتمكني من محاربته وسط المجتمع؟

ما (وضعية المرأة المحجبة في بلاد ….؟) حيث من الممكن أن يذهب عقلك دون أن تشعر ليملأ الفراغ باسم دولة غربية أي كانت! لكن العجيب، أن نتحدث عن موضوع كهذا في بلد من البلدان العربية الإسلامية التي تعترف بسيادة الإسلام على باقي الأديان بين مواطنيها.

من عجائب الزمان

العجيب أن تسمع عن العنصرية تجاه مسلمة محجبة في بلدها وبين إخوانها! يتجلّى ذلك بداية في أوساط العمل التي تعتبر غالبيتها أن قيمة المرأة في “قشرتها الخارجية”، حيث تُستبعد كل مقومات المرأة الفكرية والثقافية والعلمية -والتي يجب أن تكون محور العمل في الأصل- ويتم تركيز الاهتمام على غطاء الرأس الذي تضعه المرأة ساترًا لها، ومن المؤكد أنه لا يهمهم في ذلك أكان حجابًا عن قناعة أو التزام.. كل ما يهمهم أن يبقى هذا الفرض الديني والشعيرة التعبّديّة خارج نطاق العمل، بدون تقديم أسباب أو مبررات لهذا الشرط الإلزامي.

إن تقدير “القشرة الخارجية” الذي ذكرت سابقا، وامتهان المرأة أو اعتبارها كسلعة في أوساط العمل خاصة في الشركات، يظهر منذ الإعلان عن الوظيفة المطلوبة فيما يسمونه بـ (موظفة حسنة المظهر). وهذه الجملة، التي أصبحت عنوان كل لافتة يعرض فيها إعلان لوظيفة شاغرة، يندرج تحت بنودها في كثير من الأحيان -عند بعض الجهات- شرط خلع الحجاب وإدراج القميص المفتوح كلباس رسمي..

وهذه الشروط -بالنسبة للمحجبة خاصة- انتهاكٌ لحقوقها وانعدام في احترام فريضة الله على النساء، وكذا عدم احترام لشخصها كإنسانة حرة بحجابها! ثم إنه انتهاك للأنثى بصفة عامة حيث تقدم لها صورة عن العمل تحت عنوان: “لا يهمنا عقلك ولا دينك ولا أخلاقك، وإنما شكلك وهيئتك الخارجية”، وكأنها بذلك تبيع نفسها وجسدها لا أنّها تستثمر في عقلها و قدراتها!

من جهة أخرى، نسمع بين الفينة والأخرى عن أسماء لأشخاص يبرزون في مجالات معيّنة في حقوق الإنسان، كالدفاع عن حقوق السود في أمريكا؛ فهذه الطائفة التي تعرضت للإقصاء والتهميش وأشكال العنصرية، فالشخص الأسود في درجةٍ سفلى مقارنة بالأبيض، كما أن الأخير -في أزمان ليست بعيدة- كان يحق له أن يأخذ مكان الأول في المواصلات، وأنهما لا يجتمعان في مطعم واحد.

في يومنا هذا، ما زالت سمات العنصرية قائمة، ولكن بشكل “مزخرف”، “حديث”، أو صفه بما تشاء. اليوم، وفي عصر الديمقراطية وحقوق الإنسان، ما زالت بعض المطاعم والصالات تمنع ولوج المحجبات إلى خدماتها! ومن ذلك نموذجا لشابة مغربية محجبة تعرضت لحادثة مما ذكرت، حيث رفض موظف استقبال في إحدى المطاعم المرموقة دخولها المطعم لأنها ترتدي الحجاب! السؤال الذي قد يقع في ذهن القارئ عند هذه النقطة: ماذا لو لم تكن هذه السيدة مشهورة إعلاميا؟ ماذا لو لم يكن لها متابعون كثر على مواقع التواصل الاجتماعي يدعمون صوتها ويؤيدونها في مجابهة الظلم الذي تعرضت له؟ كم من محجبة تعرضت لنفس الموقف ولم تجد سندًا أو داعمًا لها؟ وهذا ببلاد العرب فقط، فماذا عن نظرة الغرب للحجاب؟

ديمقراطية أم ازدواجية في المعايير؟

قد يكون من البديهي اليوم أن نسمع عن حالات التنمر بسبب لون البشرة أو شكل الوجه أو أي شيء آخر، لكن أن تقع نساءٌ ضحية للتنمر والسخرية والاستهزاء بسبب الحجاب الذي يضعنه على رؤوسهن، في بلدان الديمقراطية وحقوق الإنسان، فهذا مما يثير الغثيان!

لقد أصبح من الطبيعي اليوم في كثيرٍ من تلك البلاد أن تسمع المحجبة قول الناس: “انظروا إليها، إنها تضع غطاء على رأسها”، “إنها لا تمتلك أذنين مثل باقي النساء”، “لقد جاءت الإرهابية”…إلخ، وغيرها من الأقوال المستفزة التي قد تحسبها هراء وافتراء للوهلة الأولى، لكن شهادات لأخوات عايشن وعشن ظروفا كالتي ذكرت تؤكد ما تقدمت بقوله.

في إحدى المقالات التي سبق لي قراءتها بعنوان “المحجبات في ألمانيا ليس لهن آذان”، يكشف الغطاء عمّا تخبئه وسائل الإعلام الغربية من اضطهاد للمسلمات المحجبات على يد الألمان -كمثال فقط-، وتقول الكاتبة في وصف جهل الغرب بحياة المرأة المسلمة: “تفاصيل صغيرة عن امرأة عادية لم تكن لتثير اهتمام أي أحد، لكنها تبدو مثل أخبار الصفحة الأولى عندما تصدر عن امرأة مسلمة”! كما تكشف عن المغالطات والأفكار النمطية التي تعشش في رؤوس الأوروبيين تجاه المحجبات ككون المرأة المسلمة غير جميلة ولا تستعمل مواد التجميل، أو أنها إنسانة “جاهلة” ومضطهدة من قبل الذكور في محيطها.

كما سبق وذكرنا حالات العنصرية في البلدان العربية تجاه المحجبة، فإنها لا تخفى ولا تقل ضررا في بلاد الغرب. وأولها في مراكز العمل، إذ تقابَل الفتاة/المرأة المحجبة في أغلب الحالات -إن لم تكن جميعها- بالتخيير بين حجابها والوظيفة التي قدمت عليها.

ونعود مرة أخرى للمقال آنف الذكر، حيث يعبّر عن حياة كاتبته من واقع تجربتها في ألمانيا، فتقول في ذلك: “يتم رفض الطبيبات والممرضات المحجبات في نفس المشفى الذي يتم فيه قبول عاملات تنظيف محجبات! كل المهن مقدرة ومحترمة طبعا، لكن هذا السلوك العنصري ينبع من فكرة أن الأوروبيين لا يتحملون وجود المحجبات في مهن مرموقة مجتمعيا. ويقبلون تماما بوجودهن في مهن يعتبرونها دونية، لأنها بنظرهم تتناسب مع مكانة المحجبة الدونية”.

 هذه الشهادة ما هي إلا نزر يسير مما يقع، وأغلبه لم يصل إلى أسماعنا وعقولنا إلى الآن إلا ما تم التعبير عنه وإيصاله بصورة واضحة خالية من أي مؤثرات إعلامية، وما خفي أعظم! في حالات كهذه، تنتظر المرأة أن تتلقى الدعم من امرأة مثلها، دعمًا معنويا نفسيا في مقدمته، فإذا بها تُفاجأ بطائفة جديدة تسمي نفسها “النسوية” وتدعي الدفاع عن حقوق النساء وإيصال أصوات المضطهَدات، إلا أن هذه الأصوات ترتفع بما مفاده بأن الحجاب تهميشٌ لعقل المرأة، وتخلُّف ورجعيَّة، ومفتاح الحداثة خلع الحجاب! فلا تجد المحجبات من صوت لإيصال معاناتهنّ سوى أصواتهن أنفسهن.

نصائح على طريق الحلّ

كان من بين العبارات الراسخة في ذهني، تلك التي قالتها ناشطة حقوقية في مظاهرة بألمانيا ضد قرار منع الحجاب بأماكن العمل: “المساواة مع الرجال! نريد أولا أن نحصل على المساواة مع النساء غير المحجبات في أماكن العمل” هنا دائما ما أطرح سؤالا: هل المرأة المحجبة ليست امرأة في نظرهم؟!

استفهام قد يوحي بالسخرية، لكنه مثير للنقاش بحق.

وأخيرًا، كما هو معلوم لدى الجميع، فإن وصف الواقع وصفا مأساويا والحقد على من ساهموا في جعله بهذا الشكل لن يحرّك حجرًا في طريق الإصلاح، ولن يساهم في نقله من المأساوية إلى الوردية أو إلى الأفضل. ولكن ما يهمنا- والمحجبات خصوصًا- هو أن تعملي على نفسك بداية، فبتغييرها تتغير نظرتك لمحيطك. كيف؟

أولًا: اعلمي عزيزتي أن أول من يحتاج أن يصدق ويؤمن بدورك وقيمتك هو أنت؛ فاعترافك وإيمانك بمبادئك وثباتك عليها رسالة إلى من حولك بمدى قوتك الداخلية، وليس الحجاب سوى مثال عن هذه المبادئ.

ثانيًا: لا تكوني عدوة نفسك؛ عندما تقتنعين بدور الضحية وبتجبّر آراء الآخرين عليك، وأن كل من هبَّ ودب بإمكانه التطاول عليك، فأنت قد كسرت أقوى ما فيك واستسلمت لطاغوت البشر الذي هو زائل لا محال.

أخيرًا: أنت لست شكلًا فقط؛ أنت ذات مستقلة عما حولك، وما تلبسينه هو جزء منك ويمثّل هويتك، وخضوعك لأوامر الخالق. تعاملي مع ذاتك على هذا النحو، ولا تحصريها في آراء الآخرين التي ما تنفك تتغير، خاصة حينما ترى ردة فعلك. كل ما في الأمر أن القضية مسألة أفكار؛ فإن اقتنعت بأن الحجاب عائق أمام نجاحك، فستجدينه كذلك، وإن وضعت لنجاحك معاييره الصحيحة، بعيدًا عن مادية المجتمع، فتضعين رضا الله عز وجل في مرتبة الأَولى والأُولى، فستغرسين الرضا بداخلك قبل أن تريه في عيون المحيطين بك.

 جدّدي العهد مع ربك وفي كل لحظة مع نفسك، بأن الحجاب ليس مجرد مظهر نتزين به، هو إيمان وهوية وقوة، وكفى!