1

الحبة الحمراء.. حقوق الرجال بعيونٍ غربية

عنوانٌ مضلّل يوهمنا أن الرجال المتربعين على عروش السيطرة والقوة لم يصلوا بعد إلى كل ما أُتوا من حقوق، ويصرف أنظارنا عن المرأة التي هي الحلقة الأضعف في هذا العالم والمناضلة الأكبر في عالم ذكوري والضحية التي لا نملّ من سماع أسطوانة حقوقها المسلوبة ومساواتها بالرجل التي ما زالت مطلوبة.

لكن هل الأمر حقّاً كذلك؟

هذا السؤال هو ما دفع كاسي جاي Cassie Jaye صانعة الأفلام الوثائقية والنسوية إلى الذهاب لشمال أمريكا ومقابلة قادة وأتباع الحركات المطالبة بحقوق الرجل، لتنتج بعد رحلة عام و١٠٠ ساعة من التصوير ومقابلة ما يزيد عن ٤٠ شخص، الوثائقي الشهير الحبّة الحمراء The red pill

كايسي جاي

الحبّة الحمراء، قصة الشعار
الحبة الحمراء هو شعار الرجال في محاولاتهم لفت الأنظار لمشاكلهم ومعاناتهم حسب قول بول إيلام Paul Elam مؤسس منظّمة صوت الرجال، وفكرة الشعار مستوحاة من فيلم الماتريكس الشهير ١٩٩٩ حين يُعرض على البطل نيو حبتان إحداهما حمراء والأخرى زرقاء، ويُطلب منه أن يختار بينهما، فالحمراء تخرِجه خارج المنظومة المتحكّمة، وتريه الأمور من بعد آخر وزوايا ثانية، أما الزرقاء فتُبقيه في سُبات ليُكمل الحياة بنفس الوتيرة والأفكار المسبقة التي نشأ عليها!

تكميم الأفواه في بلاد الحريّات
يوضّح بعض المنتسبين للحركة أن نظرة المجتمع لهم سطحية وكأنهم فقط ردة الفعل العنيفة على وجود فكر نسوي، ويتم شتمهم بأوصافٍ عدة: مثل (كارهي النساء، والرجعيين، والفاشلين، والنوّاحين، والبشعين، وغير المرغوبين والكسالى، والعنصريّين والنازيّين..إلخ) ويتم إسكات مطالبهم حتى من قبل أن يتكلّموا، كما حدث مع وارن فيرل Warren Farrell مؤلف كتاب (خرافة قوة الرجل) في عام ٢٠١٢ عندما كان سيلقي محاضرةً في جامعة تورونتو في كندا ممثلاً فيها الرجال، الأمر الذي دفع النسويين والنسويات إلى التجمهر أمام أبواب القاعة، متنمّرين بذلك على رجال الأمن وكل من تسوّل له نفسه حضور الندوة، ما أنتج عن اعتداءات لفظية وجسدية من طرف النسوية.

وارن فيرل مؤلف كتاب خرافة قوة الرجل

الأمر ذاته واجه البروفيسورة جانيس فايمينغو في جامعة أوتاوا عندما كانت على وشك إلقاء محاضرة تشكك فيها بادّعاءات النسوية، فلم يقصّر حينها النسويّون من شبابٍ وشابّات في التشويش والقرع على الطناجر داخل المحاضرة والتجمّع خارجها محدثين المزيد من الضجيج، إلى أن انتهى بهم الأمر إلى تشغيل جرس إنذار الحريق، وإلغاء المحاضرة.

وفي مؤتمر آخر عُقد في ميتشيغان عن مشاكل الرجال، سارعت قبله حركات النسويات بما فيهم مجلة ميس Ms magazine بالدعوة للتجمهر والمطالبة بإلغاء المؤتمر.

وهنا يسعنا أن نتساءل إن كانت مقاليد القوة بيد الرجال فعلاً، فمن الذي لا يسمح لأصواتهم بالوصول، ولا لمشاكلهم بالظهور على العلن واجتياح الإعلام الذي يعزف نغمة مظلومية النساء ليل نهار!

أسباب القمع، ما الذي ترفض النسويات سماعه؟
يرى بول إيلام أنّ مشاكل الرجال بتنوعها وخصوصيتها وحتى تعقيدها أشبَهُ بنُدَف الثلج التي تتفرد كل قطعة بشكلها، والأمر أصعب على الفهم من تلخيصه بعدة جمل أو شعارات، ويسرد ههنا أرقامًا صادمة، فالرجال يشكّلون ٩٣% من حالات الوفاة أثناء العمل، ونسبة حالات الانتحار فيهم تصل إلى ٤ من ٥، أما نسبة وصول الشباب لتعليم أفضل فإنها تنخفض منذ عدة سنوات بشكل كبير وقد وصل روّاد الجامعة الذكور إلى نسبة ٣٨%، إضافة إلى لبطالة والعنف المنزلي والتشرّد.

ويوضح الوثائقي نسبة ضحايا الرجال إلى النساء في الحروب الخمسة التي خاضتها الولايات المتحدة الأمريكية على النحو الآتي:

  • الحرب الكورية: ٣٦٥٧٢ من الرجال لـ امرأتان بنسبة ٩٩.٩% من الرجال
  • حرب الفيتنام: ٥٨٢١٧ من الرجال لـ ٨ نساء لتكون النسبة أيضاً ٩٩.٩% من الرجال
  • حرب الخليج: ٢٨٠ رجل لـ ١٣ امرأة بنسبة ٩٥% من الرجال
  • حرب أفغانستان: ٩٨% من الجنود الرجال
  • حرب العراق: ٤٣٠٢ رجل لـ ١١٠ امرأة بنسبة ٩٨% من الرجال

ويوضح وارن فيرل بأن اختيار الأدوار ليس خياراً، وكل جنس كان يقوم بدوره الوظيفي، فالنساء تلدن وترضعن وتنشِئن الأجيال، في الوقت الذي يخرج الرجال لكسب الرزق والصيد والتعرض للأخطار سواء في الغابات أو حتى في ساحات وول ستريت، وهذا ما حتّمه الواقع على الجميع.

ويضيف فريد هايوورد Fred Hayward مؤسس جمعية حقوق الرجال، بأن ما نراه الآن اكتساحاً للرجال في الأعمال والشركات وحتى الحكومات سببه أنّ هذا ما كانت عليه الحال منذ بضعة قرون وهذا ما وجد رجال اليوم أنفسهم مجبرون على تتمّته!

ويشير أحد أعضاء منظمة حقوق الرجال في الوثائقي إلى أن المظهر البطريركي السائد (سيادة الرجال) يفرض على الرجل أولاً الكثير من الأعمال الشاقة والخطيرة التي قد تكلفه حياته في بعض الأحيان كما في الحروب.

ومن “امتيازات” هذه البطريركية أن الرجال يشكلون ٩٩% من ضحايا النزاعات، و٩٣% من ضحايا العمل، و ٧٦% من ضحايا القتل، و٧٥% من ضحايا الانتحار، وإن كانت المساواة هي ما يقض مضجع النسويّات، فهل وجدن صيغة مناسبة لقياسها؟

يزيد راتب الرجل بنسبة ٣٠% عن راتب المرأة، وتسجل النساء ٥ سنوات وسطيًّا أكثر في الأعمار من الرجال، وتمضي النساء عقوبة في السجن أقل بـ ٦ مرات من الرجل على نفس التهمة، وفي الوقت الذي تُرفَض فيه امرأةٌ في مقابلة عمل ما، يخسَر أبٌ حضانة ابنه للأبد، فكيف يمكن لنا أن نقيس المساواة؟

مظلومات أم ظالمات
تقول كاثرين سبيلر المديرة التنفيذية لمؤسسة الغالبية النسوية: “حقوق الرجال ليست مهضومة، والقانون يحفظها له.”

وهنا ندخل في ملف الأبوة حيث خسارة حضانة الأطفال هي التحدي الأكبر الذي يواجهه الآباء، وتسجل المحاكم الأمريكية نسبة ٨١.٦% من حالات الحضانة لصالح الأمهات مقابل فقط ١٨.٣% لصالح الآباء، وحتى الحضانة المشتركة تتحول بالنسبة للآباء إلى حق يتوجب عليهم دخول معارك طويلة لتحصيله في الوقت الذي تكون فيه حقاً محفوظاً للأم. ويؤكد وارن فيرل أن هذا الملف هو أكثر ما يثير حفيظة الرجال ويدفعهم للمطالبة بشيء من العدالة.

ولابدّ من الاشارة إلى أنّ تقبّل الأدوار على أساس الجنس هو ما تطالب به النسوية، ومع ذلك يُتَقَبَّل انتصار الأم في محاكم الوصاية على الأطفال دون أي إثارة لملف التمييز الجنسي أو اعتبار ذلك إهانة لمبادئ النسوية!

ويروي الوثائقي قصصًا مؤلمة عن آباء خسروا حضانة أبنائهم لصالح الأم، فقط ليعرفوا بعدها أن الطفل تم إرساله للتبنّي في حياة والده! وآخرين خسروا حضانة أبنائهم ودخلوا معارك لسنوات طويلة فقط لتحصيل زيارة يوم واحد، ويعمد البعض الآخر إلى إنهاء حياته إثر قرارات المحكمة بمنعه رؤية أطفاله.

وقامت كايسي صانعة هذا الوثائقي برسم بياني توضح فيه الاحتمالات المتاحة أمام الأب والأم في حالة الحمل غير المخطط له، مشيرة باللون الأخضر بجانب الاحتمال الإيجابي والمرغوب، والأحمر عند الاحتمال غير المرغوب، وتزيد بأن ما يلفت النظر هو وقوع الأب تحت رحمة قرارات الأم، وهذا ما يأخذنا إلى ملف الخداع بالحمل للحصول على النفقة!

المخطط الذي رسمته كايسي للاحتمالات المتاحة أمام الأبوين في حالة الحمل الغير مخطط له

المخطط الذي رسمته كايسي للاحتمالات المتاحة أمام الأبوين في حالة الحمل الغير مخطط له المصدر: https://bit.ly/3sA6Bmu

تقول كاثرين سبيلر إن على الرجل المقدم على علاقة جنسية دون رغبة منه بإنجاب أطفال أن يتخذ كل الاحتياطات الواجبة وأهمها مشاركة الشريكة برفضه فكرة الأطفال، لأنه هنا ما زال ممسكاً بزمام الأمور -تقصد القيام بالعملية الجنسية أو الامتناع عنها- ولكن ما إن يحصل الحمل وبالرغم من الاحتياطات فالقرار لم يعد ملكاً للرجل، والآن الكلمة الأخيرة للمرأة لأن جسدها هو ملكها.

وهذا ما يمتعض منه الكثير من أعضاء الحركة، كيل الجسد بمكيالين، فجسد المرأة هو حقها وحدها، أما جسد الرجل ونسله فلا يتطرق أحد لمن تعود أحقيته؟!

وهذا ما يسمّونه احتيال الأبوة paternity fraudK، ويلخصون نتائجه بأنه:

  • حين تقرر المرأة أن تحمل وأن يشاركها الاب مسؤولية قرارها رغماً عنه (حتى إن رحل عنها، فالنفقة تلحق به قانونياً)
  • أو أن تمارس المرأة الجنس مع شخص عابر، ثم تقوم بنسبة الطفل لشخص آخر.
  • أو المرأة المتزوجة التي مارست خلال زواجها الجنس مع رجل آخر وأنجبت طفلاً ونسبته للزوج

وهذا ما تستخدم فيه النساء ورقة “جسدي ملكي” للضغط على الأب وإجباره على دفع نفقة طفل قد يكون لهم أو قد لا يكون، بإرادتهم أو لا.

أين الإعلام من هذا؟
ينتقي الإعلام من الأخبار المحلية والعالمية ما من شأنه أن يسلّط الضوء على مظالم المرأة والفتيات، متغافلين عن آلاف القصص التي يُقتل فيها الأولاد أو الرجال، ومكتفين بذكر أعداد يتبعها كلمة “شخص”، فعلى سبيل المثال فإن معدلات الإصابة بسرطان الثدي تقارب كثيراً معدلات إصابة الرجل بسرطان البروستات، ورغم ذلك لا نرى في الأخير نفس الزخم الإعلامي الذي يحظى به سرطان الثدي في جميع أنحاء العالم.

ومن بين كل ثلاث نساء واحدة معرضة للعنف المنزلي، ومن بين كل ٤ رجال واحد معرض للعنف المنزلي، ومع ذلك تنتشر في أنحاء الولايات المتحدة أكثر من ٢٠٠٠ بيت لإيواء ضحيّات العنف المنزلي، بينما يوجد بيت واحد فقط للرجال، أو أن مصيره سيكون الشارع غالبًا!

ويذكر الوثائقي قصة الفتيات اللاتي اختطفن في ٢٠١٤ في نيجيريا على يد بوكو حرام، وكيف ضجت الدنيا بالأمر ورفع شعار “أعيدوا الفتيات” والتي رفعته ميشيل أوباما وغيرها من المشاهير والسياسيين، متجاهلين تماماً أنه فقط قبل بضعة أيام من هذا الحدث المؤسف تم قتل واختطاف عشرات الصبيان.

أين نحن مما يحدث؟
قد يتساءل القارئ بعد أن سافر معنا في هذه الرحلة المزعِجة إلى الطرف الآخر من العالم، ورأى ما آلت إليه الأمور، ما شأننا نحن؟ نحن مجتمعات إسلامية شرقية نختلف بعاداتنا وأُسسنا التي بُنينا عليها عن تلك التي في الغرب؟ ولماذا علينا أن نهتم بحبةٍ حمراء أو زرقاء أو ما يعانيه الرجل في مجتمعات أقل ما يمكن القول عنها: إنها انحلت أخلاقيّاً منذ زمن بعيد؟

الحبة الحمراء والحبة الزرقاء

نعم نحن مسلمون وشرقيّون؛ ولكن أُسُسنا تزداد هشاشة يوماً بعد يوم، سواء بازدياد ابتعاد ولاة الأمر عن دين الله الحق الذي كان لنا المنارة والضياء في الحياة، أو مع تخلفنا وجهلنا وانسحاقنا كشعوب غدت سوقاً استهلاكياً لكل ما يهلّ علينا من مشارق الأرض ومغاربها من السلع أو حتى الأفكار والأيديولوجيات، فما كان بالأمس عندنا موضوعاً لا يكاد يُطرح بين اثنين صار اليوم “ترنداً” له روّاده ومنظروه.

وربما لا أجد أبسط من جواب “درهم وقاية خير من قنطار علاج” على السؤال أعلاه، فكل ما عايناه في هذا المقال من حقوق مسلوبة للرجال ما كان إلا بسبب استناده لحلولٍ بشرية مرجعيتها الهوى والارتكاز على عقل الإنسان، حاولت أن تحل معاناة النساء في الماضي دون أي ضوابط، ورأت في التحرر المطلق الطريق الأمثل، مما جعل الحاضر الآن في أزمة جديدة يواجهها الجنسان معاً!

تعاني المرأة في مجتمعنا من صعوبات كبيرة جرّاء الظلم الذي يطالها ويطال أبناءها وزوجها وأبوها وإخوتها بسبب ظلم السلطات من فوقهم، وهكذا إلى مالا نهاية حيث لا تتسع المقالات لسرد ما تعانيه بلادنا.

إن تحزّب جنسٍ ضد الآخر والانقسام فيما بيننا بين نسوية وذكوريّة لم ولن يأتي بنتيجة، فالأولى هو العمل سويةً على تحديد الحرب الحقيقة، وتضافر جهودنا لتصحيح الانحراف الذي ما ينفكّ يُزيغنا ويميل بأبنائنا وبناتنا عن سبيل الحق، باتباعهم الهوى الذي يضع الأنا في المقدمة، ويستميت في إرضائها متناسياً كلمة الحق سبحانه: {وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] 

أما تغيّر مركزية العبادة فلا نتيجة له إلا المظالم والظلمات المركبة بعضها فوق بعض لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ۗ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَاب * أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ۚ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ۗ وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور:39- 40]

ختامًا فإن من كانت تؤمن بالله ورسوله وتعبد الله وحده لا شريك له فسترضى بشرعه وستأتمر بأمره وإن لم يوافق هواها، وستعرف حقّ اليقين أن وجودها في حقبة زمنية تحتوي النقيضين من النساء، مظلومات في طرف الكوكب ومستقلات مستقويات في الطرف الآخر، لن يغيّر من حقيقة أنّه لن يصحّ إلا الصحيح، وأن الشرع البشري المحتكم لحاجات الناس وأهواءهم آيلٌ إلى أن يظلم بشكلٍ أو بآخر، فلا كمال إلا من وحيه عزّ وجل ولا هناء وفوز إلا برضاه، أما مشكلات مجتمعنا فنحن أولى بحلها واحدة واحدة، دون تعميم أحكام أو استيراد فلسفاتٍ خارجية ونصائح لم تنفع أصحابها في المقام الأول.