الأنمي.. سفير اليابان إلى العالم

“الأنمي” الياباني فن مرئي له طابعه وأسلوبه الخاص الذي يميزه عن الرسوم المتحركة الأمريكية في الشكل والمضمون، وهو جزء محوري من الثقافة اليابانية.

رسم بياني لإيرادات سوق الأنمي حتى عام 2017

الرسم البياني (1): إيرادات سوق الأنمي حتى عام 2017

وسوق الأنمي الياباني في نمو مستمر؛ فقد وصل حجم مبيعاته حول العالم في عام ٢٠١٧ إلى ما يزيد عن ١٨ مليار و300 مليون دولار أمريكي وفقًا لجمعية الرسوم المتحركة اليابانية (The Association of Japanese Animations) كما هو مبين في الرسم البياني (1).

رسم بياني لإيرادات سوق الأنمي داخل اليابان وحول العالم حتى 2017

الرسم البياني (2): إيرادات سوق الأنمي داخل اليابان وحول العالم حتى 2017

ويُلاحظ تضخم هذا السوق عالميًا حتى أن إيراداته خارج اليابان في طريقها لتفوق الإيرادات داخله، كما يظهر في الرسم البياني (2)، فشبكة نيتفلكس الأمريكية مثلًا أنتجت إلى الآن أكثر من 40 أنمي خاص بها، عدا ما تدرجه من أنميات للعرض، وهذا يُظهِر مدى انتشار الأنمي الياباني وحجم تأثيره. فإن كانت لدى الولايات المتحدة أفلام هوليوود، فلدى اليابان الأنمي، فالأنمي بات “سفير اليابان” للعالم.

الأنمي المدبلج
بدأ دخول الأنمي للعالم العربي مع جيل السبعينات والثمانينيات من خلال الأنميات المدبلجة والتي كانت منتقاة، وفي كثير من الأحيان مقتبسة من الروايات، مثل “سالي” و”جزيرة الكنز” و”بيل وسيباستيان” و”صاحب الظل الطويل” وغيرها.

سبيس تون

لكن البداية الحقيقية لدخول الأنمي للعالم العربي كانت في بداية الألفية مع مركز الزهرة وقناة سبيستون، أول قناة عربية مختصة بعرض الأنمي الياباني المدبلج للأطفال. وكانت الأنميات المدبلجة -خصوصًا ما كان من دبلجة سبيستون- تراعي القيم الدينية والأخلاقية في المجتمعات العربية، حتى ولو تم تحريف قصة الأنمي كلها في سبيل ذلك، وليس حذف المشاهد غير اللائقة فحسب.

ورغم أن سبيستون والأنميات المدبلجة ساهمت في زرع مبادئ نبيلة وأسس أخلاقية وربما دينية لدى متابعيها، إلا أنها بالمقابل عززت بشكل كبير مكانة الصورة لديهم، وأدت في كثير من الأحيان إلى عزلهم عن الواقع وإغراقهم في الأوهام والخيالات وأحلام اليقظة، خصوصًا أنهم عادةً من الأطفال، مما سيصعّب عليهم مواجهة الحياة فيما بعد. وهذه ليست مجرد افتراضات عبثية، فكلمة “otaku” اليابانية والتي تطلق على محِب الأنمي والمهووس به، تحمل بالنسبة لليابانيين أفكارًا سلبية عن عدم الكفاءة الاجتماعية.

الأنمي في عصر الإنترنت
أنمي Yu-Gi-Oh! “حقبة الأنمي المدبلج” أعطت انطباعًا خاطئًا بأن الأنمي هو مجرد مادة بريئة موجَّهة للأطفال. فبالإضافة إلى سلبيات الأنمي المدبلج، فإن هذا “السفير الياباني” هو بطبيعة الحال مشبعٌ بالثقافة اليابانية ذات الروافد المتعددة، لذا لا عجب في أن يكون زاخرًا بالمعاني والأسماء والرموز والمعتقدات المستقاة من الهندوسية والبوذية والشنتو والطاوية والكونفوشيوسية وكذلك التراث الشعبي الياباني.

وهذا ما يغفل عنه الكثير من الأهالي هذه الأيام فيتركون أبناءهم ليشاهدوا ما يحلوا لهم من الأنمي على الإنترنت والذي يكون بشكله الأصلي الخالي من أي حذف أو تحريف، والذي يجذب الصغار وكذلك الشباب ممن تعلقوا بالأنمي المدبلج في صغرهم.

ومن الأنميات التي تحمل عقائد شرقية أنمي “Dragon ball” وفيلم الأنمي “Spirited Away – Sen to Chihiro no Kamikakushi”. وبعض الأنميات جمعت بين المعتقدات الشرقية والماسونية كأنمي “Yu Gi Oh” المتخم بالرموز الماسونية بدءًا من رمز الهرم الذي تتوسطه عين إلى قصته التي تقوم على تناسخ الأرواح والسحر في مصر القديمة. وهناك أيضًا أنمي “Fullmetal Alchemist: Brotherhood” الذي يتحدث عن الخيمياء وحجر الفلاسفة.

death noteوبعض الأنميات تناقش قضايا فلسفية كأنمي “Death Note” و”Psycho Pass”، وبعضها قد يناقش الأسئلة الوجودية، والتي يتم عرضها غالبًا من وجهة نظر الفلسفات الوثنية أو الإلحادية، كأنمي “Death Parade” وأنمي “Subete ga Fni Naru”.

فالأنمي -كغيره من المواد “الترفيهية” المرئية- فيه العديد من التصنيفات والأنواع، من ناحية الشكل والمضمون، لذا قد يحوي الأنمي مشاهد شديدة الدموية، أو مشاهد القبلات والتعري أو حتى علاقات الحب الشاذة، وقد يصل الأمر إلى المشاهد الإباحية الصريحة واللواط والسحاق والسفاح!

الأنمي على أحد الأبنية في اليابان“كوكب اليابان”.. حلم كل “أوتاكو”
يعد العيش في اليابان أو مجرد زيارته حلمًا للعديد من الـ”أوتاكو” نظرًا لتغلغل الأنمي في الحياة اليابانية، فقد ترى صور الأنمي على وسائل المواصلات أو الطرقات او الأبنية.

لذا فإن مهووسي الأنمي يصبحون مهووسين بكل ما هو ياباني، فترى منهم من يتقن اللغة اليابانية -رغم صعوبتها- أو يقرأ الأدب الياباني، عدا من يقرأ الكتب المصورة اليابانية (المانجا) والتي تكون عادة أصل قصص الأنمي، وقد يصل عدد فصول الواحد منها إلى المئات. وهؤلاء جميعًا تراهم يتذمرون من إعراب جملة في العربية أو قراءة كتابٍ عربي لا يتجاوز المئة صفحة!

شعار برنامج خواطر الموسم الخامسوأحاطت بـ”كوكب اليابان” هالة إعلامية صوّرته على أنه جنة الله على الأرض، خاصة في العالم العربي من خلال برامج كبرنامج خواطر الذي ذاع صيته منذ موسمه الخامس حين عرض مقارنات بين “كوكبنا” و”كوكب اليابان”. وعملت هذه الهالة على زيادة تقبّل الشباب للثقافة اليابانية والانفتاح عليها، وبالتالي رواج الأنمي والتعلق به أكثر.

وبالنتيجة، فإن الأنمي يؤدي لتعلق الشباب بالثقافة اليابانية، والثقافة اليابانية تزيد تقبل الشباب للأنمي. وهنا تجدر الإشارة إلى أن “اليابان ليس كوكبا كما يتخيله العرب”:

[youtube https://www.youtube.com/watch?v=x8dMP81DWLM]

شعار الين واليانغالأنمي وحركة العصر الجديد
في ظل الخواء الروحي في الغرب؛ ظهرت حركة العصر الجديد -والتي تعد امتدادا حديثا للمذاهب الباطنية- لتقدِّم المعتقدات الشرقية على شكل “برامج تدريبية” و”رياضات روحية” خالية من أي إلزامات لممارسيها. ومن هذه الرياضات والبرامج: “الريكي” و”الفونغ شوي” و”التأمل الارتقائي” و”المايكروبيوتيك”، ولا ننسى أشهر “رياضة” روجت لها حركة العصر الجديد ألا وهي “اليوغا”.

ويُروَّج لهذه “البرامج” و”الرياضات” و”الدورات” على أنها حلول سريعة مضمونة لمشكلات العصر للوصول للصحة والسعادة، بقالبٍ بعيد عن الدين. مع تبني خطاب يدّعي الحث على الوئام السلام بين الأديان، والذي يزداد رواجًا مع السيولة التي نشهدها في حقبة ما بعد الحداثة. والحقيقة أن هذا الخطاب هو مجرد دعوة لنبذ أصول الدين التي لا يكتمل أي دين إلا بها والتي لا يصح جمعها مع أصول الأديان الأخرى، ليختلط الحق مع الباطل ويصبح الوحي السليم مكافئًا للدين الأسطوري المحرف.

وبدورنا أخذنا نحن هذه “البرامج” و”الرياضات” من الغرب بفعل التبعية الثقافية وسلطة الثقافة الغالبة، بل تم إضفاء الطابع الإسلامي عليها! لذا بات مألوفًا بين شباب وبنات المسلمين سماع كلمات كـ”الطاقة الكونية” و”طرد الطاقة السلبية” و”هالة الطاقة” و”الشاكرات”. (ويمنكم التوسع في هذا من خلال مقال حركة العصر الجديد ومقال اليوغا من موسوعة السبيل وكذلك سلسلة فيديوهات مراجعة كتاب السر من قناة السبيل على يوتيوب)
[youtube https://www.youtube.com/watch?v=0bsR0ERrVl8]

أنمي ناروتو

وحيث أن برامج حركة العصر الجديد تقوم على المعتقدات الشرقية والتي يعمل الأنمي على ترويجها بطبيعة الحال من خلال ترويجه للثقافة اليابانية؛ فإن الأنمي بذلك يروج بشكل أو بآخر لحركة العصر الجديد وأصلها الغنوصي الباطني. فلنأخذ مثلًا أنمي ناروتو، الذي يعد من أشهر الأنميات وأكثرها ارتباطًا بالعقائد البوذية والهندوسية؛ ففي هذا الأنمي يكثر الحديث عن “الشاكرا” وتوزيعها بالجسم، بالتالي فالمتابع له -خصوصًا إن كان صغير السن- لن يتقبل فحسب دورات حركة العصر الجديد المتعلقة بالتشاكرا، بل سيحبها وينجذب إليها.

وهنا ينتقل الأنمي خطوة جديدة في مساهمته في التطبيع مع المعتقدات الشرقية الوثنية، حين يساهم في تحويل هذه المعتقدات من مجرد معتقدات يابانية مرسومة على الشاشة ضمن “سياق القصة” وبشكل رمزي في كثير من الأحيان، لتصبح ممارسات يقوم بها المسلم في دورات تُعقَد على أرض الواقع.